مَن يحفظُ ماءَ وجهِ الأمّة؟
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
سلطان اليحيائي
"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103)
ثباتٌ يُعاقَب، وصمتٌ يُدان، هل يمكن لأمة أن تنهض وهي تُشيح بوجهها عمّن صمد في وجه عدوّها؟ أيّ منطقٍ هذا الذي يُعادي العضيد الصامد ويُصادق العدو المارِق؟ وإلى متى ستظلّ رايةُ الكرامة مرميةً على رصيف الحسابات الخاطئة؟ كيف يُحفَظ ماء الوجه حين تغرق الوجوه في صمتٍ مريب، وتشرب كؤوسَ الخذلان جرعةً جرعةً؟
كيف ينهارُ ظهرُ الأمة بينما تقوم طهران بقامةِ جبلٍ وسط الزلازل الصهيو-أمريكي؟
محاصَرة، محارَبة، ممزّقةٌ بالحظر… تُعرَض عليها الرايات البيضاء، فتغمدها في الأرض وتقول: “كرامتُنا لا تُباع.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رغم ما يلتفّ حول عنقها من قيود الشرق والغرب، ما فتئت تمدّ يدَ السلام لجيرانها العرب، ترسل إشاراتِ حسنِ النية، وتعرضُ الشراكة لا السيادة، والحوار لا الهيمنة.
لكن ما الذي يمنع؟ أهو الخوف؟ أم الغفلة؟ أم أن في أعماق بعض الأنظمة من يرى في الكيان الصهيوني حليفًا أوفرَ حظًا من أخٍ يقاسمه الدينَ والدمَ والمصير؟
وفي هذا المشهد الملتبس، تبقى سلطنةُ عُمان نقطةَ ضوءٍ لا تُخطئها العين. بلدٌ اختار ألّا يُنصت لهوس التصعيد، بل يُصغي لصوت العقل وضرورات الجغرافيا. لقد فهمت عُمان أن الجغرافيا لا تتبدّل، وأن إيران جارةٌ أبدية لا تُلغى بالتمنّي، ولا تُختصر في دعايات التشويه؛ بل داومت على لغة الاحترام، والمصالح المشتركة، والبُعد التاريخي، فلماذا لا تحذو باقي دول الخليج حذوها؟!
أما آن للخطاب الديني أن يُغيّر مساره؟ ما فتئ بعضُ رموز التيارات الدينية في منابرهم ومؤتمراتهم يُلصقون بإيران تهمة “تصدير الثورة”، ويشيطنونها، لا لأنها ظالمة، بل لأنها مختلفة
لقد كانت السرديّةُ المذهبية- لا الأخوّة الإسلامية- هي المعول الذي هُدِم به بنيان الأمة.
صُنعت من اختلافِ الفقهاء أسوارٌ، ومن اجتهادات القرون صراعاتٌ دامية، حتى باتت العقليات الداعيةُ للاختلاف بدل الائتلاف، وللتباعد بدل التقارب، هي من يُوجّه العقول ويُحرّك القرار.
متى نفيق من وهم العِداء؟
أليس من الإثم أن نجعل من مذاهبنا الإسلامية سببًا للعداء، بينما نتغافل عن كيانٍ غاصبٍ لا يؤمن لا بمذهبٍ ولا بإنسانية؟
أليس من الواجب أن يتراجع هذا الخطاب الانقسامي، ويُستبدل بنداء الوحدة على أساس القيم المشتركة لا الفوارق التاريخية؟
البديل… مشروع إسلامي جامع، لقد آن الأوان أن تُواجَه هذه الخطابات، لا بالتكفير المضاد، بل بالوعي، وبمشروعٍ إسلاميّ جامع، يُعلي من شأن الانتماء للأمة فوق التحيزات المذهبية.
يكون الولاء فيه لله، ولرسوله، ولأمته، لا للمدرسة الفقهية. وللتجمّع لا للفرقة.
والتقارب مع إيران بُعد استراتيجي واقتصادي، وليس المطلوب من العرب أن يُحبّوا إيران، بل أن يُفكّروا. فهل من العقل أن تُضيّع أمةٌ فرصتها الوحيدة في بناء محورٍ مستقل، وتترك الدولةَ الوحيدة التي ثبتت تحت النار، لتعانق سرابَ الحماية الغربية، وتُراهن على كيانٍ لم يجلب إلا الخراب؟
أيها العقلاء، إيران، بحكم الجغرافيا والموقع والموارد، ليست خصمًا يمكن تجاهله، بل شريك طبيعي في أمن المنطقة واستقرارها. وما يمكن بناؤه معها من تكامل اقتصادي في مجالات الطاقة، والتقنيات، والتجارة، يُشكّل شبكة أمان حقيقية تُقلّل التبعية للخارج.
واستراتيجيًّا، أثبتت أنها لم تضعف تحت الضغوط، بل عزّزت حضورها، وأصبحت رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه أو حذفه.
وإن استهدافها المتكرّر، ليس بسبب طائفتها؛ بل لموقفها السيادي، ومساندتها لمحور المقاومة الإسلامية، ورفضها للهيمنة الأمريكية.
