تعاقبت النظريات التربوية على المعلّم فحرّكته أول الأمر نحو النظرية السلوكية فأصبحت عملية التعلم تحت رحمة الثواب والعقاب والمثير والاستجابة إلى الدرجة التي يتحكّم فيها المعلم بكل شيء. يمكن للمعلم أن يضرب الطالب بالعصا ضربا مبرحاً، كما هو الحال في المدارس لدينا قبل أربعين سنة. مكانه في مقدمة الصف. ولا يبدو أن هذه النظرية قد أفل نجمها رغم إعلان إفلاسها النظري في منتصف القرن الماضي على يد نعوم تشومسكي إذ أن ملاحظة بسيطة لأروقة المدرسة تكشف عن تغلغل هذه النظرية وسيطرة أشباح سكنر وشلّته السلوكية على مفاصل العملية التعليمية والدليل على ذلك تلك الاختبارات المكثفة، المحلية والإقليمية والدولية، التي تشهدها المدرسة خلال العام الدراسي.
ثم جاءت النظرية البنائية في محاولة للإطاحة بالنظرية السلوكية عن طريق سحب بعض الصلاحيات التي يتمتع بها المعلم ونقلها للطلاب الذين أصبحوا يشاركون في عملية التعلّم. أصبح دور المعلم تحت رحمة هذه النظرية منحصراً في تهيئة الظروف لدى المتعلم وتمكينه وإشراكه في تقديم المعرفة ومتابعة عملية التعلم عنده وتقديم المساعدة له عندما تغوص أقدامه في رمال المعرفة ورمضائها. المعلم، بحسب هذه النظرية، مجرد مقاول معماري يوفّر السقالات التي يرتقي عليها هؤلاء البنّاؤون لتشييد صروحهم المعرفية التي يريدونها وتتناسب مع مهاراتهم الإنشائية والمعمارية. مكانه في ناحية ما على يمين الصف أو يساره وليس مقدمته. كما هو واضح من هذه النظرية، تراجع دور المعلّم تدريجياً وأصبح مجرد مسهّل للعملية التعليمية بعد أن كان يقف أمام أبنائه ينقل الحكمة لهم والويل كل الويل لمن يعترض طريقه.
ثم جاءت فلسفة ما بعد الحداثة في نهاية القرن الماضي لتنشر فوضى تعدّد الرؤى وغموض المعنى وترويج القصص الصغيرة وإلغاء القصص الكبرى، أو بمعنى آخر الرفع من شأن الحرية الفردية وإلغاء الحقيقة المطلقة الواحدة، فأصبح المعلم نفسه تحت التهديد من هؤلاء الذين كانوا أتباعه وتحت يده. تزحزح مكانه وأصبح بالقرب من الباب. المعلم، تحت وطأة هذه الفلسفة، يتحرّك داخل مدرسته وهو خائف يتلفّت ويترقّب. لا يستطيع أن يفعل أي شيء مهما كان هذا الذي كان تحت يده يضع وشماً، أو يقص شعره بطريقة شاذة أو أن يلبس القلائد على رقبته، أو يربط شعره برباط كما تفعل النساء.
ثم جاء زلزال الذكاء الصناعي في القرن الحادي والعشرين الذي يبدو، من وجهة نظر خاصة لكاتب هذه السطور، أنه تشكّل واضح لفلسفة ما بعد الحداثة التي لم تكن تحمل اسما وقتها. انتهت مرحلة “الما بعد” وأصبح الأمر واضحاً، وتحوّلت فلسلفة ما بعد الحداثة إلى هذا الشيطان الذي يحمل اسم الذكاء الصناعي. اختفت المدرسة برمتها وأصبحت مجرد منصّة افتراضية لا وجود حقيقي لها. أصبح دور المعلم فنياً فقط بحيث يمكن استبداله بروبوت افتراضي يدرّس عبر الأثير. الله وحده يعلم المصير المحتوم الذي ينتظر هذا المعلم المغلوب على أمره الذي تم ركله خارج غرفة الصف واغتياله بدم بارد.
khaledalawadh @
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: هذه النظریة ما بعد
إقرأ أيضاً:
محاولة اغتيال هاكان فيدان
في تصريحات لافتة، تابعها موقع تركيا الان٬ كشف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن تعرضه لمحاولة اغتيال قبل 4-5 سنوات، مشيرًا إلى أنه تم تسميمه بكميات كبيرة من الزرنيخ والزئبق. وقال فيدان في حديثه: “تمت محاولة اغتيالي جسديًا، وتعرضت للتسمم، وتلقيت العلاج. نحن هنا لخدمة هذا الوطن”. وأضاف أن هذا النوع من الهجمات الشخصية هو جزء من الصراع المستمر.
كما تناول فيدان عدة قضايا إقليمية ودولية هامة، حيث أكد أن تركيا قطعت شوطًا كبيرًا في القضاء على الإرهاب، مشيرًا إلى أن “الأرضية التي كان يقوم عليها الإرهاب في تركيا قد تم القضاء عليها”.
وفيما يتعلق بموقف تركيا من منظمة “بي كي كي” الإرهابية، قال فيدان: “سننتظر لفترة من الوقت لمتابعة رد التنظيم على هذا النداء التاريخي. نأمل أن يكون الرد إيجابيًا، لكننا مستعدون لكل الاحتمالات”. وأكد أن تركيا تسعى لبناء منطقة تُشارك فيها الرفاهية والحرية، موجهًا انتقادات حادة لسياسات التنظيم الذي استُخدم كعنصر بالوكالة في عدة مناطق.
وأوضح أن “وقف إطلاق النار وحده لا يكفي، بل يجب إنهاء العمل غير القانوني. أوجلان رأى كل هذه الشروط ووجّه نداءً. وقف إطلاق النار لا يكفي، يجب إنهاء العمل غير الشرعي”.
يذكر ان حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب (الكردي) قد اعلن امس الجمعة في بيان رسمي ما اعتبره “فجرًا جديدًا للسلام والأخوة في تركيا”، وذلك في أعقاب قرارات وصفت بالمفصلية صادرة عن مؤتمر حزب العمال الكردستاني (PKK)، تشير إلى تحول نحو إنهاء العمل المسلح في تركيا، وتسليم السلاح، والشروع في مسار سياسي سلمي.
أولوية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية
وأكد فيدان على أن تركيا تضع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية في صدارة أولوياتها، مشيرًا إلى أن تركيا تدعو جميع دول المنطقة للتكاتف من أجل حل الأزمة السورية. وأوضح: “نحن لا نبحث عن مصالحنا فقط، بل نريد حل القضية السورية بشكل جماعي مع دول المنطقة”. ولفت إلى أن تركيا تتبع سياسة خارجية بناءة تهدف إلى تحسين الأوضاع في سوريا والعراق، مشيرًا إلى أن “تنظيم بي كي كي لا يسيطر على أي أرض داخل تركيا لكنه لا يزال يحتل مناطق في العراق، بما في ذلك سنجار”.
إسرائيل والاستفزازات في المنطقة
وفيما يتعلق بالأوضاع في المنطقة، لفت الوزير إلى الاستفزازات التي تقوم بها إسرائيل من خلال الطائفة الدرزية، قائلًا: “إسرائيل تخلق أرضية استفزازية عبر الدروز. إذا عادت سوريا إلى حالة من عدم الاستقرار، سيكون ذلك مشكلة كبيرة، وتركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ذلك”.
اقرأ أيضامن وراء تعطيل كاميرات مقر إقامة إمام أوغلو؟ اعترافات المشتبه…