كشمير عود على بدء.. السلاح النووي يلجم التصعيد في جنوب آسيا
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
"صراع لا يعنينا" بهذا الشكل ينظر الغرب للنزاع في كشمير، وتعززت هذه النظرة عقب الحرب الباردة وما تبعها مما سمي بـ"الحرب على الإرهاب"، وهو ما يفسر غياب أي تدخل غربي جاد لحل للصراع المزمن منذ استقلال الهند وباكستان عام 1947.
وقبيل نهاية العقد الأخير من القرن الماضي، هز العالم زلزالان من جنوب آسيا، تمثل الأول في التجارب النووية المتبادلة بين نيودلهي وإسلام آباد في مايو/أيار 1998، وتبعها زلزال ارتدادي على شكل معركة محدودة في منطقة كارغيل شمال كشمير، فأعادا تعريف الصراع على سقف العالم في جبال الهمالايا بأنه بؤرة توتر نووي.
لعل أبرز نتائج هجوم بهلغام في 22 أبريل/نيسان الماضي هو أنه حرّك المياه الراكدة في النزاع على ولاية جامو وكشمير، والذي دخل حالة من الجمود منذ إلغاء الهند الوضع الخاص للولاية، والذي كانت تنص عليه المادة الدستورية 73، وأُلغيت بتعديل دستوري اتُخذ في اجتماع عاجل للبرلمان في أغسطس/آب 2019، وقسم الولاية إلى 3 مناطق تُدار مركزيا من نيودلهي.
إشعال الفتيلوبغض النظر عمن يتحمل مسؤولية الهجوم الذي أودى بحياة 26 شخصا، فإنه أتاح المجال للحكومة الهندية العودة لممارسة ضغط عسكري سياسي واقتصادي ضد باكستان، وذلك بإغلاق الحدود والأجواء ووقف جميع المعاملات التجارية والتصعيد العسكري.
إعلانفي المقابل، منح الهجوم باكستان فرصة ثمينة للخروج من الوضع القائم الجديد الذي فرضته الهند من طرف واحد بتعديلاتها الدستورية، وتغيير خارطة كشمير، وهدفت إلى إخراجها من دائرة "منطقة متنازع عليها" بموجب القانون الدولي، وكل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين.
والموقف الهندي في اتهام باكستان تلقائي بالنظر لموقف إسلام آباد الذي لم يتغير باعتبار القسم الذي تسيطر عليه نيودلهي من كشمير محتلا، ودعمها الصريح لحق تقرير المصير للكشميريين، وتبنيها منظمات كشميرية مسلحة وأحزابا سياسية مثل "تحالف أحزاب الحرية" التي تطالب بتقرير المصير، يضاف إلى موقف الهند المعلن بالعمل على إعلان باكستان "دولة راعية للإرهاب".
أما موقف إسلام آباد في رفض ادعاءات نيودلهي، فيستند إلى تاريخ طويل من الأخبار التي تقول إن الهند دأبت على فبركتها، وتحضير بيئة مناسبة لمهاجمة باكستان، أبرزها تحميل الاستخبارات العسكرية الباكستانية مسؤولية اختطاف طائرة هندية عام 1971 اتُخذ ذريعة للتدخل عسكريا لصالح التمرد في باكستان الغربية (بنغلادش) وفصلها، وعمليات وصفت بالإرهابية داخل الأراضي الهندية ألصقتها نيودلهي بإسلام آباد، وفشلت قضائيا في إثبات ارتباط منفذيها بها.
وسواء كان الهجوم مفتعلا من الهند -وفق الرواية الباكستانية- أو مدبرا من إسلام آباد بحسب الرواية الهندية أو فاجأتهما المنظمات الكشميرية بالمكان والوقت، فإنه خدم إستراتيجية الطرفين، فالهند استغلته لمحاصرة باكستان التي وجدت فيه فرصة ثمينة لتحريك ملف قضية كشمير دوليا.
واعتادت الهند على التهديد بإغلاق الحنفية عن باكستان كلما توترت الأجواء السياسية بينهما، لكن معاهدة مياه نهر السند الموقعة عام 1960 نجت من جميع الحروب والتوترات بين البلدين. وتنص الاتفاقية التي رعاها البنك الدولي على تقاسم أنهر كشمير الستة، وتعتبر حصة الهند 3 أنهار شرق كشمير وهي رافي وبياس وسولتِج، وحصة باكستان 3 أنهار تمر من غرب الإقليم وهي السند وجهلم وتشناب.
