لم تكن الحملات الإعلامية المسيئة للمقاومة الفلسطينية أمرا طارئا أو جديدا، بل كانت سلوكا متبعا من قبل الجهات المحاربة للمقاومة منذ فترة التسعينيات، في فترة انتفاضة الأقصى، غير أن هذه الحملات لم تحظ بشهرة كبيرة في تلك الحقبة بسبب محدودية وسائل الإعلام، وكان توجهها موجها بشكل أساسي نحو المجتمعات الغربية عبر اللغات الأجنبية.

 

 الحملات الإعلامية للمقاومة الفلسطينية 

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن القيم السياسية والأيديولوجية تلعب  دورا كبيرا في تشكيل تغطية وسائل الإعلام للأحداث في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل الحرب الحالية، وتتضح معايير مزدوجة تؤثر في تقديم الصورة الإعلامية للأحداث. يمكن تصنيف وسائل الإعلام الأمريكية إلى ثلاثة أصناف رئيسية.

وأضاف فهمي- خلال تصريحات لـ "صدى البلد":  "الصنف الأول يتضمن وسائل الإعلام المتخصصة، مثل المواقع الاقتصادية والصحف الرصينة، التي تهدف إلى تقديم رؤية موضوعية للأحداث في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من مصداقية هذه الوسائل، إلا أن تأثيرها يبقى محدودا في ظل سيطرة المنظمات اليهودية الكبرى، مثل "إيباك"، على الإعلام الأمريكي وتوجيهه لأهداف سياسية. هذا التأثير ينعكس في الطريقة التي يتم بها تناول المجازر والجرائم الإسرائيلية".

وتابع: " أما الصنف الثاني، الذي أطلق عليه "النمط الأمريكي"، فيشمل وسائل الإعلام التي تتبنى أيديولوجيات متنوعة لكنها تلتزم بمهنية معينة مع تلوين الحقائق، وهذه الوسائل تمزج بين الأخبار الصحيحة والمعلومات المغلوطة، مما يبرز التباين بين المعلومة الواضحة والخبر الذي قد يكون دقيقا أو مشوها".

ولم تتغير منهجية الماكينة الإعلامية العربية والمحلية في مهاجمة المقاومة الفلسطينية منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، بل ازدادت هذه المنهجية حدةً وتعقيدا، وأصبحت أكثر تقاربا مع رواية الاحتلال بشكل أو بآخر.

وتعتبر الرسالة الإعلامية من الروافد الهامة للمعركة بين المقاومة والاحتلال، وقد تحولت مع مرور الوقت إلى معركة قائمة بذاتها تشمل صراعا على الرواية والهوية، والحرب النفسية، وصناعة وتصدير الصورة. 

لطالما تفاخر الاحتلال بإتقانه لهذه المعركة الإعلامية على مدار عقود، إلا أن المقاومة الفلسطينية تمكنت من كسر هذه الهيمنة من خلال إعلامها العسكري والرسائل التي نقلتها إلى جمهورها داخل فلسطين وخارجها، خصوصا في ذروة معركة "طوفان الأقصى". 

ولكن مع تصاعد المعركة، تعرضت المقاومة لحملات إعلامية مضللة مماثلة لتلك التي يقودها الاحتلال، ولكنها جاءت هذه المرة من وسائل إعلام عربية ومنصات محلية. كيف تم ذلك؟

صفة "الإرهاب".. ما قبل الإبادة

ومنذ تأسيس السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية عام 1994، انطلقت حملات مهاجمة العمل العسكري المقاوم، الذي استمرت فيه حركتا حماس والجهاد الإسلامي بعد الانتفاضة الأولى. 

وبموجب اتفاق أوسلو وشروطه، قامت أجهزة أمن السلطة بملاحقة مجموعات المقاومة واعتقالها، في مرحلة شهدت ذروة التنسيق الأمني مع الاحتلال.

كما قامت السلطة بتنفيذ حملات إعلامية لتشويه صورة المطاردين، وهو ما تجلى في حادثة استشهاد محيي الدين الشريف عام 1998، حيث تم اتهام مجموعة من الشخصيات في حركة حماس، على رأسهم الشهيد عادل عوض الله، باغتياله. 

