جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-03@13:27:57 GMT

وابتدأ المشوار.. رسالة مع التحية

تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT

وابتدأ المشوار.. رسالة مع التحية

 

 

د. سليمان بن خليفة المعمري

 

بعد أيام معدودات ينطلق قطار العلم والتعلم مؤذناً ببدء مشوار عام دراسي جديد، إذ سيبدأ أكثر من نصف مليون طالب وطالبة عامًا دراسيًا جديدًا ملؤه الطموح والأمنيات بأن يكون عامًا مكللا بالنجاح والتفوق زادهم لذلك الجد والعزم والمثابرة للتحصيل العلمي والمعرفي، وستعود صباحات المدارس الجميلة لتملأ هامات السماء بتحية العلم وبالتحايا والدعوات لهذا البلد العزيز وسلطانه المُفدى بدوام الأمن والأمان والعز والسداد، وستصدح قاعات الدرس بنغمات العلم وسيمفونيات المعرفة فهنيئًا للأساتذة الأجلاء وللطلبة الأعزاء انطلاق عامهم الدراسي الجديد.

والحق أن العلم يحتل مكانة سامقة في ديننا الإسلامي الحنيف، إذ جاء التوجيه الإلهي الكريم لنبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من معين العلم الذي لا ينضب" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" (سورة طه: 114) ونوه جلَّ شأنه بمكانة العلم والعلماء" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (سورة المجادلة: 11)، وغيرها الكثير من المواضع والآيات الكريمة التي وردت فيها الإشادة بالعلم وأهله بين دفتي الكتاب العزيز، كما جاء الحض على التعلم في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة إذ جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة"(رواه مسلم)، وما فتئ العلماء والمصلحون والأدباء والمبدعون يعددون مآثر العلم ومحامده ويجلون حملة العلم وطلبته، ولطالما دبج الشعراء القصائد العصماء في مدح العلم وأهله، وكثيرا ما تضمنت ثقافات الشعوب وأمثالهم الدارجة الإشارة لأهمية العلم كقولهم" من جدَّ وجد ومن زرع حصد"، وقولهم "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد" و"العلم في الصغر كالنقش في الحجر" وغيرها، وحق للعلم أن يتبوأ هذه المنزلة الرفيعة وأن يحتل تلك المكانة العالية إذ إنه أس كل تحضر وتقدم، وأن كل ما نعيشه اليوم من مظاهر التطور إنما هو نتاج المسيرة العلمية للبشرية وكفاحها الطويل عبر التاريخ.

على أن تحصيل العلم وجني ثماره من أجل خلق العقول الحرة المتصفة بالفهم والمعرفة المستنيرة والتحليل العميق للأمور والقضايا الحياتية لا يتأتى إلا بالجد والاجتهاد و"المثابرة التي تفل الحديد" على رأي المثل الياباني، وأول السبل الموصلة لذلك هي القراءة، إذ إنها الأمر الرباني الأول في هذا الدين الحنيف" ٱقرَأ  بِٱسمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ" (العلق: 1)، لذا لابد من إيجاد فلسفة وخلق وعي لدى الطلبة للقراءة والنقد والتحليل لأبعاد ومضامين ما يقرأونه وما يتعلمونه، وأن تجعل المدارس شعارها "القراءة للجميع مثل الخبز للجميع"؛ فتعزز القراءة الواعية التي تتسم بالفهم العميق والإدراك الحصيف لما يقرأه الطلبة بين سطور ومواضيع الكتاب المدرسي، وأن يحتضنوا الكتاب كما يحتضنون الأجهزة الإلكترونية والألعاب، وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الأطفال الذين يقرأون مبكرا أو يقرأ لهم تكون نفسياتهم وسلوكياتهم أفضل من غيرهم، فالقراءة حصانة من القلق وهي الأداة الأنجع للتحصيل الدراسي والمعرفي، ولله در الشاعر حين قال:

أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ

وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ

وحيث إنه لا يستقيم الظل والعود أعوج، وحتى يكون جيل الغد المنتظر سليما صحيحا معافى من أية عقد أو تشوهات أو عاهات سلوكية ومعرفية فإن على المعلمين الأعزاء- وهم كذلك بإذن الله- أن يجعلوا من أنفسهم الأنموذج فيحرصوا على القراءة والتزود من المعارف لمواكبة كل جديد في الحقل التربوي والتعليمي، وأن يغرسوا في الناشئة حب الكتاب وأن يجعلوا من المكتبات ومصادر التعلم عتبات مقدسة تحظى بهالة من التكريم والتبجيل، وأن تكون طريقتهم المثلى في التعليم والتدريس المشاركة والتفاعل أخذا بالقاعدة "قل لي وسوف أنسى، أرني وربما أتذكر، أشركني وسوف أحفظ"، وأن يسلكوا في تبسيط المعلومة مقولة العالم الكبير اينشتاين" ينبغي أن نبسط كل شيء بقدر الإمكان ولكن دون أن نفرط في تبسيطه"، كما إن على المعلمين أن يكونوا القدوة التي تحتذى في التفاؤل وأن يشيعوا بين طلبتهم أجواء الأمل والثقة والإيجابية؛ فالواقع إن "الخائف لا يهب السكينة" فالمعلم المتشائم لا يمكن أن يزرع الطمأنينة لدى طلابه بل إنه في الواقع يحقنهم بـ"إبرة التشاؤم" الذي يعانيه فيصبحوا وقد ارتدوا ثوب الكسل واللامبالاة ويخرجوا للحياة والمجتمع بدمغة السلبية والاضطراب يصدق عليهم وصف "ولدوا في قماط من قلق"، وعلى المعلم أن يعتز بمهنته وأن يسلك وفق ما تقتضيه أمانة وكرامة وظيفته النبيلة التي هي وظيفة الرسل والأنبياء والمصلحين على مر التاريخ، وكم أصاب أمير الشعراء حين قال:

أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي

يَبني وَيُنشِئُ أَنفُسًا وَعُقولًا

وختامًا.. فإنَّنا نهيب بأبنائنا الطلبة أن يشحذوا الهمم ليعبوا من معين العلم ويأخذوا من مناهل المعرفة ما يعينهم على خوض غمار الحياة متسلحين بالمعرفة والمهارة اللازمتين لكل نجاح وسؤدد، وأن يجعلوا احترام المعلم وتقديره نصب أعينهم وأن يعكسوا ما تلقوه من علم وأدب وتربية في أفعالهم وسلوكياتهم، وأن ينتموا لهذا الوطن قلبا وقالبا فيعتزوا بهويتهم الوطنية ويحافظوا على موروثات مجتمعهم العماني الأصيل وتعاليم وقيم دينهم الإسلامي الحنيف، وأن يتعاملوا مع تطورات العصر وتقنياته المتسارعة بروح وثابة للخير والحق والعدل والإنسانية والفضيلة فيأخذوا ما ينفعهم وما يجعلهم وأهليهم فخورين بهم وأن يربأوا بأنفسهم عن كل ما يشينهم ويخدش سمعتهم وأخلاقهم، وأن يبدأوا عامهم الدراسي بكل شغف وطموح نحو معالي الأمور ليكونوا رجالًا يُعتد بهم ويعتمد عليهم في حاضر عُمان ومستقبلها المشرق بإذن الله تعالى، مستعينين ومتوكلين على الله العلي القدير أن يكتب لهم كل توفيق وسؤدد متذكرين على الدوام أنه:

إذا لم يكن عَوْنٌ من الله للفتى // فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُهُ  

وكل عام والجميع بخير.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا

صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة

في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.

لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.

كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.

وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.

ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.

واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.

ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.

في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.

مقالات مشابهة

  • أنا رئيسها أغنية جديدة لـ محمد رمضان
  • دعاء يوم عرفة للمريض.. إحرص عليه حتى غروب الشمس
  • القوات المسلحة تعلن استهداف مطار اللد وتوجه التحية للمجاهدين في غزة
  • رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع
  • خالد الجندي: اللي عليه دين وناوي يطلع يحج مينفعش يروح إلا في حالتين
  • محمود أبو صهيب.. القلب الذي احتضن الجميع
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
  • من أنوار الصلاة والسلام على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم
  • أورتاغوس قريباً في لبنان... وهذا ما ستُركّز عليه