جيش قوقو
غرباء على الأرض
الساعة الأخيرة للجنجويد: حين يصبح الهروب هو المصير الوحيد
المقدم/رشاد الزيبق
معارك الوجود… لا مجرد ساحات قتال
في حروب العصر الحديث، تجاوزت المعارك حدود السلاح والذخيرة إلى صراع أعمق على شرعية الوجود ومعنى الانتماء. وفي السودان، حيث تنتفض الجغرافيا كما التاريخ، لا مكان للغرباء مهما طال بقاؤهم أو توهموا القوة.

فهذه الأرض التي عرفها العالم مركزًا لحضارات سادت وامتدت، لم تكن يومًا ساحة مستباحة للغزاة أو الطامعين، ولن تكون.
أولئك الذين وفدوا حفاة من أي قيمة أو شرف، ممتطين صهوة السلاح والنهب، مثقلين بأموال السلب ورعب الهزيمة، يدركون جيدًا أن وجودهم في هذه البلاد ليس إلا عبورًا مؤقتًا… انتظارًا لساعة الفرار.
هذا المقال ليس انفعالًا عاطفيًا، بل شهادة توثّق لحظة سقوط الوهم، وتكشف حقيقة المرتزقة واللصوص ومن تحالف معهم من أدعياء السياسة الذين اتخذوا من فنادق المال الحرام أوكارًا. إنها لحظة استعادة الوعي الوطني في مواجهة مشروع الإذلال الذي حملته أدوات الحرب بالوكالة إلى قلب السودان.
الوجود المؤقت… والرحيل الحتمي
يدرك كل فرد في ميليشيا الجنجويد اليوم، وهو يتشبث بما تبقى له من جيوب السيطرة في نيالا والضعين وزالنجي، أن إقامته هنا عابرة، تمامًا كما كان وجودهم في أم درمان، الخرطوم، الجزيرة، جبل موية، الدندر، والسوكي.
ما سرقوه من أموال وما نهبوه من خيرات الشعب السوداني لم ولن يمنحهم حق البقاء، بل زاد من عمق الجرح الوطني الذي خلفوه وراءهم، ومن ثقل اللعنة التي ستطاردهم أينما فرّوا.
ولذلك، ينشغل هؤلاء اليوم بترتيب منافذ الهروب، وتهريب الأموال المنهوبة إلى تشاد، وإفريقيا الوسطى، ويوغندا، وكينيا، وجنوب السودان، يهرولون إلى المنافي في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن حمله من غنائمهم الدموية، مدركين أن هذه الأرض ستلفظهم كما لفظت كل غازٍ قبلهم، وأن لحظة السقوط باتت أقرب مما يتوهمون.
سطوة الرعب: حين يتحول القتال إلى قيد وابتزاز
أما من بقي منهم قسرًا في تلك المناطق، فلا يُمسكه انتماء، بل الخوف وحده. فهم أسرى سطوة عبد الرحيم دقلو، الذي يفرض عليهم البقاء، ويدفع أبناء تلك المناطق إلى أتون معركة لم يختاروها، يزجّ بهم وقودًا في حرب الارتزاق، بين الابتزاز والتصفية.
غير أن دروس التاريخ واضحة: الخوف لا يصنع انتصارًا، والجبناء، مهما طال بقاؤهم، هم أول من يلوذ بالفرار حين تشتد المعركة. كما قال أجدادنا: “المحرِّش لا يقاتل”… ومن ارتجف قلبه، عجزت يداه عن حمل السلاح طويلًا.
هزيمة الأخلاق قبل هزيمة البنادق
لم تهزمهم رصاصات الجيش السوداني وحدها، بل هزمتهم أخلاقهم المنحطة قبل أن يبلغوا ساحات القتال. هؤلاء، الذين جاؤوا عراة من أي شرف أو مبدأ، حفاة من أي التزام إنساني أو أخلاقي، لم يحملوا في قلوبهم سوى الضغينة، ولا في أيديهم سوى أدوات القتل والنهب. خُلِقوا للارتزاق واللصوصية، فكان طبيعيًا أن ينبذهم كل شريف، وأن تتبعهم لعنة الأرض التي دنّسوها بدم الأبرياء.
المرتزق المبتور: صورة الهزيمة والانكسار
لا مشهد أبلغ على انحطاطهم الأخلاقي من صورة ذلك المرتزق المبتور القدمين، الذي ظهر في تسجيلات مصورة وهو يتوسل قادته الذين دفعوه إلى أتون المحرقة وتركوه لمصيره بعد أن استنفدوا أغراضهم منه.
يستجدي العلاج من أولئك الذين استعملوه ثم لفظوه إلى قارعة الطريق، في تجسيد فجّ لثقافة الاستهلاك حتى في أدوات الموت. بالنسبة لهم، المقاتل مجرد أداة رخيصة، تُستخدم حتى تبلى، ثم تُرمى إلى سلة المهملات بلا شفقة أو مواربة.
بيادق آل دقلو: أدوات تُستبدل وتُرمى
إلى أبناء القبائل الذين قبلوا أن يكونوا أدوات في يد عبد الرحيم دقلو وعصابته: لا تزال أمامكم فرصة، قد تكون الأخيرة، للفكاك من هذا العار.
لا تنخدعوا بوعود الذين لا يرونكم سوى وقود رخيص لحروبهم القذرة، أدوات تُستبدل متى شاؤوا وتُرمى متى انتهت صلاحيتها.
تاريخ الشعوب لا يرحم المتورطين في خيانة أهلهم. والمكان الوحيد المتاح للخونة هو هامش التاريخ… حيث تُكتب أسماؤهم بمداد الخزي والخذلان.
الخيانة في أبراج دبي وفلل أبوظبي
أما أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم التنعّم في أبراج دبي وفلل أبوظبي، وقد باعوا ضمائرهم في سوق الخيانة السياسية، من أمثال خالد سلك، وبنات الصادق المهدي، وأبناء الميرغني، وزمرة قحت العميلة… فأي خزي ألحقتموه بأسمائكم؟ وأي عار سيرثه من يأتي بعدكم؟
كيف تصمدون أمام مرآة أنفسكم، وأنتم تدركون أنكم لا تجيدون سوى الانحناء تحت أقدام من موّلوا الخراب، ولا تصلحون إلا كأدوات رخيصة في يد صُنّاع الموت والتشريد لأهلكم؟
هوية عصيّة على الطمس… وتاريخ لا يرحم الطارئين
هل يظن هؤلاء الطارئون على التاريخ أن بإمكانهم طمس هوية هذا الشعب الأصيل؟
شعب حضارته تمتد من كرمة إلى كوش إلى البجراوية… شعب صاغته المحن، وعركته التجارب، وراكمت ذاكرته الوطنية خبرة الفقد والانتصار.
شعب يعرف من هو، ويعرف جيدًا من هم أعداؤه ومن هم الدخلاء الطارئون عليه.
لن تنجح مؤامرات الخارج، مهما تعاظمت أموال ممولي الحروب أو كثرت أدواتهم المستأجرة، في محو هذا التاريخ أو كسر هذه الإرادة.
ولعلّ أكثر ما يفضح هؤلاء المتآمرين أن يحتاجوا إلى من يذكّرهم بتاريخ وطنهم. حتى أميرة قطرية، غريبة عن هذه الأرض، لم تحتمل صمتهم، فحاولت أن توقظ ما تبقى من ضمائرهم النائمة، وتعيد إليهم ذكرى السودان الذي أنكروا انتماءهم إليه وباعوه في أسواق الخيانة والتآمر.
وبينما هم غارقون حتى الأعناق في حسابات المال المشبوه، فاقدون لأبسط معاني الكرامة والانتماء، جاءت كلماتها كشهادة خارجية تُعرّي خزيهم وتفضح عارهم أمام العالم.
لكن كل هذا العار لن يغيّر من حقيقة راسخة: أن هوية هذا الشعب لا تُمحى بانحدار أخلاقي، ولا تُزيف إرادة أمة كتبت وجودها بالدم والصبر والكبرياء.
هذه الأرض لأهلها… وهذه الهوية عصيّة على التزوير… وهذه الذاكرة لا تُشترى بالدولارات.
هنا السودان… وهنا يسقط كل طارئ، وتنتصر الحقيقة على كل وهم.
الخاتمة: السودان لا يُدار بالوكالة… ولا يُباع في أسواق الدم
نقولها اليوم بوضوح لا يقبل الالتباس:
سوداننا لن يُدار من دبي أو أبوظبي، ولن يُحكم بأموال المرتزقة، ولن يُباع في أسواق الدم، ولن يركع لأشباه الرجال.
هذه الأرض عصيّة على التدجين، محصّنة بالإرادة الوطنية، مشبعة بذاكرة النضال. ستظل راية السودان خفّاقة، وستبقى قلوب أبنائه مشتعلة بنار الكرامة والعزة، مهما اشتد الحصار، ومهما تعاظم طغيان المرتزقة والخونة.
المجد لشعب السودان، المجد لجيشه الباسل، والعار الأبدي لكل من خان.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: هذه الأرض

إقرأ أيضاً:

لماذا تتفاقم أعراض الصداع النصفي عند المرضى الذين لا ينامون جيدا؟

كشفت دراسة جديدة عما يحدث في أدمغة الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي عندما لا يحصلون على قسط كاف من النوم، وأظهرت أن القشرة المخّية (cerebral cortex) لدى المصابين بالصداع النصفي تستجيب للألم بشكل مختلف عن غيرهم عندما لا يحصلون على نوم جيد.

والقشرة المخّية تتكون من تجمع معقد من الخلايا العصبية المترابطة بإحكام، والتي تغطي الجزء الخارجي الأبعد من الدماغ.

وأجرى الدراسة باحثون من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، ونشرت نتائجها في مجلة سيفاليجيا (Cephalalgia) في مارس/آذار الماضي وكتب عنها موقع يوريك أليرت.

يتميز الصداع النصفي بصداع نابض، وتحسس من الضوء، وقيء، وغثيان، وزيادة الحساسية للصوت، ويعد الصداع النصفي السبب الرئيسي للإعاقة عن ممارسة الأنشطة اليومية لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و50 عاما.

يقول بيتر مو أوملاند، الطبيب وزميل ما بعد الدكتوراه في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا والباحث المشارك في الدراسة: "هذه سنوات مهمة في حياة المرء عندما يتعلق الأمر بالدراسة والتعليم العالي والمهنة. يشكل الصداع النصفي عبئا كبيرا على الفرد والمجتمع."

ويضيف "من المعروف أن النوم يمكن أن يخفف من الصداع النصفي، ويمكن أن تبدأ نوبات الصداع النصفي أثناء النوم أو بعده، ويقول العديد من المصابين بالصداع النصفي إن اضطراب النوم هو ما يحفز النوبات".

ويعاني مرضى الصداع النصفي من انخفاض جودة النوم، وزيادة التعب أثناء النهار، واضطرابات النوم مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون من الصداع. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الأرق بزيادة خطر الإصابة بالصداع النصفي.

التضحية بالنوم

ضحى المشاركون في الاختبار بالكثير لمساعدة الباحثين على إيجاد إجابات للسؤال، خلال دراستين خضع 140 شخصا لاختبارات النوم، وخضعوا لفحوصات لأدمغتهم. تعدّ هذه الفحوصات قياسات سريعة وآمنة لما يحدث في الدماغ.

إعلان

قسّم المشاركون في الدراسة إلى مجموعتين، إحداهما مصابة بالصداع النصفي، والأخرى من أفراد أصحاء.

فحص المشاركون مرتين في أيام مختلفة، فحصوا جميعا بعد ليلتين من النوم الطبيعي، وبعد ليلتين من قلة النوم. كما طلب من جميع المشاركين كتابة مذكرات عن نومهم، بالإضافة إلى استخدام جهاز إلكتروني لتسجيل النوم.

خلال الفحص الفعلي، ارتدى المشاركون قبعة مزودة بأقطاب كهربائية لتخطيط كهربية الدماغ. استخدمت أقطاب تخطيط كهربية الدماغ لقياس نشاط الدماغ أثناء نوعين من تحفيز الألم، أحدهما بالليزر والآخر بالتحفيز الكهربائي. بهذه الطريقة، تمكّن الباحثون من قياس نشاط الدماغ ودراسة كيفية تعامله مع إشارات الألم بعد قلة النوم.

يقول أوملاند "لم يكن أيٌّ من هذا خطيرا، ولكنه كان مزعجا بشكل واضح، الآليات التي يفترض أن تخفف الألم لا تعمل تماما كما هو الحال لدى غير المصابين بالصداع النصفي، لا يخفّ الألم بقدر ما يخفّض لدى الأصحاء".

مقالات مشابهة

  • شبان يحاولون إحراق مبنى فينتهي الأمر باحتراق سيارتهم أثناء الهروب.. فيديو
  • «جوج وماجوج» وعلاقتهما بحرب إيران.. هل اقتربت الساعة؟ الأزهر يكشف أسرار «النبوءات»
  • اللواء موسوي: سنُواصل معاقبة نتنياهو حتّى يصبح عاجزًا
  • التحول الرقمي.. قرار يصنع المصير
  • لماذا تتفاقم أعراض الصداع النصفي عند المرضى الذين لا ينامون جيدا؟
  • نادي سالزبورغ : ‏تحية لجماهير النصر و الأهلي الذين يدعموننا اليوم
  • وسام الذهبي: الهلال هو الأمل الوحيد للأندية العربية
  • وزير الداخلية السيد أنس خطاب: اعتقال المجرم المطلوب للعدالة وسيم الأسد جاء ضمن مساعٍ حثيثة من وزارة الداخلية والدولة السورية لاعتقال رموز الإجرام في عهد الهارب بشار، الذين عاثوا في الأرض فساداً وتنكيلاً بحق الشعب السوري. تغريدة عبر منصة “X”
  • «الهروب من العذاب»..ربة منزل تقفز من الطابق الأول بطفلتها بمركز دار السلام بسوهاج
  • بعد هدفه في بورتو.. ميسي يصبح الهداف التاريخي لبطولات الفيفا