وكان الهدف من ذلك تشويه صورة عوض الله، الذي كان مطلوبا للاحتلال وللسلطة في تلك الفترة، وذلك بتهمة قيادته لكتائب القسام.

وروجت السلطة الفلسطينية باستمرار لفكرة "الإرهاب المتطرف"، وهو الوصف الذي استخدمته للإشارة إلى المقاومة الفلسطينية، من خلال الصحف الرسمية وتصريحات قادتها. 

وقد ظهر قائد جهاز الشرطة الفلسطيني في عام 1996 أثناء اقتحام الجامعة الإسلامية في غزة قائلاً: "كل مكان يوجد به جهات تطرف من حماس والجهاد سنداهمه.. سنجتث جذورهم". 

وقد أخذت وسائل الإعلام الخارجية هذه الروايات وأكملتها في تشويه صورة المقاومة.

وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، تم ربط العمليات الاستشهادية الفلسطينية التي قامت بها فصائل المقاومة بالإرهاب العالمي، مما عزز موقف السلطة الذي أدان العديد من العمليات واصفا إياها بالإرهاب.

وعلى مدار السنوات التي تلت انتفاضة الأقصى، لم تتوقف الحملات الإعلامية العربية والمحلية عن مهاجمة المقاومة في قطاع غزة، وتوجيه اتهامات لها، والتشكيك في مواقفها، بل حتى الاتهام بتقديم تنازلات للاحتلال، وارتباط وجودها بالمنحة القطرية التي كانت تدخل القطاع المحاصر. 

وكان تطور وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهم في انتشار هذه الحملات بشكل أكبر.

طوفان الأقصى واستكمال المعركة

منذ بداية معركة "طوفان الأقصى"، ومع مرور الشهور الأولى للمعركة، بدأ الإعلام العربي يتخذ مواقف أكثر خطورة، حيث كان يسير على خطى الاحتلال في دعم روايته، مما جعله إعلاما مضادا لرواية المقاومة الفلسطينية. 

وتصدرت وسائل الإعلام التابعة للأنظمة التي اتخذت مسار التطبيع العلني هذا الميدان، وانخرطت في أجندات التحالف العالمي ضد المقاومة الفلسطينية، وروجت الأكاذيب عنها، بل حتى هاجمت الشهداء بشكل مباشر. 

ولم يقتصر الإعلام العربي على تبني موقف معادٍ للمقاومة فحسب، بل برزت أيضا وسائل إعلام عربية تتخذ موقفًا رماديًا، بين الإعلام المقاوم والإعلام التطبيعي، وهذه الوسائل الإعلامية تتأرجح بين الدعم والمناهضة، حسب سير الأحداث وتغير مواقف الدول المالكة لهذه الوسائل. كانت هذه الوسائل تتبع سياسة متغيرة وفقًا للمتغيرات السياسية.

أما الإعلام المصري فقد لعب دورا مختلفا خلال الحرب، حيث اتسم بالرمادية، محاولا تلميع صورة النظام والموقف الرسمي المصري. وقد أدانت وسائل الإعلام المصرية مجازر الاحتلال في غزة، لكن تغطيتها اختلفت في بعض التفاصيل الدقيقة. 

وفقا للتحليلات السياسية، كان الرئيس السيسي بحاجة إلى دعم قوي لتشكيل تفويض قوي لاتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية للبلاد.

لذا، حاول الإعلام المصري تصوير الرئيس السيسي كـ "المدافع عن الشعب الفلسطيني" من خلال التركيز على رفضه السماح بنقل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء، وهو ما كان يسعى إليه الاحتلال.

إعلام السلطة.. الطعنة من القريب

فيما يتعلق بالإعلام المحلي الرسمي التابع للسلطة الفلسطينية، فإنه لم يختلف عن الإعلام العربي في مهاجمة المقاومة، سواء في غزة أو في الضفة الغربية، بل بذل الإعلام الرسمي جهودا كبيرة في تشويه صورة المطاردين وكسر رمزية المطارد الفلسطيني، عبر إطلاق توصيفات مثل "الخارجين عن القانون" و"الجاسوس" و"سارقين الأموال". 

