في كل صباح يبدأ عمر وهو اسم مستعار لشاب في العشرينات من عمره، يبدأ يومه بذات الفكرة العالقة متى أعود؟ وكيف؟ فبعد اندلاع الحرب لم تمنحه وقتا للتفكير بل أجبرته على الهروب فترك خلفه شوارع الخرطوم التي عرفها جيدا وأصدقاء الساحات والهتاف وحتى عائلته التي ما زالت تقاوم البقاء في منطقة تغلي بنيران النزاع.

التغيير – فتح الرحمن حمودة

استقر عمر في أوغندا لاجئا لكن روحه ظلت معلقة هناك حيث يُحتجز قلبه بين ذكريات وطن يتآكل وحنين لا يهدأ بعد  عامان مرا منذ اندلاع الحرب كانا كفيلان بأن يقلبا حياته رأسا على عقب كما فعلا بحياة آلاف السودانيين الذين تاهت بهم الطرق وتبددت أحلامهم.

و اليوم دخلت الحرب السودانية عامها الثاني لا كذكرى عابرة بل كظل ثقيل ما زال جاثما على صدر البلاد و لم تكن مجرد حرب بين طرفين متنازعين بل تحولت إلى زلزال اجتاح النفوس والمكان فغير ملامح المدن والقرى ومزق تفاصيل الحياة اليومية وخلف جراحا لا تندمل.

و وسط هذا المشهد حملت «التغيير » سؤالا بسيطا في مظهره عميق في معناه ما الذي تغير في حياة الناس؟ ومن المنافي إلى مدن الصراع كانت قد بدأت رحلة البحث عن الإجابة بين الذين عانوا ويلات اللجوء أو من ظلوا في الداخل يتشاركون في مواجهة قسوة الحياة اليومية وثقل الفقدان .

و قالت فاتن الزين لـ  «التغيير » إن حياتهم تغيرت بشكل جذري خلال عامين من الحرب حتى اضطروا للنزوح من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة وأكدت أن التأثير الأكبر كان على أطفالها الذين انفصلوا عن والدهم بسبب عمله كجندي في المؤسسة العسكرية مشيرة إلى أنهم كانوا شديدي التعلق به.

و مضت في حديثها : عانيت كثيرا لأساعد أطفالي على تجاوز هذا الفقد خاصة في ظل انقطاع التواصل بيننا أحيانا وما يصاحبه من قلق دائم، و تضيف بعد فترة من الإقامة في الجزيرة لجأت إلى خارج البلاد واستقرينا وهنا شعرت العائلة بالأمان رغم غياب الأب الذي كان قد مات على إثر سقوط طائرة عسكرية وكان لهذا الحدث أثر بالغ علينا جميعا و كانت صدمة قاسية على الأطفال وأصبح علينا أن نبدأ من جديد من نقطة الصفر ونحاول بناء حياة تستمر رغم كل الفقد .

بينما قالت فاطمة حسين إن أكثر ما أثر فيها بعد مرور عامين على اندلاع الحرب هو أنها وجدت نفسها تعيش في مكان لم تتخيل يوما أنها ستسكن فيه وأضافت بحسرة :”عندما أزور بيتنا أحس كأني ضيفة في منطقتي و هذا الإحساس  مؤلم جداً”.

وتابعت فاطمة في حديثها لـ « التغيير » حتى الناس الذين اصبحنا نراهم في المنطقة باتوا غرباء لأن الجيران والأهل والأصحاب الذينا تربينا معاهم نزحوا وابتعدوا عن منازلهم و هذا وجع كبير وفي نفس الوقت الناس الحولينا في المكان الجديد أيضاً لا نعرفهم  لأنهم غرباء علينا لكنا مضطرين نتعامل معاهم ونتأقلم رغم اختلاف العادات والثقافات و هذا أمر صعب .

