لواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد يكتب: عاوزين جدة!!
تاريخ النشر: 29th, March 2025 GMT
عندما تسمع مقولة ( *سخرية القدر* ) فإنما هي نوع من السخرية الظرفية التي تنطوي على تلقي الشخصيات عكس ما تتوقعه وتستحقه . فبعيد إندلاع الحرب في أبريل من العام ٢٠٢٣م ، إهتم بعض الوسطاء بالأمر، وحاولوا تهدئة الخواطر وإطفاء نار الحرب، والمساعدة في تأسيس السلام وإصلاح ذات ما بين ( *الطرفين* ) فكانت المبادرة السعودية – الأمريكية التي سعت بين الأطراف حتى جمعتهم في مدينة جدة في شهر مايو، أي بعد شهر من الإقتتال
وجاء الطرفان ( *رأسًا برأس* ) يقود وفد الجيش اللواء محجوب بشرى أحمد، بينما يؤم وفد الدعم السريع ( *وقتها* ) العميد الرُكن عمر حمدان، والقوني شقيق حميدتي، وفارس النور وهو مستشار.
الوساطة المكونة من السفير الأمريكي بالرياض والمُلحق العسكريّ، فضلاً عن ممثلي البلد المضيف من الخارجية السعودية، وقتها كان سقف الأمل عند ( *البعاتي* ) ما يزال عاليًا، برغم فشل المحاولة الأولى في الفتك بالبرهان، وما يزال رصيد الرجال والحديد ذاخرًا، وهو الذي إستطاع بالغدر أن يضع يده على كثير من المقار السيادية، القصر الجمهوري، الوزارات، المطار، تقاطعات الطرق، مراكز خدمات المياه والكهرباء، مصفاة البترول، التصنيع الحربي وغيرها من المواقع المهمة والحساسة، وكانت يد الحرص تتحسس هذه المواقع كما يتحسس ذو مالٍ محفظته؛ لأنها رأس مال المفاوض، وبعد إسبوع من السعيّ بين الوفود خرج الطبيب ليبشّر بالمولود المسمى ( *إعلان جدة* ) الذي تمّت تغطية حقيقته بكثيرٍ من اللفائف والضمادات، لأنه يعاني من عيوب ( *خَلقية* ) ستجعل حياته مفرطة الحساسية، بالغة كلفة المتابعة والمداواة، ولذلك تليت أمامه كل مقرّرات الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان، ومواد القانون الدولي الإنساني في مناطق النزاعات، وأسرفت صياغاته في سرد القيم والمطلوبات من الطرفين، حتى تجعل الحرب أخلاقية، والنزاع نبيلاً، وتُضفي على وجوه الموتى إبتسامات الرضى، وعلى المشرّدين الموافقة والقبول.
فلما إشترط الجيش خروج الدعم من المرافق، والأعيان، ومنازل المواطنين، وإعادة تجميعه في معسكرات محددة ، ونزع سلاحه الثقيل، ومن ثم النظر في إعادة دمجه في القوات المسلحة، الأمر الذي يحتمل ضمنيًا، بقاء قيادته في داخل المعادلة السياسية في مستقبل السودان، وكان ذلك ممكنًا بحسب تطوّر مراحل الإتفاق .
أما الدعم السريع وهو يجد النشوى ويتبختر في ردهات القاعات الوثيرة، وتسعى بين يديه أمريكا والمملكة لإرضاء غروره، فقد إشترط أن يُعيد عقارب الساعة إلى ما قبل ١٥ أبريل، وإعتبار ما كان لم يكن، وتعود قواته بكل آلياتها إلى معسكراتها المعلومة، وتستأنف وزارة المالية صرف المرتبات، والإمتيازات المالية كاملة، ويتم علاج الجرحى داخل وخارج السودان، ويسمح للقادة السفر أنّى شاؤوا.
نعم كانت هذه إشتراطات الدعم السريع لكنّها لم تضع نقطة الختام بعد؛ فقد إشترط أن يُعاد إعتقال ( *الهاربين من السجون* ) والمقصود عناصر النظام السابق الذين كانوا في السجون، وتم إطلاق سراحهم من قبل وزارة الداخلية ( *مصلحة السجون* ) بواسطة المدير العام برتبة الفريق، مع تعهدهم بالمثول متى ما طلب منهم.
هذا الشرط تفوح منه ريح ( *قحط* ) النتنة، في سعيها لتوظيف منبر التفاوض لدق اسفين الفتنة بين قيادة الجيش، وجموع الإسلاميين المستنفرين في صفوفه، وأوضحوا لقيادة الدعم أن التفاوض مع البرهان ليس أمرًا مقصودًا لذاته، بقدر ما هو مراوغة لإرهاقه، وكسب الوقت، وفرض واقع عسكري في الميدان، والشاهد على ذلك هو تسارع إيقاع عمليات الدعم، والتوسّع والإنتشار، فما إنتهى العام ٢٠٢٣ م إلا وتاتشرات الدعامة تطوي فيافي ولايات الوسط، وزادت شهيتها بالتوجه لإجتياح بورتسودان، لتضع نهاية دولة الجلابة ٥٦، وتبدأ مرحلة ( *ملك آل دقلو العضود* ) وقد خرجت التصريحات من غالب قيادات ( *قحط* ) بما يؤكّد ذلك، فهم لا يجدون مبررًا لخروج الدعم من بيوت الناس، فهي عندهم مغانم حرب، ومكاسب قتال، لن تعود ( *بأخوي وأخوك* ) ، بل إن ذلك الأمر إتفق مع مشروعات توطين السُكّان الجُدد ( *عربان الشتات* ) خاصةً بعد تم ترحيلهم بمئات الآلاف من حيثُ هم، وفعلاً تم تسكينهم في البيوت.
كانت هذه صورة الواقع قبل أن يغضب الجيش الحليم، إذ خرج البرهان ذات مقام، وقال لا يغرنّكم أنكم في جبل موية، وسنجة، والسوكي، والدندر، وأكّد على حتمية النصر للقوات المسلحة، هُنا ضحك الدعامة والقحاطة، وطفقوا يسخرون من ( *آبلدا أب قاش* ) يقصدون الجيش حيثُ يتنادى أبناؤه من ضبّاط الصف والجنود بينهم بكلمة ( *يا بَلد* ) يعني يا إبن بلدي، ويختصرونها أحيانًا ( *يا بُلده* ) ولكن الدعامة لا يفقهون.
الآن وبعد مرور عام على ذلك الوعد، ها هو يتحقّق، والدعم ينهزم، ويسحق ويحرق، وينسف للريح ناجس عظمه واهابه، كما قال ( *الشاعر التجاني يوسف بشير* )
حيثُ أحاطت ريح الغضب والإنتقام المصفرة وإستقبلت كٌل أودية الجنجويد، والأكيدة هي ما إستعجلتم به وإستهنتم ريح فيها عذاب أليم، تدمّر كُل ما إدخره الدعم من سلاح وعتاد ومخازن ملأى بكُل أنواع المعينات، وأرتال من المتحركات، ومئات آلاف الجنود والمتعاونين، ونفير الحواضن، والمرتزقة المأجورين، ودعم وتحريض الجوار ومؤازرة الخونة، ومراكز العون الفنّي لإدارة العمليات، وكشف تحركات الجيش، كُل هذا الجهد ( *الخبيث* ) ركمه الجيش بفضل الله تعالى، وألقاه خارج إطار العاصمة الجميلة الخرطوم.
قادة الدعم، والمستشارين، وأركان المؤامرة ( *جماعة الإطاري* ) كلّهم جميعًا يتمنون لو أن لهم كرّة وعودة إلى مفاوضات جدة، التي أهلّت الدعم أن يقف في مواجهة الجيش سواءً بسواء، وأن المكاسب المنصوص عليها في إعلان جدة كانت كبيرة، تؤكّد على بقاء الدعم بشكل من الأشكال،
ولكن الواقع العسكري الذي أراده الشعب السوداني ( *عدا القحاطة* ) وعمل لأجله جيشه العظيم الذي لم يخيب الرجاء فيه أبدًا ، عبر حقب التاريخ السوداني ، فقد كان دائما على الموعد، ورأس الشعب مرفوع، وكرامة الشعب موفورة، هذا الواقع العملياتي أخرج الدعم ليس فقط من المعادلة السياسية في مستقبل السودان، بل أخرجه من معادلة الوجود البتّة، فبخروجه من العاصمة والمركز إنتهت تمامًا إمكانات السيطرة على السودان المزمعة من الدعم ومساندي الدعم من القوى السياسية، والأطماع الإقليمية، والدولية، وستبدأ مباشرة المطاردات الساخنة ( *لفلول الجنجويد* ) المعرّدين إلى حواضنهم، المستجيرين بظهور ( *أم قرون* ) وصدى صوت المبدع محمد وردي يردّد ساخرًا عليهم ( *يااااا صبية* ،،، *الريح أو الجيش ورايا* ،،،، *خلي من صدرك غطايا* ،، *خلي من حضنك ضرايا* ،،)
لسان حال كل الجنجويد، يردّد عاوزين جدة.
لكن بينكم وجدة لُجّة ( *حمراء* ) من دماء سفكتموها بغير حق.
فقد طمر إعلان جدة وإلى الأبد، تحت أطماعكم، وتحريضات أعوانكم القحاطة.
وهذه هي عين سخرية القدر:
( *تأباها مملحة تكوسا كجيم ما تلقاها* ) .
شعار السودانيين هذه الأيام المباركات:
عيدٌ بلا جنجويد.
*جيش واحد شعب واحد*
*ولا غالب الا الله*
لواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم من
إقرأ أيضاً:
70 حالة وفاة جراء الكوليرا في الخرطوم خلال يومين
الخرطوم- قضى 70 شخصا خلال يومين جراء تفشي الكوليرا في السودان، حسبما أعلن مسؤولو الصحة الخميس29 مايو 2025، في وقت تواجه الخرطوم أزمة صحية متصاعدة بعد أكثر من عامين على اندلاع حرب مدمرة.
وأعلنت وزارة الصحة في ولاية الخرطوم تسجيل 942 حالة إصابة جديدة و25 وفاة الأربعاء، غداة تسجيل 1177 حالة إصابة و45 وفاة الثلاثاء.
وأتى ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا بعد أسابيع من ضربات بالطيران المسيّر نُسبت إلى قوات الدعم السريع، أدت إلى انقطاع إمدادات المياه والكهرباء في أنحاء العاصمة.
وشهدت الخرطوم الكبرى معارك معظم العامين الماضيين خلال الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأعلنت الحكومة المدعومة من الجيش الأسبوع الماضي أنها أخرجت قوات الدعم السريع من آخر مواقعها في ولاية الخرطوم بعد شهرين على استعادة قلب العاصمة منها.
ولحقت بالمدينة أضرار جسيمة فيما البنى التحتية للصحة والصرف الصحي بالكاد تعمل.
وأُجبر حوالى 90 في المئة من مستشفيات البلاد في مرحلة ما على الإغلاق بسبب المعارك، بحسب نقابة الأطباء، فيما تم اقتحام المنشآت الصحية بشكل دوري وقصفها ونهبها.
وفاقم تفشي الكوليرا الضغط على نظام الرعاية الصحية.
وأعلنت وزارة الصحة السودانية عن 172 حالة وفاة خلال الأسبوع المنتهي يوم الثلاثاء، 90 % منها في ولاية الخرطوم.
وقالت السلطات إن "نسبة الشفاء وسط المصابين بالكوليرا بمراكز العزل بلغت 89 %" محذرة من أن تدهور الظروف البيئية يؤدي إلى ارتفاع حالات الإصابة.
يعد وباء الكوليرا متوطنا في السودان لكنه يتفشى بشكل أسوأ بكثير وأكثر تكرارا منذ اندلعت الحرب.
- على حافة كارثة -
منذ آب/أغسطس 2024 سجّلت السلطات الصحية أكثر من 65,000 حالة إصابة وأكثر من 1,700 حالة وفاة في 12 ولاية من أصل 18 في السودان.
وسجلت ولاية الخرطوم وحدها أكثر من 7,700 حالة إصابة، منها أكثر من 1,000 حالة لأطفال دون سن الخامسة، و185 حالة وفاة منذ كانون الثاني/يناير.
وقالت مديرة لجنة الإنقاذ الدولية في السودان اعتزاز يوسف إن "السودان على حافة كارثة صحية عامة شاملة".
وأضافت أن "مزيجا من النزاع والنزوح وتدمير البنى التحتية الحيوية، ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة، يغذّي عودة تفشي الكوليرا وأمراض قاتلة أخرى".
وأودت الحرب التي دخلت عامها الثالث بين الجيش وقوات الدعم السريع بحياة عشرات الآلاف وأدت إلى نزوح 13 مليون شخص متسببة بأكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.
ونزح ما لا يقل عن ثلاثة ملايين شخص من ولاية الخرطوم وحدها، لكن أكثر من 34000 شخص عادوا إليها منذ أن استعاد الجيش السيطرة عليها خلال الأشهر الماضية، وفقا لأرقام الأمم المتحدة.
وعاد معظمهم ليجدوا منازلهم مدمرة بسبب المعارك، ومن دول أي إمكانية للوصول إلى مياه نظيفة أو خدمات أساسية.
وبحسب صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) فإن أكثر من مليون طفل معرضون للخطر في المناطق التي سُجّل فيها تفشٍ للكوليرا في الخرطوم.