شكّل قرار سحب السلطات التونسية اعترافها باختصاص المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان، صدمة قوية في الأوساط الحقوقية والسياسية، ما أثار استنكارا ورفضا، واعتبر بمثابة الانتكاسة والعودة للوراء في مجال الحقوق والحريات، وتراجعا لتونس عن تعهداتها الدولية.

ووفق وثيقة مسربة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ السلطات بعثت بمراسلة في الثالث من آذار/ مارس الجاري من وزير الخارجية، محمد علي النفطي، تعلن فيها سحب اعترافها باختصاص المحكمة في قبول العرائض الصادرة عن الأفراد والمنظمات غير الحكومية التي تتمتع بصفة مراقب لدى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.



وفي السياق نفسه، لم توضح السلطات في تونس أسباب هذا الانسحاب، ولم يتم التداول في الأمر بالتوضيح للرأي العام، ما فُهم منه غضب النظام من الانتقادات والقرارات الصادرة عن المحكمة والرافضة لإجراءات سعيد.



"عودة للوراء وعجز للنظام"
 قال المحامي التونسي، الذي رفع دعوى قضائية للمحكمة الأفريقية ضد إجراءات الرئيس قيس سعيد، في ما يتعلق بالمرسوم 117 سنة 2021، إبراهيم بلغيث: "يصعب تحليل أو معرفة الأسباب التي دعت إلى سحب النظام القائم باعتراف اختصاص المحكمة للنظر في الدعاوى، التي يرفعها الأفراد والمنظمات غير الحكومية، ولكن هناك بعض المعطيات التي قد تشكل عناصر إجابة".

وفسّر المحامي بلغيث في تصريح خاص لـ"عربي21"، "الاعتراف باختصاص المحكمة، بأنه أحد إنجازات ثورة 2011، وتميزت بها تونس عن بقية الدول العربية والإسلامية، وهو ما لا يتلاءم وتصور السلطة القائمة، في تونس اليوم، التي تجهد في الرجوع إلى مصاف الأنظمة العربية الكلاسيكية، المعادية لكل ما هو ثورة وديمقراطية، خاصة في ظل فقدان المناعة الاقتصادية و المالية".

وأوضح: "هناك تراجع خطير لحقوق الإنسان في تونس، وطبيعة تعامل السلطة القائمة في تونس مع النصوص القانونية عامة، وتلك التي تعنى بحقوق الإنسان بصفة خاصة تتجافى والمنطق القانوني السليم، وهو أمر لا يشكل خطرا على النظام القائم في ظل إحكام سيطرته على القضاء، إذ إنّ تونس هي البلد الوحيد في العالم الذي يمكن لرئيس الجمهورية فيه إعفاء قاض دون أي تعليل أو احترام".



وتابع: "إذا، لا إشكال إن وقع خرق حقوق الإنسان، لن تقع معالجة ذلك وطنيا، يبقى التقاضي الخارجي وتحديدا الإقليمي وهو جزء من المنظومة القضائية والقانونية التونسية، بموجب الاعتراف الذي وقع سحبه للتخلص نهائيا من أي محاسبة أو إدانة قضائية لانتهاكات حقوق الإنسان التي أصبحت منهجية، وإحدى وسائل ممارسة السلطة".

وأكّد المحامي بلغيث: "اختار النظام القائم الصمت المطبق وعدم التعليق على أي حكم من أحكام المحكمة التي أدانته سابقا، والتي طبعا لم يمتثل لها وتصرف كأنها لم تكن، فمن الواضح والثابت أنها كانت مؤلمة على مستوى خارجي، ويريد التخلص منها".

"خاصّة أن هناك العشرات من المحاكمات السياسية ومحاكمات الرأي التي تشهدها تونس هذه السنة والتي لا تحترم فيها المعايير الدنيا للمحاكمات العادلة ومن المنتظر أن تدينها المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهو ما يبحث النظام عن التخلص منه" بحسب المحامي التونسي نفسه.