نافلة القول.. العقل أوقى من الخوف، ماذا سنقول لأبنائنا؟
حين تسقط السردية الكاذبة، تلك التي رسمها الإعلام المأجور، والتي زعمت أن إيران تتعاون مع الكيان الصهيوني ضد “الدول العربية”، سيأتي الأبناء يومًا ليسألوا:
لماذا صدّقتم كذبة؟ لماذا خاصمتم من وقف مع فلسطين، ووثقتم بمن طبّع، وباع، وساوم؟ سيُحاسبوننا، لا على ما فعلنا فقط، بل على ما سكتنا عنه
وحين يكتب التاريخ فصوله، لن يغفر للذين ضيّعوا فرص الوحدة من أجل أوهام الطائفية وأكاذيب وتدليس أذناب الصهيونية. ونحن في خِضم هذا التحدي الواقعي فلنبادر بفتح صفحةٍ جديدة، لا حُبًّا، بل نضجًا.
لا تأخيرَ، بل حفاظًا على ما تبقّى من ماء الوجه، قبل أن يجفّ تمامًا.
إن لم يكن من أجلنا، فليكن من أجل من سيأتون بعدنا، ليفهموا أن العقل كان يومًا أقوى من الخوف.
وأن الطريق إلى التحرّر يبدأ من طهران، لا من تل أبيب.
"وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد: 38).
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رزقك وأجلك بيد الله فلم الخوف؟ علي جمعة يجيب
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الأرزاق والآجال لا تتغير، وقد جعل الله ذلك حتى لا تخشى الناس؛ فرزقك يصلك على ما قدّره الله لك، فأجمِلوا في الطلب.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن أجلك لا يتقدّم ساعةً ولا يتأخّر، لا أدنى من ذلك ولا أكثر، وعلى ذلك: فممّن تخاف؟ الرب واحد، والعمر واحد.
وأشار إلى أن هذه الحقيقة يراها الإنسان دون أن ينتبه؛ يرى الموت يصيب الجميع: من ذكر وأنثى، من صغير وكبير، من طفل وشاب وشيخ.
فيموت المريض ويبقى الطبيب، ويموت الطبيب ويبقى المريض، وتموت العائلة كلها في حادثة واحدة، وتموت الزوجة ويبقى الزوج، ويموت الزوج وتبقى الزوجة.
والآجال مضبوطة، لا تتقدّم ولا تتأخّر، مشهد مرئي مكرّر في كل الأرض، مع جميع الأجناس، لا يختلف ولا يتخلّف.
ينبّهنا الله عز وجل إلى هذه الحقيقة لكي نبني عليها عملاً؛ هذا العمل هو أن تكون الدنيا في أيدينا، لا في قلوبنا. هو ألا نخشى إلا الله، ولا نطلب إلا من الله، وأن نُخلِص النيّة له، ونتوجّه إليه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
وقال ربنا عز وجل قال فى كتابه الكريم {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} فالرزق بيد الله بسطه لبعض الخلق وقدره على بعضهم، والله سبحانه وتعالى يبسط الرزق ويقدر بحكمة ؛لأن المال عند بعضهم إذا فقده فسد، وعند بعضهم إذا أُعطاه فسد، فتراه يبسط الرزق حتى يعالج هذا، ويُضيق الرزق حتى يعالج هذا.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن المال اختبار وامتحان، والدنيا اختبارٌ وامتحان، ولذلك فإن الله يستعمل المال للاختبار والامتحان فيبسط لهذا ليرى ما إذا نفَّذ ما أمره الله فيه فأعان به المحتاج، وأخرج الزكاة للفقير، وأصلح الدنيا وعمرها بذلك المال، أو أنه سيفعل عكس ذلك من إفسادٍ وفساد، ويُضيق على هذا للاختبار من أجل أن يرى هل يصبر ويؤدي واجب الفقر من حسن الصبر {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} والصبر الجميل الذي لا يكون معه شكوى، ولا يكون معه تبرم، ولا يكون معه إفساد، ولا يكون معه انحراف، ونجد من يسرق ويرتشي ويبرر هذا بإنه يجب أن يفعب هذا لأنه لا يجد ، وعندما نبحث عن أنه لا يجد نجده أنه لا يحتاج لذلك ولكنه تعود على الرشوة والسرقة والمعصية فلا يستطيع أن يخرج من غناه الموهوم.
إذن ربنا سبحانه وتعالى كريم {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} من أجل الحكمة، ومن أجل الامتحان، وهذا يجعلنا نعلم حقيقة مهمة في حياة الإنسان أن "الرزق كالأجل بيد الله" وما دام الرزق والأجل بيد الله فلا تخاف من أحد، ما دام الرزق والأجل بيد الله لا تُذل نفسك لأحد، ما دام الرزق والأجل بيد الله توكل حق التوكل على الله، ما دام الرزق والأجل بيد الله فسلم وأرضى واتركها على الله.
فانظر إلى حقيقة {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} حقيقة عجيبة غريبة تُخرج الإنسان من ذله، وترفع رأسه، ويستقيم بذلك فكره، وتحسن بذلك معاملته مع ربه، ويأتي في هذا النطاق وعلى هذه الحقائق «وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ».