التمويل الفدرالي سلاح ترامب لإخضاع الجامعات الأميركية
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
واشنطن- جاءت عبارات "هارفارد تهديد للديمقراطية" و"مؤسسة يسارية معادية للسامية" و"فوضى ليبرالية"، ضمن موجة من التصريحات التصعيدية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في سياق هجوم مباشر على واحدة من أعرق وأغنى الجامعات الأميركية، متّهما إياها بـ"احتضان الكراهية" و"الفشل في حماية الطلاب اليهود"، ومتوعّدا بقطع التمويل الفدرالي عنها.
ورغم أن عداء ترامب لما يصفه بـ"اليسار الأكاديمي" أو "الجامعات الليبرالية" يعود إلى حملاته الانتخابية، فإن الإجراءات التنفيذية بدأت فعليا منذ الأيام الأولى لدخوله البيت الأبيض، حيث كثّف استخدامه للأوامر التنفيذية لإعادة صياغة العلاقة مع مؤسسات التعليم العالي، مستعينا بسلاح المساعدات والمنح الفدرالية التي تُحرّك عجلة النظام الجامعي الأميركي.
التمويل الفدرالي وقنواتهوترتبط الجامعات الأميركية بالحكومة الفدرالية عبر شبكة معقدة من التمويل العام، وتعتبر المنح والمساعدات الفدرالية أهم عنصر في هذه الشبكة وموردا لا غنى عنه لمؤسسات التعليم العالي. فمن دون هذا الدعم تتوقف مشاريع بحثية وتتقلص برامج أكاديمية ويتأثر آلاف الطلبة من ذوي الدخل المحدود.
وتقدم الحكومة الأميركية هذا التمويل من خلال قنوات متعددة أبرزها:
إعلان منح الأبحاث العلمية من مؤسسات كالمعاهد الوطنية للصحة والمؤسسة الوطنية للعلوم. المساعدات الطلابية لذوي الدخل المحدود مثل برنامج "بيل غرانتس" والقروض المدعومة. التمويل المخصص للكليات التي تخدم فئات مجتمعية محرومة كالجامعات التاريخية التي أسست لخدمة الأميركيين من أصل أفريقي المعروفة اختصارا بـ"إتش بي سي يو". التمويل المشروط بالتزام الجامعات بقوانين مكافحة التمييز والشفافية والتقارير السنوية.وحسب بيانات وزارة التعليم، فقد بلغ حجم التمويل الفدرالي لقطاع التعليم العالي للسنة الماضية أكثر من 160 مليار دولار لدعم الطلبة والجامعات، مما يؤكد أن أي تهديد بقطع هذه الموارد يهدد البنية التحتية الأكاديمية بشكل مباشر.
ورغم امتلاك بعض الجامعات الكبرى، مثل هارفارد وييل، احتياطات مالية ضخمة، فإن الغالبية العظمى من مؤسسات التعليم العالي، خاصة الجامعات العامة، تعتمد بشكل جوهري على التمويل الفدرالي لتسيير عملياتها اليومية من دفع أجور هيئة التدريس وتشغيل المختبرات وتمويل البرامج الأكاديمية.
وفي أحيان كثيرة، يُشكل هذا الدعم الفارق بين استمرار برنامج علمي أو إلغائه، أو بين بقاء طالب من محدودي الدخل على مقاعد الدراسة أو انسحابه مضطرا.
كما تُعتبر الجامعات التي تستقطب أعدادا كبيرة من الطلاب الدوليين أو تركز على تخصصات ذات تكلفة مرتفعة مثل العلوم والتكنولوجيا المؤسسات الأكثر عرضة للتأثر إن انقطع هذا التمويل.
أداة عقابويثير أسلوب ترامب الصارم في مخاطبة الجامعات تساؤلات قانونية ودستورية حول مدى صلاحية الرئيس في اتخاذ قرارات تمويلية من شأنها أن تفتح الباب أمام أزمة غير مسبوقة بين الإدارة الفدرالية ومؤسسات التعليم العالي.
وتقول الخبيرة في القانون الإداري وقانون التمويل الفدرالي إلويس باساشوف -للجزيرة نت- إن "دور السلطة التنفيذية في إدارة المنح الفدرالية لم يكن يوما تقنيا بحتا، بل أصبح يتخذ طابعا سياسيا متزايدا".
إعلانوتضيف "التمويل لم يعد مجرد وسيلة دعم، بل تحوّل تدريجيا إلى أداة سياسية تُستخدم لصياغة أجندات أو لمعاقبة الخصوم".
وأطلعت باساشوف الجزيرة نت على دراسة أكاديمية موسّعة توضّح فيها أن الخطورة لا تكمن في آليات التوزيع بذاتها، بل في توظيف التمويل لتوجيه السياسات، أو معاقبة الجهات التي تتخذ مواقف معارضة للإدارة الحاكمة. وهي ممارسات تهدد مبدأ الفصل بين السلطات، وتُقوِّض استقلالية الجامعات، حسب الخبيرة القانونية.
وفصّلت البروفيسورة -في الدراسة- الأدوات التي تمتلكها السلطة التنفيذية للسيطرة على التمويل الفدرالي، مشيرة إلى أن التأثير يظهر في 3 مراحل حاسمة:
مرحلة صياغة السياسات، حيث يتم تفسير شروط التمويل بطريقة توسّع صلاحيات الإدارة. مرحلة تخصيص التمويل؛ التي قد تخضع لاعتبارات سياسية لا تمت بصلة إلى الحاجة أو الكفاءة. مرحلة إنفاذ العقود والبرامج، إذ يمكن أن تُستخدم آليات الرقابة والامتثال كوسيلة للضغط أو لمعاقبة جامعات تتخذ مواقف لا تتماشى مع توجهات الإدارة.وترى باساشوف أنه ورغم أن هذه الأدوات ليست جديدة تماما، فإن "إدارة ترامب أعادت استخدامها بجرأة غير مسبوقة، متجاوزة بذلك الأعراف السياسية والإدارية السابقة".
وتشدّد على أن ما يثير القلق ليس وجود هذه الصلاحيات، بل غياب الضوابط التي تمنع استغلالها لفرض الانضباط السياسي على مؤسسات التعليم.
وأوصت الباحثة، في ختام دراستها، بضرورة تبني إصلاحات تشريعية وتنفيذية عاجلة، من شأنها أن تُعزِّز الشفافية وتفرض حدودا قانونية أكثر وضوحا على صلاحيات السلطة التنفيذية في إدارة المنح الفدرالية، وتضمن بقاء المال العام في خدمة الوظيفة التعليمية والبحثية، لا للأجندات السلطوية أو للترهيب السياسي.
وكان الرئيس ترامب قد أصدر سلسلة أوامر تنفيذية تشمل:
إعلان تجميد التمويل عن الجامعات التي "تفشل في اتخاذ إجراءات لحماية الطلبة". فرض مزيد من القيود على البرامج المرتبطة بالتنوع والإنصاف والشمول. إلزام الجامعات بالكشف التفصيلي عن التبرعات الأجنبية تحت طائلة فقدان الاعتماد والتمويل.وفي المقابل، رفضت نقابات أكاديمية بارزة وبشكل قانوني ما وصفته بـ"الابتزاز السياسي عبر التمويل"، وفي 25 مارس/آذار الماضي، تقدمت الرابطة الأميركية لأساتذة الجامعات والاتحاد الأميركي للمعلمين بدعوى قضائية مشتركة ضد إدارة ترامب، بسبب تهديدات لقطع التمويل عن جامعة كولومبيا.
ووصفت الدعوى الإجراءات بأنها "محاولة لإخضاع المؤسسة أكاديميا وسياسيا"، وخرق مباشر للحريات التعليمية.
وفي منتصف أبريل/نيسان الجاري، رفع فرع الرابطة الأميركية لأساتذة الجامعات في جامعة هارفارد دعوى منفصلة، اعتبرت فيها أن استخدام التمويل وسيلة ضغط يشكل "تهديدا وجوديا لاستقلال الجامعات"، ودعت إلى تدخل عاجل.
كما دعت مجموعة جامعات منضوية تحت تحالف "بيغ تن" في 24 من الشهر ذاته، إلى إنشاء ميثاق دفاع مشترك، لتوفير شبكة دعم قانوني ومؤسسي في حال تعرض أي مؤسسة أكاديمية إلى إجراءات فدرالية "انتقامية"، لمواجهة ما وصفوه بـ"الضغوط الفدرالية غير المشروعة على الجامعات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مؤسسات التعلیم العالی التی ت
إقرأ أيضاً:
إيران تُحذّر: سنردّ بحزم أكبر في حال تكرار الهجمات الأميركية أو الإسرائيلية
قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: "إذا كانت هناك مخاوف من احتمال تحويل برنامجنا النووي لأغراض غير سلمية، فقد أثبت الخيار العسكري أنّه غير فاعل، لكنّ حلا تفاوضيا قد ينجح". اعلان
حذّرت إيران من أنها ستردّ بشكل "أشدّ" في حال تعرضها لهجمات جديدة من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، وذلك في ظل التصعيد المتواصل حول برنامجها النووي.
وجاء التحذير على لسان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي كتب في منشور عبر منصة "إكس" يوم الاثنين: "إذا تكرر العدوان، فإننا بلا شك سنرد بحزم أكبر"، مشيراً إلى أن الخيار العسكري أثبت فشله في التعامل مع المخاوف الدولية من برنامج طهران النووي، بينما قد يكون الحل التفاوضي مجدياً".
رد على تهديد ترامب؟
تصريحات عراقجي بدت بمثابة ردّ مباشر على تهديدات أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقت سابق من اليوم نفسه، خلال زيارة له إلى اسكتلندا، حيث قال: "لقد دمّرنا قدراتهم النووية. يمكنهم البدء من جديد، لكن إذا فعلوا ذلك، سندمّرها بلمح البصر".
محادثات "جادة وصريحة"
استؤنفت، الاسبوع المنصرم، جولة جديدة من المحادثات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، وذلك بين الترويكا الأوروبية، المكوّنة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وإيران، في مقر القنصلية العامة الإيرانية بمدينة إسطنبول التركية.
وترأس الوفد الإيراني في هذه الجولة نائبا وزير الخارجية مجيد تخت روانجي وكاظم غريب آبادي، حيث شدد الأخير في تصريحات له عقب اللقاء على أن المحادثات مع الوفد الأوروبي كانت "جادة وصريحة ومفصلة"، موضحًا أنه تم التباحث بأفكار محددة تم تبادلها خلال الجلسة.
وأكد آبادي التوصل إلى اتفاق على "استمرار المشاورات حول الملف النووي".
Related محذرًا إيران من عودة نشاطها النووي.. ترامب: سنعمل على إنشاء مراكز غذاء في قطاع غزةمعارك في الظل.. إيران تعلن إفشال مشروع خارجي يهدف لتقسيم البلادإيران تعلن عن زيارة مرتقبة لوفد من الوكالة الدولية للطاقة الذريةخلفية التصعيد
يأتي هذا التوتر في أعقاب جولة من المواجهات العسكرية التي اندلعت في 13 يونيو الماضي، حين شنت إسرائيل غارات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية، ردّت عليها طهران بإطلاق صواريخ باليستية نحو الأراضي الإسرائيلية. واستمرت المواجهات 12 يوماً، وشهدت أيضاً ضربات أميركية استهدفت مواقع نووية رئيسية مثل فوردو، أصفهان، ونطنز.
وتعتبر إسرائيل البرنامج النووي الإيراني "تهديداً وجودياً"، ولم تستبعد إمكانية تنفيذ ضربات جديدة في حال أقدمت طهران على إعادة بناء منشآتها المتضررة.
خلاف مستمر
التصعيد العسكري جاء قبل يومين فقط من انطلاق الجولة السادسة من المحادثات النووية بين طهران وواشنطن، والتي تتركز على ملف تخصيب اليورانيوم، أحد أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين.
ففي حين تصرّ إيران على أن التخصيب حق سيادي، تعتبر الإدارة الأميركية هذا الأمر "خطاً أحمر". ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران هي الدولة غير النووية الوحيدة في العالم التي تخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تفوق بكثير الحد المسموح به في اتفاق عام 2015 (3.67%)، الذي انسحبت منه واشنطن من جانب واحد عام 2018 خلال ولاية ترامب الأولى.
وتقول القوى الغربية وإسرائيل إن إيران تسعى للحصول على سلاح نووي، وهو ما تنفيه طهران باستمرار، مؤكدة أن برنامجها ذو طابع سلمي بحت.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة