نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريراً سلطت فيه الضوء على تراجع النفوذ الإعلامي الغربي على الساحة الدولية خاصة بعد قرارات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف تمويل وسائل الإعلام الأمريكية الموجهة نحو الخارج، مثل "صوت أمريكا" و"إذاعة أوروبا الحرة" و"إذاعة آسيا الحرة".

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في الوقت الذي تتراجع فيه وسائل الإعلام الغربية المدعومة حكوميًا تستغل روسيا والصين الفراغ الإعلامي بإمكانيات مالية ضخمة لتعزيز رواياتهما على الساحة الدولية.



في مقر "إذاعة أوروبا الحرة" بمدينة براغ، الأجواء مشحونة بالقلق والترقب، حيث يبدو الدخول إلى المبنى وكأنه عبور إلى قلعة أمنية في ظل وجود إجراءات مشددة تليق بسفارة أمريكية. على الجدران، أسماء وصور صحفيين قضوا في سبيل عملهم، في تذكير يومي بطبيعة العمل الذي يخوضونه في مناطق النزاع والقمع.



أمضت الصحفية ألسو كورماشيفا، التي تحمل الجنسية الأمريكية وتنتمي للأقلية التترية الروسية، تسعة أشهر في السجون الروسية بتهم وُصفت بأنها ملفقة. لكنها اليوم لا تتحدث عن معاناتها بل عن الأزمة التي تهدد كيان المؤسسة التي تعمل فيها.

بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تم تصنيف وسائل الإعلام الدولية الأمريكية ككيانات "غير ضرورية" ما أدى إلى وقف تمويلها، وأدخل "صوت أمريكا" و"إذاعة آسيا الحرة" وشبكات الشرق الأوسط الإعلامية في دوامة من الإغلاق والتسريح الجماعي.

وعلى الرغم من أن "إذاعة أوروبا الحرة" منظمة غير ربحية تحصل على تمويل سنوي من الكونغرس الأمريكي، إلا أن الوكالة الأمريكية المسؤولة عن الإعلام الخارجي (USAGM) قررت حجب جزء من التمويل هذا العام ما اضطر المؤسسة إلى تقليص أنشطتها وتسريح بعض موظفيها مؤقتاً، رغم صدور حكم قضائي بإلزام الوكالة بصرف الأموال.

"الناس بحاجة إلى ما نقدمه"
كتب إيلون ماسك على منصة "إكس" في شباط/ فبراير قائلاً عن إذاعة أوروبا الحرة: "أغلقوها… إنهم مجرد مجانين يساريين يتحدثون إلى أنفسهم بينما يحرقون مليار دولار من أموال دافعي الضرائب سنوياً".

ورداً على تلك التغريدة يقول ستيفن كابس، رئيس "إذاعة أوروبا الحرة": "ما نقدّمه ليس ترفاً إعلامياً. نصل إلى ملايين المستمعين في مناطق تفتقر للإعلام الحر. إذا اختفينا، ستُترك هذه الشعوب لآلة الدعاية الروسية والصينية".

وأشارت الصحيفة إلى أن إذاعة أوروبا الحرة كان رمزاً للقوة الناعمة الأمريكية خلال الحرب الباردة، وكان يبثّ من الغرب إلى خلف الستار الحديدي متحديا الرقابة السوفييتية. وفي لحظات فارقة، مثل انقلاب 1991 ضد ميخائيل غورباتشوف، لعب دوراً محورياً في إيصال صوت المقاومة عبر موجات الأثير.

لكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تغيرت الأولويات. اضطر "إذاعة أوروبا الحرة" إلى إعادة هيكلة نفسه ليواكب التحولات السياسية في أوروبا. وقد انسحب من معظم دول أوروبا الوسطى، وفي جمهورية التشيك، حيث ازدهرت الصحافة الحرة، توقف عن البث في عام 2002.

مع ذلك، بقي مقره في براغ، بينما توسع نحو الشرق لتغطية 23 دولة بـ27 لغة، بدءًا من روسيا وصولاً إلى أفغانستان وإيران. هذه الدول، التي تعاني من نقص في الإعلام الحر، تحتاج إلى مثل هذه المصادر الإخبارية البديلة حيث تصل الإذاعة أسبوعياً إلى 47 مليون شخص.

وحسب ستيفن كابس فإن المحطة تصل إلى 9% من الروس، و13% من الأوكرانيين، و10% من الإيرانيين كل أسبوع. وإذا تم إيقاف المحطة، سيُترك فراغ إعلامي هائل، حيث يعتمد الناس على المعلومات الحرة التي تقدمها. كما أن الصحفيين المعتقلين في روسيا وبيلاروسيا وأذربيجان يعدون دليلًا على تأثير المحطة في مواجهة الأنظمة القمعية.

وتؤكّد معارضة سوفياتية سابقة، كانت على مدى طويل مناهضة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتعيش في موسكو، أنه: "على عكس فترة الحرب الباردة، لم تعد هذه القناة هي المصدر الوحيد للمعلومات المستقلة. لكنها الوحيدة التي تغطي مناطق مثل القوقاز، وسيبيريا، ومناطق الفولغا. من دونهم، لم نكن لنعرف عن حالات أشخاص عاديين تم سجنهم، أو معارضين ليسوا معروفين بشكل كبير". هي تشاهد إنتاج "إذاعة أوروبا الحرة" عبر شبكة خاصة افتراضية لتجاوز الرقابة الروسية. وتضيف: "من الأفضل ألا تخبر الآخرين أنك تشاهد هذا المحتوى".

معركة "السرد"
يثير العمل الصحفي الذي تقدمه محطة "إذاعة أوروبا الحرة" قلقاً بالغاً لدى عدد من الأنظمة، خاصة السلطوية منها، نظراً لطرحها مواضيع سياسية شديدة الحساسية عادةً ما تُحاصر بالصمت داخل الحدود الوطنية. وخلال اجتماع تحريري عُقد في مطلع نيسان/ إبريل، أشار أحد الصحفيين إلى تغطية محاكمة شابين في داغستان بتهمة "الإرهاب" فقط لأنهما أعربا عن رفضهما للحرب في أوكرانيا. وأضاف الصحفي: "نحن الجهة الإعلامية الوحيدة التي ستغطي هذه المحاكمة".

وأضافت الصحيفة أن مهمة "إذاعة أوروبا الحرة" تتمثل في كشف الانتهاكات وتسليط الضوء على محاكمات المعارضين والفساد المحلي وتجاوزات السلطة، خاصة في المناطق النائية أو المهمشة داخل روسيا وسواها من الدول ذات الأنظمة المشابهة. وهذا ما يجعل عملها الصحفي مصدر إزعاج حقيقي للسلطات، لأنه يفضح ما تحاول هذه الأنظمة إخفاءه عن أنظار الداخل والعالم.

الانهيار في "صوت أمريكا" و "إذاعة أوروبا الحرة"
يشير تراجع "صوت أمريكا" و"إذاعة أوروبا الحرة" إلى تراجع أوسع في المعركة الإعلامية الدولية لصالح روسيا والصين، اللتين تشنان هجوماً إعلامياً في هذا المجال.

من جانب الغرب، هناك ثمانية دول تمتلك وسائل إعلام دولية مهمة (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وكندا، واليابان، وأستراليا، وسويسرا)، والتي تهدف مثل "إذاعة أوروبا الحرة" إلى توفير معلومات متوازنة وموثوقة لمكافحة الأخبار الكاذبة والتلاعب. لكن مع زيادة العجز المالي، تواجه هذه المؤسسات صعوبات مالية. ففي عام 2022، قامت خدمة "بي بي سي وورلد" بفصل أكثر من 380 موظفًا، وأعلنت في كانون الثاني/ يناير عن 130 فصلًا إضافيًا.

وفي فرنسا، خلال 16 عامًا، غادر نحو 20 بالمئة من الموظفين (322 وظيفة بدوام كامل) "فرنسا ميديا موند" (فرانس 24، وإذاعة فرنسا الدولية، ومونت كارلو)، وغادر معظمهم في إطار ثلاث خطط مغادرة في 2009، و2012، و2021. وفي عام 2025، لم تنجُ الشركة من التقليصات المالية التي أثرت على الإعلام العام، حيث خسرت 10 ملايين يورو مقارنة بما كان مقررًا في خطة الأهداف والوسائل المقررة من الدولة.

ميزانية وسائل الإعلام الدولية
يبلغ إجمالي ميزانية وسائل الإعلام الدولية الكبرى في الغرب، استنادًا إلى تقاريرها السنوية الأخيرة، 2.1 مليار دولار. أما ميزانيات الإعلام الروسي والصيني، فهي غير شفافة حيث لا تُنشر الأرقام ولكن تُقدر بحوالي 6 إلى 8 مليارات دولار حسب تقديرات "تحالف الإعلام العام"، وهي منظمة تدافع عن الإعلام العام. وهذا يعادل ثلاثة إلى أربعة أضعاف ميزانية وسائل الإعلام الغربية.

