بيروت- في زاوية هادئة داخل غرفة بمستشفى الهمشري في مدينة صيدا تجلس الجدة ممسكة بيد حفيدتها هدى ذات الـ5 سنوات، الصغيرة التي استعادت سمعها للتو بعد عملية زراعة قوقعة ناجحة تلمس يد جدتها بفضول ودهشة فيما الدموع تنساب من عيني الأخيرة بصمت مؤثر.

وتقول الجدة للجزيرة نت بصوت مفعم بالامتنان "ربما بكيت دموعا لا يعلم مقدارها إلا الله، 5 سنوات وأنا أدعو لتحقيق هذا الحلم، والحمد لله تحقق".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل يواجه طفلك صعوبات حادة في فهم الرياضيات؟ إليك الحلlist 2 of 2لماذا يتصرف طفلك في عمر الثالثة كمراهق؟end of list

ولدت هدى في عزلة صوتية تامة، لم تسمع صوت أمها أو ضحكات إخوتها، فكانت الحياة تسرق منها أبسط ألوانها، طوال تلك السنوات الصعبة كانت الجدة تهمس كل ليلة بأدعية خافتة، على أمل أن يأتي اليوم الذي تُسمع فيه الطفلة الصغيرة أصوات العالم حولها.

وتقول الجدة وعيناها تلمعان بالدموع "كانت لا تسمع شيئا، وكنت أهمس في أذنها كل ليلة بدعاء صغير".

مرت سنوات من الانتظار والصبر حتى جاء اليوم المنتظر الذي غيّر حياة هدى، أجرت العملية التي أعادت إليها صوت الحياة للمرة الأولى، تقول الجدة بلهفة وصدق "لقد أعيدت لها الحياة، السمع ليس تفصيلا صغيرا، بل هو الحياة كلها، لم أتوقع أن يتحقق هذا، شكرا من القلب".

وهي الآن تبتسم هدى لأول مرة لأصوات العالم من حولها، فتبدأ خطواتها الأولى على درب السمع والكلام، في قصة جديدة تُكتب بداية فصولها بفرح وأمل.

المشروع يعد من أكبر برامج زراعة القوقعة المجانية في لبنان (الجزيرة) قوقعة النجاة

لكن هدى لم تكن الوحيدة، فقد استفاد من المشروع الإنساني ذاته 40 طفلا من اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين خضعوا لزراعة القوقعة السمعية، واستكملوا اليوم تركيب الجهاز الخارجي، وجاءت هذه المبادرة من مؤسسة "من حقي أسمع" بالتعاون مع الإغاثة الإسلامية الأميركية وبدعم تقني من شركتي "ميد إل" و"هيرلايف" العالميتين، وتنفيذ طبي من فريق مستشفى الهمشري.

إعلان

وفي بيروت، تبدأ قصة أخرى مليئة بالألم والأمل مع الطفل شكري، في عام 2022 كان طفلا سليما يلعب ويمرح إلى أن أصابه التهاب سحايا دماغي حاد قلب حياته وحياة عائلته رأسا على عقب.

يستذكر والده أيام المحنة ويقول "نُقل إلى المستشفى، وتحمّلنا كل المصاريف بأيدينا، لم تكن أياما سهلة، وكل ما كان لدينا هو الأمل".

نجا شكري بأعجوبة، لكن المرض ترك أثرا عميقا، تكلس في أذنيه أفقده القدرة على السمع.

ويضيف والده بصوت مكسور "لم أستطع أن أجري له العملية وقتها بسبب الوضع المادي، كان كل شيء على حسابي".

لكن الأمل عاد من جديد حين تبنت جمعية "من حقي أسمع" حالة شكري وتكفلت بتكاليف الزراعة، أجرينا العملية في الشهر السادس، واليوم نركّب له الجهاز الخارجي "يقول الأب وهو يصف اللحظة التي طال انتظارها".

ويضيف "ابني كان عاجزا عن التعبير عن جوعه أو تعب، واليوم صار يتكلم ويبتسم من قلبه، أشعر أن الحياة عادت له ولنا".

تم تركيب المعالجات الصوتية الخارجية لـ40 طفلا وطفلة (الجزيرة) رحلة التأهيل

تستمر الرحلة بعد العملية الطبية، حيث يخضع كل طفل لسلسلة فحوصات دقيقة ومعايرة للأجهزة بحسب حالته، يتلقى الأهل إرشادات مكثفة عن كيفية استخدام الجهاز والعناية به، ثم تبدأ مرحلة التأهيل المكثف التي تشمل جلسات نطق فردية بإشراف اختصاصيين لمساعدة الأطفال على استكشاف لغتهم الأولى وتكوين الجمل الأولى، في رحلة شاقة لكنها مفعمة بالأمل نحو الاندماج الكامل في المجتمع.

وتقول اختصاصية السمع والنطق لارا الصالح -التي تتابع الحالات عن كثب- "أتممنا 40 عملية زراعة قوقعة، واليوم بدأنا تشغيل الأجهزة الخارجية للأطفال، في لحظة لا تنسى".

وتضيف للجزيرة نت "كل طفل عبّر عن تجربته مع الصوت الأول بطريقته الخاصة، بعضهم ضحك، وبعضهم بكى، وبعضهم اكتفى بابتسامة خجولة، كانت ردود أفعالهم مرآة لمشاعر دفينة كأنهم وُلدوا من جديد".

وتختم "زراعة القوقعة ليست مجرد إجراء طبي، بل هي ولادة جديدة تبدأ معها حياة يسمع فيها الطفل أصواتا كانت غائبة عن عالمه".

الطفل شكري سمع الأصوات للمرة الأولى في حياته (الجزيرة) دعم إنساني

وفي هذا الإطار، يوشك مركز "من حقي أن أسمع" للسمع والنطق على افتتاح أبوابه في الطابق الأول من مستشفى الهمشري بمدينة صيدا بعد تجهيز يستغرق بين شهر إلى شهر ونصف، ليبدأ تقديم خدماته لفئات واسعة من المحتاجين.

وأكد الأستاذ خليل عينا ممثل مؤسسة "من حقي أسمع" في لبنان أن المركز استلم أجهزة متقدمة لفحص الإبر والفحوصات السمعية، مع تجهيز غرفة عزل للأطفال والكبار وفق أعلى المعايير الصحية.

وقال عينا للجزيرة نت "نطمح لأن يصبح هذا المركز مرجعا متخصصا يقدم خدماته لجميع أبناء شعبنا من مختلف الجنسيات والخلفيات، دون تمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس، نريده مساحة مفتوحة تعيد لمن فقدوا السمع حقهم في التواصل والحياة الكريمة".

بدوره، أكد الدكتور محمد ميعاري اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة أن جهودا كبيرة بذلت لإجراء 40 عملية زراعة قوقعة بعد تحضير دقيق وتنسيق مع جمعية الإغاثة الإسلامية الأميركية وشركتي "ميد إل" و"هيرلايف" المصنعة للسماعات.

إعلان

وقال "زراعة القوقعة عملية حيوية تمنح الأطفال -ولا سيما الصم منهم- أملا جديدا يمكنهم من الانخراط في المجتمع والقيام بدور فعال فيه".

وأضاف "رغم كونها جراحة كبرى فإن نتائجها تظهر سريعا في غرفة العمليات، حيث يُزرع إلكترود داخل القوقعة لتحفيز العصب السمعي، لنقل الإشارات الكهربائية التي يحللها الدماغ لتصبح صوتا".

وأشار إلى أن وضع الجهاز الخارجي كان لحظة مميزة، مضيفا "سنواصل المتابعة والتدريب على النطق لضمان إيصال الصوت بشكل صحيح".

وختم معبرا عن فخره بفريق العمل، خصوصا الدكتور حسن دياب المحرك الأساسي للعملية، شاكرا شركة تصنيع السماعات ومستشفى الهمشري على تعاونهم المستمر من أجل مستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات زراعة القوقعة من حقی

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يحتجز 753 جثمانا فلسطينيا بينهم 67 طفلا.. ماذا تعرف عن مقابر الأرقام؟

قالت الحملة الوطنية الفلسطينية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين الجمعة، إن الاحتلال يواصل احتجاز 735 جثمانا فلسطينيا، بينهم 67 طفلا.

وأضافت اللجنة في بيان، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحتجز جثامين 735 شهيدا، من بينهم 256 في مقابر الأرقام.

وتعرف مقابر الأرقام كمدافن بسيطة محاطة بحجارة دون شواهد، ومثبّت فوق كل قبر لوحة معدنية تحمل رقما بدون اسم صاحب الجثمان، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهات الأمنية الإسرائيلية.

وأشارت اللجنة إلى أن دولة الاحتلال تحتجز منذ بداية عام 2025 جثامين 479 فلسطينيا، من بينهم 86 من المعتقلين، و67 من الأطفال، و10 نساء.

كما تحدثت عن تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية، في 16 تموز/ يوليو الماضي، يفيد بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي يحتجز في معسكر سدي تيمان ما يقارب 1500 جثمان لفلسطينيين من قطاع غزة.



وبدأ مئات الآلاف من الفلسطينيين، الجمعة، بالعودة من جنوب قطاع غزة إلى شماله عقب الانسحاب الإسرائيلي التدريجي إلى مواقع التمركز الجديدة داخل القطاع، وذلك وفقا للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.

ورصد مراسل "عربي21" حركة العائدين إلى مدينة غزة، والذين سلكوا شارعي "صلاح الدين" و"الرشيد"، اللذان يربطان شمال القطاع بجنوبه، بعد إعلان جيش الاحتلال دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في تمام الساعة 12:00 بالتوقيت المحلي ظهر الجمعة.

وبدأ جيش الاحتلال انسحابه التدريجي داخل القطاع على أن يستكمل خلال 24 ساعة الانسحاب إلى المواقع الجديدة داخل القطاع والمحددة في الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وكشف الانسحاب الأولي من مناطق بمدينة غزة عن حجم دمار هائل خلفه جيش الاحتلال خلال عمليته التي كانت ترمي لاحتلال القطاع تدريجيا بدءا بالمدينة.

ومنذ بدء حرب الإبادة في غزة، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنون في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1051 فلسطينيا، وأصابوا نحو 10 آلاف و300، إضافة إلى اعتقال أكثر من 20 ألفا بينهم 400 طفل، بحسب معطيات فلسطينية رسمية.

وبدعم أمريكي، ارتكب الاحتلال منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية في غزة، خلّفت 67 ألفا و211 شهيدا، و169 ألفا و961 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 460 فلسطينيا بينهم 154 طفلا.

مقالات مشابهة

  • اليونيسف: الإبلاغ عن مقتل 17 طفلا بينهم رضيع في هجوم على مركز للنازحين في الفاشر
  • بالتزامن مع “عام المجتمع”… مبادرة “10 رحلات” تمنح مبتوري الأطراف من 8 دول خطوة جديدة نحو الحياة
  • فلسفة الحياة والموت.. رحلة في قطارٍ لا عودة منه
  • قماطي: نستنكر الافتراءات التي طالت النائب أسامة سعد
  • غادة صلاح محاربة سرطان ثدي تروي كواليس رحلة تعافيها: المرض كان نقطة تحول بحياتي
  • مارون: دماء الشهداء التي بذلت في 13 تشرين هي التي أوصلت إلى تحرير لبنان
  • سكاف: هناك شيء ما يُحضر من خلال كثافة المسيّرات التي تجول في سماء لبنان
  • الاحتلال يحتجز 753 جثمانا فلسطينيا بينهم 67 طفلا.. ماذا تعرف عن مقابر الأرقام؟
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: وقف الحرب بداية جيدة.. ونوجّه الشكر لمصر التي أنقذت الدم الفلسطيني
  • عدل ورحمة تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام: الحياة أسمى من الانتقام