طهران- بين تصعيد الحراك الدبلوماسي والمناورة السياسية، دخل الملف النووي الإيراني مرحلة جديدة من التفاعلات، مع إعلان طهران استقبال مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، وذلك قبيل أيام من انطلاق جولة تفاوض ثانية "غير مباشرة" مع الولايات المتحدة في العاصمة العُمانية مسقط.

وبالموازاة مع هذه التطورات، نقلت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية عن كاظم غريب آبادي نائب وزير الخارجية أن غروسي سيصل إيران مساء اليوم، وسيلتقي مسؤولين كبارا، بينهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وكبير المفاوضين النوويين وزير الخارجية عباس عراقجي.

من جهته، كتب غروسي -عبر منصة إكس– أنه سيزور طهران "لمناقشة سبل تحسين وصول مفتشي الوكالة إلى المواقع النووية الإيرانية"، مؤكدا "ضرورة استمرار التعاون والتواصل مع إيران، في وقت تشتد فيه الحاجة لحلول دبلوماسية".

وتأتي الزيارة المرتقبة لغروسي في وقت حرج، وسط تراجع كبير في نطاق تعاون إيران مع الوكالة منذ انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، وردّ طهران التدريجي بتقليص التزاماتها، بما في ذلك الحد من وصول المفتشين إلى مواقع حساسة.

هذه التطورات تفتح الباب أمام تساؤلات ملحة حول طبيعة العلاقة الحالية بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران، وحدود التعاون الفني، ومواقف الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من البرنامج النووي الإيراني.

إعلان

كما تثير تساؤلات -عرضتها الجزيرة نت في سؤال وجواب- عن مدى قدرة الوكالة على مراقبة التزامات إيران، وعما إذا كانت تشكو عراقيل حقيقية في الوصول إلى المعلومات والمنشآت.

هل يتطابق موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع مواقف واشنطن وأوروبا تجاه البرنامج النووي الإيراني؟

تُركّز الوكالة على الجوانب التقنية والرقابية، إذ أعرب مديرها العام رافائيل غروسي عن قلقه من توسع إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، مشيرا إلى أن ذلك يُقرِّبها من مستوى التخصيب اللازم للأسلحة النووية.

كما وصف الاتفاق النووي في 2015 بأنه "قشرة فارغة" لعدم التزام إيران ببنوده، وانتقد نقص التعاون من جانب طهران، خاصة بما يتعلق بآثار اليورانيوم في مواقع غير معلنة.

كما تتبنى واشنطن موقفا أكثر تشددا، وتطالب إيران بوقف تخصيب اليورانيوم كشرط أساسي لأي اتفاق نووي جديد، وحذَّرت من امتلاك "بدائل أخرى" إذا فشلت المفاوضات، في إشارة إلى احتمال اتخاذ إجراءات تصعيدية.

وتسعى الدول الأوروبية للحفاظ على الاتفاق النووي عبر الوسائل الدبلوماسية، لكنها أبدت استعدادها لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، كإحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي، في حال استمرار إيران في عدم التعاون مع الوكالة.

وفي حين تركز "الوكالة الذرية" على الجوانب التقنية والرقابية، تتبنى أميركا موقفا أكثر تشددا يشمل تهديدات بإجراءات تصعيدية، وتسعى أوروبا للتوازن بين الدبلوماسية والضغط السياسي، مما يخلق تباينا في المواقف بين الأطراف الثلاثة، رغم تقاطع بعض النقاط.

ما الدور العملي الذي يقوم به مفتشو الوكالة داخل إيران؟ وعن ماذا يفتشون بالضبط؟

يضطلع مفتشو "الوكالة الذرية" في إيران بالأدوار التالية:

التحقق من سلمية البرنامج النووي بمراقبة استخدام المواد النووية ومنع تحويلها لأغراض عسكرية. تفتيش المنشآت النووية، مثل "نطنز" و"فوردو"، لضمان تطابقها مع المعلومات المقدّمة. رصد التخصيب، خاصة لليورانيوم المخصّب بنسب عالية (حتى 60%). استخدام معدات رقابية، مثل الكاميرات وأخذ العينات البيئية. تكرار التفتيش، حيث تخضع إيران لأكثر من 25% من عمليات تفتيش الوكالة عالميا. إعلان

ورغم بعض التوترات، ما زالت إيران تتعاون جزئيا مع المفتشين، لكنها قيّدت دخول بعضهم مؤخرا، احتجاجا على "تسييس" الوكالة.

ما أبرز محطات التوتر بين الوكالة وإيران خلال السنوات الأخيرة؟ يونيو/حزيران 2020، اكتشاف مواقع غير معلنة:

أعلنت الوكالة العثور على آثار يورانيوم في موقع "تورقوزآباد" بطهران، مما شكّل بداية تصعيد طويل حول مواقع لم تصرّح بها إيران رسميا.

فبراير/شباط 2021، تقليص وصول المفتشين:

بدأت إيران تقليص تعاونها مع الوكالة بموجب قانون "الإجراء الإستراتيجي لرفع العقوبات"، مما منع المفتشين من الوصول إلى بعض المنشآت.

يونيو/حزيران 2022، قرار إدانة من مجلس محافظي الوكالة:

طالبت الوكالة رسميا إيران بالتعاون بشأن المواقع غير المعلنة، فردّت إيران بإزالة كاميرات المراقبة التابعة للوكالة.

سبتمبر/أيلول 2023، منع مفتشين دوليين:

ألغت إيران اعتماد عدد من مفتشي الوكالة ذوي الخبرة، وهو ما وصفته الوكالة بـ"الخطوة غير مسبوقة".

يونيو/حزيران 2024، قرار ثانٍ من مجلس المحافظين:

دان مجلس محافظي الوكالة إيران مجددا بسبب عرقلة التفتيش، وطالبها بالتعاون الكامل.

يناير/كانون الثاني 2025، استمرار رفض التعاون وتلويح بالتصعيد:

أبلغت الوكالة استمرار إيران بحجب المعلومات وتقييد التفتيش. وصدر قرار جديد من مجلس المحافظين ينتقد الموقف الإيراني.

مارس/آذار 2025، تقرير رسمي عن زيادة التخصيب:

أعلنت الوكالة أن إيران رفعت مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% ليصل إلى 275 كيلوغراما، مما يقترب من مستويات صنع سلاح نووي.

أبريل/نيسان 2025، تهديد إيراني بإجراءات ضد الوكالة:

هددت إيران بـ"إجراءات ردعية" تشمل وقف التعاون وطرد مفتشين، في حال استمرار الضغوط الغربية.

هل تشتكي الوكالة من عدم تمكينها من الوصول الكامل للبرنامج النووي الإيراني؟

أبدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قلقا من محدودية وصولها لبعض المواقع النووية الإيرانية. وأشارت في تقريرها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إلى وجود جزيئات يورانيوم في مواقع غير معلنة داخل إيران، مما يعكس عدم تعاون كامل من قبل إيران في تزويد الوكالة بمعلومات دقيقة حول مواقع المواد النووية أو المعدات الملوثة.

إعلان

كما دعا تقرير ثان، أواخر الشهر نفسه، إيران لضرورة تقديم تقرير كامل عن تعاونها مع الوكالة بهذه القضايا، بما فيها القدرة على التحقق من تنفيذ إيران لالتزاماتها المتعلقة بالضمانات النووية، بناء على جميع المعلومات المتاحة، للنظر فيها من قبل مجلس حكام الوكالة في مارس/آذار 2025 أو بأقرب وقت ممكن في ربيع 2025.

من جانبها، أكدت إيران مرارا أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط، وأرسلت البعثة الإيرانية لدى الوكالة رسالة إلى غروسي، في فبراير/شباط 2021، أبدت فيها قلقا بشأن حماية المعلومات السرية المتعلقة بالأنشطة النووية، وأكدت أن الكشف عن هذه المعلومات قد يشكل تهديدا للأمن القومي الإيراني.