كما كان هناك زعم بأن المسار المقاوم مرتبط بأجندات خارجية، على رأسها إيران.

وقد تواصلت هذه الحملة الإعلامية ضد المقاومة، حتى بعد استشهاد قادتها في قطاع غزة، حيث تم تحميل المقاومة مسؤولية الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال. وكان الإعلام الرسمي للسلطة الفلسطينية يساهم في نشر هذه الروايات.

فرحة غائبة وموت مؤجّل... كيف يستقبل سكان غزة أجواء عيد الفطر؟عائلات المحتجزين في غزة: نتنياهو يطيل الحرب للنجاة من لجنة التحقيقالاستمرار في الدور المضاد

مع استئناف جيش الاحتلال ارتكاب المجازر في قطاع غزة، انطلقت وسائل الإعلام العربية والمحلية مجددًا في مهاجمة المقاومة وتحميلها مسؤولية الإجرام الإسرائيلي، تجلى ذلك في بيان الرئاسة الفلسطينية الذي نشرته وسائل الإعلام الرسمية التابعة للسلطة، حيث اتهمت حماس بالمسؤولية عن المجازر في قطاع غزة.

وبذلك، استمر الإعلام العربي والإعلام الرسمي الفلسطيني في تبني نفس المنهج منذ بداية الحرب على قطاع غزة، في معركة الوعي والحقيقة التي تواجه بها المقاومة الفلسطينية العالم.

والخطاب الإعلامي المعادي للمقاومة الفلسطينية الذي توجهه وسائل الإعلام العربية والمحلية لا يقتصر على الاختلافات السياسية أو الأيديولوجية فقط، بل يسير في اتجاه منحاز بشكل كامل لرواية الاحتلال، مما يبرر القتل والإبادة، ويدخل في نطاق مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.

وزير التعليم العالي الفلسطيني: الاحتلال يستهدف المستقبل بتدمير مدارس غزةمظاهرات حاشدة في أوروبا لإحياء يوم الأرض الفلسطيني والمطالبة بوقف العدوان على غزة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الإعلام الإعلام العربي الاحتلال غزة فلسطين قطاع غزة المقاومة الفلسطینیة مهاجمة المقاومة الإعلام العربی الإعلام الرسمی وسائل الإعلام هذه الوسائل فی قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

الاحتلال الإسرائيلي يواصل حرب الإبادة في غزة لليوم الـ 625 على التوالي

الجديد برس| تواصل “إسرائيل”، لليوم الـ 625، شن حرب الإبادة الجماعية وارتكاب المجازر وجرائم الحرب ضد المدنيين في قطاع غزة، بالتوازي مع حصار مطبق واستخدام التجويع كأحد أسلحة الحرب الشاملة على القطاع. وأفادت مصادر طبية بوصول 17 شهيدًا إلى مستشفيات مدينة خانيونس جنوب قطاع غزّة صباح اليوم الأحد. وواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم، استهداف طالبي المساعدات من المجوّعين قرب مراكز “المساعدات” الإسرائيلية الأمريكية، ما أدى لوقوع عدد من الإصابات بينهم جنوب القطاع. وفي خضم المجاعة التي يعيشها المواطنون في قطاع غزة، وانقطاع الإمدادات، أعلنت منظمة المطبخ المركزي العالمي، مساء السبت، استئناف عملياتها بغزة بعد انقطاع 12 أسبوعا، واصفة الخطوة بـ “الإنجاز المهم”. آخر التطورات.. أعلن مستشفى العودة – النصيرات عن وصول شهيد و 3 إصابات بينهم طفل وطفلة جراء قصف إسرائيلي على منزل في بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة. واستهدف قصف إسرائيلي محيط مسجد القبة في مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة، في حين استهدف قصف مدفعي وسط خانيونس. وارتقى 6 شهداء بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي قرب مركز المساعدات الأمريكية شمال غربي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وهم: يوسف أحمد شاكر أبو يوسف، نجاح صبري إسماعيل أبو عرار، محمد سمير حسن الكحلوت، عبد عوني محمد النمنم، أسامة نظمي حمدان قديح، عزمي يحيى محمد أبو جابر. ووصل مستشفى العودة شهيد طفل وإصابة لسيدة جراء استهداف طائرات الاحتلال المُسيّر منزلًا في منطقة مخيم 2 بالنصيرات وسط قطاع غزة. وارتقى شهيدان وأصيب آخرون في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا لعائلة أبو بطيحان قرب أبراج عين جالوت جنوبي مخيم النصيرات. كما استشهد مواطنان أحدهما طفل، إثر قصف الاحتلال منزلين يعودان لعائلة شابط في حي التفاح مدينة غزة، وهما منصور محمد طلال الشوا، والطفل عمر علاء الدين شابط. وقصفت مدفعية الاحتلال وسط مدينة خانيونس والمنطقة المحيطة بمقابر الحي النمساوي جنوبي المدينة. وأصيبت المواطنة أمل طلال قشطة برصاص قوات الاحتلال في الرقبة، في منطقة أصداء شمالي مدينة خانيونس. وقصفت مدفعية الاحتلال محيط ملعب أنيس شمالي مخيم البريج وسط القطاع، ما أدى لتطاير الشظايا صوب منازل المواطنين (بلوك1) بالمخيم. واستشهد المواطن فاروق الغرباوي إثر قصف مدفعي إسرائيلي استهدف منزله فجر اليوم في مخيم البريج. وأعلنت مصادر محلية استشهاد اثنين من المواطنين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا لعائلة غراب في المخيم الجديد بالنصيرات وسط قطاع غزة. وأعلن الدفاع المدني الفلسطيني استشهاد أحد عناصره، وهو النقيب محمد ناصر غراب، باستهداف إسرائيلي مباشر لشقته في مخيم النصيرات. واستشهد عدد من المواطنين وأصيب عدد آخر، فجر اليوم الأحد، في قصف الاحتلال خيمة نازحين بمخيم الصمود بمواصي خانيونس. وقالت وحدة الإسعاف والطوارئ لوزارة الصحة الفلسطينية إنها انتشلت 3 شهداء وعدد من الإصابات جراء استهداف خيمة نازحين تعود لعائلة أبو شلوف مقابل مزارع فتوح في بئر 19 في منطقة المواصي غربي خانيونس، وهم سالم جمعة شلوف، وأحمد جمعة شلوف، أواب أمير أبو سنيمة. وأفادت مصادر محلية، بشن قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفًا مدفعيًا متواصلًا استهدف المناطق الشمالية والجنوبية من مدينة خانيونس. كما أفادت المصادر بإصابة عدد من المواطنين جرّاء قصف مدفعي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي، طال منزلاً لعائلة أبو حصيرة شرق مخيم النصيرات وسط القطاع. ونسفت قوات الاحتلال تنسف عددًا من منازل المواطنين شرق جباليا البلد شمال غزة. وذكرت المصادر، أن زوارق الاحتلال الحربية أطلقت النار بشكل مكثف صوب مراكب الصيادين في بحر مدينة خانيونس.

مقالات مشابهة

  • الصحفيون الإيطاليون ينظمون وقفة في روما تنديدا بجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين في غزة
  • لقاء بصنعاء يناقش الخطة الإعلامية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم
  • المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين تدعو وسائل الإعلام لتفادي نشر أو بث صور ضحايا ملعب 5 جويلية
  • الموسوي: ايران الدولة الأولى التي تقف على خط الجهاد لتمثل قلعة المقاومة
  • الاحتلال الإسرائيلي يواصل حرب الإبادة في غزة لليوم الـ 625 على التوالي
  • “الأحرار الفلسطينية”: ما تشهده الضفة الغربية والقدس جريمة حرب مكتملة
  • الاحتلال يفرض قيودا على النشر بشأن مجريات الحرب مع إيران
  • تأجيل محاكمة 117 متهما بقضية الخلية الإعلامية لجلسة 25 أغسطس المقبل
  • "أنا حي".. شامخاني "يعود للحياة" بعد إعلان إسرائيل اغتياله
  • لم أمت.. رسالة من علي شمخاني بعد إعلان إسرائيل مقتله تبثها وسائل إعلام إيرانية