عُمان والبحار المفتوحة.. هندسة موقع استراتيجي لعصر الطاقة المتغيرة
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
يعيش العالم تحولات بنيوية تعيد تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، كما يعيد تعريف محاور القوى فيه؛ الأمر الذي يجعل البحر يبرز بوصفه الساحة الجديدة التي تشير إلى القوة الجغرافية. العالم الذي اعتاد النظر إلى الموانئ، لعقود طويلة، باعتبارها أدوات لوجستية في معادلة التجارة، فإنه اليوم يرى تحولها إلى ما يمكن أن يكون عقدا استراتيجيا يربط الطاقة بالاقتصاد العالمي، وتسوية التوازنات بين الشرق والغرب.
لم يكن منتدى القطاع البحري والموانئ والطاقة الذي بدأت أعماله في مسقط اليوم مجرد منتدى قطاعي، كان واضحا أنه يأتي في سياق التعبير الدقيق عن إدراك عُمان لطبيعة المرحلة، وفهمها أن الموقع الجغرافي لا يكفي وحده لضمان النفوذ أو الاستمرارية. فالقرب من مضيقي هرمز وباب المندب يمنح سلطنة عُمان أفضلية عبور، لكنه لا يضمن دورا محوريا إلا إذا صيغت حوله منظومة لوجستية متكاملة تستجيب للمعايير الجديدة المتمثلة في الكفاءة التشغيلية، والحياد الكربوني، وربط الطاقة بالتكنولوجيا الذكية.
ومن خلال فهم مضامين النقاشات التي شهدها اليوم الأول من المنتدى بدءا من تطوير منظومات الوقود البحري المستدام، إلى تعزيز التحول الرقمي في إدارة سلاسل الإمداد، يتضح التغير الواضح في فلسفة الاستثمار العُمانية. فلم يعد الهدف مجرد توسيع البنية الأساسية، بل الانتقال إلى تكوين بيئة لوجستية مرنة قادرة على امتصاص صدمات الأسواق، ومواكبة تحول الطلب العالمي من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة البديلة.
غير أن هذا التحول يضع عُمان أمام معادلة معقدة: كيف توازن بين طموحاتها اللوجستية ومصالح القوى الكبرى المتنافسة على النفوذ البحري في المنطقة؟ وكيف تبني منظومة طاقة مستدامة في بيئة لا تزال رهينة لتقلبات أسعار النفط والغاز، ومخاطر اضطراب حركة الشحن العالمي نتيجة النزاعات الإقليمية؟
إزاء هذه المعطيات، بلورت سلطنة عُمان استراتيجية مزدوجة المعالم؛ فهي من جهة، تعزز قدراتها المحلية عبر الاستثمارات في موانئ حديثة ومراكز إمداد للطاقة النظيفة؛ ومن جهة أخرى، تنوع شراكاتها الدولية بطريقة تحافظ على استقلال قرارها البحري والطاقي. ونجاح هذا الرهان مربوط بقدرتها على تجاوز منطق الاعتماد الأحادي على الموقع الجغرافي، والتحول إلى قوة معرفية وتقنية قادرة على صياغة الحلول بدل الاكتفاء باستقبال السفن العابرة.
من هذه الزاوية، فإن أهمية المنتدى لا تكمن فقط في استعراض الفرص، بل في كشف التحديات التي تواجه كل دولة تطمح إلى بناء حضور بحري عالمي تتمثل في تصاعد التنافس على خطوط الإمداد، والتغير السريع في تقنيات الطاقة، وتزايد الضغوط الأخلاقية والبيئية على الصناعات البحرية. بمعنى آخر، معركة المستقبل لن تكون فقط حول من يملك الميناء الأكبر أو الأسطول الأوسع، بل حول من يملك المرونة التكنولوجية والبصيرة الاستراتيجية الأبعد.
وإذا استطاعت عُمان أن تواصل الاستثمار في رأس المال البشري والابتكار التقني بالزخم ذاته الذي أظهرته مبادرات مثل مجموعة أسياد، فإنها في طريقها لتكون مركز ثقل أساسيا في معادلة الطاقة واللوجستيات العالمية خلال العقود القادمة خاصة في عالم تتراجع فيه أولوية المسافة لصالح معايير الاستدامة والابتكار التكنولوجي في رسم شبكات التجارة العالمية؛ لذلك فإن موقع سلطنة عُمان يمكن أن يتحول إلى أكثر من مركز عبور، ليغدو نقطة توازن حيوية بين شرق يتصاعد وغرب يعيد رسم استراتيجياته. والذين يدركون مبكرا أن الذكاء والمرونة تتفوقان على الجغرافيا، هم من سيرسمون خريطة البحر الجديد.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
"مركز أوكيو للبحث والتطوير والابتكار" يحتفل بتخريج الدفعة الأولى من "مُسرِّعات الأعمال"
◄ 13 شركة ناشئة مشاريعها الابتكارية أمام المختصين من داخل عُمان وخارجها
مسقط- الرؤية
احتفل مركز أوكيو للبحث والتطوير والابتكار (OQX) التابع لمجموعة أوكيو، بتخريج الدفعة الأولى من برنامج مُسرِّعات الأعمال؛ حيث قدمت 13 شركة ناشئة مشاريعها الابتكارية أمام المختصين في مجال ريادة الأعمال والطاقة من داخل سلطنة عُمان وخارجها.
ويأتي ذلك في إطار جهود المجموعة لدعم نمو ريادة الأعمال وتحفيز التقدم التكنولوجي من خلال توفير بيئة متكاملة لتسريع نمو الشركات الناشئة وتمكينها من دخول السوق. وقد تنوعت مجالات المشاريع المعروضة بين الطاقة المستدامة، والتكنولوجيا النظيفة، والذكاء الاصطناعي، وكفاءة إدارة منشآت الطاقة.
وأُتيحت لمستثمرين من سلطنة عُمان وأوروبا وأسيا وأمريكا الجنوبية فرصة التعرف على الحلول المقدمة من رواد الأعمال، إلى جانب مناقشة آفاق الاستثمار والتوسع المشترك، مما يسهم في دعم بيئة الابتكار.
وشهد الحفل توقيع اتفاقية بين مركز أوكيو للبحث والتطوير والابتكار ومجموعة إذكاء تهدف إلى تسهيل الاستثمار في مخرجات برنامج مُسرِّعات الأعمال وربط الشركات الناشئة بالمبادرات والفرص المتاحة في الجهتين، وقَّعها الدكتور عمار بن محمد العجيلي نائب الرئيس للابتكار في أوكيو، ومها بنت محمد البلوشية مدير عام إدارة الصناديق الاستثمارية بمجموعة إذكاء.
وقال الدكتور عمار بن محمد العجيلي إن تخريج الدفعة الأولى من برنامج مُسرِّعات الأعمال يُعد مرحلة مهمة تعكس نجاح البرنامج في تأسيس شركات ناشئة تساهم في إيجاد حلول مبتكرة لقطاع الطاقة.
فيما أعربت مها بنت محمد البلوشية عن تطلعاتها من هذا التعاون، قائلة: "يأتي هذا التعاون تأكيدًا على التزام مجموعة إذكاء بدعم منظومة ريادة الأعمال في سلطنة عُمان وتوفير فرص للنمو والتوسع أمام الشركات الناشئة. نحن نؤمن بأن التعاون مع أوكيو سيسهم في تحقيق نقلة نوعية في تطوير الحلول التقنية وربطها بالمجالات ذات الصلة بقطاعات الاتصالات وتقنية المعلومات الذي من شأنه أن يفتح آفاقًا جديدة للتوسع في الأسواق المحلية والإقليمية. كما تؤمن المجموعة بأهمية تكامل الجهود بين المؤسسات المختلفة ورواد الأعمال لإيجاد حلول مبتكرة تعزز من مكانة سلطنة عمان كمركز إقليمي للتقنية والاستثمار".
وتأتي هذه الخطوة لتعكس التزام المجموعتين بمواصلة دعم القطاع الخاص، وإيجاد بيئة ريادية تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام. وأكدت المجموعتان على أهمية هذا التعاون في بناء شراكة إستراتيجية تركز على استثمار الموارد والطاقات المحلية لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. وتهدف أوكيو من هذا البرنامج إلى ترسيخ مكانة سلطنة عُمان باعتبارها محورًا إقليميًا في اقتصاد الطاقة، ويتيح للمشاركين الاستفادة من إمكانيات وخبرات أوكيو وشبكتها من خلال مسار متكامل يمتد من الفكرة إلى السوق. ويعد برنامج أوكيو لمُسرِّعات الأعمال جزءًا من الجهود التي تبذلها "أوكيو" لتمكين رواد الأعمال ودعم المشاريع الناشئة لتوسيع نطاق ألها محليًا وعالميًّا.