عاد اتفاق سلام جوبا إلى واجهة خطاب السياسة والحرب في يومنا هذا. وأنشر نص ورقة كنت قدمتها لمؤتمر انعقد في مركز الدوحة في العام الماضي ما وسعني لكي يدور النقاش المتجدد عن الاتفاقية فوق علم باتفاق قل من اطلع على نصوصه.
لزوم ما لا يلزم في اتفاق سلام جوبا
ومن خمج الاتفاقية وهزلها أنها لا تترفع عن تضمين معالجات لقضايا ليس مكانها اتفاقية سلام بعد عقود من الحرب.

فكنت خلال قراءتي لنصوص اتفاقية جوبا أُعَلم على بعض بنودها بعبارة من أبي العلاء المعري "لزوم ما لا يلزم". فاحتوت الاتفاقية على مطالب من الخفوت مما تتوقعه في برنامج لمرشح لمجلس ريفي أو بلدي أو تشريعي على أحسن الفروض لا في وثيقة ل"حدار الدم" نعلق عليها أمراً جسيماً هو إخراجنا من حرجنا مع أنفسنا إلى رحاب التعافي.
وهذه البنود من لزوم ما لا يلزم مما ينطبق عليه قولنا "عدم الموضوع". وما جر هـذه الوثيقة العصماء (أو هكذا من المفروض أن تكون) إلى هـذه الترهات إلا التطفل على مباحثات السلام من قبل مسارات في الوسط والشمال والشرق ممن جاءت بهم الحركات المسلحة كحلفاء لا شركاء في الحرب، أي صحبة مسلح كما مر. وستجد في الحركة الشعبية قطاع الشمال (الحلو) نسخاً أخرى من صحبة المسلح هؤلاء ينتظرون يومهم في مفاوضات مستدركة مع الدولة. وما أن أمِن صحبة المسلح إلى حصتهم في المسار من الوظيفة في ولاياتهم غير المحاربة حتى حار بهم الدليل وصاروا يلقون المطالب على عواهنها. وبعضها سخريات.
لا أطيل. وتجد أدناه عينة منها:
*تلتزم الإدارة الأهلية في الشرق على حث المواطنين وتشجيعهم على التعليم.
*وأن تهتم ولايات الشرق بالصناعات الصغيرة.
*إنشاء صندوق خاص في الوسط (مسار الوسط) لدعم السلام لتمويل المشروعات الزراعية.
*إنشاء مراكز متخصصة في الوسط لمكافحة الأوبئة والأمراض المستوطنة في المناطق الحارة، ومراكز الأمومة والطفولة.
*تقديم خدمات القضاء وتطبيق قانون الشرطة والقوانين الأخرى لضمان السلام الاجتماعي والمجتمعي في الوسط.
*تذليل كافة المعوقات التي تقف أمام استخراج الشهادات الجامعية للطلاب الذين اكملوا دراستهم بالجامعات والمعاهد عبر اتفاقية السلام السابقة في دارفور.
*النظر في قضية مشروع أبو حراز الزراعي وإقامة مثل مشروع شرق حجر العسل (بالضبط كده).
وآخر لزوم ما لا يلزم في اتفاقية جوبا مما أبدع فيه مسار الشرق:
*إزالة آفات المسكيت.
ويبدو أن الآفات التي حان قطافها كثيرة.
من هو الدارفوري؟ وحتاما؟
ستواجه تنفيذ الاتفاقية جملة تعقيدات مرتبطة بتعريف مصطلح الاتفاق أو آجاله. ونبدأ بمن هو الدافوري المقصود في مسار دارفور، ناهيك عمن هو الوسطي في مسار الوسط للتمتع بما ورد من تمييز إيجابي. فليس في تقاليدنا الإدارية أعراف لتعيين منشأ الفرد منا بعد شهادة الميلاد مما نراه في دول غيرنا مثل موقع تسجيل الواحد منا للانتخابات، أو إيصال دفع الأسرة للضرائب مثلاً. ناهيك أن التمييز الإيجابي، حيث نشأ في الولايات المتحدة، كان لون المستفيد منه يكفي تقريباً. فاتفاق دارفور حجز لطلابها ١٥٪ في الكليات العلمية والطبية والهندسية في كل جامعات السودان بعد حجز ٥٠٪ لهم في الجامعات بدارفور. فما هو تعريف الدافوري القاطع الذي يمنع التبذل ويحفظ الحق لمستحقه؟
مما نحتاج إلى التدقيق فيه أيضاً هل هذا الاتفاق مع الحكومة الانتقالية، أم أنه مع الحكومة السودانية بإطلاق. فجاء في اتفاق دارفور أن يتمتع الطالب منها بإعفاء الرسوم وغيرها لمدة ١٠ سنوات تبدأ من توقيع الاتفاق. وهذا بالطبع عهد ملزم لحكومات ما بعد الانتقالية التي في رحم الغيب. وقد يمتد الإعفاء إلى ١٤ سنة وأكثر لأن الطالب الذي دخل الجامعة في السنة العاشرة، سنة نهاية العهد، سيظل يتمتع بالإعفاء حتى تخرجه.
وتتحرج مسألة التعاقد مع الحكومة الانتقالية كثيراً في النص الذي قضى بتمثيل تفضيلي لأبناء جبال النوبة والنيل الأزرق وغرب كردفان في المركز لمدة عشر سنوات من توقيع الاتفاق. وواضح أن هذا اتفاق متعد يطال الانتقالية وحكومات سودانية لنحو سبع سنوات قادمة.
ونوهنا من قبل بالارتباك في النص الخاص باستعادة الحكم الإقليمي (بين المركز والولاية) على غرار ما كان سائداً قبل انحلاله في الولايات. فسيستعاد بالاتفاقية نظام الأقاليم في ظرف ٦٠ يوماً من توقيع الاتفاق. وسينظر في ذلك مؤتمر ما. ولن تتقيد دافور بقراره استعاد الأقاليم أم لم يستعدها. فهي ستكون إقليماً خلال ٧ شهور بغض النظر. وهكذا فرضت الجبهة الثورية دارفور إقليماً بمن حضر. ناهيك من هذه المجازفة لإعادة شك نظام إداري بحاله بتوقيت عجول كأن الدنيا طايرة.
ووجدت، من الجهة الأخرى، خلطاً معيباً في اختصاصات مستويات الحكم المختلفة: الفدرالي والإقليمي والولائي. ولاحظ أن الاتفاق رسم سياسات للمستوى الإقليمي المعروض للنقاش (عدا دارفور) كما رأينا وسبق له بسلطات وهو في علم الغيب.
ونظرت في سلطات المستويات ووجدتها مرتجلة جداً فيما تعلق بمسؤولية كل منها تجاه التعداد السكاني مثلاً. ففي فقرات متفرقة من نص الوثيقة ستجد دم التعداد مفرقاً بين تلك المستويات جميعاً. ففي فقرات متفرقة منه أعطى الاتفاق حكومة الولاية والإقليم والمركز صلاحيات إجراء التعداد السكاني (٩-٢١ و١٠-١٤ و١١-٢٤). وهذا خلط لا يجوز. وكتب من قال إن هذا الخلط عائد إلى خلاف نشأ على مائدة التفاوض بين من رأوا أن يبدأ النقاش بالمسارات وبين من مالوا للبدء بالقضايا القومية. ثم استقر التفاوض على البدء بالمسارات قبل القضايا القومية. وكانت النتيجة تطابق بعض الأحكام في المقامين بصورة مربكة.
ونواصل

ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی الوسط

إقرأ أيضاً:

تكية الفاشر.. توفير الوجبات الغذائية للنازحين بمراكز الإيواء والمعسكرات بشمال دارفور

تواصل “تكية” الفاشر لاطعام وسقيا النازحين والمتضررين من الحرب ، والتي بدأت عملها في شهر يونيو من العام الماضي ، تنفيذ برنامج عملها المتمثل في تقديم الواجبات اليومية للمستهدفين بالمعسكرات وبمراكز الأيواء عبر المطابخ الجماعية .وقال الاستاذ محي الدين الدين محمد أحمد عبدالقادر (شوقار) رئيس التكية ان التكية تمكنت اليوم من اعداد وتوزيع وجبة الافطار لاكثر من (12) الف شخصا من النساء والاطفال وكبار السن ب﴿8﴾ مراكز بكل من الفاشر ، ومحليتي طويلة ، ودارالسلام بمتوسط “1500”شخصا لكل مركز إيواء .وابان شوقار ان دعم الخيرين من ابناء الولاية والسودان بالداخل والخارج ، بالاضافة الى بعض الخيرين الاجانب من عدد من الدول ظل يمثل المصدر الأول لدعم تكية الفاشر منذ قيامها ،مشيرا في هذا الجانب الى ان توفير وجبة الافطار بالمركز الأول بالفاشر اليوم قد تم تنفيذها بدعم من السيدة رانيا ام احمد من جمهورية مصر العربية ، بينما تم توفير الوجبة للمركز الثاني بدعم من (جمعية الاعمال الحرة )ببريطانيا ، فيما تم توفير الوجبة للمركز الثالث بدعم من نساء نيشلز ببرمنجهام ببريطانيا ، والمركز الرابع بدعم من استاذات جامعة المجمع بالسعودية أما المركز الخامس فقد تم بدعم من الأستاذة هبه جبرة .وأضاف ان التكية قد قامت بتوفير وجبة للمستهدفين بالمركز السادس بمحلية دار السلام ، وبدعم من مبادرة (كن غيثا للناس) ، فضلاً عن تنفيذ التكية بالمركز السابع بالفاشر شمال ، بدعم من أبناء وبنات السودان من مختلف الدول والمدن السودانية .وذكر أن المركز الثامن بمحلية طويلة فقد تم تنفيذه ، بدعم من منظمة سقيا واطعام الخيرية .وعبر شوقار عن تقدير التكية وشكرها لكافة الخيرين من الجماعات ، الذين ظلوا يقدمون الدعم السخي للتكية حتى وأصلت عملها لاكثر من عشرة أشهر ،مؤكدآ عزمهم على مواصلة العمل حتى انجلاء هذه الازمة، لكن شوقار كشف في ذات الوقت ان شح وانعدام المواد الغذائية والسيولة النقدية في الفاشر ظل يعيق عمل التكية كثير ، وعبر عن امله في ان يتم رفع الحصار عن مدينة الفاشر ، حتى يتسنى توفير المعينات اللازمة للتكية لتواصل اداء دورها الإنساني .سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • نواف سلام: أعلن اليوم إطلاق مسار تشكيل الهيئة الوطنية للقنب الهندي
  • البرلمان الأوكراني يصدق على اتفاقية المعادن مع أميركا
  • البرلمان الأوكراني يؤيد التصديق على اتفاقية الموارد المعدنية
  • ترامب: الولايات المتحدة ستبرم اتفاقية تجارية مع بريطانيا .. اليوم
  • هكذا تتبنى الدعم السريع نموذج الإبادة الجماعية الإسرائيلي بالسودان
  • تكية الفاشر.. توفير الوجبات الغذائية للنازحين بمراكز الإيواء والمعسكرات بشمال دارفور
  • رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في جوبا لدعم جهود السلام
  • الدعم يقصف بورتسودان لليوم الثالث والآلاف يفرون من دارفور إلى تشاد
  • الحركات الدارفورية… هامش المناورة وثمن الحرب
  • وزارة النفط بجمهورية جنوب السودان: وصول نفط جوبا إلى ميناء بشائر بمدينة بورتسودان بعد أن توقف بسبب الحرب