مفتي الجمهورية: التطور التكنولوجي تسبَّب فى إنتشار الكثير من الأفكار المغلوطة
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إننا أصبحنا أمام تحدٍّ كبير خاصة بعد الثورة التكنولوجية الحديثة وما واكبها من تطورات في مجال الاتصالات والمعلومات وانتشار أدوات التواصل الاجتماعية المختلفة، وأخيرًا ثورة الذكاء الاصطناعي التي قلبت الموازين في مجالات كثيرة.
وأضاف خلال كلمة رئيسية ألقاها ضمن فعاليات مؤتمر "تأطير الحريات وَفق القيم الإسلامية والقانون الدولي"، المنعقد بمقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) في مدينة الرباط بالمملكة المغربية، أننا أصبحنا في عالم مفتوح معرفيًّا وفكريًّا، عالم يموج بالأفكار والرؤى والفلسفات والمفاهيم والتغيرات والتطورات المتلاحقة، ولا شك أن هذا التطور الهائل قد صاحبه خير كبير في مجالات كثيرة، لكنه حمل معه أيضًا كثيرًا من الأفكار الملتبسة والمفاهيم المغلوطة والرؤى المتضاربة التي أحدثت تشويشًا ولغطًا عند البعض.
وأوضح المفتي أنه على رأس هذه المفاهيم مفهوم ممارسة الحريات وما يتعلق بها من قضايا شائكة خاصة إذا وجدنا أن بعض الشذاذ يرى أن من حقه ومن ضمن إطار ممارسة حريته إهانة الأديان الإلهية والكتب السماوية والرسل والأنبياء والمقدسات الدينية بدعوى ممارسة الحرية، ولا يرى أية غضاضة أو حرج في جرح شعور ملايين المسلمين بل وغير المسلمين حينما يعتدي على دينهم ومقدساتهم بدعوى ممارسة الحرية.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أننا لا نرفض الحرية مطلقًا ولا نصادر على الحريات أبدًا، لأن الله تعالى قد كفل الحرية للإنسان كفالة لا مرية فيها ولا شك حينما قال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، لكننا بحاجة إلى أن نوضح للعالمين معنى حق الحرية ونزيل كثيرًا من اللغط واللبس حول هذا المفهوم.
فإذا قررنا أن الحرية حق مكفول مضمون بموجب الشرع والقانون فلا بد أن نقرر أيضًا أنه ما من حق إلا ويقابله واجب، فجميع الحقوق مقيدة كلها بالواجبات، وهذا المعنى الذي يريد بعض الناس طمسه وتجاهله هو المعنى الذي قررته القوانين الدولية والأديان السماوية بل والقيم الإنسانية، ذلك لأن الحياة الإنسانية تقوم في أساسها على التعايش السلمي وتبادل المنافع والمصالح حتى يتحقق العمران ويعم الخير على بني الإنسان، وهذا يستدعي بالضرورة الحفاظ على النظام العام وتقييد تصرفات الإنسان بما يدرأ المفاسد والأضرار والشرور عن غيره من أبناء المجتمع.
وإذا تصورنا أن لكل إنسان حقًّا في أن يمارس ما يشاء من الأقوال والأفعال دون أن نقيد ذلك بقيود تمنع وقوع الفساد والضرر فلا بد أن نتصور معه إبطال كل معاني الاجتماع الإنساني والعمراني، إذ لا معنى للحرية بهذا المفهوم المغلوط إلا النزاع والفساد.
في السياق ذاته قال المفتي، إن القرآن الكريم ناقش قضية حرية الاعتقاد وإبداء الرأي والتحاور حول كل الثوابت الدينية بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمرنا أن نستمع إلى غيرنا مهما كان الاختلاف كبيرًا حتى لو كان في أمور العقائد والآراء، فقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]، وإن من مقتضيات (التي هي أحسن) أن يكون الحوار عقلانيًّا يمضي على أساس من الحكمة والموعظة الحسنة.
وأمرنا الله تعالى كذلك أن نعظم المشتركات بغيةَ الوصول إلى صيغ مشتركة للتعاون والاجتماع، قال تعالى: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]، وقيد الله تعالى ذلك كله بالنهي عن السب والطعن والتشهير والنيل من مقدسات الغير على سبيل الاستثارة والاستفزاز، قال الله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، لأن السب والغمز واللمز فضلًا عن أنه قبيح في ذاته ويجافي مكارم الأخلاق، إلا أنه أيضًا ليس طريقًا من طرق البحث ولا الحوار المنهجي الذي يوصل صيغة كريمة للتعايش.
وأكد أن القرآن الكريم قد تناول قضية الحرية في أرفع مجالات الحياة وأغلاها على الإنسان وهو مجال الإيمان والعقيدة، وتناول أيضًا تقرير الواجب المقابل لحرية الاعتقاد والرأي وهو احترام الآخر وعدم الاعتداء عليه بالقول أو بالفعل وعدم استفزازه حتى لا يخرج من إطار الحوار العقلاني المنهجي إلى عكس ذلك. وعلينا أيضًا ألا نرضى من الآخرين إلا بذلك، أي باحترام عقائدنا ومقدساتنا.
