الخرطوم – بعد مرور عامين على اندلاع الحرب في السودان، وانحسارها تدريجيا من وسط البلاد والعاصمة الخرطوم، تكشفت الخسائر الفادحة التي لحقت بالمواطنين في مختلف القطاعات.

ومع بدء عودة الحياة إلى بعض المدن، يجد كثير من السودانيين أنفسهم مضطرين للانطلاق من نقطة الصفر، بعد أن فقدوا ممتلكاتهم، ومدخراتهم، ومصادر دخلهم، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والإفلاس.

وتشير تقديرات الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق، إبراهيم البدوي، إلى أن الحرب تسببت في تدمير نحو 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، والذي يُقدّر بنحو 600 مليار دولار. كما أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي البالغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار.

ويرجع البدوي -خلال ندوة إلكترونية مؤخرا- حجم هذه الخسائر إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، التي تُعد المركز الاقتصادي الأول في البلاد، حيث يتركز نحو 25% من اقتصاد السودان، إضافة إلى امتداد الصراع إلى مدن حيوية أخرى مثل نيالا والفاشر في دارفور، وود مدني بولاية الجزيرة، وهي مناطق تُشكل عصب الإنتاج الزراعي والصناعي.

دمار واسع للبنية التحتية

قطاع البنية التحتية كان من بين الأكثر تضررا، إذ تعاني أكثر من 60% من المناطق السودانية من شح كبير في إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الاتصالات، بعد أن دمرت المعارك منشآت وشبكات حيوية.

بيانات اتحاد أصحاب العمل السوداني تشير إلى أن البلاد فقدت نحو 80% من وحداتها الإنتاجية (الجزيرة)

كما تضررت البنية الصناعية بصورة جسيمة، إذ تشير بيانات اتحاد أصحاب العمل السوداني إلى أن البلاد فقدت نحو 80% من وحداتها الإنتاجية، حيث تضرر أكثر من 600 مصنع بشكل كلي أو جزئي، من بينها 400 مصنع في الخرطوم وحدها.

إعلان نزيف العملة وتضخم غير مسبوق

تدهورت قيمة العملة المحلية بشكل غير مسبوق، إذ يُتداول الدولار الأميركي حاليا بحوالي 2700 جنيه سوداني، مقارنة بـ600 جنيه فقط قبل اندلاع الحرب.

وفي دراسة حديثة، قدّر الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز إجمالي خسائر القطاعات الاقتصادية خلال عامين من الحرب بنحو 108.8 مليارات دولار، موضحا أن الخسائر غير المباشرة الناجمة عن توقف دورة المال قد تكون أكبر بكثير من هذا الرقم.

وتوضح الدراسة أن قطاع الطيران والمطارات تكبّد خسائر تقدر بـ3 مليارات دولار، بينما خسر قطاع البنية التحتية العامة، بما في ذلك الوزارات، الجامعات، المتاحف، وطرق الولايات، قرابة 10 مليارات دولار.

وتُقدّر الخسائر في قطاع الكهرباء والمياه والطاقة بـ10 مليارات دولار، وفي القطاع التجاري والسياحة والفنادق بـ15 مليار دولار، في حين بلغت خسائر القطاع الزراعي وحده 10 مليارات دولار.

إفلاس وفقر جماعي

لم تكن الخسائر حكومية أو مؤسساتية فقط، بل طالت المواطنين أنفسهم. فقد تعرض نحو 10 آلاف منزل في ولاية الخرطوم للنهب الكامل، بما في ذلك الخزائن الخاصة، وفقا لعادل عبد العزيز.

كما استولت قوات الدعم السريع المتمردة على نحو 30 ألف مركبة خاصة، وتُقدّر الخسائر المباشرة للمواطنين بـ10 مليارات دولار.

الحرب رفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 65% (مواقع التواصل)

وتشير الباحثة الاجتماعية سلمى الأمين إلى أن الحرب رفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 65%، وأثرت سلبا على رجال الأعمال، حيث أُجبر بعضهم على إعلان الإفلاس ومغادرة البلاد.

وتوضح الأمين في حديثها أن أغلب الأسر السودانية كانت تعتمد على تحويلات المغتربين قبل الحرب، لكن هذه التحويلات تحوّلت اليوم إلى تغطية شاملة للمعيشة بعدما فقدت الأسر المحلية مصادر دخلها.