إعلان تهديد جدييشي السياق بأن التهديد بتحويل الأنابيب هذه المرة أكثر جدية من الناحيتين السياسية، لا سيما أنه اقترن بتصعيد عسكري وحملة إعلامية واسعة مبنية على أن الاتفاقية غير منصفة ووقعت بفعل ضغط أميركي كان يميل لصالح باكستان، وأن الواقع الدولي والإقليمي قد تغير لصالح الهند.
لكن الرد الباكستاني لم يقلّ حسما بوصف إلغاء الاتفاقية عملا حربيا يتطلب ردا حاسما، وأن إسلام آباد تمتلك الشرعية الدولية للدفاع عن حقها القانوني والواقعي في المياه التي تصب في أراضيها.
ورغم التفوق العسكري الهندي من حيث الكم (3 إلى 1 من حيث الأفراد والمعدات) فإن خبراء في شؤون جنوب آسيا يرون أن تهديد الهند غير واقعي، لأسباب أهمها:
الشكوك حول إمكانية تحويل مياه الأنهر من غرب كشمير إلى شرقها. مخالفة القوانين الدولية التي تنظم العلاقة بين دول المنبع والمصب والضمان الدولي لاتفاقية حوض نهر السند. أيّ تصرف من طرف واحد للأنهر العابرة لكشمير يعطي ذريعة للصين للتصرف بالمثل في رأس النبع القادم من التبت في جبال الهملايا. القدرات الصاروخية الباكستانية الهائلة في تدمير أي سد أو خزان مياه يمكن أن تقيمه الهند على الأنهر الباكستانية الثلاثة.دفعت متغيرات إقليمية ومحلية إلى كسر الجمود في الحالة الهندية الباكستانية، فعلى الصعيد الإقليمي يمكن القول إن نيودلهي خسرت 3 ساحات في محيطها لصالح الصين وباكستان، هي بنغلادش بسقوط رئيسة وزرائها السابقة حسينة واجد والمالديف ووصول الاشتراكي أنورا كومارا ديساناياكي إلى السلطة في سريلانكا.
وقد دخلت بنغلاديش وباكستان بحوار إستراتيجي خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتبادلتا زيارات أطقم وسفن عسكرية، وهو ما يدفع نيودلهي إلى الضغط على إسلام آباد من أجل كل أيديها عما تعتبره حديقتها الخلفية، وبدى واضحا وجود تنسيق صيني باكستاني لتنظيم العلاقة مع الدول الثلاث الواقعة في المحيد الهندي.
حملة تطالب برحيل رئيس وزراء #الهند ناريندرا مودي وحزبه عبر وسم #ByeByeModi pic.twitter.com/pzCXHnlHjE
— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 3, 2022
مصالحوهنا تتقاطع المصلحة الهندية مع المصلحة الأميركية في السعي لعزل الصين، والضغط على باكستان لوقف التحالف المتنامي معها، وقد ظهرت حاجة كل منهما للآخر في ظل تذبذب الثقة بين واشنطن إسلام آباد خلال العقود الثلاثة الماضية، مقابل علاقات ثابتة ورصينة مع بكين اختبرها اختلاف الظروف والأوقات.
إعلانأما البعد الثالث فقد يكمن في تراجع شعبية حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وقد فقد العديد من انتخابات الولايات المحلية في السنتين الماضيتين، مثل تاميل نادو وكاريلا جنوبا وبيهار شمالا، بما جعل حزب المؤتمر الهندي المعارض يتحفز للعودة للسلطة في أقرب انتخابات، ولا شك أن أسهل وسيلة لاستعادة الشعبية هو وجود تهديد خارجي وإثارة نعرة المصلحة القومية العليا.
وتشير التقديرات إلى أن الهند تسعى إلى حرب محدودة استغلالا لهجوم بهالجام، لتحقق بذلك ردعا لباكستان يحول دون دعم المنظمات المطالبة بحق تقرير المصير، والدخول في تسوية للصراع يكون سقفه الأمر الواقع بعد إلغاء الوضع الخاص لكشمير، ويساعدها في هذه الإستراتيجية تردي الوضع الاقتصادي لباكستان، وانشغال الولايات المتحدة في قضايا ساخنة تمسها مباشرة.
والسيناريو الأقرب يتمثل بنموذج حرب كارغيل عام 1999 عندما فصل الجيش الباكستاني والمنظمات الكشميرية شمال كشمير عن وسطها وجنوبها، ولم تنته الأزمة إلا بإلقاء واشنطن ثقلها لإجبار الجيش الباكستاني على التراجع.
لكن تهديد إسلام آباد بحرب شاملة على أي خرق لأراضيها أو المنطقة التي تديرها من كشمير (كشمير الحرة) أحبط إلى حد بعيد إستراتيجية الحرب المحدودة، وقرع جرس إنذار بحرب نووية محتملة، لا سيما أنها لم تستثن اللجوء للسلاح النووي.
عقيدة نوويةوتبرز هنا العقيدة النووية للدولتين في محدد توسيع الحرب أو إنهائها، فالعقيدة الهندية تقوم على ركيزتين:
السلاح النووي لمواجهة الصين المنافس الأكبر وليس باكستان. عدم البدء باستعمال السلاح النووي.أما العقيدة الباكستانية فتقوم على أساس:
السلاح النووي مخصص للهند. اللجوء له في حال عدم جدوى الحرب التقليدية بما يحول دون انهيار قوات الأسلحة التقليدية، وفق مبدأ من ينهار أولا يستعمل السلاح النووي أولا. إعلانلقد جرت مياه كثيرة في أنهر تكنولوجيا السلاح منذ آخر مواجهة بين قطبي جنوب آسيا، فدخل الذكاء الاصطناعي مجال الحروب من أوسع أبوابه وتزايد الاعتماد على المسيّرات لتكون وسيلة حرب رئيسية. ويظهر أن الطرفين ما زالا في مرحلة استكشاف كل منهما لقدرات الآخر.
وإذا ما صحت ادعاءات باكستان بإسقاط 5 طائرات من الصناعات الأوروبية الشرقية والغربية في أكبر مواجهة جوية منذ عقود، فإنها تعني تفوق السلاح الصيني-الباكستاني-الأميركي على السلاح الهندي-الأوروبي.
وتعيد السيناريوهات المتوقعة إلى الذاكرة أدوارا اختفت في الصراع الهندي الباكستاني، على رأسها الأمم المتحدة التي أقرت تخيير الكشميريين بين الهند وباكستان باستفتاء شعبي، وأقامت قوة مراقبة على الخط الفاصل بين شقي كشمير. وهي مراقبة لم تعد مجدية في زمن الصواريخ الباليستية والنووية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات السلاح النووی إسلام آباد جنوب آسیا
إقرأ أيضاً:
باكستان ترشح ترامب لـنوبل بعد تدخله لوقف الحرب مع الهند.. الأخيرة نفت الوساطة
أعلنت باكستان، بشكل رسمي، عن ترشيح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لجائزة نوبل للسلام لعام 2026، وذلك تقديرا لما وصفته بـ"دوره القيادي والدبلوماسي" في تهدئة التوتر الأخير بين إسلام أباد ونيودلهي.
وعبر بيان، لمكتب رئيس الوزراء الباكستاني، مساء الجمعة فإنّ: "دور الوساطة الذي لعبه ترامب في التوتر المتصاعد بين الهند وباكستان، قد منع من اندلاع صراع واسع النطاق بين الدولتين النوويتين".
وأضاف أنّ: "الاتصالات الدبلوماسية المكثفة التي أجراها ترامب مع كل من إسلام آباد ونيودلهي، مكنت من التوصل إلى وقف سريع لإطلاق النار ومنع صراع مدمر كان من الممكن أن يؤثر على ملايين الأشخاص".
وأشار البيان نفسه، إلى أنه تقرر ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام لعام 2026، مبرزا أنّ: "جهود الرئيس الأمريكي أظهرت أنه مؤيد للحلول السلمية والحوار، وأن ذلك عزز هويته كسفير حقيقي للسلام".
وأردف: "لقد شهد المجتمع الدولي عدوانًا هنديًا غير مبرر وغير قانوني، شكّل انتهاكًا خطيرا لسيادة باكستان وسلامة أراضيها، وأسفر عن خسائر فادحة في أرواح الأبرياء، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن. وممارسةً لحقها الأساسي في الدفاع عن النفس".
وأضافت الحكومة الباكستانية، أنه: "في ظلّ تصاعد الاضطرابات الإقليمية، أظهر الرئيس ترامب بُعد نظر استراتيجيًا كبيرًا وحنكة سياسية فذة من خلال تواصل دبلوماسي فعّال مع كلٍّ من إسلام آباد ونيودلهي، ما خفّف من تدهور الوضع بسرعة، وأدى في نهاية المطاف إلى وقف إطلاق النار وتجنّب صراع أوسع بين الدولتين النوويتين كان سيُخلّف عواقب وخيمة على ملايين البشر في المنطقة وخارجها. ويشهد هذا التدخل على دوره كصانع سلام حقيقي والتزامه بحلّ النزاعات عبر الحوار".
واختتم البيان، بالقول: "تُقدّر حكومة باكستان وتُقدّر بشدة العروض الصادقة التي قدّمها الرئيس ترامب للمساعدة في حل النزاع طويل الأمد حول جامو وكشمير بين الهند وباكستان، وهي قضية تُشكّل جوهر عدم الاستقرار الإقليمي".
واستطرد: "سيظلّ السلام الدائم في جنوب آسيا بعيد المنال حتى تُنفّذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن جامو وكشمير، كما تُجسّد قيادة الرئيس ترامب خلال الأزمة الباكستانية الهندية عام 2025 بوضوح استمرار إرثه في الدبلوماسية البراجماتية وبناء السلام الفعال".
وأردف: "لا تزال باكستان تأمل في أن تُسهم جهوده الجادة في تحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي، لا سيما في سياق الأزمات المستمرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك المأساة الإنسانية التي تتكشف في غزة والتصعيد المُتفاقم الذي يشمل إيران".
وفي سياق متصل، دحض رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، مزاعم لطالما رددها الرئيس الأمريكي خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية، بشان نجاح تدخله ووساطته في وقف الحرب والتوتر بين نيودلهي وإسلام أباد.
وأبلغ مودي، الرئيس الأمريكي، الثلاثاء، أن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان بعد صراع استمر أربعة أيام في أيار/ مايو الماضي تحقق من خلال محادثات بين الجيشين وليس بوساطة أمريكية.
وكان ترامب، قال الشهر الماضي، إنّ: "الجارتين النوويتين في جنوب آسيا اتفقتا على وقف إطلاق النار بعد محادثات بوساطة الولايات المتحدة وإن الأعمال القتالية انتهت بعد أن حث البلدين على التركيز على التجارة بدلا من الحرب".
وكانت باكستان قالت في وقت سابق إن وقف إطلاق النار تم التوصل إليه بعد أن رد جيشها على مكالمة كان الجيش الهندي قد بادر بها في السابع من آيار/ مايو.
طموحات ترامب
من جهته، كان ترامب، قد أعرب عن أسفه لأنه قد لا يفوز بجائزة نوبل للسلام عن عمله في الاتفاق، أو عن الاتفاقيات الدولية الأخرى التي ساعد في التفاوض عليها أثناء توليه منصبه. فيما اشتكى من أنه يعتقد أنه قد لا يحظى بالثناء على الاتفاق، ولا على مجموعة أخرى من الصراعات التي ساعدت الولايات المتحدة في حلها.
وأوضح: "لن أحصل على جائزة نوبل للسلام لهذا، ولن أحصل على جائزة نوبل للسلام لوقف الحرب بين الهند وباكستان، ولن أحصل على جائزة نوبل للسلام لوقف الحرب بين صربيا وكوسوفو»، مشيرا أيضا إلى الصراعات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط".
وأضاف ترامب: «لا، لن أحصل على جائزة نوبل للسلام مهما فعلت، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا، وإسرائيل وإيران، مهما كانت النتائج، لكن الناس يعرفون، وهذا كل ما يهم بالنسبة لي».
وقال ترامب في عدد من المرّات، خلال حملته الانتخابية، إنه يستحق الحصول على الجائزة، التي فاز بها الرئيس السابق أوباما في عام 2009.