حرب السودان .. المرتزقة يقاتلون مع المليشيا
تاريخ النشر: 25th, April 2025 GMT
حادثة مقتل “كولومبيين” تلفت الأنظار لوجودهم
حرب السودان .. المرتزقة يقاتلون مع المليشيا
أمدرمان: الهضيبي يس
تزيد الاضطرابات التي تعرفها دول المنطقة على غرار تشاد وليبيا والنيجر من تعقيد معضلة المرتزقة الذين توافدوا على السودان للقتال. في وقت تشهد فيه حرب السودان تطورات ميدانية لافتة مع سيطرة الجيش على الخرطوم، يثار ملف المرتزقة الأجانب الذين جرى استقدامهم للمشاركة في القتال مع مليشيا الدعم السريع، ويشغل الرأي العام المحلي والدولي على حد سواء.
وقدر مصدر قيادي مطلع من الجيش السوداني، فضل عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، عدد المرتزقة في السودان بنحو 180 ألف، وقال في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إن “الجيش اعتقل بالفعل مرتزقة من دول تشاد واليمن وكولومبيا وجنوب السودان وجنسيات أخرى، لكن ما زال كثير منهم ينشط في البلاد”.
وحول أدوارهم، قال المصدر إن “نسبة المرتزقة من جنوب السودان كبيرة جداً تقوم بدور الجنود المشاة وتشغيل المدفعية والأسلحة الحديثة والمسيرات والمدافع المختلفة وراجمات وأجهزة التشويش والتنصت مما يعني أنها أدوار فنية بحتة”و كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن أنشطة لعناصر من مرتزقة “فاغنر” الروسية في صفوف قوات “الدعم السريع”، التي تواجه انتكاسات ميدانية متوالية أخيراً.
ومع استمرار ضجيج الآلات الحربية في السودان يزداد الغموض، الذي يلف عدد المرتزقة الناشطين في البلاد، إذ سبق أن كشف النائب العام السوداني الفاتح محمد عيسى طيفور، عن بلوغ عدد هؤلاء 200 ألف لكن القيادي بالجيش أفاد بوجود نحو 180 ألفاً.
ويقول هنا وزير الداخلية السابق، بشارة جمعة أرور، إن معظم جنسيات قوات المرتزقة التي تقاتل في السودان هي من دول الجوار وبعضها من دول عربية وأجنبية تعاني صراعات أو حروباً، مما جعلهم يفتقرون إلى العمل والتوظيف وهناك بعض الخبرات العسكرية القديمة يجري استجلابها لأغراض التدريب والتأهيل أو إدارة العمليات اللوجيستية”.
وزاد أن المرتزق هو ذاك الشخص المأجور ليقاتل من أجل مصلحة معينة مع أي جهة أو دولة، وهناك كثير من الدول والحكومات دأبت على استخدام المرتزقة لتحقيق أهدافها من دون أن تخسر أي جندي من قواتها الوطنية لذا يُستغل المرتزقة”، لافتاً إلى أن “بعض التجار يستأجرونهم كحراسات شخصية ومنهم من يمارس النهب والسلب وغيرها من الأنشطة المماثلة”.
وشدد على أن هذه الأساليب صارت ظاهرة إرهابية مسلحة تفتك بالسودان والمكونات الاجتماعية داخلها، لذلك هي محظورة دولياً، إذاً الارتزاق نوع من أنواع الجرائم ولذلك هذه العملية الإجرامية محرمة دولياً، ويحظر القانون الدولي استخدام المرتزقة في النزاعات المسلحة، ويعدها جريمة دولية وفقاً للاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، التي اعتمدت من الأمم المتحدة عام 1989، بينما تعتبر الشركات العسكرية الخاصة قانونية، لذلك تجد شركات عسكرية متخصصة في القيام بأعمال التأمين أو تقديم خدمات قتالية أو أمنية للجهات الحكومية وغير الحكومية”، وذكر أن “هذه الأساليب صارت تبرر هذه الوسيلة على رغم نص الاتفاق الدولي”.
بينما ليست فقط نقطة المرتزقة وحدها التي تؤرق السودانيين وتزيد من اتساع رقعة الحرب في البلاد، إذ يشكل ملف تدفق السلاح نقطة أخرى تغذي الحرب المحلية، وكان الأمين العام للأمم المتحدة صريحاً للغاية في تطرقه إلى هذا الملف حين دعا إلى “الوقف الفوري لتدفق الأسلحة على السودان”، مشدداً على أن “البلاد تعاني أزمة إنسانية غير مسبوقة”.
واعتبر المحلل العسكري، أمين إسماعيل مجذوب، أن “أعداد المرتزقة الذين توافدوا إلى السودان يقدر بعشرات الآلاف ويختص كثير منهم في أدوار فنية مثل المدفعيات والراجمات والتشويش والتنصت، وهناك أدلة على جنسيات من جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وكولومبيا وروسيا وغيرهم”.
ومضى بتأكيد أن هناك نقلاً كبيراً للأسلحة والمعدات إلى السودان، إذ هناك دول تدعم بالأساس مليشيا الدعم السريع، وهبطت نحو 120 رحلة إلى تشاد ومنها إلى داخل السودان محملة بمعدات مثل المدفعيات البعيدة المدى، وكذلك راجمات وكميات ضخمة جداً من صناديق الذخيرة، نحو 350 ألف صندوق استُقدمت”.
وموضحا أن هناك نحو 1200 طائرة مسيرة أيضاً استُجلبت من الخارج و300 بندقية للقناصة، مما يدل على أن عدد القناصة الموجودين في ساحة الحرب يُغيرون في كل فترة لكن قسم الأسلحة ثابت، وقُبض على منظومات متكاملة من معدات التشويش وأنظمة الاتصالات مثل المحطات المتحركة”.
وأبرز مجذوب أن كل هذه المعدات ضُبطت وحُجزت أيضاً نحو 150 مدرعة أميركية الصنع من طراز حديث، ومن ثم مثل هذه المعدات هي كبيرة جداً تستهدف الاستيلاء على السلطة”
أمدرمان: الهضيبي يس
الوان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
الهجمة على الجيش والمخاطر على السودان
في الوقت الذي يواجه فيه السودان حرباً داخلية شرسة، بامتدادات وتدخلات خارجية واضحة، آخرها أحداث المثلث الواقع على الحدود السودانية - الليبية المتاخمة لمصر، تستمر بعض الأطراف في حملتها ضد الجيش السوداني لإضعافه. هناك من يتمنَّى هزيمته، وهناك من يدعو لتفكيكه، والبعض يخفي أجندته خلف شعار إعادة الهيكلة الفضفاض.
من أكثر ما يستخدم في هذه الحملة هو تكرار الاتهامات لدمغ الجيش بأنه «جيش الكيزان»، أو أنه ميليشيا حزبية وليس جيشاً نظامياً.
الجيش وإن كان فيه كيزان، ففيه قطاع عريض من أبناء السودان ممن ينتمون إلى تيارات سياسية أخرى، أو ممن لا انتماء سياسياً لهم أو علاقة بالكيزان. أعداد هائلة ممن يقاتلون اليوم في صف الجيش بمن فيهم القوات المشتركة وكتائب المستنفرين هم من هذا القطاع العريض، بل إن بعضهم من شباب ثورة ديسمبر، ومن آخرين عارضوا النظام السابق طويلاً، ولا يمكن لأحد أن يصنفهم أنهم كيزان.
كثير من الأطراف الدولية والإقليمية، رغم تباين مواقفها، تُجمع على ضرورة بقاء مؤسسات الدولة السودانية وفي مقدمتها القوات المسلحة، لأن انهيار الجيش لا يعني فقط هزيمة طرف في صراع عسكري، بل انهيار الدولة ذاتها ودخولها نفق الفوضى والانقسام. هذا الموقف ليس بدافع العاطفة، بل من منطلق قراءة واقعية لتجارب ماثلة أمام الجميع.
التاريخ الحديث يقدم لنا نماذج مأساوية لدول تحولت إلى ساحات للصراع الدموي بمجرد انهيار جيوشها الوطنية. العراق بعد غزو 2003 نموذج قريب إلى الأذهان؛ فقد أدى قرار الحاكم الأميركي بول بريمر حل الجيش العراقي إلى فراغ أمني هائل، ملأته الجماعات المسلحة، من «القاعدة» إلى «داعش»، وتحولت المدن العراقية إلى ساحات معارك، وانهارت مؤسسات الدولة وغرق البلد في العنف الطائفي.
في ليبيا، أدت إطاحة نظام القذافي من دون وجود خطة لبناء جيش موحد، إلى ظهور مجموعات مسلحة متصارعة، واندلعت حرب طاحنة رافقتها تدخلات خارجية متعددة. وفي الصومال تشتت البلد بعد سقوط نظام سياد بري وتحول إلى مناطق نفوذ تحت سيطرة أمراء الحرب، ما أدى إلى حرب أهلية طاحنة وانهيار لمؤسسات الدولة لنحو عقدين من الزمن، ثم ظهور تنظيمات متطرفة مثل حركة «الشباب».
لم تكن تجارب الدول العربية استثناء، ففي أفريقيا، تكررت الكارثة بعدة أشكال. في الكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً) أدى انهيار جيش موبوتو سيسي سيكو إلى حربي الكونغو الأولى والثانية، اللتين اشتركت فيهما جيوش تسع دول أفريقية، وراح ضحيتهما ملايين البشر. وفي ليبيريا تسبب تفكك الجيش في حرب أهلية قتل فيها نحو ربع مليون شخص.
الدرس المشترك من هذه النماذج أن الجيش الوطني هو «عمود الخيمة» الذي إذا انهار، تداعت أركان الدولة بأكملها. وبالنسبة للسودان فإنَّ الجيش إن انهار أو تم تفكيكه، سواء بسبب الصراعات الداخلية، أو الضغوط الخارجية، أو قرارات سياسية خاطئة، فسيواجه البلد حينها سيناريوهات كارثية:
- ستتوقف خدمات الأمن والشرطة، لتنتشر الفوضى والجريمة.
- سيطلق الفراغ الأمني العنان لصعود الميليشيات التي تتقاتل على السلطة والثروة، ولصراعات قبلية وجهوية خطيرة تفتح الباب أمام مطالبات انفصالية جديدة، لا سيما في ظل الاستغلال الذي نشهده لورقة المناطق المهمشة.
- اندلاع صراعات عبر الحدود حيث تسعى الميليشيات أو الجماعات المسلحة للحصول على ملاذ أو موارد.
- ظهور جماعات إرهابية تجد في بيئة الفوضى والفراغ الأمني بيئة خصبة لنشاطها، علماً بأن المحيط الإقليمي يشهد تزايد نشاط هذه الجماعات في منطقة الساحل الأفريقي وليس بعيداً عن حدود السودان.
- عدم الاستقرار سيشكل تهديداً لدول الجوار والأمن في المنطقة.
- كل هذه الاضطرابات ستؤدي لكوارث إنسانية غير مسبوقة، وستتفاقم أزمات الجوع وموجات اللجوء.
- فتح باب التدخلات الخارجية في السودان.
الخلاصة: الجيش السوداني هو «خط الدفاع الأخير» ضد الانهيار، والتجارب التاريخية تُظهر أن تفكيك الجيوش الوطنية لا يؤدي إلى الديمقراطية بالضرورة، بل إلى الفوضى، لا سيما في ظل محيط مضطرب، وصراعات إقليمية ودولية متزايدة.
إصلاح الجيش أمر مطلوب، مثله مثل كثير من مؤسسات الدولة السودانية التي تحتاج إلى إصلاح. قادة الجيش أنفسهم يتحدثون عن أهمية الإصلاح لا سيما مع تداعيات الحرب، ومسألة دمج الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام وإنهاء ظاهرة تعدد الحركات المسلحة والجيوش الرديفة، بحيث يكون السلاح محصوراً فقط في يد الدولة. لكن هذا الإصلاح لا ينبغي أن يعني بأي حال من الأحوال تفكيك الجيش، أو هيكلته بشكل يضعفه.
السودان اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى جيش قوي يحميه ويصد عنه المؤامرات والأطماع. جيش قومي قوي يبتعد عن وحل السياسة، ويتفرغ لمهمته الأساسية في حماية وطن أصبح واضحاً كم هو مستهدف.
الشرق الأوسط