إسرائيل ومحادثات إيران النووية.. غياب عن الطاولة وحضور في الكواليس
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
القدس المحتلة- تتابع إسرائيل بقلق بالغ المحادثات النووية الجارية بين إيران والولايات المتحدة، والتي عُقدت مؤخرًا في العاصمة الإيطالية روما داخل سفارة سلطنة عمان، وسط مؤشرات على تحقيق تقدم ملموس في مسار التفاوض بين الجانبين.
هذا التقدّم، الذي يُنظر إليه في تل أبيب بقدر من الارتياب، أعاد إلى الواجهة النقاش حول الخيارات الإسرائيلية في مواجهة ما تعتبره "تهديدا إستراتيجيا وجوديا"، وفق تقديرات محللين عسكريين وباحثين في الشؤون الأمنية.
فعلى المستوى الإستراتيجي، لا تزال إسرائيل ترى أن تفكيك البرنامج النووي الإيراني، سواء عبر ضربة عسكرية شاملة أو من خلال مفاوضات تفضي إلى "إسقاط النظام الإيراني"، هو السبيل الأمثل لضمان أمنها القومي.
وتستند هذه الرؤية -بحسب التحليلات الإسرائيلية- إلى قناعة أن زوال النظام الإيراني وحده كفيل بإنهاء الطموحات النووية لطهران، على غرار ما حدث مع نظام معمر القذافي في ليبيا.
حالة ترقّب وحذر
ورغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض بلاده -في الوقت الراهن- دعم أي تحرك عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، فإن مصادر إسرائيلية عليا تشير إلى أن خيار تنفيذ هجوم محدود لا يزال مطروحًا على الطاولة.
إعلانويرى محللون أن تسريب نوايا إسرائيل بشأن "هجوم محدود" على المنشآت النووية الإيرانية لم يكن اعتباطيا، بل جاء كرسالة ضغط موجهة إلى طهران في سياق المفاوضات الجارية، ومحاولة لتحصين مسار التفاوض من "تنازلات" محتملة قد تقدم عليها الإدارة الأميركية.
في ظل هذه الأجواء، تبقى إسرائيل في حالة ترقّب وحذر، تخشى أن يؤدي أي اتفاق نووي جديد إلى ترسيخ نفوذ النظام الإيراني بدلًا من إضعافه، بينما تواصل تلمّس خياراتها البديلة، بما في ذلك العمل العسكري، إذا ما رأت أن المفاوضات تسير في اتجاه لا يخدم مصالحها الأمنية.
خطة لإسقاط النظام
في قراءة تحليلية نشرها الخبير العسكري والأمني رون بن يشاي في صحيفة يديعوت أحرونوت، يكشف عن البُعد الحقيقي للخطة الإسرائيلية الرامية إلى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
ووفقًا لبن يشاي، لا يقتصر الهدف من هذه الخطة على تدمير البنية التحتية النووية، بل يتعدّاها إلى محاولة إسقاط النظام الإيراني ذاته، باعتباره الضامن الأول لاستمرار المشروع النووي.
ويشير إلى وجود إجماع داخل المؤسسة السياسية والأمنية في إسرائيل على أن ضرب المنشآت النووية سيشكّل ضربة قاصمة للنظام الإيراني، وربما تؤدي في نهاية المطاف إلى انهياره. وقد عبّرت المؤسسة الأمنية عن هذه القناعة بوضوح، قائلة: "إذا لم نتحرك خلال الأشهر المقبلة، فقد نفقد فرصة إستراتيجية تزداد ندرتها يومًا بعد يوم".
خيبة أمل إسرائيليةلكن الفرصة التي كانت متاحة -بحسب التقديرات الإسرائيلية- في ظل حالة الضعف الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها إيران، تم تجميدها بقرار من ترامب.
ووفقًا لبن يشاي، فإن نتنياهو لم يخرج من اجتماعه مع ترامب بأي نتائج ملموسة، ولم يحصل على دعم واضح أو التزام أميركي بخطة الهجوم، رغم التقديرات الإسرائيلية التي كانت تراهن على تلك اللحظة المفصلية.
إعلانويضيف أن الموقف الأميركي الحالي يتسم بغياب خطة واضحة لإدارة المفاوضات النووية مع إيران، باستثناء الهدف المعلن المتمثل في منعها من امتلاك سلاح نووي، وهو موقف خيّب آمال حكومة نتنياهو التي كانت تتوقع إعلانا أميركيا صريحا بدعم خيار القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني.
"الشيطان يكمن في التفاصيل"وفي تحليل نشرته صحيفة هآرتس تحت عنوان "التفاؤل في المحادثات النووية مع إيران لا يكفي للمضي قدمًا بالاتفاق، الشيطان يكمن في التفاصيل"، أشار محلل الشؤون العربية والشرق أوسطية تسفي برئيل إلى التعقيدات التي بدأت تلوح في أفق المفاوضات النووية، لا سيما بعد الجولة الثانية من المحادثات في روما.
ويرى برئيل أن الأجواء الإيجابية التي رافقت الجولة الأولى، واستُكملت بزخم إعلامي حول "تقدم مفيد" و"محادثات مثمرة"، بدأت تتراجع مع دخول المفاوضات مرحلتها الفنية الأكثر تعقيدًا.
ويقول: "في هذه المرحلة، يكمن الشيطان"، إذ إن التحوّل من مناقشة الإطار العام إلى الخوض في التفاصيل الفنية الدقيقة يشكل العقبة الكبرى أمام تحقيق تفاهمات سياسية بين إدارة ترامب والقيادة الإيرانية ممثلة بالمرشد الأعلى علي خامنئي.
كما يشير إلى أن طابع المحادثات الثنائي والمنعزل -بين طهران وواشنطن- زاد من قلق الأطراف الأخرى، حيث لم تُشرَك الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الأصلي، كما لم تُدعَ روسيا أو الصين، أما إسرائيل فتم تغييبها بالكامل حتى كمراقب.
هذا التهميش دفع تل أبيب إلى إيفاد كل من رئيس جهاز "الموساد" ديفيد برنيع، والوزير رون ديرمر إلى روما، للقاء رئيس الوفد الأميركي ستيف ويتكوف، في اجتماع شبه سري بهدف عرض المطالب الإسرائيلية ومحاولة التأثير على مجريات التفاوض.
"نمر جائع" تحت القيودوفي تقدير موقف صادر عن معهد "إمباكت" للإستراتيجيات الإسرائيلية أعدّه مدير المعهد حاييم آسا، ورُفع لموقع "زمان يسرائيل"، تُطرح رؤية متشائمة لمستقبل العلاقة بين إسرائيل وإيران، تقوم على احتمال تصاعد التوتر نحو مستوى توازن "الرعب النووي".
إعلانويقول آسا إن الحديث السائد حاليًا في الأوساط الأمنية الإسرائيلية يدور حول نية شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وهي نية جرى إحباطها من قبل ترامب. ويرى أن الرسالة الأميركية غير المباشرة لطهران قد تكون: "لقد أوقفنا الإسرائيليين عن مهاجمتكم، وعليكم أن تقدّروا ذلك وتواصلوا المفاوضات معنا".
ويضيف أن السؤال ليس ما إذا كانت واشنطن قد منعت الهجوم الإسرائيلي فعليًا أم لا، بل الأهم أن هناك محاولة أميركية واضحة للتأثير على إيران من داخل مجريات المفاوضات الثنائية.
ويصف آسا إسرائيل بأنها "نمر عسكري جائع"، يمتلك قدرات هجومية عالية جوا وبرا، لكنه يفتقر إلى التأثير الإستراتيجي الحقيقي، ويُنظر إليه في سياق المفاوضات كقوة عسكرية فقط، تخضع حاليا لقيود أميركية صارمة، من غير المرجح أن تُرفع في المستقبل القريب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المنشآت النوویة الإیرانیة النظام الإیرانی
إقرأ أيضاً:
ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
أصبح الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على إيران أحد أبرز الضربات العابرة للحدود في تاريخ المنطقة الحديث. فالعملية، التي تجاوزت كونها استهدافًا لمنصات صواريخ أو منشآت نووية، شملت اغتيالات بارزة وهجمات إلكترونية معقدة. من أبرز تطوراتها اغتيال عدد من كبار القادة الإيرانيين، بينهم اللواء محمد باقري، وفي الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زاده.
هذه الاغتيالات تشكل أقسى ضربة تتعرض لها القيادة العسكرية الإيرانية منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). ومع ذلك، فإن الهجوم يتجاوز كونه عملية عسكرية بحتة؛ فهو تجسيد لعقيدة سياسية بُنِيَت على مدى عقود.
رغم التصريحات الإسرائيلية التي تصف العملية بأنها إجراء استباقي لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، فإن المنطق الإستراتيجي العميق يبدو أكثر وضوحًا: زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية وصولًا إلى انهيارها.
فلطالما اعتبر بعض الإستراتيجيين الإسرائيليين والأميركيين أن الحل الوحيد لاحتواء الطموحات النووية الإيرانية يكمن في تغيير النظام. وهذه الحملة تندرج في هذا التوجه القديم، لا فقط عبر الوسائل العسكرية، بل من خلال ضغوط نفسية وسياسية واجتماعية داخل إيران.
تُظهر التطورات الأخيرة أن العملية ربما صُمِمَت لإشعال شرارة انتفاضة داخلية. فالخطة مألوفة: اغتيال القادة، حرب نفسية، حملات تضليل، واستهداف رمزي لمؤسسات الدولة.
في طهران، أفادت التقارير بأن الهجمات الإلكترونية المدعومة إسرائيليًا والغارات الدقيقة أصابت مباني حكومية ووزارات، وعطلت مؤقتًا البث التلفزيوني الوطني؛ أحد أركان البنية الإعلامية للجمهورية الإسلامية.
في المقابل، تعكس التصريحات السياسية الإسرائيلية هذا المسار. ففي لقاءات مغلقة وتصريحات صحفية محددة، أقر المسؤولون بأن المنشآت النووية الإيرانية المحصنة عميقًا- بعضها مدفون لأكثر من 500 متر تحت جبال زاغروس والبرز- لا يمكن تدميرها دون تدخل أميركي مباشر باستخدام قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات، التي لا تستطيع حملها سوى قاذفات B-2 أو B-52 الأميركية. وغياب هذه الإمكانات جعل القادة الإسرائيليين يقتنعون بأن وقف البرنامج النووي الإيراني لن يتحقق إلا بتغيير النظام.
إعلانهذا السياق يمنح الأفعال العسكرية والسياسية الإسرائيلية بعدًا جديدًا. فبعد الهجمات، كثفت إسرائيل رسائلها الموجهة إلى الشعب الإيراني، ووصفت الحرس الثوري ليس كمدافع عن الوطن، بل كأداة قمع ضد الشعب.
وكانت الرسالة: "هذه ليست حرب إيران، بل حرب النظام." وقد ردد شخصيات من المعارضة الإيرانية في الخارج- كرضا بهلوي نجل شاه إيران السابق، ولاعب كرة القدم السابق علي كريمي- هذا الخطاب، مؤيدين الهجمات، وداعين إلى إسقاط النظام.
لكن يبدو أن الإستراتيجية حققت عكس ما كانت ترجوه. فعوضًا عن إشعال ثورة جماهيرية أو تفكيك الوحدة الوطنية، عززت الهجمات شعورًا عامًا بالتماسك الوطني عبر مختلف التيارات. حتى بعض المنتقدين التقليديين للنظام عبّروا عن غضبهم مما اعتبروه اعتداءً أجنبيًا على السيادة الوطنية. وتجددت في الوعي الجماعي ذكريات التدخلات الخارجية- من انقلاب 1953 بدعم الـCIA، إلى حرب العراق- مفجّرة ردة فعل دفاعية متأصلة.
حتى بين نشطاء حركة "المرأة، الحياة، الحرية"- التي أشعلت احتجاجات وطنية إثر مقتل مهسا أميني عام 2022 أثناء احتجازها- برز تردد واضح في دعم أي تدخل عسكري أجنبي. ومع انتشار صور المباني المدمرة وجثث الجنود الإيرانيين، تراجعت مطالب التغيير السياسي لصالح خطاب الدفاع عن الوطن.
وبرزت شخصيات عامة ومعارضون سابقون للجمهورية الإسلامية يدافعون عن إيران ويُدينون الهجمات الإسرائيلية. فقد صرح أسطورة كرة القدم علي دائي: "أفضل الموت على أن أكون خائنًا"، رافضًا أي تعاون مع الهجوم الأجنبي. أما القاضي السابق والمعتقل السياسي محسن برهاني فكتب: "أُقبّل أيادي جميع المدافعين عن الوطن"، في إشارة إلى الحرس الثوري وبقية القوات المسلحة.
ما بدأ كضربة عسكرية محسوبة ضد أهداف محددة، قد ينتهي بتعزيز النظام لا بإضعافه؛ عبر حشد وحدة وطنية وتكميم الأصوات المعارضة. فمحاولة صنع ثورة من الخارج قد لا تفشل فقط، بل قد تنقلب ضد من خطط لها.
وإذا كان الهدف النهائي لإسرائيل هو تحفيز انهيار النظام، فقد تكون قد قللت من شأن الصلابة التاريخية للنظام السياسي الإيراني، ومن قوة التماسك الذي يولده الألم الوطني.
وبينما تسقط القنابل ويُقتل القادة، يبدو أن النسيج الاجتماعي الإيراني لا يتفكك، بل يعيد نسج نفسه من جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline