الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل الرعاية الصحية الرقمية في السعودية
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
يشهد قطاع الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية تحولاً عميقاً، مدفوعاً بـ«رؤية المملكة 2030»، وتبنٍّ سريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي والحلول الصحية الرقمية. في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، تشارك أليشا موبن، المديرة العامة والرئيسة التنفيذية لمجموعة «Aster DM Healthcare» رؤيتها حول كيفية إعادة الذكاء الاصطناعي تشكيل قطاع الرعاية الصحية في السعودية، وتحديات تبني هذه التقنيات، ومستقبل الرعاية الصحية الرقمية في المنطقة.
تحويل طريقة تقديم الرعاية الصحية
لم يعد الذكاء الاصطناعي مفهوماً مستقبلياً في قطاع الرعاية الصحية، بل أصبح واقعاً ملموساً يعيد تشكيل طريقة تقديم الخدمات. وفقاً لموبن، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في جعل الرعاية الصحية أكثر تخصيصاً وإتاحة وكفاءة في السعودية. وتقول إنه مع وضع «رؤية 2030» التحول الرقمي أولويةً، يتم دمج الذكاء الاصطناعي في جوانب مختلفة من الرعاية الصحية، بدءاً من التشخيص والعلاج، وصولاً إلى تفاعل المرضى وتحسين العمليات التشغيلية.
أحد أهم تأثيرات الذكاء الاصطناعي قدرته على اكتشاف الأمراض مبكراً، غالباً قبل ظهور الأعراض. وتوضح موبن أنه في مجالات مثل الأشعة وعلم الأمراض، تساعد الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الأطباء على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة؛ ما يحسن النتائج في النهاية. هذه القدرة تُعدّ حاسمة في منطقة يمكن أن يؤدي التشخيص المبكر فيها إلى تحسين جودة حياة المرضى بشكل كبير.
أخبار قد تهمك إطلاق مركز عالمي لتصنيع الحواسيب والخوادم بعلامة “صُنع في السعودية” 6 مارس 2025 - 9:30 مساءً رئيس الشؤون الدينية يدشن “روبوت منارة” لإجابة السائلين في المسجد الحرام 5 مارس 2025 - 11:15 مساءًبالإضافة إلى التشخيص، يعمل الذكاء الاصطناعي على كسر الحواجز التي تعيق إتاحة الخدمات الصحية. وتشير موين إلى تطبيق «myAster» وهو نظام شامل للرعاية الصحية من «أستر» (Aster) يعكس كيف يمكن أن تجعل التكنولوجيا الرعاية الصحية أكثر إتاحة. يقدم التطبيق للمرضى جدولة المواعيد واستشارة الأطباء افتراضياً والوصول إلى تقارير المختبرات وإدارة الأمراض المزمنة، وحتى توصيل الأدوية من خلال منصة واحدة. وقالت موبن إن «الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية؛ بل يتعلق بضمان حصول كل مريض على الرعاية المناسبة في الوقت المناسب».
تعزيز الإتاحة والتفاعل مع المرضى
في بلد شاسع، مثل السعودية، يُعدّ ضمان إتاحة الخدمات الصحية للمجتمعات النائية تحدياً كبيراً. يعمل الذكاء الاصطناعي على معالجة هذه القضية من خلال تمكين الطب عن بُعد والاستشارات الافتراضية. وترى موبن أن الروبوتات والمساعدين الافتراضيين المدعومين بالذكاء الاصطناعي يعززون تفاعل المرضى من خلال تقديم نصائح طبية فورية وجدولة المواعيد وتقييم الأعراض؛ ما يجعل الرعاية الصحية متاحة على مدار الساعة.
إدارة الأمراض المزمنة مجال آخر، حيث يُحدِث الذكاء الاصطناعي تأثيراً كبيراً. تسمح أدوات المراقبة عن بُعد المدعومة بالذكاء الاصطناعي بتتبع العلامات الحيوية في الوقت الفعلي؛ ما يتيح الكشف المبكر عن المضاعفات. وتشير موبن خلال حديثها مع «الشرق الأوسط» إلى أهمية ذلك للمرضى الذين يعانون حالات، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب؛ ما يضمن التدخلات في الوقت المناسب، ويقلل من زيارات المستشفيات.
وتشرح موبن التزام شركتها باستخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإتاحة يتجلى في تعاونها مع «غوغل كلاود» لدمج ميزات الاستجابة الصوتية باللغة العربية في منصة «myAster». وتعدّ أن هذه الميزة تتيح للمستخدمين وصف الأعراض بلهجاتهم المحلية؛ ما يضمن تفاعلات شخصية وملاءمة ثقافياً.
وتقول إن مثل هذه الابتكارات تُعدّ حاسمة في منطقة تلعب فيها اللغة والخصوصيات الثقافية دوراً كبيراً في تقديم الرعاية الصحية.
وتذكر موبن أن استثمارات «Aster» في السعودية تتماشى مع أهداف «رؤية 2030» لتعزيز إتاحة وجودة الرعاية الصحية. وتشير إلى التزام شركتها باستثمار نحو مليار ريال سعودي (250 مليون دولار أميركي) خلال السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة لتوسيع المستشفيات والعيادات والصيدليات والخدمات الصحية الرقمية. تقول موبن: «يهدف هذا الاستثمار إلى خلق تجربة شاملة للصحة والعافية لسكان المملكة».
لرعاية الصحية المادية والافتراضية
أحد أكثر التطورات إثارة في الرعاية الصحية الرقمية هو دمج الرعاية المادية والافتراضية. يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في ضمان استمرارية الرعاية للمرضى، بغض النظر عن موقعهم. وتبين موبن أن الذكاء الاصطناعي يتيح المراقبة عن بُعد، وتتبع الحالات المزمنة من خلال الأجهزة الذكية، وضمان حصول الأطباء على تنبيهات في الوقت المناسب إذا كانت هناك حاجة للتدخُّل.
كما تعدّ أن تزامن البيانات عبر جميع إعدادات الرعاية التي تشمل المستشفيات والعيادات والصيدليات والمنصات الصحية الرقمية مجال آخر، حيث يحدث الذكاء الاصطناعي فرقاً. وتذكر موبن أن تاريخ المريض الطبي والوصفات الطبية وخطط العلاج تكون دائماً متاحة لمقدمي الرعاية الصحية؛ ما يعزز التشخيص واتخاذ القرارات.
هذا التكامل السلس يقلل من الفجوات في الرعاية، ويضمن أن تكون المتابعات في الوقت المناسب واستباقية.
تحديات تبني الذكاء الاصطناعي
على الرغم من الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، فإن تبني هذه التقنيات ليس من دون تحديات. تعدّ أمن البيانات والخصوصية من أكبر العقبات. وترى موبن أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على كميات هائلة من بيانات المرضى؛ ما يجعل الأمن السيبراني والامتثال للإطار التنظيمي أمراً بالغ الأهمية».
وتضيف أن إنشاء سياسات قوية لإدارة البيانات، وضمان التوافق مع لوائح بيانات الصحة في السعودية سيكون مفتاحاً للتغلب على هذا التحدي.
تحدٍّ آخر هو تكامل الذكاء الاصطناعي مع البنية التحتية الحالية للرعاية الصحية. تشير موبن إلى أنه «لا تزال الكثير من المستشفيات والعيادات تعمل بأنظمة قديمة، ويتطلب الانتقال إلى الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي توافقاً سلساً». التعاون بين مقدمي الرعاية الصحية وشركات التكنولوجيا، وصُنّاع السياسات ضروري لتسريع هذا التحول.
بناء الوعي بالذكاء الاصطناعي بين المتخصصين في الرعاية الصحية أيضاً أمر بالغ الأهمية. وتنوه موبن بأن «التحول الرقمي لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل أيضاً بتمكين الأطباء من استخدام الذكاء الاصطناعي أداةً مساعدة، بدلاً من عدّه بديلاً». وتقول: «برامج التدريب المنظمة والتعليم المستمر سيضمنان أن يعزز تبني الذكاء الاصطناعي سير العمل السريري».
ماذا عن المستقبل؟
بالنظر إلى المستقبل، تبدو موبن متفائلة بشأن دور الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية الرقمية في تشكيل مستقبل الخدمات الطبية في السعودية. وترى أن تشخيصات الذكاء الاصطناعي والطب عن بُعد وخطط العلاج المخصصة ستغير شكل الرعاية الصحية خلال السنوات الثلاث المقبلة. وتضيف أن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل جينات المريض ونمط حياته ستؤدي إلى خطط رعاية أكثر تخصيصاً؛ ما يؤدي إلى نتائج أفضل.
على الجانب التشغيلي، يعمل الذكاء الاصطناعي على تبسيط عمليات المستشفيات، وتحسين تدفُّق المرضى، وحتى المساعدة في العمليات الجراحية. تقول موبن إنه من خلال تبني الذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي: «نحن لا نعمل فقط على تحسين طريقة تقديم الرعاية، بل نجعل الرعاية الصحية أكثر ذكاءً، وإنسانية، ومرتكزة حول المريض».
بينما تواصل السعودية مسيرتها نحو «رؤية 2030»، فإن دمج الذكاء الاصطناعي والحلول الصحية الرقمية سيحدث تحولاً جذرياً في نظام الرعاية الصحية بالمملكة. وبينما تظل التحديات قائمة، فإن إمكانات الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في الرعاية الصحية في السعودية لا يمكن إنكارها. من خلال معالجة هذه التحديات وتبني الابتكار، تتجه المملكة لتصبح قائدة عالمية في مجال الرعاية الصحية الرقمية.
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية الرقمية رؤية 2030 قطاع الرعاية الصحية الرعایة الصحیة الرقمیة الذکاء الاصطناعی على بالذکاء الاصطناعی فی الرعایة الصحیة فی الوقت المناسب فی السعودیة من خلال
إقرأ أيضاً:
سقوط النظام الإيراني.. هل يفتح باب الفوضى أم يعيد تشكيل الشرق الأوسط؟
•نيفين وهدان: نهاية نظام طهران تعني تفكك مشروع ثوري عقائدي متكامل
•حميد قرمان: نتنياهو يعزف منفردًا وإسقاط النظام يتطلب استراتيجية أعمق
•محلل إيراني: المواجهة مع إسرائيل حرب فعلية ولا مجال للحلول الوسط
•بهاء محمود: إيران لا تزال صامدة وأمريكا قد تغامر بفوضى غير محسوبة
•آصف ملحم: روسيا تدعم طهران بحذر ولن تتبنى شعاراتها المتطرفة
•جاويد رنا: قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني تدعم إيران في مواجهة الضغوط الغربية والإسرائيلية
•محمد سرداح الخالدي: الحرب تزعزع الاقتصاد العالمي وأسعار النفط إلى ارتفاع
•فراغ استراتيجي وانهيار محتمل.. من يملأ المشهد إذا سقط النظام الإيراني؟
•بين العقيدة والجغرافيا.. النظام الإيراني كفاعل فوق الدولة
•هل تملك واشنطن ورقة الحسم أم تغامر بتكرار سيناريوهات العراق وأفغانستان؟
في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وتحوّل المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى صراع مفتوح متعدد الأبعاد، تتزايد التحليلات حول مستقبل النظام الإيراني وما إذا كان يقترب من نقطة الانهيار؛ فبين حديث عن حرب غير معلنة، وتكهنات حول تدخّل أمريكي مباشر، وتحركات إسرائيلية ميدانية واستخباراتية، بات المشهد الإقليمي أشبه بـ "لغم استراتيجي" يُنذر بانفجار واسع النطاق.
هذا التقرير يسلط الضوء على آراء وتحليلات نخبة من الخبراء والمحللين السياسيين والاقتصاديين حول احتمالات سقوط النظام الإيراني، وانعكاسات ذلك على موازين القوى في المنطقة، وعلى الاقتصاد العالمي، وعلى العلاقة المعقّدة بين طهران وموسكو، في لحظة فارقة من تاريخ الشرق الأوسط.
إيران تصمد وتُكبد إسرائيل خسائر.. وأمريكا تخاطر بالفوضىتعليقًا على الضربات الأمريكية، أكد الباحث في الشؤون الدولية بهاء محمود أن إيران لا تزال صامدة رغم تصاعد الضربات العسكرية، بل نجحت في إلحاق خسائر واضحة بإسرائيل، ما يزيد الضغط على القيادة الإسرائيلية.
وأشار محمود لـ "الفجر"، إلى أن الولايات المتحدة تشارك منذ اليوم الأول في هذه الحرب من خلال دعم عسكري واستخباراتي، بما في ذلك تزويد إسرائيل بالمعلومات عبر الأقمار الصناعية، إلا أن الخطوة الأكثر خطورة ستكون التدخل المباشر أمريكيًا.
بهاء محمود المحلل السياسيوأوضح محمود أن طهران قد ترد بإغلاق مضيق هرمز أو استهداف مصالح أمريكية، ما قد يتسبب في أزمة طاقة عالمية خانقة. وأضاف أن سيناريو السقوط الكامل قد يفتح الباب على فوضى شاملة شبيهة بالعراق وأفغانستان.
وقال: "المشكلة الحقيقية ليست في كيف يسقط النظام، بل في من سيملأ الفراغ بعده، ومن سيدفع ثمن الفوضى المقبلة؟".
المواجهة مع إسرائيل حرب فعلية.. ولا مجال للحلول الوسط
في السياق ذاته، وصف المحلل السياسي الإيراني وجدان عبدالرحمن الصراع الحالي مع إسرائيل بأنه حرب حقيقية، وإن لم تُعلن رسميًا؛قائلا:" إن هذه الحرب تختلف عن غيرها من صراعات المنطقة، حيث لا مجال للتسويات الجزئية، بل تنتظر نهايتها هزيمة طرف وانتصار طرف آخر".
وأضاف لـ "الفجر" أن إسرائيل لن تتقبّل أي تسوية تُبقي النظام الإيراني قائمًا، لأن ذلك سيُعد هزيمة استراتيجية، مشددًا على أن تل أبيب ستواصل التصعيد حتى تحقيق هدفها المتمثل في إسقاط النظام.
المحلل السياسي الإيراني وجدان عبدالرحمنواعتبر أن موازين القوى تميل لصالح إسرائيل، نظرًا للدعم الغربي المكثف، ما يمنحها الأفضلية في الحسم. واختتم بالقول إن المعركة مستمرة حتى النهاية، ولا خيار ثالث بين الانتصار والسقوط.
نتنياهو يعزف منفردًا.. وإسقاط النظام الإيراني يحتاج إلى أكثر من ضربة عسكرية
من جانبه، حذّر الكاتب السياسي حميد قرمان من اختزال سيناريو سقوط النظام الإيراني في التصريحات المتكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يلوّح بضربات عسكرية للمنشآت النووية.
وأكد قرمان لـ "الفجر"، أن النظام الإيراني شديد التعقيد، وإسقاطه يتطلب استهدافًا اقتصاديًا شاملًا يُضعف قدرته على الاستمرار داخليًا، موضحًا أن النظام يستخدم الاقتصاد كأداة رئيسية لترسيخ شرعيته.
الكاتب السياسي حميد قرمانوأشار إلى أن المسار الإسرائيلي المدعوم من إدارة ترامب لا يزال يركّز على الأهداف النووية والعسكرية، دون المساس بالبنية السياسية أو القيادات العليا، في ظل اختراقات استخباراتية واسعة تقودها أجهزة مثل الموساد داخل إيران.
ورأى قرمان أن الحديث عن استهداف المرشد الأعلى خامنئي ما زال في إطار التهديدات، بينما تظل دعوات إسقاط النظام مجرد نغمة يعزفها نتنياهو منفردًا، في غياب أي رؤية متكاملة لدى الولايات المتحدة أو الدول العربية حول ما بعد السقوط.
وختم بالقول إن ترويض إيران وتقليص نفوذها الإقليمي يبدو خيارًا أكثر واقعية، مقارنة بخيار إسقاط النظام الذي قد يُطلق موجة فوضى يصعب التحكم فيها.
نهاية المشروع الإيراني ستحدث فراغًا استراتيجيًا هائلًا
أكدت الدكتورة نيفين وهدان، أستاذة العلوم السياسية، أن مجرد التفكير في سيناريو سقوط النظام الإيراني يُعد من أكثر السيناريوهات تعقيدًا وتشابكًا، مشيرة إلى أن تداعياته ستكون بمثابة زلزال جيوسياسي غير مسبوق يمتد من الخليج إلى المتوسط، بل ويشمل التوازنات الدولية.
وأوضحت وهدان لـ "الفجر"، أن النظام الإيراني، منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، لم يكن مجرد سلطة سياسية، بل مشروع أيديولوجي ديني–ثوري عابر للحدود، ارتبط بتصدير الثورة، والدعم المستمر للحركات المسلحة، ومواجهة الأنظمة العربية السنية.
الدكتورة نيفين وهدان، أستاذة العلوم السياسيةوأكدت أن النظام رسّخ على مدى أربعة عقود حضورًا قويًا في معادلة القوى الإقليمية، مستفيدًا من مزيج القوة الناعمة والدعم العقائدي والعسكري، عبر أذرع ممتدة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بينما لعب الحرس الثوري دورًا جوهريًا في بناء شبكات نفوذ أمني وعسكري خارج الحدود.
وشددت على أن سقوط هذا النظام لا يعني فقط انتهاء حكم سياسي، بل تفكك مشروع متكامل يجمع بين العقيدة والجيوبوليتيك، وهو ما سيخلق فراغًا استراتيجيًا خطيرًا قد يُعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط.
روسيا لا تتبنى خطاب إيران المعادي لإسرائيل.. وتوازن المصالح يحكم موقفها
في سياق المواقف الدولية، أوضح مدير مركز "جي إس إم" للدراسات، الدكتور آصف ملحم، أن روسيا لا تتبنى نهج إيران الأيديولوجي تجاه إسرائيل، وأن شعارات مثل "الموت لإسرائيل" مرفوضة رسميًا وشعبيًا في موسكو.
وأشارلـ "الفجر"، إلى أن العلاقات الروسية–الإسرائيلية تُبنى على حسابات مصلحية لا عاطفية، مؤكدًا أن موسكو تتعامل مع تل أبيب كدولة فاعلة في النظام الدولي، دون تبنٍّ لأي توجهات أيديولوجية مناهضة.
الدكتور آصف ملحمواستبعد ملحم أن يكون الهجوم الإسرائيلي مرتبطًا مباشرة بالبرنامج النووي، مرجّحًا أن الهدف الحقيقي هو كبح تمدد المحور الروسي–الصيني في الشرق الأوسط، وأن إسرائيل مجرّد أداة تنفيذ ضمن رؤية أمريكية أوسع.
وأكد أن الدعم الروسي لإيران محسوب بعناية ولن يصل إلى حدود الاستفزاز المباشر لإسرائيل أو الغرب، بل سيظل في نطاق التوازنات الدقيقة.
قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني تدعم إيران في مواجهة الضغوط الغربية والإسرائيلية
في نفس السياق قال المحلل السياسي الباكستاني جاويد رنا إن إيران تحظى بتعاطف واسع داخل الأوساط الشعبية الباكستانية، لا سيما في ظل تصاعد التوترات مع إسرائيل والدعم الغربي المفتوح لها، مؤكدًا أن هذا الدعم الشعبي ينبع من رؤية إيران كقوة مقاومة ترفض الهيمنة الغربية وتسعى للحفاظ على استقلال قرارها السياسي.
وأوضح رنا لـ "الفجر"، أن "باكستانيين كُثر يرون في إيران نموذجًا لدولة لم تخضع للابتزاز، واستطاعت رغم العقوبات أن تحافظ على سيادتها وتدافع عن قضايا الأمة الإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية".
المحلل السياسي الباكستاني جاويد رناوأشار إلى أن الخطاب الإيراني المناهض لإسرائيل، بالإضافة إلى الدور الإيراني في دعم حركات المقاومة، يُكسب طهران احترامًا في الشارع الباكستاني، خاصة في المناطق التي تسودها مشاعر الغضب من السياسات الأمريكية.
وأضاف رنا أن "التأييد الشعبي لا يعني بالضرورة توافقًا سياسيًا كاملًا بين إسلام آباد وطهران، لكنه يعكس موقفًا وجدانيًا منسجمًا مع الوجدان الإسلامي العام الرافض للعدوان والتدخلات الأجنبية".
وختم تصريحه بالتأكيد على أن أي تصعيد عسكري ضد إيران ستكون له تداعيات خطيرة تتجاوز حدود الشرق الأوسط، محذرًا من أن انزلاق المنطقة نحو حرب شاملة سيُهدد الأمن الجماعي لدول آسيا الإسلامية.
الصراع يهدد الاقتصاد العالمي.. وأسعار النفط تتصاعد
اقتصاديًا، حذّر الدكتور محمد سرداح الخالدي، الخبير الاقتصادي السعودي، من التأثيرات المتصاعدة للحرب الإيرانية–الإسرائيلية على الأسواق الخليجية والدولية.
وأوضح لـ "الفجر"، أن أسعار النفط ارتفعت بفعل المخاوف من تهديدات تطال مضيق هرمز، ما أثّر سلبًا على مؤشرات الأسهم في الخليج، مع اتجاه رؤوس الأموال نحو أصول الملاذ الآمن.
كما أشار إلى تعطيل سلاسل الإمداد، وارتفاع كلفة الاستيراد، مما سيؤدي إلى موجات تضخمية تمس المواطن الخليجي.
الدكتور محمد سرداح الخالدي، الخبير الاقتصادي السعوديورغم ذلك، رأى الخالدي أن الأزمات تخلق فرصًا أيضًا، مشيرًا إلى إمكانية تعزيز الإنتاج المحلي واستغلال الفرص الاستثمارية الناتجة عن توقف المصانع الأجنبية.
وختم بالتأكيد على ضرورة تحرك دول الخليج بصورة جماعية لضبط الاستقرار الاقتصادي وتحييد آثار التصعيد قدر الإمكان.
في النهاية المعركة الجيوسياسية حول إيران تتجاوز مجرد حرب تقليدية، وتمثل مفترق طرق تاريخي للمنطقة والعالم. في ظل تعدد الفاعلين وتشابك المصالح، يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام انهيار نظام؟ أم إعادة تشكيل لنظام إقليمي جديد؟