12 مايو، 2025

بغداد/المسلة: ارتفعت مؤشرات القلق داخل الأوساط الاقتصادية والحكومية في العراق مع تفاقم أزمة شح السيولة النقدية، رغم إعلان الحكومة في نهاية 2024 تخصيص أكثر من 100 مليار دولار للمشاريع الاستراتيجية في البنية التحتية والطاقة والإسكان.

وأصدرت وزارة المالية العراقية مؤخرًا سندات بقيمة 2.3 مليار دولار، وسحبت نحو 3 تريليونات دينار من مدخرات الضرائب، بهدف تأمين رواتب الموظفين وتغطية نفقات تشغيلية ملحّة، مما يعكس حجم التحدي المالي الذي يواجه الحكومة في عام 2025، رغم تسجيل صادرات النفط خلال الربع الأول من هذا العام إيرادات بلغت 30 تريليون دينار (23 مليار دولار).

وأوضحت البيانات الرسمية أن العراق لا يزال يعتمد بنسبة تزيد عن 90% على الإيرادات النفطية، ما يجعل اقتصاده هشًّا أمام تقلبات السوق العالمية. وفي حال استمرت أسعار النفط تحت سقف 70 دولارًا للبرميل، فإن فجوة العجز المالي مرشحة للتوسع، ما يهدد بعرقلة تنفيذ المشاريع الخدمية الكبرى، بحسب ما حذّر منه الباحث الاقتصادي علي عواد.

وأكد عواد أن حجم الإنفاق المقرر يتطلب تمويلاً متوازنًا ومستدامًا، وهو ما لا يمكن ضمانه في ظل غياب مصادر بديلة للدخل، مشيرًا إلى أن أمام الحكومة خيارين: تقليص النفقات التشغيلية بما فيها الرواتب، أو التوسع في الاقتراض المحلي، وهو ما قد يرفع من عبء الدين العام ويزيد من هشاشة الاقتصاد.

وأبدى جمال كوجر، عضو اللجنة المالية البرلمانية، مخاوفه من استمرار عجز السيولة، مشيرًا إلى أن السحب من مدخرات الضرائب يمثل دلالة على نفاد الخيارات التمويلية السريعة. ولفت إلى أن الاعتماد على النفط وحده كمنفذ مالي وحيد لا يمكن أن يدعم التزامات مشاريع كبرى كالكهرباء والإسكان والبنى التحتية في المدى البعيد.

وأفاد الخبير عبد الرحمن المشهداني أن الحكومة، رغم امتلاكها لاحتياطي نفطي بالدولار يكفي لتغطية الأساسيات، إلا أن العجز يتعلق بالسيولة المحلية، موضحًا أن نحو 90% من العملة العراقية خارج النظام المصرفي، ما يصعّب عمليات السحب والتمويل من قبل الحكومة حتى في وجود الدولار.

وأعاد المشهداني أسباب تعثر السيولة إلى ضعف البنية البنكية وقلة التداول المالي الرسمي، مؤكدًا أن الحكومة لم تلجأ هذا العام إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي رغم تخويل البرلمان لها بذلك، لكنها استفادت من آلية تمويل غير مباشر عبر سندات الخزينة.

وتمخض هذا المشهد عن أزمة تزداد حدّتها في المحافظات، حيث البنى التحتية المتهالكة والضغط السكاني، ما يعيد إلى الأذهان سيناريوهات مشابهة في تاريخ العراق، أبرزها أزمة 2014، حين أدّت انهيارات أسعار النفط بالتزامن مع اجتياح داعش إلى شلل مالي أصاب المشاريع الحكومية، وتسبب بتعليق أغلب خطط التنمية في السنوات اللاحقة.

واشتد التذكير آنذاك بمأساة البصرة حين تعثرت مشاريع مجاريها التي انطلقت عام 2010 وتوقفت نهائيًا بحلول 2015، ما ولّد احتجاجات شعبية دامت لأشهر، وأسقطت عدة مسؤولين محليين وسط اتهامات بالفساد وسوء الإدارة.

ويحذر خبراء اليوم من تكرار الدائرة ذاتها، إذا لم تُحدث الحكومة إصلاحًا جذريًا في هيكل الاقتصاد العراقي وتخرج من عباءة النفط، عبر تفعيل الصناعات التحويلية، والسياحة، والخدمات الرقمية، وفتح الأسواق أمام استثمارات خارجية تضمن تنوعًا حقيقيًا في الإيرادات.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: ملیار دولار

إقرأ أيضاً:

جبهة أقليات جديدة تواجه الحكومة السورية بزعامة قسد

الحسكة- انطلقت -يوم الجمعة الماضية- في مدينة الحسكة السورية، فعاليات مؤتمر "وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا" الذي تنظمه قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بمشاركة ممثلين عن المكونات العرقية والطائفية في البلاد.

المؤتمر شهد حضورا لافتا لشخصيات من خارج مناطق سيطرة قسد، حيث ألقى الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل طائفة الدروز في السويداء، كلمة مصوّرة عبر الإنترنت، أكد خلالها ضرورة وحدة الصف الوطني وحماية حقوق جميع السوريين.

كما شارك غزال غزال، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى، الذي دعا إلى إقامة دولة مدنية، علمانية، تعددية ولامركزية، باعتبارها الضمانة الحقيقية لوحدة سوريا وحماية تنوعها.

وتُعد مشاركة زعماء من الطائفتين الدرزية والعلوية -اللتين ارتبطتا تاريخيا بدمشق– إشارة سياسية بارزة على مساعي قسد لتوسيع شبكة تحالفاتها مع الأقليات خارج نطاق سيطرتها، في محاولة لبلورة جبهة سياسية أوسع يمكن أن تلعب دورا مؤثرا في مرحلة ما بعد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.

يأتي ذلك وسط تصاعد التوترات السياسية والأمنية، مما يعزز أهمية فتح قنوات للحوار بين مختلف المكونات لمواجهة التحديات المشتركة.​

كلمة مصورة لرئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى غزال غزال في المؤتمر (وكالات)أحداث السويداء

وجاءت مشاركة الهجري على خلفية أحداث دامية شهدتها محافظة السويداء في يوليو/تموز 2025، حيث اندلعت اشتباكات بين فصائل درزية وعشائر بدوية، أسفرت عن مقتل أكثر من 350 شخصا، -وبحسب مصادر مقربة من الهجري-، فإن هذه التطورات دفعت شخصيات بارزة إلى البحث عن تحالفات جديدة.

وأكد مصدر مقرب من الهجري للجزيرة نت أن مشاركته في مؤتمر الحسكة بتاريخ 8 أغسطس/آب 2025 جاءت لتعزيز الوحدة الوطنية في ظل التحديات الأمنية والسياسية المعقدة، خاصة بعد أحداث السويداء، وأوضح المصدر أن الهجري يرى في المؤتمر فرصة لفتح حوار شامل يدعم قيام دولة ديمقراطية لامركزية تضمن حقوق جميع المكونات، معتبرا أن التنوع السوري بما يشمله من الكرد والعرب والسريان والأيزيديين ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها.

إعلان

وأشار المصدر (فضل عدم الكشف عن هويته) إلى أن أحداث السويداء الأخيرة تعكس غياب مؤسسات دولة عادلة، مما فاقم من حالة الانفلات الأمني وزاد التوترات بين المكونات، وشدد على أن الهجري يرفض اتهامات التحريض على الفتنة، ويؤكد أن هدفه حماية أبناء السويداء، مع الدعوة لإنهاء فوضى السلاح عبر مؤسسات شرعية.

كما لفت إلى أن الهجري يدعو إلى حلول سياسية بعيدة عن القمع أو الانفصال، ويرى في نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا خطوة نحو دولة سورية موحدة تحترم التنوع.

وأوضح المصدر أن مشاركة الشيخ غزال غزال، تأتي في سياق "تصاعد مخاوف الطائفة العلوية من استمرار الانتهاكات بحقها، خاصة بعد موجات من الاستهداف الطائفي خلال الأشهر الماضية"، لتدفع هذه المخاوف غزال إلى الدعوة لنظام سياسي لامركزي أو فدرالي، إلى جانب المطالبة بحماية دولية للمدنيين، كرد فعل على ضعف مؤسسات الدولة في توفير الحماية.

وقال مصدر مقرب من غزال -للجزيرة نت-، إن الشيخ يدعم تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات، ويرفض اللجان الحكومية التي "تغطي على الجرائم"-بحسب تعبيره.

تسعى قسد بمشاركة زعماء من الطائفتين الدرزية والعلوية لتوسيع شبكة تحالفاتها مع الأقليات (الأناضول)طابع إنساني

وأضاف المصدر (فضل عدم الكشف عن هويته) أن دعوة غزال ذات طابع إنساني وتهدف لحماية جميع المكونات في سوريا بما ينسجم مع قيم السلام والتعايش.

وأشار إلى أن غزال يعتبر النظام اللامركزي أو الفدرالي وسيلة لضمان حقوق الأقليات من الكرد والدروز والمسيحيين ويخدم تشكيل حلف سياسي في مناطق سيطرة قسد للتفاوض مع دمشق، بهدف إعادة بناء الثقة ومنع تكرار الانتهاكات في مناطق مثل الساحل السوري.

وأكد المصدر التزام الشيخ غزال بالعدالة الانتقالية والشفافية، داعيا المجتمع الدولي للاستجابة لنداءاته من أجل إنهاء معاناة السوريين عبر حل سياسي شامل، مبينا أن رؤيته تمثل صوتًا للوحدة والصمود في مواجهة محاولات تمزيق النسيج الاجتماعي.

وتسعى قسد من خلال مؤتمر الحسكة إلى تعزيز شرعيتها على المستويين المحلي والدولي، خاصة بعد استبعادها من بعض جلسات الحوار الوطني، فيما أكد مصدر مقرب من قيادة قسد -للجزيرة نت- دعمها لتشكيل حلف سياسي يضم زعماء الأقليات بهدف توحيد مطالب الكرد والعرب والسريان/الآشوريين والتركمان، وتقديمها في حوار مع دمشق.

وشدد المصدر، الذي لم يكشف هويته، على التزام قسد بالتنوع العرقي والديني في شمال وشرق سوريا، وعلى تمثيل عادل لجميع المكونات بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.

وأوضح أن الحلف الجديد يمثل وسيلة لتعزيز مكانة قسد محليا ودوليا، وأنها تدعم إقامة نظام حكم لامركزي يحافظ على وحدة سوريا ويمنح المناطق الشرقية استقلالية إدارية، مع استعدادها لدمج قواتها في الجيش الوطني بشرط الاحتفاظ بهيكليتها لحماية مكتسبات المنطقة من تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية.

كما دعا المصدر إلى حوار وطني شامل بضمانات دولية، مؤكدا التزام قسد بالعدالة الانتقالية والتعاون مع لجان تحقيق دولية محايدة لمعالجة الانتهاكات المزعومة.

إعلان

وطالب الولايات المتحدة وفرنسا بدعم الحلف السياسي في صياغة الدستور الجديد، مشددًا على استمرار قسد في حماية مناطقها من التدخلات التركية والعمل على بناء سوريا ديمقراطية.

تحذير حكومي

في المقابل، تعتبر الحكومة السورية أن تحركات قسد تهدد وحدة البلاد، وترى أن أي تحالفات خارج إطار الدولة والحوار الوطني هي محاولات لتقسيم سوريا ويعكس تصريح الباحث السياسي عبد الله الخير، المقرب من الحكومة، هذا الموقف، إذ اعتبر أن مؤتمر الحسكة محاولة لفرض أجندات انفصالية تخدم مصالح خارجية.

وأكد الخير في حديثه للجزيرة نت أن الحكومة ترفض أي تحالفات سياسية خارج الحوار الوطني، محذرا من أن مشاركة شخصيات مثل الهجري وغزال قد تُستغل لأهداف جيوسياسية. وشدد على التزام دمشق بحماية التنوع ضمن دولة موحدة، ورفض الحكم اللامركزي الذي يضعف السلطة المركزية.

وأضاف الخير أن أحداث السويداء الأخيرة تؤكد الحاجة إلى تعزيز وجود الدولة لمنع الفوضى، معتبرا أن دعوات قسد قد تؤجج التوترات الطائفية، كما حذر من أن الحلول السياسية التي تنطلق من مناطق معينة لن تُقبل على نطاق وطني، داعيا إلى صياغة دستور جديد برعاية الحكومة السورية.

وشدد على أن التدخلات الخارجية التي تستغل قضية الأقليات تمثل خطرا على وحدة البلاد، وأن الحكومة ماضية في إعادة بناء سوريا موحدة.

مقالات مشابهة

  • العراق يتوقع إيرادات بقيمة 543 مليار دولار في 5 سنوات
  • متحدث الحكومة يكشف مضامين مذكرة التفاهم الأمنية بين العراق وإيران
  • الشركات الأمريكية الصغيرة تواجه خسائر سنوية 202 مليار دولار بسبب رسوم ترامب
  • جبهة أقليات جديدة تواجه الحكومة السورية بزعامة قسد
  • مبيعات الإسكندرية للأدوية تتخطي 2.7 مليار جنيه خلال العام المالي الماضي
  • الحكومة تعلن تفاصيل استثمارات مالية غير مباشرة بـ 4.26 مليار دولار.. تفاصيل
  • في حرارة الصيف.. احرص على شرب هذه الكمية من الماء
  • القابضة للغزل والنسيج: نستهدف 13.8 مليار جنيه مبيعات خلال العام المالي الجاري
  • العراق يتوقع إيرادات بقيمة 543 مليار دولار ضمن خطته التنموية
  • الشعبة العامة للأدوية تعقد اجتماعا لمناقشة التحديات التي تواجه صادرات مصر الدوائية