تمثل خطوة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) الرامية إلى دمج عناصر مسلحة أجنبية وإرهابية رسمياً في الجيش السوري، منعطفاً خطيراً في المشهد السوري، يفتح أبواباً لتساؤلات جوهرية حول الأبعاد الاستراتيجية للقرار.

إن أحمد الشرع منذ سيطرته على الحكم بعد سقوط نظام الأسد، يحاول العمل على شرعنة الوجود المسلح وتحويل ميليشياته من جماعات إرهابية إلى قوات نظامية، في عملية غسيل سياسي تهدف لإضفاء الشرعية على وجوده، كما يعمل على إعادة هيكلة التحالفات من خلال التفاهمات الثلاثية بين (موسكو-دمشق-هيئة تحرير الشام) والتي هي مدعومة وبضوء أخضر تركي وهذا يتم من خلال المساومة بالورقة الأمنية، حيث يقدم الشرع نفسه كضامن لأمن الحدود الشمالية مقابل الاعتراف بسلطته.

وكل ذلك يعتبر متوازيا مع المخاوف المستمرة من تاريخ الجيش العربي السوري وامتلاكه لسجل حافل بتصفية القيادات الميدانية، مما يضع الشرع أمام خيارين: إما التخلي التدريجي عن السلاح مقابل منصب سياسي هش أو المواجهة المباشرة التي لن تصب في صالحه، كما أنه لا يمكن الإغفال عما تقوم به سلطة الشرع من السكوت المطبق عن الضربات الصهيونية على سوريا والتي تستخدمها كورقة مساومة مع واشنطن لتأجيل أي عملية عسكرية ضد إدلب وتعتبرها ضمانة لعدم استهداف قيادات الهيئة، كما حدث مع قادة حماس، إلى جانب أنها قد تكون إشارة ضمنية لقبول الدور الإسرائيلي في شمال سوaريا.

وحول المكاسب التي قد يكسبها الشرع لقاء كل التنازلات فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستضمن له الاعتراف الدولي ورفع العقوبات عن البلد والبدء بالسماح بتدفق المساعدات الإنسانية والتي سوف تخفف من الأزمة الاقتصادية.

ولا بد من اعتبار أن النقاط الأكثر أهمية في المرحلة القادمة وستكون مفصلية لثبات نظام الشرع هي السعي وراء تجميد الملاحقات القضائية لقيادات هيئة تحرير الشام والمصنفة إرهابية وتحول مدينة إدلب إلى منطقة عازلة وتوظيف عناصر الهيئة في حرب النظام ضد المسلحين وإبرام صفقة التطبيع مع الكيان الصهيوني.

لقد بات الشرع يراهن على تحويل نفسه من إرهابي مطلوب إلى “شريك أمني في المعادلة السورية، لكن هذه اللعبة الخطيرة تبقى رهينة للأيام القادمة وتحولاتها، ومن الأكيد أن هذه المسرحية السياسية تكرس مأساة السوريين الذين تحولوا إلى رهائن في صفقات دولية، بينما تستمر معاناتهم دون أفق حقيقي للحل.

 

 

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

أحمد الأشعل يكتب: العرب وتحدي البقاء

في هذه اللحظة التاريخية العصيبة التي تمر بها أمتنا العربية، تتجدد الحاجة الماسة إلى التمسك بوحدة الصف العربي كدرع واقٍ، وكحائط صد في وجه العواصف التي تهب على المنطقة من كل اتجاه. 

فالعالم من حولنا يتغير، والرياح تتبدل، والتهديدات تتربص بنا عند كل منعطف، لكن دروس التاريخ واضحة: وحده الصف العربي المتماسك هو من يحمي الأمة ويصون كرامتها.

إن ما يجمع العرب ليس مجرد روابط جغرافية أو مصالح اقتصادية آنية، بل يجمعهم تاريخ عميق، صاغته حضارات متعاقبة وتراث ثقافي وروحي مشترك، ودماء امتزجت على مر العصور دفاعًا عن الأرض والكرامة. من هنا، تبرز العلاقة بين مصر والسعودية كنموذج حي على قدرة العرب على الاتحاد والتكامل. علاقة لم تكن يومًا قائمة على المجاملة أو البروتوكول، بل على أسس صلبة من المصالح المشتركة والمصير الواحد.

حينما نرى أكثر من 2.5 مليون مصري يعملون في السعودية، ونرى أكثر من مليون سعودي يعيشون على أرض مصر، ندرك أن هذه العلاقة ليست مجرد تلاقي مصالح، بل هي نسيج حي من الأخوة والتكامل. هذه العلاقة تقدم للعالم درسًا مهمًا: أن ما يجمع العرب أكبر من أي خلاف عابر، وأن ما يربطهم يعلو فوق أي اختلاف في السياسات أو الآراء.

لكن في هذا العصر، تحوّلت “السوشيال ميديا” إلى ساحة معارك وهمية، تُبث فيها الشائعات وتُنفخ فيها نيران الفرقة. أصوات مأجورة، تمتهن إثارة الفتن، تزرع بذور الشك في قلوب البسطاء، في محاولة يائسة لكسر الصف العربي. وهنا يجب أن نكون على وعي كامل: ما يُقال على منصات التواصل لا يمثل حقيقة المشاعر الشعبية، ولا يعكس جوهر العلاقات العربية الأصيلة. الحقيقة التي لا تتبدل هي أن مصر والسعودية، ومعهما كل قلب عربي صادق، يعرفون أن مصير الأمة واحد، وأن قوتنا الحقيقية في وحدتنا لا في انقساماتنا.

وكما قال عمرو موسى يومًا: “هناك من يريد كسر العمود العربي.” هذا العمود، الذي يمثله تحالف القاهرة والرياض ومن حولهما، هو ضمان بقاء الأمة في وجه مخططات الهيمنة ومشاريع التقسيم. إن وحدة الصف العربي لم تكن يومًا ترفًا سياسيًا، بل هي شرط البقاء: بقاء أمة أو زوالها.

من هنا، تأتي رسالتي إلى كل عربي شريف: الأمة التي أسسها تاريخ مجيد، وصاغها تراث حضاري عريق، لا يمكن أن تنكسر ما دامت مصر والسعودية واقفتين كتفًا بكتف، قلبًا واحدًا في مواجهة المؤامرات. هذه الأمة التي أنجبت العلماء والمفكرين، وواجهت الغزاة على مر العصور، لن يُكتب لها الاندثار ما دام فيها رجال ونساء يذودون عن شرفها ووحدتها.

أما أولئك الذين يظنون أن خلاصهم خارج الصف العربي – في أحضان قوى أجنبية أو مشاريع دخيلة – فليعلموا أن من احتمى بغير أهله وتخلى عن عروبته، سينتهي به المطاف إلى مصير الدويلات الصغيرة التي لا تقوى على مواجهة العواصف بمفردها. فالتاريخ لا يرحم الضعفاء، ولا يحمي من اختاروا التبعية على حساب الكرامة.

في هذا المنعطف التاريخي، نحن جميعًا – حكومات، وشعوبًا، ومثقفين، وإعلاميين – أمام مسؤولية كبرى: أن نعيد بعث مشروع عربي موحد، مشروع ينقذ الأمة من شتاتها ويعيدها إلى مكانها الطبيعي بين الأمم. مشروع يقوم على الشراكة والصدق والوعي بالمصير المشترك، بعيدًا عن الطائفية والأصوات النشاز التي لم تجلب لنا سوى الخراب.

مصر والسعودية تقدمان لنا اليوم القدوة والنموذج: تعاون اقتصادي وثقافي وأمني، يدًا بيد في مواجهة التحديات، وصوتًا واحدًا يعلن للعالم أن العرب باقون، مهما حاولت قوى الخارج النيل من عزيمتهم. من هذه العلاقة الصلبة، يمكن لكل العرب أن يستلهموا دروسًا ثمينة: أن وحدتنا هي قوتنا، وأن تماسكنا هو جسرنا لعبور كل الأزمات.

وإذ نطوى هذه الصفحات التي كتبها التاريخ العربي منذ آلاف السنين، نوقن أن هذه الأمة التي واجهت غزاة الأمس وصانعي الفتن اليوم، ستظل حية نابضة بقيمها وأصالتها. لقد قاوم العرب على مدى العصور كل محاولات التفرقة والاستلاب، بدءًا من الغزوات الصليبية والمغولية، مرورًا بالاستعمار الذي ظن أنه أطفأ جذوة العروبة، وصولًا إلى المؤامرات الحديثة التي تُدار من خلف البحار.

واليوم، في خضم هذه الرياح العاتية التي تتلاطم فيها أمواج الفتن والأطماع، يقف الصف العربي كجدار التاريخ الأخير، جدارٌ بناه الأجداد بدمائهم، وزيّنه الأبناء بوفائهم، وسنحميه نحن بوعيٍ لا يعرف التخاذل. فالصف العربي ليس مجرد خيار، بل هو ميراث الأجيال الذي حفظ لنا الوجود والكرامة.

وليعلم كل من يراهن على انهيار هذه الأمة أن العروبة عصية على الموت. لقد مرت على أرض العرب دول زالت، وإمبراطوريات اندثرت، وبقيت راية العروبة خفاقة في سماءٍ لن تنكسر. ستظل العروبة مشعلاً ينير دروب أبنائها، حتى وإن حاولت قوى الظلام طمس نورها.

فهذه الأرض التي أنجبت الأهرام وبنت مدائن العرب الشامخة، ستظل دائمًا تصدح بلسان عربي واحد: “نحن أمةٌ واحدة، يجمعنا التاريخ والمصير، ولا مكان للفرقة بيننا. فمن احتمى بغير الصف العربي، اختار طريق الزوال.”

وليبقَ الصف العربي درعًا للأمة، وصوتًا للحق، وصدىً لتاريخٍ لا يعرف إلا المجد. ولتبقَ مصر والسعودية وكل شقيق عربي واقفين كتفًا بكتف، لتظل أمتنا العربية — من المحيط إلى الخليج — أمةً لا تنكسر.

طباعة شارك الصف العربي القاهرة الرياض

مقالات مشابهة

  • بقايا من الذاكرة.. معرض فني يوثّق الوجع السوري
  • هل ينجح الشرع في حل مشكلة المقاتلين الأجانب؟
  • واشنطن قلقة على حياة الرئيس السوري أحمد الشرع
  • سياسي كويتي يذكر الرئيس السوري بـ”نجاحات” مرسي في مصر وخطوة أقدم عليها عبد الكريم قاسم في العراق
  • أحمد الأشعل يكتب: العرب وتحدي البقاء
  • "المونيتور": قلق أمريكي من محاولة اغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع
  • مبعوث ترامب: الرئيس السوري معرض لخطر الاغتيال
  • دعوات إسرائيلية لإعادة تقييم الموقف من النظام السوري الجديد.. هل تُفتح صفحة جديدة؟
  • نيويورك تايمز: مقاتلون أجانب في سوريا.. ولاء للثورة أم تهديد للأمن الدولي؟