و منذ اندلاعها في 15 أبريل 2023 لم تتوقف الحرب عن خطف الأرواح وتشريد الملايين في ما يعد أسوأ كارثة إنسانية في تاريخ البلاد الحديث وبعد مرور عشرين شهرا من القصف والمعارك والنزوح صارت البلاد مسرحا مفتوحا للفقد المستمر والانهيار الكامل في مؤسسات الدولة وخدماتها.

اما جهاد محمد قال إن الأوضاع الاقتصادية والنفسية خلال عامين من الحرب كانت صعبة للغاية بالنسبة لهم و أنها اجبرت معظم الناس على ترك منازلهم واللجوء إلى المدارس التي إن توفرت فيها المياه فهي غير صالحة للشرب والمراحيض فيها تعاني من ضغط استخدام شديد.

وأضاف في حديثه لـ  « التغيير » أن الخوف المستمر من تجدد العمليات العسكرية وسقوط القذائف كان له الأثر الأكبر على حياتهم اليومية مما جعلهم يعيشون في خوف و هلع بشكل يومي إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار السلع والمواد الاستهلاكية.

و لكن سلمى أحمد قالت إنه طوال العامين الماضيين لم يطرأ أي تغيير سوى ازدياد المآسي والأحزان التي عاشوها يوميا وأضافت اصبح ما عاد هناك شيء يؤثر علينا تعودنا على الوجع و نتعايش مع كل شئ ونقول «في شنو تاني ممكن يحصل أكتر من الحصل لينا » على حد تعبيرها .

ورغم هذا الواقع القاسي اختتمت سلمى في حديثها لـ «التغيير» بروح صبر وإيمان قائلة نحمد الله على كل شئ وندعوه إن يصلح الحال ويكتب لنا أياما أفضل و ان تتوقف هذه الحرب .

و كانت قد شهدت مناطق القتال الرئيسية مواجهات عنيفة بين الأطراف المتحاربة استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والقذائف ما تسبب في حالة من الذعر والهلع وسط المدنيين وعرض حياتهم للخطر بشكل مستمر.

و على الرغم من مرور عامين من الحرب إلا انه حتى الآن لا تلوح في الأفق أي حلول سياسية حقيقية فالمحاولات الدولية والإقليمية لإيقاف القتال كانت قد فشلت والمبادرات ظلت تراوح مكانها فيما تواصل الحرب اجتياحها لكل شيء حتى الحجر والبشر،الحلم والهوية لم ينجوا منها .

الوسوم15 أبريل الحرب السودان اللجوء النزوح عامان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: 15 أبريل الحرب السودان اللجوء النزوح عامان

إقرأ أيضاً:

جنرال إسرائيلي: لماذا لم تُهزم حماس بعد كل الضربات التي تلقتها؟

تساءل جنرال إسرائيلي عن أسباب عدم هزيمة حركة حماس في قطاع غزة، رغم الضربات المتتالية التي تلقتها الحركة على مدار 22 شهرا من الحرب الدموية.

وقال اللواء بقوات الاحتياط غيرشون هكوهين في مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، إنه يلوح سؤال: "كيف لم تُهزم حماس بعد كل الضربات التي تلقتها؟"، منوها إلى أن النقاش الأخير بين رئيس الأركان ورئيس الوزراء، يتلخص في معضلة بين مسارين محتملين للعمل في المعركة القادمة.

وأوضح هكوهين أن "المسار الأول يهدف إلى احتلال قطاع غزة بالكامل في خطوة سريعة، والمسار الثاني يقترح تطويق مراكز قوة حماس"، مضيفة أنه "عند مناقشة المسارين، نرى هناك مزايد وعيوب لكل منهما، ولا يضمنان نهاية سريعة للحرب".

وتابع: "في خضم هذا الحديث فإنّ السؤال الذي يظهر هو كيف لم تهزم حماس بعد كل الضربات التي تلقتها؟"، مؤكدا أن "القول بأن ليس لديها ما تخسره هو تفسير مجتزأ. أما التفسير الأعمق فيتطلب النظر إلى قوة الإيمان الإسلامي التي تُحرك حماس".

