جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-01@15:57:15 GMT

عن المجتمع

تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT

عن المجتمع

 

 

د. أحمد بن موسى البلوشي

المجتمع هو النسيج الحي الذي يتكون من أفراد مختلفين في فهمهم وفكرهم، وفي نظرتهم للحياة، يجمعهم المكان والزمان، ويؤثر فيهم كما يؤثرون فيه. ومنذ الأزل، يحلم الإنسان بمفهوم المجتمع المثالي الذي يحقق العدالة والمساواة والرفاهية للجميع، لكن، هل من الممكن فعلاً وجود مجتمع متكامل ومثالي تمامًا؟

المجتمعات بطبيعتها تتسم بالتنوع والتعددية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يحقق تطابقًا تامًا بين قيم وأفكار أفراده، لأن كل شخص يحمل رؤيته وفكرته الخاصة ويعيش تجارب مختلفة؛ فالتوازن بين الحقوق الفردية والمصالح الجماعية هو ما يشكل تحديًا دائمًا، وبالتالي من الصعب إيجاد مجتمع متجانس بالكامل؛ إذ إن التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تُعد سمات حتمية في أي تجمع بشري، في كل مجتمع، نجد الغني إلى جانب الفقير، والمتعلم بجوار الأمي، والقوي مقابل الضعيف، نجد المثقف والفيلسوف، نجد المنتقد الإيجابي والسلبي، هذا التنوع لا يُعتبر بالضرورة عيبًا، بل يمكن أن يكون مصدرًا للقوة، حيث يُتيح فرصًا للتعاون والتكامل بين أفراد المجتمع.

والسعي نحو تحقيق مجتمع مثالي خالٍ من التحديات قد يكون أمرًا غير واقعي. حتى أكثر المجتمعات تقدمًا تواجه قضايا مثل الفقر والبطالة والفجوات الطبقية والاختلافات الفكرية. ومع ذلك، فإن وجود هذه المشكلات لا يعكس فشل المجتمع، بل يُظهر طبيعة الحياة البشرية التي تتميز بالديناميكية والتغير المستمر.

والبعض يسعى لإيجاد مجتمع يتوافق تمامًا مع قيمهم وأفكارهم، ويكونون قادرين على التحكم في تصرفات أفراده، لكنَّ هذا الأمر غير ممكن عمليًا؛ فالمجتمعات تتشكل من أفراد يتفاوتون في خلفياتهم، ويحملون رؤى وتجارب مختلفة، ويعكسون تنوعًا في أفكارهم. وهذا التنوع هو ما يجعل التعايش المشترك ضرورة حتمية، وليس مجرد خيار، قد يستطيع بعض الأفراد التأثير في مجتمعاتهم والمساهمة في تحسينها، ولكنهم لن يتمكنوا من تشكيلها وفق مواصفاتهم الخاصة بالكامل، لأن كل فرد في المجتمع يمتلك حرية التصرف وفق إمكانياته الشخصية ورؤيته للحياة. ففي النهاية، المجتمع هو مساحة مشتركة تتلاقى فيها الأفكار، ولا يمكن فرض نمط واحد يطغى على باقي الأنماط، أو فكر معين على باقي الأفكار المختلفة.

من المهم أن ندرك أن قوة المجتمعات تكمن في قدرتها على احتضان هذا التنوع، وتحقيق التوازن بين حرية الأفراد ومسؤولياتهم تجاه الآخرين، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك ومتفاهم رغم اختلافات أفراده وأفكارهم، وبدلًا من البحث عن مجتمع مثالي، قد يكون الحل في تعزيز قيم التعايش والقبول بالاختلافات؛ فالمجتمع المتوازن هو ذلك الذي يسعى لتوفير العدالة الاجتماعية، دون أن يعني ذلك تطابق جميع أفراده في الظروف والتوجهات، فالتكافل والتضامن بين الفئات المختلفة هو ما يجعل المجتمع أكثر إنسانية وقوة. والمجتمع المثالي -كما نتصوره- قد يكون مجرد حلم، ولكن المجتمع القابل للتحسين والتطوير هو واقع يمكن تحقيقه. بدلًا من البحث عن مجتمع خالٍ من العيوب، يجب العمل على تعزيز قيم التعاون والاحترام والعدالة الاجتماعية؛ فالتكامل لا يعني التطابق؛ بل يعني القدرة على العيش المشترك رغم الاختلافات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إعلام عبري: يجب ان يكون الدور على مصر بعد ايران

إعلام عبري: يجب ان يكون الدور على مصر بعد ايران

مقالات مشابهة

  • الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: وثيقة المدينة نموذج رائد لبناء المجتمعات المتنوعة
  • إعلام عبري: يجب ان يكون الدور على مصر بعد ايران
  • نباتات وأشجار برية تعزز التنوع البيولوجي في محمية الملك سلمان
  • حفلات التخرج الخاصة.. عرف فرضه مجتمع وسائل التواصل
  • أوربان: مئات الآلاف شاركوا في مسيرة مجتمع الميم ببودابست بأمر من بروكسل
  • محمية عروق بني معارض.. تراث طبيعي عالمي يعكس روعة التنوع البيئي في صحراء المملكة
  • لا تبالغ في التنظيف.. قليل من “الاتساخ” قد يحمي عائلتك
  • لا تبالغ في التنظيف.. قليل من "الاتساخ" قد يحمي عائلتك
  • الإصلاحية المركزية في رداع تُحيي ذكرى الهجرة النبوية
  • الريال اليمني بين أنياب المضاربين والبنك المركزي خارج اللعبة.. ما الذي يمكن فعله؟