كما لفت مفتي الجمهورية النظر إلى إن ممارسة الحريات وَفق الضوابط الشرعية والقانونية يضمن للمجتمعات أمنها وسلامتها، ويحافظ كذلك على الأمن والسلام النفسي للأفراد، ويضع حدودًا وقيودًا لهؤلاء العابثين الذي تصوروا الحرية على غير وجهها فنشروا بسبب ذلك القلاقل والفتن.
ولا شك أن هناك إشكالات أخرى غير قضايا العقائد نحتاج إلى بحثها ووضع الضوابط لها، خاصة مع تطور وسائل الذكاء الاصطناعي التي سهلت كثيرًا من الأمور الإيجابية النافعة في مجالات عديدة لكنها أيضًا سهلت الانتحال والتزييف والتلفيق، ولا شك أن تطور هذه الوسائل مع ضعف منظومة الأخلاق والقيم يشعرنا جميعا بأننا أمام خطر كبير وتحدٍّ عظيم، لأننا إذا جرَّدنا مفهوم التطور والتقدم عن منظومة القيم والأخلاق الحامية للمجتمع نكون قد جردنا التطور ذاته عن معناه الإنساني والحضاري وهو أن يستعمل ويسخر لخدمة الإنسان والعمران ونشر الخير بين الناس.
وأشار المفتي إلى إن الحديث عن هذه المعاني التي تتعلق بالحرية وضوابطها هو في حقيقته حديث عن النموذج المعرفي الذي ينبغي علينا أن نهتم بغرسه في نفوس شبابنا وأبنائنا قبل أن يصلوا إلى مرحلة التأثر بتلك المفاهيم المغلوطة، ومن ثم فإن قضية التربية وصناعة الوعي الصحيح لدى الأجيال الناشئة والاهتمام بتعميق الثوابت الدينية والأخلاقية لهو من أهم الوسائل المعينة على تنشئة تلك الأجيال على مفاهيم صحيحة واضحة غير ملتبسة بالمفاهيم المغلوطة وبخاصة فيما يتعلق بإشكالية الحريات في حياتنا المعاصرة وعالمنا المفتوح.
وفى ختام كلمته توجه المفتي بالشكر للأستاذ الدكتور سامي الشريف الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية وللعلماء والباحثين المشاركين في هذا المؤتمر، مثنيًا على موضوع المؤتمر الذي يعالج قضية من أهم وأخطر القضايا الفكرية التي تشغل بال المشتغلين بحقول العلم والفكر والفلسفة والاجتماع والسياسة وهي قضية الحريات وما يتعلق بها من إشكالات وقضايا معقدة ومتشابكة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الأفكار المغلوطة التطور التكنولوجي الحريات الحكمة الضوابط الشرعية الكتب السماوية المفتي المقدسات الدينية المملكة المغربية ثورة الذكاء الاصطناعي مفتي الجمهورية مفتي الديار المصرية ممارسة الحرية مفتی الجمهوریة الله تعالى
إقرأ أيضاً:
مختصّون لـ"الرؤية": الفضول والأفكار المغلوطة تقود الشباب إلى هاوية الإدمان
◄ الغسانية تحذّر من تناول الأدوية العلاجية كبديل للتعاطي
◄ سارة بنت محمد: الإدمان قد يزيد من الميول الانتحارية
◄ الغماري: مركز مسقط للتعافي خطوة مهمة لتعزيز خدمات علاج الإدمان
الرؤية- فاطمة البادية
يُؤكد عددٌ من المختصين أن إدمان المؤثرات العقلية يعد من أكثر القضايا الصحية والاجتماعية تعقيداً؛ نظراً لما يخلفه من آثار اجتماعية وصحية مدمرة. وأضافوا- في تصريحات للرؤية- أن المصحات العلاجية الحكومية والتابعة للقطاع الخاص تستقبل أعدادا كبيرة لعلاج حالات الإدمان.
وقالت أمل بنت خلفان الغسانية، اختصاصية اجتماعية بمركز مسقط للتعافي، إن الدوافع خلف الإدمان تكمن في حب التجربة والفضول، والأفكار المغلوطة حول تجربة التعاطي مثل الثقة بالنفس، إلى جانب التفكك الأسري، وأصدقاء السوء، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية كذلك، وأيضا الدوافع النفسية الأخرى مثل إشباع الشعور بالنقص ولفت الانتباه.
وأضافت أن الإدمان يخلف العديد من الآثار الصحية كالإصابة بفايروس نقص المناعة المكتسب، وضعف أداء أعضاء الجسم لأدوارها الحيوية؛ نظراً لسُمية المواد المخدرة وخطورتها، إضافة إلى الآثار النفسية، من هلوسات سمعية وبصرية، وضعف القدرات الإدراكية، لافتة إلى أن الآثار الاجتماعية تتمثل في العزلة والانسحاب من المسؤوليات الاجتماعية، إلى جانب الاثار الاقتصادية والقضائية، كالتورط في قضايا ترويج أو حيازة المخدرات، والديون.
وحذّرت الغسانية من اتجاه البعض لتناول الأدوية والعقاقير العلاجية كبديل للتعاطي والذي بدوره يؤدي إلى الإدمان، إذ إن بعض المصابين بالأمراض المزمنة لاسيما أمراض الدم، والتي قد يصف الطبيب لها مسكنات للآلام أو وصفة علاجية، قد تكون مصنفة على أنها مواد مخدرة أو إدمانية، وذلك في حال تم استخدامها بغير الأغراض العلاجية، لافتة إلى أن معظم حالات إدمان الأدوية تكون ناتجة عن تناولها بدون وصفة طبية.
وصنّفت الغسانية مراحل التعافي من الإدمان إلى عدة مراحل، أولها التقييم الطبي، والذي يتم فيه معاينة المريض وتحديد وضعه النفسي والاجتماعي وغيره، ليتم تحويله إلى التخصصات المعنية، ثم مرحلة تشخيص نوع الإدمان وآثار التعاطي، وعلى إثر ذلك يتم ترقيد المريض في أجنحة علاج الإدمان، يليه مرحلة إزالة السموم على مدى 7-10 أيام، والمصحوبة بالأعراض الانسحابية، وأخيراً، مرحلة التأهيل والتي يتلقى فيها المريض الرعاية والعلاج من تخصصات متعددة، مثل طاقم الأطباء والممرضين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين والعلاج الطبيعي لملاحظة حالة المريض، وضمان استكمال العلاج.
من جانبها، أوضحت سارة بنت محمد عبد الرحمن، أخصائية نفسية وعلاج الإدمان، أن التداعيات النفسية التي يخلفها الإدمان كثيرة، ومنها التغيرات في الشخصية كالانفعالات الحادة التي من شأنها التأثير على العلاقات الاجتماعية والأداء الوظيفي، والتقلبات المزاجية الحادة بين النشوة والاكتئاب، إضافة إلى استمرار الشعور بالقلق، واللامبالاة والهلاوس والأوهام التي تؤدي إلى التصرف بطريقة غير منطقية أو خطيرة.
وأكّدت سارة أن الإدمان قد يتسبب في زيادة الميول الانتحارية لدى المدمن بسبب تدهور حالته النفسية، واتجاهه نحو العزلة الاجتماعية وصعوبة التركيز واتخاذ القرارات، إضافة إلى تعاطي جرعات زائدة التي قد تؤدي إلى الوفاة، كما يكتسب المدمن سلوكيات سيئة مثل الكذب والإنفاق المفرط على المخدرات والسرقة.
وشدّدت سارة على أهمية التوعية المبكرة بمخاطر التدخين إذ إن المتعاطي يبدأ غالباً بتدخين التبغ والمواد المخدرة، موضحة أن أكثر طرق التعاطي انتشاراً هي التدخين والبلع والاستنشاق والحقن، ولذلك يجب توخي الحذر من تناول أي أدوية بدون إشراف طبي.
وأشارت سارة إلى أن الفئة الأكثر عرضة للتعاطي هم فئة الشباب والمراهقون ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و25 عامًا، إذ يعود ذلك إلى عدة عوامل مثل وجود تاريخ عائلي للإدمان وضعف مهارات الرفض والتجارب المبكرة، كما أن الذكور مهددون بخطر التعاطي أكثر من الإناث وذلك لأسباب اجتماعية وثقافية، إلى جانب انتشار التعاطي بينهم بشكل أكبر.
وقالت سارة إن بعض الأفراد يلجؤون للتعاطي للهروب من الضغوطات النفسية والاكتئاب، مبينة: "التعاطي يزيد هذه المشاكل النفسية سوءا، وقد يصاب المتعاطي بالصدمات النفسية وتغلب عليه مشاعر التمرد".
وذكر أحمد بن خلفان الغماري، ممرض متخصص في الصحة النفسية، أن مركز مسقط للتعافي متخصص في تقديم خدمات العلاج والتأهيل من الإدمان بمختلف أنواعه مثل إدمان الكحول والمخدرات والمؤثرات العقلية، مضيفا أن السعة الاستيعابية للمركز تقدر بـ130 سريرا، مع 40 سريرا لبيوت التعافي، تشمل قسمين لإزالة السموم، وقسمين لإعادة التأهيل قصير الأمد، والقسم العدلي، وبرنامج بيوت التعافي لبرنامج طويل الأمد.
ولفت أحمد إلى أبرز المرافق التي يضمها المركز، منها العيادة الخارجية، والأقسام الداخلية، وقسم إعادة التأهيل، والصيدلية، والمختبر، إلى جانب المرافق المتخصصة للعلاج النفسي والاجتماعي من قاعات التقييم، والعلاج الجمعي، ومرافق التأهيل البدني، وغيره.
وأوضح: "افتتاح مركز مسقط للتعافي يُعد خطوة مهمة في تعزيز خدمات علاج الإدمان في سلطنة عُمان، ويعكس حرص وزارة الصحة على توفير رعاية نفسية متكاملة وشاملة". وأضاف أن المركز يجسد رؤية عُمان الصحية والتي تهدف إلى نظام صحي مستدام يركّز على الوقاية والعلاج، ويرتقي بجودة حياة الأفراد والمجتمع.