وأردف قائلا: "مع أننا نُدرك البُعد الروحي الذي يُحرك الأعداء، إلا أننا في تصورنا للحرب، وفي تفكيرنا في طريق النصر ضدهم، نجد صعوبة في ربط البُعد المادي للأعداء ببُعدهم الروحي. يُظهر جيش الدفاع الإسرائيلي كفاءةً في كل ما يتعلق بالعمليات في البُعد المادي. لكن النظر إلى البُعدين معًا، في كيفية تشكيلهما حاليًا لروح الحرب لدى الأعداء من حولهم، يُمكن أن يُفسر كيف ولماذا كانت غزة، ولا تزال، نقطة ارتكاز الحرب الإقليمية بأكملها".



ولفت إلى أنه "رغم رحيل القائد الذي أشعل فتيل الحرب الإقليمية، إلا أن روحه تُحرّك قوى الجهاد في جميع المجالات. أشاد زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، في خطابٍ له قبيل ذكرى عاشوراء الشيعية في الخامس من يوليو/تموز، بموقف حماس البطولي قائلاً: "في غزة، تتجلّى كربلاء جيلنا". يُصبح مثال حماس في التضحية في غزة مصدر إلهامٍ لإرث التضحية - إرث أتباع الإمام الحسين".

ورأى أنه "من الواضح تمامًا أن قيادة حماس، التي تمسكت بمواصلة الحرب رغم صعوبة الوضع في غزة وحالة السكان، لا ترى في وضعهم "تفعيلًا لآلية تدمير ذاتي". في قوة الإيمان الجهادي وواجب التضحية، ثمة تفسير لكل المعاناة والدمار المحيط بهم. بالنسبة لهم، يُقصد اختبار الإيمان في مثل هذه الأوقات تحديدًا، في القدرة على تحمل المعاناة بصبر وانتظار الخلاص".

وتابع: "ما يعزز آمالهم في النصر هو الصورة المعاكسة لأصوات الضيق التي ترتفع من المجتمع الإسرائيلي"، معتبرا أنه "في مثل هذا الوضع الحربي، يتضح البعد الذي يتجاوز الأبعاد المادية للحرب. وبما أن تصور أعدائنا للحرب كجهاد يجمع جميع الأبعاد المادية والروحية، فلا بد لنا من التعمق ليس فقط في تقويض أصولها المادية، وهو ما يتفوق فيه جيش الدفاع الإسرائيلي، بل أيضًا في الإضرار المتعمد بالأساس الروحي للعدو".

وختم قائلا: "بالطبع، هذه دعوة لتغيير عقليتنا، ليس فقط في نظرتنا للحرب، بل أيضًا في إدراكنا لبعد الوعي فيها. هنا يكمن مجال عمل لم يتعمق فيه قادة دولة إسرائيل لأجيال، ولكنه أصبح الآن ضروريًا"، على حد قوله.

مقالات مشابهة

  • جنرال إسرائيلي: لماذا لم تُهزم حماس بعد كل الضربات التي تلقتها؟
  • توقف لمدة عامين.. “الدايات” ينجح في إجراء أول عملية ولادة قيصرية بعد الحرب
  • أمطار رعدية.. الأرصاد تكشف تفاصيل الموجة شديدة الحرارة التي تضرب البلاد
  • البرهان لبرنار هنري ليفي: هذه هي الديمقراطية
  • طقس فلسطين : موعد تراجع الموجة الحارة التي تضرب البلاد
  • منظمة الصحة العالمية: ما يقرب من 100 ألف حالة اشتباه بالإصابة بالكوليرا في السودان
  • تم احتواء الكوليرا في الخرطوم والوفيات صفر
  • “قتلت 10% من سكان غزة”.. تقرير عالمي عن تفوق إسرائيل على النازيين في قتل المدنيين
  • «حشد»: إعادة احتلال غزة يمثل عدوان مجرم يهدد حياة المدنيين
  • ???? وفاة مواطن سوداني داخل قسم شرطة مصري.. السلطات المصرية كانت تنوي ترحيله إلي السودان