نشرت صحيفة فايننشال تايمز تحقيقا مطولا عن مدى قدرة حكام سوريا الجدد في الحفاظ على السلام الذي وصفته بالهش في ظل التحديات السياسية الكبيرة التي تواجهها البلاد، وخاصة ما يتعلق بالتعامل مع الجماعات المسلحة والأقليات.

وجاء في التحقيق -الذي أعده أندرو إنغلاند محرر شؤون الشرق الأوسط وراية حلبي مراسلة الصحيفة في مدينة حمص السورية- أن عشرات الفصائل التي كانت تقاتل قوات الرئيس المخلوع بشار الأسد، تمسك الآن بمفاتيح الاستقرار والأمن في مستقبل البلاد.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مظاهرات في مدن سورية تنديدا بتصريحات نتنياهوlist 2 of 2هل تنجح مساعي تركيا لتشكيل تحالف رباعي إقليمي يشمل سوريا؟end of list

ويتعين على هذه الفصائل التعامل مع التهديدات المحتملة من قوات النظام السابق وخلايا تنظيم الدولة الإسلامية، لكن الصحيفة تقول إن استعداد المجموعات المسلحة لحل نفسها والاندماج في قوات وطنية تحت قيادة مركزية سيحددان أيضا الكيفية التي يستطيع بها القادة الجدد في سوريا بسلاسة بناء ركيزة حيوية للدولة الجديدة تستند إلى مؤسسة أمنية احترافية ومتماسكة.

الاقتصاد والأمن

وفي هذا الصدد تعتقد دارين خليفة، كبيرة المستشارين في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، أن الاقتصاد والأمن هما المسألتان الجوهريتان للبلاد، إذ لن يتسنى للقادة الجدد المضي قدما في وجود هذه الفسيفساء من قوات الأمن التي تتحرك في كل مكان "وعليهم إعادة السلطة والسيادة إلى وضعهما الطبيعي".

إعلان

وتضيف أن على هؤلاء القادة كبح جماح الفصائل وإظهار قدرتهم على السيطرة خارج المدن المركزية ودمشق، وإلا سيكون هناك الكثير من بؤر التوتر التي يمكن استغلالها.

وتوضح أن هذه المهمة تقع على هيئة تحرير الشام "أقوى الجماعات المسلحة (…) التي لا ينازعها أي من فصائل المعارضة".

غير أن الصحيفة تستطرد قائلة إن المدى الذي تسيطر عليه الهيئة خارج دمشق ومعقلها في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، متذبذب بين مد وجزر.

وتنقل عن المحلل السوري مالك العبدة أن التحدي الأكبر الذي تواجهه هيئة تحرير الشام لا يتمثل في عدم قبول الفصائل الأخرى لرئاسة أحمد الشرع، أو عدم الامتثال لأوامر دمشق، بل يكمن في قدرتها على التوسط بين الجماعات المسلحة المتنافسة لإقناعها بتلقي التعليمات من أشخاص كانوا حتى وقت قريب يعدونهم خصوما.

معضلة "قسد"

على أن الفصيل الأكبر والأكثر تعقيدا الذي يتعين على هيئة تحرير الشام التعامل معه -بحسب فايننشال تايمز- هو قوات سوريا الديمقراطية، التي يهيمن عليها الأكراد وتستحوذ على رقعة واسعة في شمال شرق سوريا. ويضم هذا الفصيل عشرات الآلاف من المقاتلين الذين دربتهم الولايات المتحدة وسلحتهم.

وفي الشمال أيضا هناك الجيش الوطني السوري، وهو عبارة عن مجموعة متنوعة من الجماعات المتمردة التي تدربها وتسلحها وتمولها تركيا.

وفي جنوب البلاد، تهيمن فصائل عديدة على محافظتي درعا والسويداء. وعن ذلك يقول العبدة إن "المفارقة هي أن الشرع ورث تقريبا نفس المعضلة التي عانى منها الأسد"، حيث كان هذا الجزء من سوريا يتمتع بدرجة من الاستقلالية الأمنية. وأردف قائلا إن لم تكن لدى النظام الجديد القوة الكافية للسيطرة على كامل البلاد، فلا أقل من أن يتبنى نموذج الأمن اللامركزي.

ومضى التحقيق الصحفي إلى الإفادة بأن "الأمة السورية المنقسمة" تحدت حتى الآن المتشككين والرافضين، وتنعم بهدوء نسبي منذ سقوط الأسد. وفي العلن، تؤكد معظم الفصائل أنها تتشارك في الهدف نفسه المتمثل في بناء الدولة السورية الجديدة، وأن الشرع هو الرجل المناسب لقيادتها خلال المرحلة الانتقالية.

إعلان حل سياسي

لكن فايننشال تايمز تحذر من استمرار القتال في شمال شرقي البلاد مع قوات سوريا الديمقراطية التي تصر أنقرة على ضرورة حلها وتتوعدها بعمل عسكري إذا لم تفعل ذلك.

ومن جانبه، صرح الشرع مرارا وتكرارا أنه يريد حلا سياسيا للأزمة، فيما قال زعيم قسد مظلوم عبدي في وقت سابق من هذا الشهر إنه منفتح على "حل يعكس إرادة جميع السوريين".

بيد أن لدى قوات سوريا الديمقراطية خلافات أيديولوجية مع النظام الجديد، وطالبت بأن تبقى كتلة واحدة إذا تم دمجها في جيش وطني.

وتفيد الصحيفة أن السوريين عازمون على عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبها حزب البعث في العراق بزعامة صدام حسين، ومعمر القذافي في ليبيا.

ويقول ناصر النهار، قائد كتيبة الجيش الوطني السوري في حمص، إنهم لن يسمحوا بتكرار تلك الأخطاء على الإطلاق، وإنهم سيعملون مع هيئة تحرير الشام "لإصلاح البلد ولن نسمح لأحد بإشاعة الفوضى".

مخاطر

وينصب تركيز السلطات في حمص بوسط البلاد بشكل أساسي على الطائفة العلوية، وهي أقلية ينحدر منها آل الأسد وكانت تهيمن على قيادة الأمن والجيش سابقا.

ووفقا للصحيفة، فإن الخوف هو أن يبدأ الجنود السابقون الساخطون في تنظيم صفوفهم ضد الإدارة المؤقتة والاصطفاف مع الموالين الآخرين للأسد، الذين فروا إلى القرى والجبال المحيطة بمعقل العلويين في طرطوس واللاذقية.

غير أن فايننشال تايمز تشير إلى أنه لا يوجد دليل يذكر على وجود تمرد، ومع ذلك، فإن أحد الأخطار هو أن يسعى داعمو الأسد السابقين إلى زعزعة استقرار سوريا من خلال مناصرة الموالين للأسد.

وتعليقا على ذلك، يقول جيروم دريفون، وهو محلل بارز في مجموعة الأزمات الدولية: "إنه ليس تهديدا استراتيجيا فوريا، لكنه شيء يلوح في الأفق ويمكن أن يتحول إلى شيء أكبر".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قمة الويب ترجمات هیئة تحریر الشام فایننشال تایمز

إقرأ أيضاً:

ما الذي تغير في فكر الجماعات الجهادية في سوريا؟

ومع نهاية 2024 بدأت الجماعات الجهادية في سوريا تخوض تجربة جديدة، فمن حركة مقاومة مسلحة إلى سلطة حاكمة مسؤولة عن دولة ومؤسسات. فكيف أعادت هذه الجماعات صياغة مفاهيمها تجاه الدولة والسلطة والمجتمع؟ وهل هذه الجماعات أمام تحول فكري عميق أم أمام مراجعات ظرفية أملتها ضرورات الحكم؟

وعن جذور الفكر الجهادي في سوريا، يوضح عضو اللجنة الرئاسية للسلم الأهلي في سوريا، حسن صوفان، أن هذا الفكر مرتبط بالاحتلال، ولكنه كان كامنا في نفوس السوريين منذ انقلاب حزب البعث، وأن مجزرة حماة كانت مفترق طرق أمام عودة الفكر الجهادي إلى الشعب السوري من أجل الدفاع عن النفس.

ويقول إن الدور الجهادي لم يكن متاحا له التجلي في سوريا بسبب القبضة الأمنية لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، ولذلك أخذ منحى الاستفادة من التجارب ومواجهة المحتل في أماكن أخرى من أجل اكتساب الخبرة لتوظيفها في المعركة الأساسية في سوريا، مشيرا إلى أن التوجهات الإسلامية كانت مجمعة على أن النظام المخلوع كان جديرا بالتصدي له.

ويلفت إلى أن جميع الاتجاهات والمناهج داخل المجتمع السوري هي أصيلة الوجود وليست دخيلة، فلا يوجد أي فكر إسلامي دخيل سواء فكر جماعة الإخوان المسلمين أو الفكر السلفي أو الفكر السلفي الجهادي، أي أن هذه الاتجاهات والتيارات لها جذورها على مدار مئات السنين في سوريا.

إعلان

وحول مسألة حدوث تحول داخل الفكر الجهادي عندما تولى أصحابه السلطة في سوريا، يرى صوفان -في حديثه لحلقة (2025/5/14) من برنامج "موازين" أن الأمر يتعلق بطبيعة وضرورات الحكم الذي لم يمارسه الإسلاميون والجهاديون خصوصا، مشيرا إلى أن التجربة الحالية هي المعيار في الحكم على الجماعات الجهادية.

مراجعات

بيد أن صوفان يكشف عن وجود مراجعات وتحولات حتى قبل وصول الجهاديين إلى الحكم، ويقول إنه في سجن صيدنايا مثلا عمل الكثير من الجهاديين مراجعات جريئة ومتميزة يغلب عليها الإثراء العلمي والاستدلال بالنصوص أكثر منها ضغط واقع، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بدخول في واقع جديد اقتضى المراجعة.

وفي حديثه عن مرحلة ما بعد تحرير سوريا من نظام الأسد، يقول صوفان- وهو أيضا قائد حركة تحرير الشام سابقا- إن السياسة هي عبارة عن لعبة لها قواعدها، وكل جهة لها مصالحها الخاصة، والرئيس أحمد الشرع يتقن هذه اللعبة السياسية، بحيث يمكنه أن يعطي كل صاحب حاجة حاجته بما لا يتعارض مع الخطوط الحمراء ومع أهداف الثورة السورية".

ويرى أن العالم لم تعد تحكمه جهة واحدة تفرض كل ما تريد على المجتمع الدولي، بل هناك تعارض مصالح بين الدول، مما يجعل الدول تلج منها لتحقيق مصالحها القطرية الخاصة، ويضيف في هذا السياق أن من حق الرئيس الشرع أن يبحث عن فرصة لنهضة سوريا وإعادة المهجرين وإيقاف الآلام عن الناس، ودعا إلى التفاف حول القيادة السورية مادام لديها الخطة والإجراءات الإصلاحية.

وعن مسألة الديمقراطية بالنظر إلى فكر الجماعات الجهادية، يوضح ضيف برنامج "موازين" أن جميع التيارات الإسلامية تجمع على أن فكرة الديمقراطية من حيث التشريع وإعطاء حق التشريع المطلق تكون للشعب وليس بما يخالف شرع الله سبحانه وتعالى، معربا عن اعتقاده أن الشرع أو أي جهة تكون على كرسي الحكم ستكون مرنة في موضوع الوسائل والآليات.

إعلان

وبشأن تعامل القيادة السورية الجديدة مع التدخل الإسرائيلي في الأراضي السورية، يقول صوفان إنه "من الإجحاف تحميل الدولة الوليدة الجديدة إرث الصراع الطويل مع العدو الإسرائيلي في هذه اللحظة"، مشيرا إلى أن القيادة السورية سوف تبذل كل جهد متاح لتجنب إدخال الشعب السوري في معركة طويلة جديدة.

14/5/2025

مقالات مشابهة

  • الرئيس أحمد الشرع: وخلال الستة أشهر الماضية، وضعنا أولويات العلاج للواقع المرير الذي كانت تعيشه سوريا، وواصلنا الليل بالنهار، فمن الحفاظ على الوحدة الداخلية والسلم الأهلي، وفرض الأمن وحصر السلاح، إلى تشكيل الحكومة واللجنة الانتخابية.
  • ما الذي تغير في فكر الجماعات الجهادية في سوريا؟
  • الحرب التي أجهزت على السلام كله
  • اليونيفيل قلقة من استهداف قواتها قرب كفر شوبا جنوب لبنان
  • ترامب يدعو سوريا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وطرد الفصائل الفلسطينية
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • ترامب يرفع العقوبات عن سوريا طارحا نفسه "صانع سلام" في المنطقة
  • وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني لـ سانا: نرحب بتصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة بشأن رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا رداً على جرائم الحرب البشعة التي ارتكبها نظام الأسد.
  • ترامب: ندرس رفع العقوبات عن سوريا لمنحها بداية جديدة
  • القبض على 3 طيارين من فلول الأسد بريف دمشق