ما تأثير التوتر بين الوكالة وإيران على المفاوضات بين طهران وواشنطن الجارية في مسقط؟

تتأثر المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في مسقط بتوترات قائمة بين طهران والوكالة الذرية. إذ ترى إيران أن طلب الوكالة تقريرا شاملا عن برنامجها النووي يشكل "بدعة خطيرة" ويفتقر إلى أساس قانوني، بينما تتهم الوكالة إيران بعدم التعاون، مما يُعقِّد المفاوضات أكثر.

ورغم هذه التوترات مع الوكالة، فإن طهران تسعى للتفاوض مع واشنطن على أساس "مصلحتها الوطنية وحقوقها غير القابلة للتنازل"، دون الخضوع للضغط أو الترهيب، كما تواصل إيران مباحثاتها مع أميركا، مؤكدة الحفاظ على حقوقها الوطنية وعدم التفاوض تحت الضغط.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الوکالة الدولیة للطاقة الذریة النووی الإیرانی مع الوکالة مواقع غیر

إقرأ أيضاً:

إيران: لا دليل على “أبعاد عسكرية” لبرنامجنا النووي

البلاد – طهران
في تصعيد دفاعي قبيل اجتماع حاسم لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قالت إيران إنه لا وجود لأي أبعاد عسكرية لبرنامجها النووي، زاعمة أن تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% لا يمثل انتهاكاً لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT).
وأكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في مذكرة رسمية، أن أنشطتها النووية تقع تحت إشراف كامل من الوكالة الدولية، مشددة على أن “البرنامج النووي الإيراني سلمي تماماً، ولا يوجد أي دليل يثبت توجهه نحو أهداف تسليحية”.
وأضافت المنظمة أن بعض مظاهر التلوث النووي في مواقع معينة داخل البلاد ناتجة عن “أعمال تخريبية معادية”، في تلميح ضمني إلى احتمال ضلوع أطراف خارجية في التشويش على الملف الإيراني وخلق ذرائع للمساءلة الدولية.
وتأتي هذه التصريحات قبل أيام قليلة من انعقاد جلسة مرتقبة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الفترة من 9 إلى 13 يونيو، والتي يتوقع أن تشهد صدور قرار يدين إيران بسبب تعثر التعاون الفني وارتفاع مستويات تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من التسلح.
ويأتي تحرك طهران رداً على تقرير سري للوكالة الدولية، كشف في 31 مايو الماضي أن إيران جمعت ما يقارب 408.6 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، أي ما يقارب العتبة المطلوبة (90%) لإنتاج سلاح نووي. وأشار التقرير إلى أن هذه الكمية تمثل زيادة بنسبة 50% مقارنة بشهر فبراير، ما أثار قلقاً دولياً متزايداً.
واعتبرت السلطات الإيرانية أن التقرير الأخير “مسيس”، ولا يستند إلى وقائع علمية دقيقة، مؤكدة أن الاتهامات بشأن أنشطة نووية غير معلنة في بعض المواقع “لا أساس لها من الصحة”.
تأتي هذه التطورات وسط جمود سياسي في ملف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA)، الذي تعثر منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018. ورغم الوساطات الأوروبية، لا تزال الثقة بين طهران والوكالة الدولية في أدنى مستوياتها، ما يزيد من خطر التصعيد الدبلوماسي أو حتى العسكري، في حال أُقرت خطوات أكثر تشدداً ضد إيران.

مقالات مشابهة

  • 4 سيناريوهات لرد إيران على احتمال إدانتها في الوكالة الذرية
  • قلق إسرائيلي من مفاوضات مسقط.. نتنياهو يحذر ترامب وإيران تتوعد برد مدمر
  • ما يجب أن نعرفه عن نووي إيران قبل تصويت مجلس محافظي الوكالة الذرية
  • إيران تعلن مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة في مسقط
  • دلالات تهديد إيران بنشر معلومات عن البرنامج النووي الإسرائيلي
  • غروسي: إيران تقترب من صنع القنبلة النووية
  • إيران ستقدم للولايات المتحدة مقترحها بشأن الملف النووي عبر مسقط
  • إيران تحذّر من تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
  • إيران تهدد بتقليص التعاون مع الوكالة الذرية إذا صدر قرار ضدها
  • إيران: لا دليل على “أبعاد عسكرية” لبرنامجنا النووي