إثبات القوة الإعلامية
تم إثبات هذه القوة الإعلامية في لبنان عام 2023 عندما أغلقت "بي بي سي" إذاعتها باللغة العربية. وفي أعقاب ذلك، استحوذ الروس على ترددات "بي بي سي". وقد احتفت قناة "روسيا اليوم" الروسية، وهي قناة حكومية روسية تم حظرها في أوروبا منذ عام 2022 بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بما وصفته بـ "القلق" الذي تسببت فيه.

وعند سؤال المتحدث باسم القناة عن ميزانيتها، أجاب باستفزاز قائلاً: "إنها كافية لزعزعة جميع الأوساط الإعلامية الغربية". وأشادت مارغاريتا سيمونيان، رئيسة تحرير "القناة"، بما وصفته بـ "القرار الرائع" لترامب، قائلة: "لم يكن من الممكن إغلاق القناة، ولكن أمريكا فعلت ذلك بنفسها".

هل المعركة خاسرة؟
هل ستخسر وسائل الإعلام الغربية معركة "السرد" ضد الدعاية الروسية والصينية؟

يعترف السيد كابس، قائلاً: "بالنسبة للروس، الأمور تبدو جيدة الآن في هذه المعركة. لكن هناك الكثيرين منا الذين لا يريدون لهم أن يربحوا هذه الحرب الإعلامية". هو يقاتل من أجل محاولة إنقاذ ميزانيته، على الأقل للعام المالي الحالي.



وذكرت الصحيفة أن يان ليبافسكي، وزير الخارجية التشيكي، دعا الأوروبيين إلى إنقاذ "إذاعة أوروبا الحرة" قائلا: "لقد اختار الأمريكيون تغيير نهجهم في القوة الناعمة، ولكن لا يجب أن يكون الأوروبيون ضحية لهذا التغيير". وأضاف: "نحن على وشك فقدان أداة فعالة جداً للتواصل مع شعوب خصومنا، ويجب أن نفعل كل شيء لإنقاذها".

وناقش ليبافسكي الأمر مباشرة مع ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، لكن المحادثة لم تدم طويلاً.

كما نشر بيان لإنقاذ "إذاعة أوروبا الحرة"، تم توقيعه من قبل 11 دولة أوروبية، بما في ذلك فرنسا، لكن لا توجد ميزانية مخصصة لذلك. في باريس، لا توجد نية حاليًا لتخصيص أموال. أما بروكسل، فتدرس منحًا استثنائية، لكن هذا لن يكون كافيًا لتغطية الميزانية الحالية. والمشكلة أن الدول التي قد تكون قادرة على دعم "إذاعة أوروبا الحرة" لديها وسائل إعلام دولية خاصة بها ولا تملك نية لتوزيع مواردها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الغربي روسيا روسيا الغرب اعلام سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إذاعة أوروبا الحرة وسائل الإعلام صوت أمریکا

إقرأ أيضاً:

في واقعة مدير المدرسة.. نقابة المعلمين تشيد بمحافظ المنيا وتهاجم وسائل الإعلام

قالت النقابة العامة للمعلمين، إنها تابعت ما تم تداوله بشأن واقعة مدير مدرسة أشروبة الثانوية بمحافظة المنيا، انطلاقا من دورها في الحفاظ على مكانة المعلم بما يسهم فى استقرار العملية التعليمية، وتغليب روح التعاون، للصالح العام وتنشأة الأجيال بطريقة سليمة تدعم قيم الاحترام والوطنية.

وأكدت النقابة العامة برئاسة خلف الزناتي نقيب المعلمين ورئيس اتحاد المعلمين العرب أن المعلم هو ركيزة العملية التعليمية، واحترامه وتقدير جهوده واجب وطني ومجتمعي، فهو من يغرس القيم ويبني العقول، ويؤدي رسالته في ظروف قد تكون صعبة أحيانًا، لكن بروح من التضحية والإخلاص.

ودعت النقابة وسائل الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى عدم الانسياق وراء الشائعات أو تأويل المواقف بما يثير الفتنة أو يسيء لصورة المعلم أو المؤسسات التعليمية.

وشددت النقابة على أهمية التعاون البنّاء بين جميع مؤسسات الدولة، بما يحقق مصلحة أبنائنا الطلاب ويحافظ على استقرار العملية التعليمية.

وتواصلت النقابة العامة للمعلمين، مع محمود زكي مدير مدرسة أشروبة الثانوية بالمنيا، لتأكيد تقدير النقابة لدوره التربوي، الذى شهد له كل من يعمل في الحقل التربوي بمحافظة المنيا، وأن المدرسة تحت إدارته، تمثل بيتًا للتعليم والمعرفة، ومكانًا يحتضن أبناءنا الطلاب في مناخ يسوده الانضباط والتقدير المتبادل.

وأوضح محمود زكي مدير مدرسة أشروبة الثانوية، أن المجتمع المحلي يشهد لإدارة مدرسة أشروبة بالتفاني فى خدمة العملية التعليمية، وأنه جرى تكريمه أكثر من مرة من النقابة ومديرية التربية والتعليم والمحافظة، لجهوده فى تعليم وتنشأة الطلاب بطريقة سليمة، مؤكدا أن الواقعة الأخيرة قد أُسيء فهمها في بعض الجوانب، وأن المدرسة وإدارتها يكنّون كل الاحترام لقيادات المحافظة في خدمة العملية التعليمية وتطوير المدارس.

وشدد على أن جميع العاملين بالمدرسة ملتزمون بالقيم الأخلاقية والمهنية، مع إعلاء قيم الحوار البنّاء والاحترام المشترك لما فيه مصلحة أبنائنا الطلاب ومجتمعنا المحلي.

وقال مدير مدرسة أشروبة، إننا نؤمن أن الحوار الهادئ وروح التعاون هما السبيل الأمثل لتطوير العملية التعليمية، ونشدد على التزامنا الكامل بالقيم التربوية والإنسانية التي تحفظ كرامة الجميع وتضع مصلحة الطلاب في المقدمة.

من جانبها نشرت الصفحة الرسمية لمحافظة المنيا تصريحات اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، أكد خلالها تقديره واعتزازه البالغ بمعلمي المحافظة، للدور المحوري الذي يقومون به في إعداد وتربية النشء، وصناعة أجيال جديدة قادرة على بناء المستقبل، مؤكّدًا أن المعلم سيظل دائمًا رمزًا للعطاء، وصاحب رسالة نبيلة، وصانعًا للأجيال.

في سياق متصل، نفى المحافظ ما تم تداوله عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات من تفسيرات تهدف لافتعال أزمة مع أسرة التعليم بالمنيا، مؤكدًا أن ذلك لم ولن يحدث فى ضوء تقديره لما تقدمه أسرة التعليم من جهود وعطاء متواصل عبر الأجيال.

وشدد المحافظ على أن ما تم خلال الزيارة الأخيرة من توجيهات كان في الأساس للصالح العام، وبما ينعكس إيجابيًا على العملية التعليمية بكافة مدارس المحافظة، تحقيقًا لمصلحة الطلاب والمعلمين على حد سواء.

طباعة شارك النقابة العامة للمعلمين مدير مدرسة أشروبة الثانوية بمحافظة المنيا مدرسة أشروبة الثانوية بمحافظة المنيا محافظة المنيا مدرسة أشروبة الثانوية نقابة المعلمين نقيب المعلمين خلف الزناتي اللواء عماد كدواني محافظ المنيا

مقالات مشابهة

  • دنيا سمير غانم تكشف سبب منع ابنتها من التحدث لـ «وسائل الإعلام»
  • وزارة الإعلام تدشن خطة التغطية الإعلامية لذكرى المولد النبوي واكتمال عام على تشكيل الحكومة
  • أنس.. الكلمة التي أرعبت الرصاصة
  • حزب شعب مصر: توجيهات الرئيس بدعم الكوادر الشبابية الإعلامية يؤكد حرص القيادة السياسية على مستقبل الإعلام
  • في واقعة مدير المدرسة.. نقابة المعلمين تشيد بمحافظ المنيا وتهاجم وسائل الإعلام
  • «البحري» تنفي نقل شحنات إلى إسرائيل وتؤكد التزامها بسياسات المملكة تجاه القضية الفلسطينية
  • اتفاقية بين ترامب ميديا وجي بي نيوز البريطانية ذات التوجه اليميني
  • مصطفى بكري: اجتماع الرئيس السيسي بالقيادات الإعلامية يؤسس لمرحلة جديدة من دعم حرية الرأي
  • انطلاق برنامج تدريبي لتأهيل الكوادر الإعلامية اليمنية في القاهرة
  • المجالي ناطقاً إعلامياً باسم المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي