د. يوسف الشامسي **

تحدثنا في المقال السابق حول أهمية التحصين الإخباري في زمنٍ يغمرنا فيه طوفان من الأخبار والرسائل الإعلامية من كل اتجاه، إذ لم تعد أدوات المعرفة التقليدية كافية لمواكبة تعقيدات العصر، بل صار لزامًا أن نُسلِّح الأجيال الجديدة بأدواتٍ تمكّنهم من تمييز الحقيقة من الزيف، وفكّ شيفرات الخطاب الإعلامي الذي يطوقهم من كل صوب.

لذا أطرح في هذا المقال مقترحًا حول مشروع مقرر "التربية الإعلامية" كضرورةٍ ماسّة لبناء وعي نقدي قادر على مواجهة التحديات التي يفرضها العالم الرقمي، حيث تتحول الشاشات الصغيرة إلى ساحات حربٍ تستهدف الوعي قبل الأجساد.

يهدف هذا المُقرر إلى تمكين الطلبة من تحليل المضامين الإعلامية بوعي، بدءًا من التمييز بين الخبر الصحفي المدعوم بالأدلة والدعاية السياسية المُموَّلة، وصولًا إلى اكتشاف المغالطات المنطقية التي تتسلل إلى الرسائل اليومية. فالفرد اليوم لم يعد متلقٍّ سلبي للمعلومات، بل أصبح – بفضل وسائل التواصل – منتجًا ومستهلكًا في آنٍ، ما يجعله عرضةً لتحويل آرائه إلى سلعةٍ تُشكِّلها الخوارزميات وفقًا لمصالح "الجهات" المختلفة. ومن هنا تأتي أهمية تعليم أدوات التحقق من المعلومات، كاستخدام منصات "Originality.ai" و"Snopes" وFactCheck وغيرها، وفهم آليات عمل محركات البحث، والتي تتحكم- دون أن ندرك- فيما نراه وما يُخفى عنَّا.

لا ينبغي أن يقتصر المقرر على الجانب النظري، بل يُبنى على مراحل عملية تتناسب مع كل فئة عمرية. ففي المدارس الابتدائية، يمكن تبسيط المفاهيم عبر ألعاب تفاعلية تُعلِّم الطفل كيف يميز بين إعلانٍ لعبوة مشروبات غازية وخبرٍ عن فعالية مدرسية، بينما يُناقش طلاب المرحلة الإعدادية تناقضات الروايات الإخبارية على منصات التواصل مثل "إنستجرام" مقابل "إكس"، وكيف تؤثر الصياغة والجمهور المستهدف في تشكيل الرسالة. أما في المرحلة الثانوية، فبالإمكان أن يتعمق الطلبة في تحليل الأزمات الإعلامية الواقعية، على سبيل المثال تتبع مسار شائعةٍ صحية وكيفية تفنيدها، أو دراسة دور الإعلام في تضخيم الأزمات السياسية أو احتوائها.

وعند الانتقال إلى المرحلة الجامعية، يتحول المقرر إلى مساحةٍ للبحث والتخصص، حيث يدرس الطلبة تأثير المنصات الرقمية على الرأي العام في قضايا محلية، أو يُحلِّلون خطابات تاريخية عبر منهجيات النقد الحديثة. كما يمكن دمج مشاريع ميدانية، كالتدريب في غرف الأخبار لفهم صناعة المحتوى من الداخل، أو تشكيل حملات توعوية تعالج ظواهر اجتماعية مختلفة كالتنمر الإلكتروني أو الأخبار المفبركة وغيرها.

بالطبع تطبيق مقترح كهذا سيواجه تحدياتٍ ليست هينة، أولها تأهيل الكوادر التعليمية القادرة على تدريسه؛ فالمدرّس التقليدي- رغم خبرته- قد لا يملك الأدوات الرقمية اللازمة. وهذا يستدعي شراكاتٍ مع مؤسسات إعلامية وجامعات دولية رائدة في هذا المجال. كما أن تطوير المنهج يجب أن يكون عملية ديناميكية تخضع للتحديث السنوي، فبيئة الإعلام الرقمي كما هو معلوم تتغير بوتيرة متسارعةٍ تجعل أي محتوى جامدٍ عُرضةً للتقادم بين يوم وآخر.

وختامًا، نؤكد على أهمية تحصين الأجيال وانتشالهم من مستنقع التلقين إلى فضاءات التفكيك والمساءلة، وما هذا المقترح إلّا دعوةٌ لتعليم النشء أن "التابلوهات" الإعلامية ليست مقدسة، كما أن النقد ليس خصومة؛ بل هو الخطوة الأولى نحو وعيٍ يحترم ذاته بذاته؛ ففي عصرٍ تُقاس فيه القوة بمدى السيطرة على الوعي، يصبح هذا المقرر- ببساطة- درعًا واقيًا لأمننا الفكري، وخط الدفاع الأخير عن حقنا- وأجيالنا- في أن نقرأ العالم ونرى الأحداث بعيوننا وبصيرتنا اليقظة، لا بعيون أصحاب الأجندات الخفية أو من يبيعوننا الوهم.

** أكاديمي بقسم الاتصال الجماهيري- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنزوى

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القنوات الناقلة لمباراة مانشستر سيتي ضد يوفنتوس اليوم في كأس العالم للأندية

 

يترقب عشاق الساحرة المستديرة المواجهة النارية بين يوفنتوس الإيطالي ومانشستر سيتي الإنجليزي، في إطار منافسات مسابقة كأس العالم للأندية 2025.

ويستضيف ملعب كامبينج وورلد، المباراة القوية بين يوفنتوس ومانشستر سيتي، ضمن فعاليات الجولة الثالثة والأخيرة من دور المجموعات ببطولة كأس العالم للأندية، والمقامة حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويدير اللقاء تحكيميًا، الحكم الدولي الفرنسي كليمنت توربين، في المباراة التي ستقام على أرضية ملعب كامبينج وورلد.

ويحتل اليوفي صدارة ترتيب المجموعة السابعة برصيد 6 نقاط بفارق الأهداف عن صاحب مركز الوصافة فريق مانشستر سيتي والذي يمتلك نفس عدد النقاط.

ومن المقرر، أن تنطلق المباراة يوم الخميس الموافق 26 يونيو 2025، في تمام الساعة العاشرة مساءًا بتوقيت مصر والسعودية وقطر، والحادية عشر بتوقيت عمان والإمارات.

القنوات الناقلة لمباراة مانشستر سيتي ضد يوفنتوس اليوم في كأس العالم للأندية

يمكنكم مشاهدة المواجهة عبر شبكة DAZN وهي الناقل الحصري لمباريات كأس العالم للأندية 2025، ومن المقرر أن تبث المنصة جميع مواجهات البطولة بتقنية عالية في أنحاء العالم مجانًا.

مقالات مشابهة

  • «التربية»: التظلمات من نتائج الامتحانات تبدأ 30 الجاري حتى 2 يوليو
  • القنوات الناقلة لمباراة مانشستر سيتي ضد يوفنتوس اليوم في كأس العالم للأندية
  • أمين تنظيم الجيل: الأحزاب حلقة الوصل بين الدولة والمجتمع
  • ريال مدريد يستعيد مبابي قبل مواجهة سالزبورج في كأس العالم للأندية
  • كيف تعامل الجيل "زد" مع الحرب بين إيران وإسرائيل؟
  • مكتب نتنياهو: أعدنا إيران سنوات إلى الوراء في قدرتها على تطوير سلاح نووي
  • بالتعاون مع اليونسكو ومكتبة الإسكندرية.. الشباب والرياضة" تطلق فعاليات اليوم الأول من معسكر التربية الإعلامية والمعلوماتية
  • الحكومة تعلن عن خطة وطنية للرصد و اليقظة لمواجهة حملات التضليل
  • الجيل : مصر ملاذ الإنسانية حين يغلق العالم أبوابه
  • الذكاء الاصطناعي متطلب إلزامي في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل