اليمن يعيد تأسيس المحور وتشكيل الردع
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
ناصر قنديل
– سادت خلال شهور- خصوصاً منذ وقف إطلاق النار في لبنان- أخبار عن هزيمة محور المقاومة وتفككه، وشكل استمرار الاحتلال في مناطق لبنانية ومواصلة جيش الاحتلال اعتداءاته دون ردّ من حزب الله، فرصة للاستنتاج في أوساط تنتظر الشماتة بقوى المقاومة للقول إن زمن المقاومة ومحورها انتهى، وخرج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يقول إن المحور انتهى مع اغتيال السيد حسن نصرالله الذي وصفه بـ «محور المحور»، رغم فشل حكومة نتنياهو بإعادة نسبة وازنة من مستوطني شمال فلسطين المحتلة، بعدما اعتبر نتنياهو أن هذه العودة هي معيار النصر والهزيمة في الحرب، ولاقاه السيد نصرالله بالقول لقد قبلنا التحدّي، وحاول هؤلاء التخفيف من قيمة مواصلة اليمن لأنشطته العسكرية تحت عنوان إسناد غزة، رغم فشل كل المحاولات الأمريكية والإسرائيلية في تأمين عبور أي سفينة من السفن التي يسري عليها قرار المنع اليمني.
– خلال الشهرين الماضيين، ومع استئناف الحرب على غزة وتقاسم الأدوار بين كيان الاحتلال والأمريكيين، بتعهد إدارة ترامب خوض حملات عسكرية شاملة ضد اليمن بأضعاف القوة التي كانت عليها الضربات أيام إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وإطلاق يد الاحتلال لاحتلال غزة مجدداً وتجويعها وصولاً لفرض الاستسلام عليها. ورغم الصمود الأسطوري للشعب في غزة بوجه آلة القتل والتدمير والتجويع ومعها آلة إعلامية وأمنية تشارك فيها السلطة الفلسطينية وعدد من دول المنطقة لإخراج شارع مناوئ للمقاومة في غزة، دون أن تنجح بتحريك ما يتجاوز قشرة رقيقة من المجتمع الفلسطيني. ومع هذا الصمود وبالرغم من اجتماعه مع نجاح المقاومة بإعادة تشكيل قواتها بصورة تسبّبت بإرهاق قوات الاحتلال التي كان واضحاً أنها عاجزة عن استعادة عافيتها مع أزمات المجتمع الواقف خلفها والرافض للحرب وامتناع الاحتياط عن الالتحاق بالقتال، كان واضحاً أن غزة تحتاج إلى محور المقاومة لتسريع الضغوط اللازمة لفرض وقف الحرب على غزة بشروط تتناسب مع تطلعات المقاومة.
– كان الرهان الأمريكي على فعالية الحملة العسكرية المصممة ضد اليمن، بتحقيق ثلاثة أهداف إذا تعذر النصر الكامل، بإخضاع القيادة اليمنية لفرض فتح الملاحة في البحر الأحمر أمام السفن المتوجّهة إلى موانئ كيان الاحتلال. أهداف الحد الأدنى الأمريكية كانت أولاً: إلحاق ضرر كبير بمقدرات اليمنيين في مجالي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، تحول دون التمكن من مواصلة الإطلاق بوتيرة فعالة نحو الأساطيل البحرية الأمريكية وعمق الكيان، وثانياً التسبب بإرهاق وإعماء البنية العسكرية اليمنية عبر تواصل الغارات ليلاً ونهاراً بما يُضعف القدرة على المناورة اللازمة لإخراج الصواريخ من المستودعات وتوضيعها وإطلاقها، وثالثاً تخفيض مستوى الكفاءة الفنية في تحديد الأهداف وفي مستوى الصواريخ وقدرتها على تجاوز الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية، بحيث تفقد الصواريخ اليمنية القدرة على التحول الى أداة ضغط يصعب تجاهلها لإنهاء حرب غزة، بما يريح واشنطن من عبء المواجهة ويخفف عن كيان الاحتلال الضغوط التي يخلفها الاستهداف اليمني.
– الأسبوع الأخير حمل حدثين كبيرين كفيلين بحسم النقاش، من جهة جاء سقوط طائرة إف 18 عن سطح حاملة الطائرات هاري ترومان، ليكشف – رغم محاولات التهوين الأمريكية مما حدث في البداية – أن ما جرى كان وصول عدد من الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة المتطورة على سطح حاملة الطائرات الأمريكية، ما تسبب بسقوط الطائرة إف 18 وبالحد الأدنى بلوغ الصواريخ منطقة تموضع الحاملة ما اضطرها لمناورة سريعة قاسية تسببت بسقوط الطائرة، كما تقول الرواية الرسمية. وهذا يعني أمرين، الأول هو أن قدرة اليمن على إطلاق أفضل ما لديها من الصواريخ والطائرات المسيرة وبكميات كبيرة لم تتأثر، وثانياً أن ما لدى اليمن من صواريخ وطائرات مسيرة قادر على الوصول إلى الأهداف دون أن تنجح الدفاعات الأمريكية الشديدة التطور المرافقة لحاملة الطائرات من منعها، بحيث بات ما جرى بعد شهرين من المواجهة كافياً للقول إن الحملة العسكرية الأمريكية فشلت، وإن المواجهة صارت مأزقاً أمريكياً ومخاطرة كبرى، وأن لا حلّ لإنهاء هذه الأزمة إلا إذا توقفت الحرب على غزة وأوقف اليمن استهدافاته فيمكن عندها للأمريكي التوقف دون أن يكون قد هزم..
– ما جرى أمس الأول، في مطار بن غوريون، أكد أن ما جرى مع الحاملة ترومان لم يكن صدفة، بل تعبير عن واقع التوازن الذي نجح اليمن بإنشائه وتثبيته، حيث قدرة الإطلاق وفعالية التصويب ونوعية الصواريخ التي تفشل كل الدفاعات الجوية الأمريكية والإسرائيلية ومنها منظومة ثاد الحديثة، في منعها من بلوغ أهدافها، وهذا الصاروخ – كما يقول اليمن – بداية مرحلة جديدة لحصار جوي شامل على كيان الاحتلال، وهو يعني أن نزول الملايين من المستوطنين إلى الملاجئ إضافة إلى إغلاق النافذة الوحيدة للكيان على العالم للسفر والمسافرين، سوف يصبحان قوة ضغط لا يمكن تلافيها لصالح تيار وقف الحرب على غزة كطريق وحيد للتخلص من هذا الكابوس.
– عملياً تولى اليمن جبهة الإسناد والموقع الأول في محور المقاومة والدور الأول في الردع، الذي كان يتولاه حزب الله، وها هو يُعيد تأسيس محور المقاومة ويُعيد تشكيل قوة الردع، وبالتوازي يبذل قائد اليمن السيد عبد الملك الحوثي جهوداً استثنائية في الشرح والتحليل والحضور الإعلامي رغم ظروف شديدة الصعوبة يواجهها في الظهور الإعلامي، ليعوّض بعضاً من الدور الذي كان يؤديه السيد نصرالله نحو جمهور محور المقاومة، مانحاً حزب الله فرصة أخذ الوقت اللازم لإعادة تكوين قواه وتنظيم صفوفه، فيقول هنا الضاحية من صنعاء، تماماً كما فعلت إذاعة دمشق يوم قصفت إذاعة القاهرة خلال العدوان الثلاثي على مصر قبيل كلمة الرئيس جمال عبد الناصر، وقالت هنا القاهرة من دمشق يوم 2 نوفمبر عام 1956.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: کیان الاحتلال محور المقاومة الحرب على غزة ما جرى
إقرأ أيضاً:
اليمن يتوسل مجلس الأمن.. اقتصاديون: الاستجداء لن يعيد خسارة 7.5 مليار دولار أو تصدير النفط والحل بيد الحكومة
بدت الحكومة اليمنية، مجدداً، في موقع الضعف وهي تناشد مجلس الأمن والمجتمع الدولي لإيجاد "وسائل ممكنة" لاستئناف تصدير النفط والغاز، بعد توقف دام أكثر من عامين بسبب هجمات حوثية بطائرات مسيّرة.
وبلغت خسائر هذا التوقف، بحسب الأرقام الرسمية، 7.5 مليار دولار، منذ أكتوبر 2022، وسط أزمة اقتصادية خانقة تضرب البلاد.
المفارقة أن هذه المناشدة تأتي بعد سنوات من تبني مجلس الأمن قرارات يفترض أنها تستهدف المليشيا الحوثية المدعومة إيرانياً، لا سيما القرار 2201 الصادر تحت الفصل السابع عام 2015، إلا أن الواقع، كما يرى مراقبون، يُظهر أن تلك القرارات باتت تُستخدم كقيد على الحكومة الشرعية أكثر مما هي وسيلة ضغط على الحوثيين.
خطوات ردع
الحكومة، في كلمتها يوم الأربعاء 14 مايو/ أيار 2025، أمام مجلس الأمن، ممثّلة بسفيرها الدائم لدى الأمم المتحدة عبدالله السعدي، حمّلت المليشيا الحوثية مسؤولية الخسائر، مشيرة إلى أن وقف التصدير شلّ الاقتصاد اليمني، وساهم في انهيار سعر الصرف، وتعطيل صرف الرواتب والخدمات الأساسية.
لكن في مقابل هذا الطرح، يتساءل محللون عن مدى قدرة الحكومة على تجاوز الأزمة بإرادة وطنية بدلاً من انتظار "حلول أممية" أثبتت، مراراً، عجزها أو انحيازها، خصوصاً والمليشيا الحوثية لم تكتفِ بتعطيل تصدير النفط، بل تمادت إلى احتجاز طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية، ورفضت فتح الطرق بين المحافظات، وقصفت منشآت تصديرية، وسط صمت دولي وتراجع حكومي واضح عن اتخاذ أي خطوات رادعة.
وأكد المراقبون لوكالة "خبر"، أن الحكومة تمتلك أوراقاً كان يمكن توظيفها لحماية المصالح السيادية، أو على الأقل، الشروع بخطط تصديرية مؤمّنة، بدلاً من الاكتفاء بالاستجداء والبيانات.
وأشاروا إلى أن تكرار هذه النداءات في المحافل الدولية بات يعكس عجزاً سياسياً بقدر ما يكشف حجم المأساة الاقتصادية.
المشروع الحوثي يتوسع
يقول متخصصون في الشؤون الاقتصادية لوكالة "خبر"، إن "الاعتماد المفرط على المجتمع الدولي دون بناء سياسات طوارئ وطنية أو تنويع مصادر الإيراد، يعكس هشاشة في إدارة الدولة للملف الاقتصادي.".
ولفتوا إلى أن "الحكومة تمتلك احتياطيات تصديرية، ويمكنها –عبر حزم تأمين وتحالفات إقليمية– استئناف التصدير بشكل محدود ومدروس، وهو أفضل من الجمود المطلق".
وأكدوا أن "وقف تصدير النفط تسبب في خنق النشاط الاقتصادي العام، ما انعكس سلباً على سوق العمل، والاستثمار، والمستوى المعيشي"، مشيرين إلى أن "طباعة العملة بدون غطاء زاد من الضغط على الريال اليمني، وهو ما نشهده اليوم في ارتفاع الأسعار وتضخم الأسواق."
ويخلص مراقبون إلى أن الحكومة ما تزال تراهن على تدخلات دولية قد لا تأتي، بينما يتوسع المشروع الحوثي ميدانياً وسياسياً واقتصادياً، في ظل غياب بدائل حقيقية من قبل الشرعية.
وحذروا من أن استمرار الحكومة في سياسة التوسل لا يعيد الصادرات، ولا يوقف استنزاف الاقتصاد، ولا يردع المليشيا، بل يفتح الباب لمزيد من التنازلات التي قد تُفرض تحت ذريعة "الواقع الإنساني".