في مشهد يعيد إلى الذاكرة فصولًا قاتمة من التاريخ الإنساني، تتكرر اليوم في قطاع غزة المحاصر والمدمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي٬ مأساة المجاعة التي عصفت بهولندا في شتاء عام 1944، حين فرضت القوات النازية حصارًا قاسيًا على غرب البلاد، ما أدى إلى وفاة 22 ألف شخص وتأثر نحو 4.5 مليون نسمة. 

وبينما يختلف السياق الزمني والسياسي، فإن الملامح الإنسانية للأزمتين تكاد تتطابق: الحصار، التجويع، انهيار منظومة الغذاء، وعجز العالم عن التدخل الفعّال لإنقاذ الأرواح.



في هولندا، وقعت الكارثة فيما يُعرف بـ"شتاء الجوع" (Hongerwinter)، حين قررت سلطات الاحتلال النازي، في أيلول/سبتمبر 1944، منع نقل الغذاء والوقود إلى غرب البلاد، عقابًا على دعم الحكومة الهولندية المنفية لجهود الحلفاء في تحرير الجنوب. 

On this day in 1945 operation Manna started. 6,680 tons of food was dropped into the occupied western part of the Netherlands, to help feed Dutch civilians in danger of starvation. 3,301 sorties were flown by British Mosquitoes and Lancaster bombers. https://t.co/mHO4Zporhx — Klaas Meijer (@klaasm67) April 29, 2021
تزامن هذا القرار مع شتاء قارس، ومحاصيل ضعيفة، وأربع سنوات من الإنهاك بفعل الحرب، ما أدّى إلى خفض الحصص الغذائية اليومية إلى ما بين 400 و800 سعرة حرارية فقط. وللبقاء على قيد الحياة، اضطر السكان إلى أكل الحشائش وبصيلات الزنبق، ما خلّف آثارًا صحية ونفسية امتدت لأجيال لاحقة، حيث وُلد الأطفال أصغر حجمًا، وأكثر عرضة للإصابة بأمراض مثل السكري والفصام وأمراض الرئة.


أما في غزة، فالمأساة الراهنة بدأت مع اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث أغلق الاحتلال الإسرائيلي المعابر البرية بشكل شبه كامل، مانعا دخول المواد الغذائية والطبية، في إطار سياسة ممنهجة للتجويع، وسط تقارير عن نية تهجير سكان القطاع قسرًا، في ما تصفه جهات حقوقية بمحاولة تطهير عرقي معلن. 

ويعيش سكان القطاع الآن على حافة الكارثة، حيث يؤكد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة نفاد كامل مخزوناته الغذائية، وإغلاق المخابز المدعومة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة فاقت 1400%. 

رغم ذلك، لم تعلن الأمم المتحدة رسميًا وقوع المجاعة، واكتفت بالتحذير من "وضع كارثي وشيك".

المجاعة في غزة ليست أولى حالات الجوع القاتل منذ بدء الحرب؛ ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2023، سُجلت أول مؤشرات الانهيار الكامل لمنظومة الغذاء مع نفاد الوقود وإغلاق المخابز. وبحلول حزيران/يونيو 2024، صُنّف 22% من سكان غزة ضمن المرحلة الخامسة – وهي الأعلى – وفقًا لنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، الذي يُستخدم دوليًا لتحديد درجة شدة المجاعة. 
مجاعة غزة عارٌ سيلاحق المسلمين في التاريخ

و أمام الله يوم القيامة ???????????????????????? pic.twitter.com/80yJsKAbKJ — ????3marHmd???????? (@3mar_hmd) April 29, 2025
واليوم، تؤكد تقارير من شبكة "FEWS NET"، أن المجاعة فعليًا بدأت في شمال غزة في نيسان/أبريل 2024، حيث اضطر السكان إلى أكل أوراق الأشجار وأعلاف الحيوانات.

تُظهر المقارنة بين الحالتين الهولندية والفلسطينية تشابهًا بنيويًا في الأدوات المستخدمة: في الحالتين، الحصار والتجويع وحرمان المدنيين من الغذاء لأهداف عسكرية وسياسية. 


إلا أن الحالة الفلسطينية تتسم بخصوصية إضافية، تتمثل في أن المجاعة تُدار ضمن سياق استعمار استيطاني طويل الأمد، يستهدف اقتلاع السكان الأصليين وتفريغ الأرض من أهلها. 

كما أن المجاعة في غزة تحدث تحت غطاء من الصمت الدولي، رغم التحذيرات المتكررة من وكالات الأمم المتحدة، ومنها برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، التي تستند إلى معايير علمية صارمة لتحديد وقوع المجاعة.

وبينما شكّل شتاء الجوع الهولندي حافزًا عالميًا بعد الحرب لتطوير أنظمة الحماية الغذائية وحقوق الإنسان، يبدو أن ما يحدث اليوم في غزة يعيد عقارب الإنسانية إلى الوراء، في ظل غياب آليات مساءلة فعالة، وتسييس ملف المساعدات، ورفض واضح من قِبل الاحتلال الإسرائيلي لأي حلول إنسانية، سواء عبر فتح المعابر أو حتى السماح بعمليات إسقاط جوي منسقة.

في المحصلة، لا تُمثّل المجاعة في غزة مجرد كارثة إنسانية طارئة، بل تُعد شاهدًا حيًا على فشل النظام الدولي في حماية المدنيين، وتحذيرًا من أن التجويع قد يعود أداة حرب مشروعة في نظر من لا يُحاسَب. 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية غزة الاحتلال المجاعة هولندا غزة الاحتلال هولندا مجاعة المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

غزة تحت المقصلة.. عندما تحول إسرائيل التجويع إلى عقيدة حرب علنية

الثورة  / متابعات

في مشهد يعيد إلى الأذهان أكثر صفحات التاريخ ظلمةً، يجد الفلسطينيون في قطاع غزة أنفسهم منذ أشهر طويلة في قلب مأساة إنسانية مركبة، يتصدرها هذه المرة سلاح ليس من الحديد والنار، بل من الخبز والماء والدواء.

سلاح التجويع، الذي كان يُمارس لسنوات بغطاء دبلوماسي أو مبررات أمنية، أصبح اليوم يُنفّذ بصورة علنية وممنهجة، وفق ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز في تقرير صادم.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعاد تفعيل سياسة “التجويع الجماعي” ضد سكان غزة، هذه المرة دون مواربة، وبدعم مباشر من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

الاستراتيجية، التي تُصنّف دوليًا ضمن جرائم الحرب، تُنفّذ الآن بجرأة، دون اكتراث لقوانين دولية أو لنداءات إنسانية.

من الحصار إلى الجوع المُمنهج

منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، شهدت غزة انفراجة محدودة في إدخال المساعدات، سرعان ما تبخرت مطلع مارس عندما أغلقت إسرائيل المعابر كافة. لم يكن الإغلاق قرارًا عابرًا، بل جزء من تكتيك سياسي لليّ ذراع فصائل المقاومة في مفاوضات التهدئة، حسبما نقلت الصحيفة.

نتيجة ذلك، عادت الطوابير أمام المخابز التي سرعان ما توقفت عن العمل، وعاد السكان للشرب من مياه مالحة ملوثة، فيما بدأ مخزون الوقود والإمدادات الطبية ينفد بشكل ينذر بانهيار كامل للمنظومة الإنسانية في القطاع المحاصر.

صيام الجسد والكرامة

حلّ شهر رمضان هذا العام على الغزيين وهم يبحثون عن أدنى مقومات الإفطار.

الخبز بات عملة نادرة، ومياه الشرب النظيفة لم تعد متاحة لأكثر من 600 ألف مواطن، بعد أن أوقفت إسرائيل الكهرباء عن محطات التحلية.

القطاع الصحي، المنهك أصلًا، يئن تحت وطأة نقص الإمدادات.

فقد سُجّلت وفاة ستة أطفال رضع في فبراير الماضي بسبب انخفاض حرارة أجسادهم، وسط نقص حاد في البطانيات والرعاية الطبية.

فيما تعجز المستشفيات عن استقبال حالات جديدة بسبب شح الوقود اللازم لتشغيل المولدات.

المواد الغذائية الطازجة اختفت تقريبًا، ومعها بدأت الأسعار في التحليق إلى مستويات غير مسبوقة، لتجعل وجبة بسيطة حلمًا بعيد المنال لعائلات فقدت مصادر دخلها ومدخراتها.

⭕️ المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل:

▪️في غزة أطفال ينامون بلا طعام وأمهات يخفين دموع الجوع خلف ابتسامة مُرهقة وآباء يعودون بلا شيء إلا الحزن.

▪️الجوع في غزة ليس فقرا بل عقوبة ليس حالة إنسانية بل جريمة ترتكب بحق شعب أعزل.

صمت دولي.. وتواطؤ ناعم

ما يثير القلق أكثر من الجريمة نفسها، هو الصمت الصارخ للمجتمع الدولي. فبينما تحذر الأمم المتحدة من كارثة إنسانية وشيكة، تكتفي الدول الكبرى بالتصريحات “القلقة”، فيما تتعامل بعض العواصم الغربية مع المساعدات الإنسانية كأوراق تفاوض سياسية.

منظمات الإغاثة والأمم المتحدة وصفت هذا التجويع العلني بأنه “انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني”، لكن دون تحرك فعلي أو مساءلة. أما إسرائيل، فتمضي قدمًا في خطتها مستندة إلى واقع سياسي يسمح لها باستخدام الغذاء كسلاح دون مساءلة.

إعاقة ممنهجة لجهود الإعمار

حتى المبادرات الرامية لبناء مستقبل أفضل لغزة تُواجه بالمنع، منظمات حاولت توزيع بذور زراعية، وأخرى شرعت في إعادة تأهيل شبكات المياه أو إزالة الأنقاض، اصطدمت بقرارات إسرائيلية تمنع دخول المعدات الثقيلة والمولدات وحتى الأنابيب البلاستيكية.

ما يجري في غزة لا يُمكن اختصاره في عنوان إخباري أو تقرير إنساني، بل هو نموذج مكتمل لعقيدة عقاب جماعي، تُمارس بوعي وبغطاء سياسي دولي، وتجعل من الحصار أداة حرب ومن المساعدات ورقة مساومة.

مقالات مشابهة

  • غزة تحت المقصلة.. عندما تحول إسرائيل التجويع إلى عقيدة حرب علنية
  • مجزرة إسرائيلية جديدة بغزة تحت فخ “المساعدات الغذائية”
  • "جريمة حرب".. الأمم المتحدة تدين استخدام الغذاء كسلاح في غزة
  • تقرير: الأمم المتحدة تدين استخدام الغذاء كسلاح في غزة وتعتبره جريمة حرب
  • الأمم المتحدة: استخدام الغذاء كسلاح في غزة جريمة حرب
  • مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: استخدام الغذاء كسلاح ضد المدنيين في غزة جريمة حرب
  • الأمم المتحدة تدين استخدام الغذاء كسلاح في غزة وتعتبره “جريمة حرب”
  • “الأحرار الفلسطينية”: مجازر توزيع المساعدات جريمة حرب مركبة بشراكة أمريكية وصمت دولي
  • المجلس الوطني الفلسطيني: الاحتلال حول المساعدات لفخاخ موت جماعي في غزة
  • مسؤول أممي من غزة: ما يجري مذبحة تُنفذ ببطء.. والمجاعة تستخدم كسلاح