«التبرُّع بالأعضاء».. أمل جديد نحو الحياة
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
الحلم قد يصبح حقيقة، والمعاناة قد تنتهي -بأمر الله- في غضون أيام قليلة. الإقدام على التبرع بالأعضاء في الماضي كان من القرارات المصيرية الصعبة التي تظل تشعر البعض بالتوجس والرغبة في تفكير عميق، وفي النهاية تثنيه عن فكرته.
والآن، يتخذ الكثير من الناس قرارهم الصائب قبل الموت، فيوصي عائلته بأنه موافق على هذا التبرع بمحض إرادته ومن قناعة تامة بأن ما سيقدمه للآخرين ما هو إلا «واجب وطني والتزام إنساني» في سبيل المساهمة في إنقاذ روح إنسان يعاني من المرض، وحياته تهدد بالفناء في كل لحظة تمر عليه.
لقد حدد القانون أطرًا معينة وظروفًا خاصة وأسلوبًا صحيحًا فيما يتعلق بالتبرع بالأعضاء، حتى تكون العملية منظمة ومصرحًا لها وفق إطارها الصحيح. لذا فإن أي تبرع بالأعضاء يكون من رغبة الشخص ذاته وبموافقته دون أي ضغط أو إجبار على ذلك، يخرج من أي شبهة جنائية أو توجس أو ريبة. فالقرار يأتي من أصحاب الشأن ذاتهم دون خضوعهم إلى أي مؤثرات خارجية، وهذا ما يميز التبرع بالأعضاء وفق القانون والظروف الصحية المعترف بها دوليًا.
لن نتحدث عن تجارة الأعضاء، وعصابات السرقة والظروف غير الآدمية التي تجرى فيها مثل تلك العمليات المشبوهة والتي عادة ما تكون كارثية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
ولله الحمد - أصبح بالإمكان التبرع بالأعضاء في وطننا الغالي وفق نظام محدد، ويخضع المريض لظروف صحية آدمية صحيحة. وما حدث قبل أسابيع ماضية لهو إنجاز علمي وإنساني، فقد أنعم الله على أطبائنا المهرة بالإعلان عن نجاح أول عملية زراعة قلب من شخص متوفى دماغيًا في المستشفى السلطاني. والعملية أُجريت على يد فريق طبي عماني متكامل ومتعدد التخصصات.
ويعد هذا الإنجاز في سلطنة عُمان علامة فارقة في مسيرة القطاع الصحي الذي يشهد قفزات متتالية من النجاحات في مختلف التخصصات. وهذه العملية، ربما تكون معقدة ودقيقة، هي إضافة إلى أخرى لسجلات العمل الطبي، وكونها تعكس الرؤية الوطنية المتكاملة من لدن القيادة الحكيمة حول هذا الموضوع، وبالاستعانة بالكفاءات والقدرات الوطنية مع الانسجام التام مع روح العطاء الإنساني من قبل المتبرعين وحرصهم على إعطاء المريض المحتاج للأعضاء فرصة أخرى للحياة، وفتح المجال أمام تبرعات أخرى يمكنها أن تنقذ حياة عشرات أو مئات، وربما على المدى البعيد أعدادًا كبيرة من المحتاجين لزراعة الأعضاء في عُمان.
وبحسب ما تم نشره إعلاميًا خلال الفترة الماضية حول تفاصيل هذه العملية الناجحة، فقد أكدت المصادر أن «العملية الجراحية أُجريت وفقًا لأعلى المعايير الطبية والأخلاقية بما يتوافق مع القوانين الوطنية والتوصيات الدولية المعتمدة في مجال التبرع بالأعضاء».
لعلنا جميعًا ندرك حجم التحدي الكبير الذي رافق المتخصصين والأطباء في إجراء هذه العملية، والقلق من مغبة حدوث مضاعفات أو توقف في وظائف القلب أو تسارعه من الشخص المتبرع. ولكن إرادة الله ولطفه كتب لهذه العملية النجاح بعد نحو خمس ساعات من العمل، لتسجل سلطنة عُمان إنجازًا علميًا وطبيًا فريدًا، وليعيد الأطباء البسمة على وجه الشخص المتبرع له بعد معاناة طويلة من قصور في عضلة القلب -بحسب ما تم نشره .
إذا كان التبرع بالأعضاء هو فرصة أخرى لتسطير حياة جديدة لدى بعض المرضى، فإن قناعة الناس واتجاههم إلى هذا الجانب لم يكن عبثًا، خاصة وأن أمر توفير الأعضاء البشرية بات سوقًا رائجًا في بعض الدول، وتتخصص فيه عصابات تنهب أموال الناس وتزهق أرواحهم بالغش والتدليس.
دائمًا القنوات القانونية لها فوائد جمّة، فهي السبيل الصحيح نحو الاستفادة القصوى من أي عمل، سواء كان إنسانيًا أو ماديًا. بعض الناس تدفع أموالًا طائلة من أجل الحصول على أعضاء بديلة، ولكن تقع تحت طائلة القانون لأن الطرقات المستخدمة والظروف الصحية أثناء هذه العمليات غير آدمية تمامًا وغير آمنة.
وكثير من الناس ذهبت أرواحهم وأموالهم لأن تعاملهم مع أشخاص مجهولين كان هو السبب، وربما الحاجة هي من دفعتهم إلى كل ذلك. ولكن وضوح الصورة الآن، وتحت إطار قانوني وظروف طبية صحيحة، أصبح من الممكن حصول المرضى على المتبرعين الذين انتهت حياتهم وآثروا أن يقدموا شيئًا للآخرين لإنقاذ حياتهم من الهلاك.
لكن، أكثر وضوحًا وصراحة في هذا الشأن، فحتى فترة ليست بالبعيدة كان أمر التبرع بالأعضاء مجهولًا وغير محبذ لدى بعض الناس. ولكن الحاجة إلى متبرع لإنقاذ روح إنسان أصبح من الضروريات في الوقت الراهن، فهناك معاناة حقيقية لدى بعض الناس من الأمراض، وخاصة القلب والكلى والكبد وغيرها.
إن توجهات الحكومة حول فتح باب التبرع بالأعضاء جاء ليلقي الضوء حول هذا الأمر المهم والذي يلامس حياة الناس وبقاءهم على وجه الأرض. أيضًا، الأطر القانونية جعلت من عملية التبرع منظمة وهادفة إلى تحقيق النتائج الإيجابية، إلى جانب اتخاذ التدابير الطبية المعترف بها عالميًا، وفّر على المحتاجين الوقت والمال، وحماهم من الوقوع فريسة في أيدي المحتالين والنصابين في أماكن أخرى من العالم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التبرع بالأعضاء هذه العملیة ع بالأعضاء
إقرأ أيضاً:
تداعيات ودروس
يخبرنا تاريخ المنطقة، أن الأحداث الكبرى مثل السابع من أكتوبر، له تداعياته الكبيرة أيضًا. يمكن أن نلاحظ ذلك على نحو خاص عند النظر لعام 1979 عندما هبت رياح الثورة الإيرانية، وأحداث حصار الحرم في مكة المكرمة في العام نفسه. وتأثير هذه الأحداث مع غيرها على صراع أهلي في باكستان! مع ذلك يتجاهل الكثيرون هذه العلاقات المعقدة، والتأثيرات المباشرة أو غير المباشرة إما على التركيبة السكانية إثر الهجرات أو النزوح، أو إيجاد حاضنة لأنواع من المقاومة لم تختبرها المنطقة، بالإضافة إلى تحولات أيدلوجية تمرُّ بها شعوب المنطقة، وصولًا لحالة من التطرف في بعض الحالات.
