من يوجّه مَن؟ بين المجتمع والتعليم والعمل.. سؤال التحوّل والنهضة
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
إسماعيل بن شهاب البلوشي
في أكبر حيرة قد يمر بها الإنسان الواعي، يقف متسائلًا: من الذي يوجّه من؟ هل المجتمع هو من يشكّل الفكر والسلوك، أم أن مناهج التعليم هي التي تصنع هذا التشكيل؟ أم أن بيئة العمل، بسلوكها وممارساتها، تتغذّى من الإثنين معًا وتعيد إنتاجهما على صورتها؟
إن الانتقال من فكر إلى آخر، ومن سلوك إلى آخر، ليس مجرد قرار فردي، بل هو صراع صامت بين العادات والتقاليد من جهة، وبين محاولات التعليم لإحداث التغيير من جهة أخرى.
وفي خضم هذا التداخل، من هو الطرف الثالث في معادلة التغيير؟ إنه بلا شك: القيادة الفكرية والوعي المجتمعي المؤسسي. ذلك الطرف الذي يملك الجرأة على طرح الأسئلة الصعبة، وإعادة ترتيب العلاقة بين التعليم والمجتمع والعمل. ذلك الذي لا يكتفي بالبكاء على أطلال المناهج أو التقاليد، بل يبني فضاءً يربط ما بين القيم والمهارات والإنتاج الحقيقي.
فإذا كان المجتمع يفرض عاداته بقوة التكرار، والتعليم يحاول بثّ وعي جديد بقوة المنهج، وسوق العمل يشكّل عاداته بناءً على المصلحة والطلب، فمن الذي يصنع التوازن؟ ومن يملك زمام المبادرة؟
إن الأمم التي استطاعت أن تتحول من التهميش إلى التأثير، ومن التبعية إلى المبادرة، هي تلك التي أجابت عن هذا السؤال بجسارة: التعليم لا يكفي إن لم يُدعَم بثقافة مجتمعية متقبّلة وقيادة فكرية تمتلك مشروعًا واضحًا.
ولهذا، لا بد أن نعيد النظر في مناهجنا، لا على مستوى المحتوى فحسب، بل على مستوى علاقتها بالواقع وحاجات الإنسان. كما لا بد أن نراجع ثقافتنا المجتمعية ونكسر فكرة أن التغيير تهديد لا بد من مقاومته، وإلا سنبقى نعيش في حلقة مفرغة: مجتمع يشتكي من التعليم، وتعليم يشتكي من المجتمع، وسوق عمل لا يجد بينهما ما يلبّي احتياجاته.
فمن يوجّه من؟
الجواب قد لا يكون في جهة واحدة، بل في مشروع وطني جامع، يعرف ما يريد ويملك الإرادة لتغييره.
وأخيرًا فإن التعليم المنشود هو ذلك السلوك الذي يحدد ملامح وحقائق شخصية الإنسان، كي يكون قدوة بسلوكه لا بكلامه، وأن يكون محاسبًا لنفسه قبل أن ينتظر التوجيه والأمر، ويكون شخصية تعتز وتفتخر بما تقدم وما تنتج وما تؤثر به على نفسها فعليًا لا مباهاة.
تعلمت من فترة عملي لوقت طويل معادلة لن أحيد عنها، وهي: تحدّث قليلا وطبّق كثيرا، وعندما تبدأ فإن يقينك سيستقر في أن الكلام مضر بالعمل أكثر من نفعه، لذلك لنعطي للعمل مكانًا من صمت الحديث لننتقل إلى الإنتاج والقدوة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اين موقع ودور القوى الوطنية في التغيير المنشود في العراق المحتل ؟
آخر تحديث: 12 يوليوز 2025 - 7:28 ص بقلم:د. عبدالرزاق محمد الدليمي هذا سؤال مهم ومحوري، لأنه يلامس جوهر التحدي في مشروع التغيير الحقيقي داخل العراق، خاصة في ظل الاحتلال غير المعلن وهيمنة منظومة الفساد والارتباط الخارجي.
ما المقصود بالقوى الوطنية؟
القوى الوطنية هنا تعني الفئات والكيانات التي تؤمن بوحدة العراق وسيادته وترفض الاحتلال الإيراني والتبعية لأميركا أو غيرها وتسعى لبناء دولة مدنية حديثة، خارج إطار الطائفية والفساد. أين موقعها اليوم؟
للأسف لاتزال مهمشة سياسيًا بفعل سيطرة الأحزاب الموالية لإيران وأميركا على مفاصل الدولة وهي مشتتة تنظيميًا بسبب غياب قيادة موحدة أو جبهة سياسية واضحة محاصرة إعلاميًا وهي لا تملك منصات كافية لكسر الرواية المهيمنة ومُخترقة أمنيًا وهناك كثير من محاولات التشكيل الوطني تواجه بالقمع أو الاغتيالات أو التسقيط. ما دورها في التغيير المنشود؟
رغم هذا التهميش، فدورها جوهري ومحوري، ويتمثل في تأطير الوعي الشعبي لمواجهة خطاب الطائفية والخرافة والخنوع لنشر الوعي السياسي والوطني بين الفئات الشعبية وبناء بديل سياسي حقيقي بتشكيل جبهة أو حركة وطنية عابرة للطوائف والمناطق لطرح مشروع دولة جامع، لا مجرد رد فعل غاضب والتواصل مع الداخل والخارج كسب دعم الداخل أولاً، ثم مخاطبة المجتمع الدولي بوضوح (باسم العراق لا الفصائل) لفضح منظومة الاحتلال المركّب (إيراني – أميركي) بلغة قانونية وحقوقية.
توظيف لحظة التناقض الأميركي – الإيراني وهذا الصراع يمكن استثماره من قبل القوى الوطنية لفرض واقع جديد على ألا تكون تابعة لأي طرف، بل تستخدم اللحظة لصالح مشروع وطني مستقل. القوى الوطنية اليوم خارج مركز القرار لكنها ليست خارج المعادلة.
دورها يبدأ من بناء الوعي والبديل، ولا يكتمل إلا عندما تتحول إلى قوة منظّمة لها مشروع، قيادة، وخطاب واضح.
التغيير لن يصنعه ترامب وحده، ولا يسقط من السماء… بل يُصنع من الداخل، عندما تنهض هذه القوى وتأخذ موقعها.