غزة- فوق سطح بناية متهاوية لا تصلح للعيش الآدمي، وفي غرفة مستأجرة جدرانها متآكلة وسقفها من الصفيح الملتهب صيفا، بلا كهرباء التي يعاني الغزيون انقطاعها منذ بدء الحرب قبل 22 شهرا، أو أدنى مقومات للحياة يعيش عز الدين الباز (36 عاما) برفقة زوجته صفاء (33 عاما) وطفلتيه الصغيرتين مسك (سنتان) والرضيعة ماسة (4 أشهر).

يضطر الباز أحيانا كثيرة إلى صعود درج البناية على عكازيه، متحملا مشقة كبيرة نتيجة إصابة بالغة تعرّض لها من جيش الاحتلال الاسرائيلي أدت إلى بتر قدمه اليمنى، وفاقمت معاناته جسديا ونفسيا، وتركته مجبرا على ذلك، ولا يملك خيارا آخر.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2البريطانيون يرفضون سياسة التجويع في غزةlist 2 of 2بين المملح والمدفون.. أبرز 10 أطعمة ساعدت على النجاة خلال المجاعاتend of list

يصل عز الدين إلى غرفته الصغيرة على السطح يتصبب عرقا، يضع عكازيه جانبا، ويأخذ نفسا عميقا ثم يقول للجزيرة نت "الشكوى لغير الله مذلة، لكن ما نمرّ به اليوم فاق كل التصورات، ولم نتوقع حدوثه حتى في خيالنا وأحلامنا".

عز الدين مع طفلتيه مسك وماسة يعيش الموت مرات كثيرة جراء قلة الغذاء والحليب (الجزيرة)قبل الحرب وبعدها

ويضيف متسائلا "كيف تطلب من شخص فقد جزءا غاليا من جسده وأصبح من ذوي الإعاقة أن يتحدث عن حياته أو ظروفه؟ صورتي ومنظري يغنيان عن كل الكلام".

وتابع "لا كلام في حضرة الجوع، ولا عبارات تصف ألم البطون الخاوية، الجوع كافر، ومن جوّعنا كافر، ومن سكت عن تجويعنا كافر، نموت كل يوم بصمت، ليس بالرصاص هذه المرة، بل بالخذلان والإهمال وبالتجويع البطيء الذي لا يُرى في نشرات الأخبار".

يقاسي الباز كغيره من الغزيين صعوبة العيش ووجع الجوع، ويحصل على طعامه بصعوبة بالغة، تساعده في ذلك عائلته، حيث ترسل له والدته بعض الطحين لتعجنه وتخبزه زوجته، إضافة إلى طبق من الطعام ليأكلوه جميعا.

وفي الليل، حين يسكن كل شيء يعلو أنين المعدة الخاوية، مع ضجيج الطائرات والصواريخ وصوت القذائف والانفجارات، ويصبح الطحين أملا، وكسرة الخبز حلما مؤجلا لأهل غزة، ويغدو الحليب أمنية من الخيال للأطفال.

إعلان

ويضيف "قبل الحرب بالكاد كنت أستطيع العيش، فأنا مقعد ولا أستطيع العمل، وأعيش في بيت مستأجر، وقد تراكمت عليّ المبالغ، لكن صاحب المنزل كثيرا ما يتعاطف معي بسبب ظروفي".

كان الباز يتقاضى راتبا حكوميا بصفته "جريحا"، وتم إيقافه منذ بداية الحرب بسبب وقف إسرائيل عائدات السلطة الوطنية الفلسطينية من المقاصة واستقطاع أموال الأسرى والجرحى منها بحجة "دعم الإرهاب"، ومنذ ذلك الحين لم يحصل على أي مساعدات أو معونات، مما زاد فقره وجوعه.

عز الدين الباز (يسار) يتحدث لمراسل الجزيرة نت عن مأساته مع الجوع والسكن وظروفه الصحية (الجزيرة)الجوع ضاعف الهم

وبينما يوفر له إخوته بعض المعلبات والخضروات تساهم شقيقاته في إعداد بعض أطباق الطعام التي لا تخلو من العدس أو الفاصولياء، كما يناشد المؤسسات وجمعيات الإغاثة المحلية والدولية توفير احتياجه من الطعام والحليب والحفاضات لطفلتيه.

ويقول "عندما فقدت قدمي اليمنى وأصبحت عاجزا عن القيام بأبسط الأمور التي كنت أعتبرها عادية حينها فقط أدركت أنني فقدت شيئا لن يعود، ومنذ ذلك اليوم لم تعد خطواتي كما كانت، ولا أيامي كما عهدتها"، ويتساءل "بعد أن فقدت عملي الذي يتطلب مني الوقوف والحركة كيف يمكنني فعل ذلك وأنا بقدم واحدة؟!".

جاءت الحرب وزادت معها مأساة الباز وتضاعف همه، فالجوع زاد وأصبح قاتلا، وحمله صار ثقيلا، ولم يعد قادرا بكل معنى الكلمة، وكل أحلامه صارت مرهونة بكسرة خبز أو حفنة طحين وطبق طعام.

ويعاني الباز وزوجته وطفلتاه من جوع حاد، ويمكثون أياما دون أن يدخل الخبز بيتهم، ويعيشون على ما يقدمه أهالي الخير والجيران من طعام، فهو لا يستطيع الذهاب للحصول على المساعدات القريبة من المناطق الخطرة بسبب حالته.

الكل جائع

وتشير الزوجة صفاء إلى حجم الألم الذي يختلج صدرها من همّ الفقر والحاجة ووجع الجوع، وتقول للجزيرة نت "في زمن الجوع كلنا سواسية، ورغم مساعدة الأقارب والجيران لنا فإنه لا يمكنك طلب أي شيء منهم، فالكل جائع، والكل بالكاد يجد طعامه، رغيف الخبز اليوم يساوي حياة لكثير من الناس، والتنازل عنه في هذه الظروف أشبه بالمستحيل".

ولا تعرف صفاء كيف تتدبر أمورها لسد جوعهم، خاصة أنه لديها طفلتين تحتاجان للحليب، وهو غير متوفر أصلا، وبصعوبة تحصل عليه من بعض الجمعيات والمؤسسات الداعمة، وإن وُجد في السوق فيكون سعره مرتفعا جدا ولا تستطيع شراءه، وفي الوقت نفسه لا تقدر على الرضاعة الطبيعية لمعاناتها شخصيا من الجوع ونقص الغذاء.

وتضيف "كثيرون يساعدوننا من أهل الخير، فبعضهم يقدم المال، وآخرون يعطوننا قسائم المساعدات والطحين وأرغفة الخبز رغم قساوة الظروف على الجميع، وهكذا تسير حياتنا بكل صعوبة وقسوة".

ويواجه الأطفال الرضّع في قطاع غزة كوارث صحية بسبب نقص ونفاد حليب الأطفال من المستشفيات والأسواق، ويحذر الأطباء من أن الأطفال الذين يعتمدون عليه قد يواجهون خطر الموت إذا حُرموا من غذائهم الوحيد، في ظل عجز كثير من الأمهات عن الإرضاع الطبيعي نتيجة سوء التغذية الحاد.

عز الدين ومعاناته أثناء صعود الدرج للوصول إلى غرفته فوق سطح منزل متهالك (الجزيرة)الاستسلام للجوع

وقد تسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ بدء الحرب بحرمان القطاع بالكامل من دخول حليب الأطفال، مما فاقم خطورة الأوضاع الصحية التي بلغت مستويات غير مسبوقة من التدهور وسوء التغذية بين الصغار.

إعلان

وراكمت الحرب معاناة عائلة الباز، ويحكي الزوج أكثر الجوانب وجعا فوق مأساة التجويع التي يتعرض لها وأسرته، لا بيت ولا مال ولا طحين أو خبز سوى ما يجود به عليه الخيّرون، ومع ذلك يصبر هو وزوجته على الجوع، ويقول إنه يتحمل ذلك، لكن كيف بطفليته تصبران على نقص الحليب والطعام؟ يتساءل بقهر.

ويختم قصة معاناته "أعيش على سطح بناية قديمة، كل درجة فيها معركة، وكل صباح تحدّ جديد مع الألم والجوع، صرت أُجبر على الصعود والنزول على عكازين، أقاوم التعب ونظرات الشفقة وشعور الانكسار، وأهرب من جوعي وجوع زوجتي وطفلتَيّ، من عتاب نفسي ولومها، كيف استسلمت أمام تحدّ لطالما كنت قادرا على تجاوزه، قبل أن يهزمني الجوع في منتهى ضعفي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات تجويع غزة عز الدین

إقرأ أيضاً:

بالفيديو.. مظاهرات عالمية تندد بالإبادة الإسرائيلية على غزة

عواصم- الرؤية

خرجت مظاهرات واعتصامات في عدة دول عربية وغربية تندد بحرب الإبادة الإسرائيلية العدوانية والوحشية في قطاع غزة، وتطالب بوقف الحرب وفك الحصار وفتح المعابر، بعد دعوات عالمية لتصعيد الحراك.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) دعت إلى تصعيد الحراك الجماهيري العالمي يوم الأحد الثالث من أغسطس/آب المقبل، نصرة لغزة والقدس والمسجد الأقصى والأسرى الفلسطينيين.

وشددت حماس على ضرورة استمرار التحركات الشعبية والدولية في مواجهة العدوان والإبادة والتجويع الإسرائيلي الممنهج في قطاع غزة.

وخلفت الإبادة الإسرائيلية بغزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أكثر من 209 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.

المغرب

اعتصم متظاهرون مغاربة أمام مقر القنصلية الأميركية في مدينة الدار البيضاء، احتجاجا على الدعم الأميركي العسكري لإسرائيل، والتجويع الممنهج الذي يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة.

وطالب المتظاهرون بفتح المعابر وإدخال المساعدات، معبرين عن غضبهم إزاء ما وصفوه بالعجز الدولي إزاء غزة.

تونس

كما واصل نشطاء تونسيون، لليوم الثامن، الاعتصام أمام السفارة الأميركية بالعاصمة تونس، للتنديد بدعم واشنطن للإبادة الإسرائيلية في غزة والمطالبة بوقف الحرب والتجويع والحصار المفروض على القطاع.

وجدد المشاركون في الاعتصام، المطالبة بفك الحصار عن غزة وفتح المعابر ووقف التجويع والإبادة، ودعوا سلطات بلادهم إلى إغلاق السفارة الأميركية وطرد سفيرها.

إيطاليا

كما شهدت مدينة ميلانو الإيطالية مظاهرة ينظمها إسبوعيا نشطاء ومتضامنون للمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ورفع المشاركون شعارات تطالب بإنهاء الحصار المفروض على القطاع، والسماح العاجل بدخول المساعدات الإنسانية، في ظل تفاقم المجاعة.

وخلال المظاهرة، وجه المتظاهرون انتقادات حادة للحكومة الإيطالية، متهمين إياها بالتواطؤ مع إسرائيل، خاصة بعد تصويت روما ضد مقترح فرض عقوبات أوروبية على تل أبيب، وذلك خلال اجتماع سفراء دول الاتحاد الأوروبي الذي عُقد الأسبوع الماضي في بروكسل.

فرنسا

وفي العاصمة الفرنسية باريس، ندد متظاهرون بالصمت الدولي تجاه ما يجري من إبادة في غزة، ودعا المتظاهرون إلى فتح ممرات إنسانية إلى القطاع المحاصر ومحاسبة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، وطالبوا الوقف الفوري لجميع أشكال الدعم لإسرائيل.

بريطانيا

وفي مدينة مانشستر البريطانية، خرج ناشطون بريطانيون في مسيرة تضامن مع فلسطين جابت الشوارع، ونددوا باستمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة المحاصر واستخدام التجويع سلاحا ضد الأطفال والمدنيين.

ورفع المتظاهرون أعلام فلسطين وشعارات تدعو إلى وقف جرائم الحرب الإسرائيلية وفتح المعابر لإدخال المساعدات الانسانية الملحة. ودعا المتظاهرون الحكومة البريطانية إلى عدم الاكتفاء بالتعهد بالاعتراف بدولة فلسطينية، ووقف جميع أشكال التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي بما في ذلك فرض حظر شامل على صادرات السلاح البريطانية إلى إسرائيل ووقف جميع أشكال التعاون معها.

النرويج

وخرجت في العاصمة النرويجية أوسلو مظاهرة ندد المشاركون فيها بالتجويع والإبادة الإسرائيلية لسكان قطاع غزة.

وسار المتظاهرون وهم يقرعون الأواني الفارغة التي استخدموها بحسب وصفهم رمزا للبطون الخاوية والوعود الفارغة والواقع المرير الذي يعيشه سكان غزة.

السويد

وفي العاصمة السويدية ستوكهولم وبدعوة من منظمات المجتمع المدني، خرج المئات بتظاهرة تطالب بوقف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.

الدانمارك

نظمت مجموعات حقوقية في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن وقفة تضامنا مع غزة، وتنديدا بالإبادة الإسرائيلية الجارية بحق سكان القطاع.

وتظاهر الناشطون تحت شعار "الجميع في الشارع من أجل فلسطين حرة" واختار المنظمون للوقفة ساحة إيسيلادن الرمزية التي تضم مقر شركة ميرسك المختصة بالنقل البحري التي يتهمها متظاهرون في الدانمارك بالمسؤولية عن نقل السلاح إلى إسرائيل.

أستراليا

وفي أستراليا، خرج الآلاف من عدة مدن وساروا عبر جسر هاربور الشهير في مدينة سيدني، في تظاهرة حاشدة تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية بغزة، وفتح المعابر وإدخال المساعدات.

مقالات مشابهة

  • الجوع كخط درامي.. كيف صورت السينما الفلسطينية المجاعة؟
  • الأمم المتحدة: حالة كبيرة من الجوع بغزة والمساعدات التي تصل لا تكفي
  • الحرب التي أيقظت الحقيقة بين إيران وإسرائيل
  • كيف يصبر أحمد الأطرش وأسرته على الجوع في غزة؟
  • صوت الأمعاء الخاوية أعلى من ضجيج الحرب.. يوميات التجويع في غزة
  • بالفيديو.. مظاهرات عالمية تندد بالإبادة الإسرائيلية على غزة
  • أبرز لقطات الأسبوع.. من التجويع إلى الحرب الأوكرانية
  • كبار السن في غزة يعانون أوضاعا قاسية بسبب سياسة التجويع الإسرائيلية
  • عادل الباز يكتب: تحالف الهاربين.. من خيباتهم!!