إلا أن الحروب والمزيد من العنف هو أكثر ما يطغى على سردية هذه التداعيات، ما يحدث في إيران اليوم في صراعها مع أمريكا وإسرائيل إنما هو امتداد للسابع من أكتوبر، كما أن للسابع من أكتوبر امتدادًا لأحداث أخرى سابقة ومنها الانتفاضات العربية 2010. ولعل ردود الفعل العربية على ما يعيشه قطاع غزة يشكل التمثيل الأبرز على الشخصية التي تتمتع بها هذه الدول خصوصا تلك التي شهدت انتفاضات أنتجت أنظمة ستتعامل بالطريقة التي شهدناها وعشناها لمدة سنتين الآن منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة.
ورغم أن التاريخ لا يتقدم في خط مستقيم، إلا أنه يعيد إنتاج تنويعات على ظواهر بعينها، يتم تجاهلها، بدعوى أنها ستمر دون أن تترك أثرًا واضحًا خصوصًا مع الأدوات السلطوية التي تمتلكها الدول اليوم تلك التي تتعلق بالتكنولوجيا أكثر من أي أداة أخرى، إذ إن الدولة اليوم تستطيع متابعة كل حركة صغيرة عبر الرقابة التي تفرضها على الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها جميعًا.
لكن تاريخ المقاومة أيضًا يقول لنا إن الثغور دائما ما تكون هناك بانتظار من سيتمكن من إيجادها، وربما تكون تحديات الأمن السيبراني وشعور الدول بالأهمية الملحة لاحتوائها وتكوين جيش مجازي آخر هذه المرة يصطف في الغرف المغلقة.
إن تعاملنا مع التغييرات الكبيرة، يأخذ طابعًا يحاول التكيف مع الحالة، فيندر أن نتعامل مع الحادثة من خارجها؛ إذ إننا نعيشها وهذا يستدعي انتباهًا ويقظة داخل التجربة نفسها يصبح من الصعب صرفهما إلى موقع بعيد لقراءة التجربة وموضعتها حسب أهميتها. حصل هذا معنا عندما اجتاح العالم وباء كورونا، والآن يحدث هذا بالضبط عندما لا ندرك أننا نعيش لحظات تاريخية فارقة، ومنعطفًا سيغير الكثير في المنطقة والعالم.
لكن أي مسار سيأخذه هذا التغيير، هذا ما ينبغي أن نفكر فيه، وأن ندعو الدول العربية إلى إشراك شعوبها في التعامل مع هذه المرحلة وتداعياتها المستقبلية.
ربما علينا أن نفكر ببساطة أيضًا في «الدروس» المستفادة من مراحل تاريخية معينة. رغم أنني شخصيًا أرفض اختصار تلك الأحداث الكبيرة في دروس موجزة، خصوصًا فيما يتعلق بالأحداث التي لم تنته بعد، مثل الإبادة التي هي امتداد لنكبة 1948 لكن يمكن أن أضرب مثالًا آخر أكثر تمثيلًا لهذه الفكرة، استخدام الحكومة الأمريكية لمسألة تحرير النساء في أفغانستان لإقناع الرأي العام الشعبي بأهمية الحرب ضد أفغانستان، بالإضافة لاجترار مسوغات أخرى من قبيل أن أفغانستان دولة ثيوقراطية، وحكومتها دكتاتورية، وأن ما سيفعله الأمريكان بهذا التدخل، إنما يحرر المرأة والشعب أيضا.
ورغم أن المفكرين في الغرب أعادوا قراءة هذا الخطاب بعد ذلك في دراسات ما بعد الاستعمار، والتنويه لفظاعة هذه المسوغات، إلا أننا في الأيام الماضية، رأينا من يطلبون من أمريكا تحرير إيران من حكمها الثيوقراطي، واستبدادها، وهو الأمر الذي وصفه المفكر الإيراني الشهير حميد دباشي بالخيانة والتواطؤ مع العدو، حتى وهو ينطلق من موقف أيدلوجي يناهض النظام، إلا أنه يميز بين هذا والموقف من قوة إمبريالية قادمة لتحررنا من واقعنا التي تراه مشؤوما، بينما ينطوي على عملياتها تلك أهداف أخرى تخدم مصالحها فحسب.