نحو العودة من الصفر

تُقدّر بيانات صندوق النقد الدولي أن أكثر من 3 ملايين سوداني فقدوا وظائفهم خلال الحرب. وبحسب الباحثة الاجتماعية الأمين، فإن غالبية المواطنين يبدؤون الآن رحلة العودة للحياة العملية من الصفر، وهو ما يتطلب سياسات مصرفية واجتماعية غير تقليدية لتشجيع الإنتاج وتقليل نسب الفقر والبطالة.

إعلان

ويؤكد الخبير الاقتصادي هيثم فتحي أن السودانيين يستحقون التعويض عن الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بهم، داعيا إلى استغلال المعونات الدولية والصناديق الصديقة لتعويض المتضررين، مشددا على ضرورة دعم المجتمع الدولي لإنصاف الشعب السوداني.

أموال خارج النظام المصرفي

وفي سياق متصل، يرى الناشط الاجتماعي عبد الله العاقب أن الحرب كشفت عن امتلاك الشعب السوداني لثروات ضخمة خارج النظام المصرفي، إذ إن أكثر من 80% من أموال السودانيين بالعملة المحلية، ونحو 90% من الذهب والعملات الأجنبية، محفوظة خارج الإطار المصرفي الرسمي، ما جعلها عرضة للنهب والفقدان.

ويعتقد العاقب أن أموال السودانيين بالخارج، ولا سيما أموال المغتربين في البنوك الأجنبية، يمكن أن تُشكّل نواة لتحريك الاقتصاد وامتصاص البطالة، شرط توفير بيئة آمنة ومستقرة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ملیارات دولار أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

الإمارات و3 دول عربية تستقطب 4 مليارات دولار في قطاع الأدوية


الكويت (وام)
كشف تقرير حديث صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات «ضمان» عن استقطاب قطاع الأدوية في الدول العربية لـ 184 مشروعاً استثمارياً أجنبياً، بتكلفة إجمالية تجاوزت 5.4 مليار دولار، مساهماً في توفير ما يزيد عن 25 ألف فرصة عمل، وذلك خلال الفترة الممتدة من يناير 2003 وحتى ديسمبر 2024.
وأكد التقرير القطاعي الأول لعام 2025 الصادر عن «ضمان» حول قطاع الأدوية في الدول العربية، الدور المحوري لدولة الإمارات التي جاءت ضمن أربع دول عربية كبرى إلى جانب المملكة العربية السعودية والجزائر ومصر استحوذت مجتمعة على النصيب الأكبر من هذه الاستثمارات، حيث اجتذبت هذه الدول الأربع 141 مشروعاً أجنبياً، أي ما يمثل 77% من إجمالي المشاريع، وبتكلفة استثمارية بلغت قرابة 3.9 مليار دولار، مشكلةً بذلك 71% من إجمالي التكلفة، كما أسهمت هذه المشاريع في توفير نحو 18,600 فرصة عمل، وهو ما يعادل 74% من إجمالي الوظائف التي أحدثتها الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع الحيوي على مستوى المنطقة.
وأوضح التقرير، الذي يركز على 4 محاور رئيسة هي «تطور ومستقبل مبيعات الأدوية حتى عام 2030، والتجارة الخارجية في الأدوية لعام 2023، والمشاريع الأجنبية في قطاع الأدوية، وتقييم مخاطر الاستثمار والأعمال في قطاع الأدوية عام 2025»، أن المملكة المتحدة تصدرت المقدمة كأهم دولة مستثمرة في المنطقة العربية، حيث نفذت 26 مشروعاً في خلال الفترة «2003-2024» بتكلفة استثمارية 811 مليون دولار، ووفرت أكثر من 3 آلاف وظيفة جديدة.
وأشار التقرير إلى استحواذ الشركات العشر الأولى على نحو 26% من عدد المشاريع الجديدة المنفذة، و48% من التكلفة الرأسمالية، و49% من مجمل الوظائف الجديدة، وتصدرت كل من شركة أسترازينيكا البريطانية وسانوفي الفرنسية المقدمة وفق عدد المشاريع بـ 9 مشاريع لكل منهما مثلت 5% من الإجمالي، فيما تصدرت مجموعة فارما أوفرسيز المصرية المقدمة كأكبر مستثمر من حيث التكلفة الاستثمارية التقديرية بقيمة 500 مليون دولار وبحصة تخطت 9% من الإجمالي، بينما حلت شركة رافا للصناعة الكورية الجنوبية في المقدمة وفق عدد الوظائف المستحدثة بعدد 3 آلاف وظيفة، مثلت نحو 12% من الإجمالي. وبين التقرير أن 6 دول عربية فقط هي «السعودية والكويت والإمارات ومصر والأردن والمغرب»، استثمرت في 25 مشروعاً بينياً في قطاع الأدوية بما يمثل نحو 14% من إجمالي المشاريع الأجنبية في القطاع خلال 22 عاما، وتجاوزت تكلفتها الاستثمارية 1.6 مليار دولار بما يمثل نحو 30% من مجمل تكلفة المشاريع الأجنبية في القطاع، ووفرت ما يزيد على 5 آلاف وظيفية ونفذتها 23 شركة عربية.
أما على صعيد مخاطر وحوافز الاستثمار والأعمال في قطاع الأدوية في 14 دولة عربية وفق وكالة فيتش، والتي تم رصدهما من خلال مؤشرين لتقييم المخاطر والحوافز لعام 2025، فقد جاءت الإمارات والسعودية والكويت وقطر في مقدمة الترتيب العربي كأكثر الدول العربية جاذبية للاستثمار في قطاع الأدوية، تلتها كل من المغرب والبحرين والجزائر ومصر على التوالي.
وتوقع التقرير زيادة تتجاوز 5% في مبيعات الأدوية في المنطقة العربية «19 دولة» إلى نحو 48 مليار دولار بنهاية عام 2025، مع توقعات باستمرار ارتفاعها لتتجاوز 59 مليار دولار عام 2030، كما أشار التقرير إلى التركز الجغرافي الكبير لتلك المبيعات في عدد محدود من الدول، حيث من المرجح أن تستحوذ 5 دول هي السعودية والإمارات ومصر والجزائر والكويت على 70% من إجمالي مبيعات الأدوية في المنطقة العربية بنهاية عام 2025. وتوقع التقرير كذلك ارتفاع متوسط نصيب الفرد من مبيعات الأدوية في المنطقة العربية بمعدل 2.8% ليتجاوز 197 دولاراً بنهاية عام 2025.
وأشار التقرير إلى ارتفاع قيمة تجارة الدول العربية الخارجية في الأدوية بمعدل 10.5% إلى 23.4 مليار دولار عام 2023، مع استحواذ 5 دول هي الإمارات والسعودية ومصر والكويت والأردن على 74% منها، حيث ما زالت صادرات الدول العربية من الأدوية متواضعة، رغم ارتفاعها بمعدل 20% إلى 3.9 مليار دولار عام 2023، وذلك مقارنة بوارداتها من الأدوية والتي ارتفعت بمعدل 9% إلى 19.5 مليار دولار، ليتجاوز عجز ميزان تجارة الأدوية 15.5 مليار دولار عام 2023.
وأضاف التقرير أن أهم 10 دول مصدرة إلى المنطقة خلال عام 2023، استحوذت على نحو 68% من مجمل واردات المنطقة من الأدوية بقيمة 13.3 مليار دولار، وتصدرت ألمانيا المقدمة كأكبر مصدر للمنطقة بقيمة 2.5 مليار دولار، فيما استحوذت قائمة أهم 10 دول مستوردة من المنطقة «منها 9 دول عربية» على 71% من مجمل الصادرات العربية بقيمة تخطت 2.7 مليار دولار، مع تصدر السعودية المقدمة كأكبر مستورد من المنطقة باستحواذها على نحو 14% من الإجمالي بقيمة تخطت 500 مليون دولار.

مقالات مشابهة

  • الإمارات و3 دول عربية تستقطب 4 مليارات دولار في قطاع الأدوية
  • الإبادة الإسرائيلية تتفاقم بغزة عبر سلاح التجويع وعسكرة المساعدات
  • مراكز الإغاثة في غزة.. تمويل غامض يرهق اقتصاد إسرائيل
  • العاملين بالتعليم: اقتصاد المنصات استحدث وظائف أكثر مرونة
  • تجار الملابس في إسطنبول يتطلعون لإنهاء الحرب الأوكرانية لوقف نزيف الخسائر
  • كيف خسرت روسيا قاذفات نووية بـ7 مليارات دولار خلال دقائق؟
  • الخسائر تقدر بـ 7 مليارات دولار.. أوكرانيا تعلن نتائج ضربة شبكة العنكبوت
  • الحكومة تستهدف زيادة تحويلات المصريين بالخارج لـ 45 مليار دولار 2029.. نواب: خطوة لبناء اقتصاد أكثر استدامة .. ووجود سعر صرف مرن يجذب العملة الصعبة
  • ارتفاع نسبة التعافي إلى99% ووالي الخرطوم يتفقد مراكز العزل لمرضى الكوليرا بجبل أولياء
  • الجيش السوداني يتصدى لهجوم بطائرات مسيرة في أجواء بورت سودان