ولفت المحامي خلال حديثه لـ"عربي21" إلى أنّ "قرار الانسحاب يثبت كذلك عجز النظام رغم تحكمه في كل دواليب الدولة، ومن الهيّن له الوصول لكل وسائل الإثبات لتقديمها للمحكمة، لأن الإجراءات أمام المحكمة تخضع لمبدا المواجهة وبالتالي فإن الانسحاب يأخذ شكل الإفلات من المحاسبة".

أمّا بخصوص مخاطر قرار الانسحاب، رأى بلغيث، أنه من "السلبيات طبعا سمعة تونس على مستوى حقوق الإنسان، قد تضررت باعتبار أنه تراجع هام ورجوعا إلى الوراء بسحب ضمانة مهمة وقضائية من المواطن التونسي".


"تضييق على الحريات"
يشار إلى أنّ شخصيات سياسية قد توجهت لهذه المحكمة ورفعت دعاوى ضد قيس سعيد، كما قضت المحكمة ببطلان قرارات الرئيس سعيد الاستثنائية والمتعلقة بالمرسوم 117 الذي يحتكر بموجبه كل السلطات وكذلك ملف عزل 57 قاضيا، كما تم رفع دعوى ضد قرار تعديل قانون الانتخابات قبل أيام من الاستحقاق الرئاسي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

يذكر أن المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان تتكون من 11 قاضيا، وهي محكمة قارية دعت لإنشائها عدة دول أفريقية لضمان حماية حقوق الإنسان والشعوب في القارة، وصادقت عليها 32 دولة 8 منها فقط، تعدّ طرفا في البروتوكول الذي يعترف باختصاص المحكمة لتلقي القضايا مباشرة من المنظمات غير الحكومية والأفراد.

من جهته، قال المحامي والسياسي، سمير بن عمر، في تعليق على قرار سحب الاعتراف: "يندرج في إطار سلسة الإجراءات التي اتخذتها السلطة في إطار التضييق على الحريات والرجوع للوراء والانتكاسة على الثورة".

وأكّد بن عمر في تصريح خاص لـ"عربي21"، أنّ "التحفظ عل تمكين الأفراد والمجتمع المدني من إمكانية رفع قضايا أمام المحكمة هو تضييق على حق التقاضي، وهو طبعا يعكس هشاشة موقف السلطة في ما يتعلق بملف الحريات وحقوق الإنسان ومسار انقلاب 25 يوليو".



وأوضح الحقوقي سمير بن عمر، أنّه "من الواضح جدا أن المحكمة تخشى هذه المحكمة وقراراتها، وتعرف مسبقا أن المسار الذي تسير فيه يتضارب مع الدستور ومع مواثيق حقوق الإنسان التي أمضتها الدولة التونسية".

إلى ذلك، أردف بن عمر، بأنّ "هذه المحكمة دولية، وتتكون من قضاة محايدين، ولا يمكن اتهامهم بالتآمر على السلطة، أو بالانحياز إلى أي طرف بل هم منحازون للقانون فقط".

وشدّد المحامي على أنّ "التهرب من تحكيم هذه المحكمة يعكس هشاشة موقف السلطة التي تعوزها الحجة، ويؤكد كل المخاوف من المسار الذي تمشي فيه".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية حقوق وحريات التونسية قيس سعيد قانون الانتخابات تونس المحكمة الإفريقية السلطات التونسية قانون الانتخابات قيس سعيد المزيد في سياسة حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأفریقیة لحقوق الإنسان المحکمة الأفریقیة باختصاص المحکمة حقوق الإنسان هذه المحکمة فی تونس بن عمر

إقرأ أيضاً:

مخاطر الجلوس الطويل أمام الشاشات على الرقبة والعظام

أصبح الجلوس أمام الشاشات جزءًا أساسيًا من حياة أغلب الناس، سواء في العمل أو الدراسة أو حتى الترفيه، لكن هذه العادة اليومية لها تأثيرات سلبية كبيرة على العظام والعضلات، خاصة في الرقبة والظهر، إذا لم يتم الانتباه إلى وضعية الجلوس ومدتها.

طبيب يكشف لـ "الوفد".. خطوات لحماية طفلك من الأمراض في موسم الدراسة فضل شاكر يكسر صمته: أنا بريء ولم أحارب الجيش فضل شاكر تحت تهديد السجن 22 عامًا.. (تفاصيل) "فرج الله قريب".. أول تعليق من نجل فضل شاكر بعد تسليم والده للجيش اللبناني بعد سنوات من الهروب والغموض.. فضل شاكر يسلّم نفسه للجيش اللبناني اتهامات صادمة تطارد نيمار.. نجم البرازيل يلاحق صحفيًا بتهمة التشهير والإساءة

الجلوس لساعات طويلة أمام الحاسوب أو الهاتف يؤدي إلى ما يُعرف بـ متلازمة الرقبة النصّية، وهي حالة تنتج عن انحناء الرأس لفترات طويلة للأسفل، مما يسبب ضغطًا على فقرات الرقبة والكتفين، ومع الوقت يشعر الشخص بآلام مزمنة في الرقبة والظهر العلوي، وقد تمتد الأعراض إلى صداع مستمر وتنميل في الذراعين.

 

كما أن قلة الحركة لفترات طويلة تُضعف العمود الفقري وتقلل من مرونته، مما يزيد خطر الإصابة بانزلاق غضروفي أو تيبّس المفاصل. وفي كثير من الحالات، يؤثر الجلوس المفرط أيضًا على الدورة الدموية، فيؤدي إلى تورم القدمين أو الشعور بالخمول العام بسبب ضعف تدفق الدم.

 

ومن الجوانب التي لا ينتبه لها الكثيرون أن الجلوس الطويل أمام الشاشات يُضعف العظام والعضلات بمرور الوقت، لأن الجسم لا يحصل على التحفيز الحركي اللازم للحفاظ على قوته. فقلة الحركة تقلل من امتصاص الكالسيوم وتؤثر على التوازن العضلي، مما يجعل العظام أكثر عرضة للضعف أو الهشاشة.

 

ولتجنّب هذه الأضرار، يُنصح باتباع قاعدة بسيطة تُعرف بـ “20-20-20”، أي كل 20 دقيقة من الجلوس يتم الوقوف أو التمدد أو تحريك الجسم لمدة 20 ثانية، مع النظر إلى مسافة 20 قدمًا لإراحة العينين. كما يُفضل تعديل وضع الشاشة لتكون في مستوى العين، والحفاظ على استقامة الظهر أثناء الجلوس.

 

وممارسة الأنشطة البسيطة مثل المشي أو التمارين المنزلية الخفيفة تساعد في تعويض فترات الجلوس الطويلة، وتحافظ على صحة العظام والرقبة. فالحركة اليومية ليست رفاهية، بل ضرورة لحماية الجسم من تأثيرات العصر الرقمي.

مقالات مشابهة

  • الخطوط الأفريقية تنفي ما يتداول حول وجود مشاكل في تأمين أسطولها الجوي
  • لماذا غابت الفيديوهات التي توثق ما يجري في الأقصى؟
  • ما قصة الكلمات المهينة التي وجهها كوشنر إلى عباس؟ (فيديو)
  • مخاطر الجلوس الطويل أمام الشاشات على الرقبة والعظام
  • لماذا ترتفع أسعار الذهب ومن الذي يشتريه؟.. نخبرك ما نعرفه
  • زخور في يوم المحامي: المحاماة درع الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان
  • تعرف إلى أبرز الفيتامينات التي يحتاجها الإنسان لا سيما النساء بعد الأربعين
  • تدريبات فنية وخططية في مران الزمالك استعدادًا للكونفدرالية الأفريقية
  • فيديو جديد لقاتل "افتهان المشهري" يُثير التكهنات حول المؤامرة التي تحاك ضد تعز
  • مايكروسوفت تحذّر: الأجهزة التي تعمل بـ «ويندوز 10» مهددة بعد انتهاء الدعم