في تقرير صادم صدر عن اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في البرلمان البريطاني، كشف النقاب عن تنامي خطير لما أسمته "أنشطة القمع الأجنبي" داخل أراضي المملكة المتحدة.

التقرير، الذي نشر في خطوة وصفت بالنادرة من قبل البرلمان البريطاني، وجه اتهامات مباشرة لحكومات دول أجنبية منها دول عربية بممارسة أعمال ترهيب وملاحقة للمعارضين والصحفيين داخل بريطانيا، وبدون وجود ردع أو منظومة حماية فعالة.



وقالت اللجنة إن التحقيقات الرسمية بشأن تهديدات خارجية ارتفعت بنسبة 48 بالمئة منذ عام 2022، مشيرة إلى أن أشكال هذه التهديدات تنوعت ما بين العنف الجسدي، والإكراه، والترهيب عبر الإنترنت، والتجسس، والتحريض ضد أقارب الضحايا في بلدانهم الأصلية، مؤكدا أن هذه الظاهرة باتت تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقلال المجتمع المدني في بريطانيا.

ومن أبرز المفاهيم التي تناولها التقرير مصطلح "الإرهاب الرقمي"، والذي وصفته اللجنة بأنه أسلوب متطور من القمع عبر الإنترنت، يعتمد على الابتزاز، والاختراق، والمراقبة الرقمية، ويستخدم كسلاح نفسي لترهيب النشطاء والمعارضين، وأوصى التقرير بضرورة خضوع هذا النوع من التهديد لمراقبة أمنية وتقنية صارمة.


تورط دول عربية
وعرض التقرير أدلة موثقة على تورط حكومات من بينها: الإمارات، السعودية، تركيا، إيران، باكستان، البحرين، مصر، إريتريا، في عمليات قمع عابر للحدود، من خلال مطاردة معارضين داخل بريطانيا، والتجسس عليهم، ومضايقتهم إلكترونيًا، أو إرسال رسائل تهديدية إليهم، بل وتهديد أفراد أسرهم في الخارج.

وقال رئيس اللجنة: "يجب على الحكومة البريطانية أن تُظهر قيادة دولية في حماية حرية التعبير والملاذ الآمن، إساءة استخدام أدوات العدالة الجنائية الدولية مثل الإنتربول يُعد خطرًا حقيقيًا، ويجب إصلاح هذه المنظومات لمنع إصدار نشرات حمراء كيدية تستهدف المعارضين".

وشدد التقرير على ضرورة إنشاء خط تواصل وطني مخصص لدعم ضحايا القمع الأجنبي، وتدريب عناصر الشرطة البريطانية على التعرف على هذه الحالات والتعامل معها بشكل احترافي، بدلًا من التعامل معها كقضايا جنائية تقليدية.

رئيس اللجنة، اللورد ديفيد ألترن، صرح قائلاً: "بريطانيا يجب أن تكون منارة للحرية والأمان، لكن الحقيقة أن خصوم الديمقراطية باتوا يمارسون أنشطتهم القمعية داخل حدودنا بحرية مقلقة"، وأضاف: "نريد من الحكومة أن تجعل مواجهة القمع العابر للحدود أولوية دبلوماسية وتشريعية".

كما كشف التقرير عن ثغرة بارزة في خطة تسجيل تأثير الأجانب، باستثناء الصين من قائمة الدول التي تخضع لمراقبة مشددة، رغم تزايد الأدلة حول استخدام بكين لنظام الإنتربول والنشرات الحمراء لملاحقة منشقين في المنفى. وحذر التقرير من أن هذا الاستبعاد يهدد مصداقية النظام بأكمله.

توصيات لوزارة الخارجية
في الختام، طالبت اللجنة الحكومة البريطانية بإرسال نسخة من التقرير إلى وزارة الخارجية، وتحويل التوصيات الواردة فيه إلى إجراءات تنفيذية واضحة، تشمل تعزيز الإطار القانوني، ورفع مستوى الحماية للناشطين المقيمين في بريطانيا من القمع الأجنبي، وفرض عقوبات على الدول المتورطة.

خرق للقانون الدولي
وفي تصريحات خاصة لـ"عربي21" قال المحامي المختص بشؤون المهاجرين في بريطانيا بسام طبلية، إن ممارسات القمع العابر للحدود التي تمارسها بعض الدول ضد معارضيها المقيمين في المملكة المتحدة، تمثل خرقًا واضحًا للقانون الدولي، ولا سيما اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.

وأوضح طبلية أن الدول الموقعة على الاتفاقية، ومن بينها الدول المذكورة في تقرير اللجنة البرلمانية، يحق لها قانونيًا حماية مصالحها ورعاياها داخل الدول الأخرى، لكن ذلك يجب أن يتم ضمن الأطر القانونية الشرعية فقط، وبشكل لا يتعارض مع سيادة الدولة المستضيفة ومن حقها ملحقتهم قانونيا إذا تم إدانتهم بالقانون.

وأضاف أن أية ممارسات غير شرعية مثل التجسس أو المراقبة أو التضييق أو تهديد طالبي اللجوء المقيمين في بريطانيا، تعد انتهاكا صارخًا لاتفاقية فيينا، وتخرج الدولة المتورطة عن نطاق الممارسات القانونية المقبولة دوليًا.

وأكد أن اللجوء السياسي يمنح الحماية من الملاحقات ذات الطابع السياسي، ولا يمكن تحت أي ظرف قانوني اعتبار الانتقاد السياسي أو حرية التعبير جريمة أو تهديدا للأمن القومي للدولة الأم، ما دامت تلك النشاطات تمارس في إطار قانون الدولة المضيفة.


وشدد على أن تقرير البرلمان البريطاني يجب أن يكون أداة ضغط على الحكومة ووزارة الخارجية، من أجل التواصل الفوري مع الدول المتورطة والضغط عليها لاحترام المعاهدات الدولية، وتوفير حماية قانونية فعالة للمعارضين السياسيين المقيمين على الأراضي البريطانية، بعيدًا عن أي تساهل دبلوماسي أو مصالح اقتصادية.

قمع عابر للحدود
وفي السياق ذاته، أكدت الناشطة في مجال حقوق الإنسان دعاء دهيني في تصريحات خاصة لـ" عربي21 " أن التقرير البرلماني البريطاني يمثل دعوة واضحة ومباشرة لوزارة الخارجية البريطانية للاضطلاع بدور أكثر فعالية في حماية المعارضين والنشطاء المقيمين في المملكة المتحدة، ولا سيما أولئك الذين فرّوا من القمع المنهجي في دول مثل السعودية.

وأضافت دهيني أن ما وثقه التقرير من ممارسات ترهيب وملاحقة لا يمكن النظر إليه باعتباره مجرد حوادث فردية، بل هو جزء من نمط ممنهج من القمع العابر للحدود، يهدف إلى إسكات الأصوات الناقدة، حتى وإن كانت خارج النطاق الجغرافي لتلك الدول.

وسلطت دهيني الضوء على أن التعامل المتراخي الذي شهده العالم في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، رغم فداحة الجريمة ووحشيتها، أرسل رسائل خاطئة شجعت على الإفلات من العقاب، بل وربما حفز السلطات السعودية وغيرها على الاستمرار في استخدام أسلوب القمع خارج الحدود كأداة ناجحة لإسكات المعارضين، تمامًا كما يحدث داخل بلدانهم.

وختمت دهيني بالقول: "ينبغي على الحكومة البريطانية أن تتعامل مع التقرير البرلماني بجدية كاملة، وتعمل على بلورة سياسة واضحة وفعالة لحماية النشطاء والمعارضين على أراضيها من التهديدات والملاحقات، بما يعكس التزام المملكة المتحدة المعلن تجاه مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير."

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية البرلمان البريطاني اللاجئين البرلمان البريطاني المعارضين العرب المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البرلمان البریطانی المملکة المتحدة تقریر البرلمان المقیمین فی فی بریطانیا من القمع

إقرأ أيضاً:

قرار حكومي جديد لتنظيم الواردات وتمويلها.. خطوة لتعزيز استقرار الصرف وتوحيد الرقابة (تقرير)

انضم إلى قناتنا على واتساب

شمسان بوست / متابعات:

في خطوة تحمل دلالات اقتصادية عميقة وتُجسد التحول نحو الحوكمة الرشيدة، اتخذت الحكومة اليمنية خطوة محورية تمثلت بإصدار قرار يقضي بتشكيل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، في إطار مساعٍ حثيثة لإعادة ضبط المسار الاقتصادي، وتحقيق الاستقرار النقدي، ومواجهة التحديات المتفاقمة في سوق الصرف وتمويل التجارة الخارجية.


ويأتي هذا القرار، الصادر عن رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سالم بن بريك، بتاريخ 22 يونيو 2025م، في إطار الدعم المباشر الذي يقدمه مجلس القيادة الرئاسي للحكومة، بهدف تمكينها من المضي في تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة تُعالج جذور الاختلالات البنيوية، وتُرسي دعائم قوية للنمو المستدام، في ظل تحديات معقدة تشهدها البلاد نتيجة الظروف الاستثنائية، والانقسام المؤسسي، والتداعيات الأمنية المستمرة.


وبحسب مصادر حكومية رفيعة، فإن تشكيل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، يمثل إحدى أدوات التدخل الفاعلة للحد من المضاربات العشوائية في سوق الصرف، وتقليص الاعتماد على السوق السوداء كمصدر لتمويل الواردات، بما ينعكس إيجابًا على استقرار سعر العملة الوطنية، ويعزز ثقة القطاع المصرفي والتجاري بالإجراءات الحكومية.


وسيتولى فريق اللجنة، بالتنسيق مع البنك المركزي، إدارة موارد النقد الأجنبي بكفاءة، وتحديد أولويات التمويل للسلع الأساسية والأدوية والمواد الخام، بما يضمن توفير احتياجات السوق المحلية دون إرباك في المعروض، مع مراقبة مصادر التمويل والتحقق من التزام الجهات المستوردة بالمعايير المعتمدة.


كما ستضطلع اللجنة بدور رقابي وفني في مراجعة طلبات الاستيراد، ومنع اللجوء إلى مصادر تمويل خارج الإطار الرسمي، إلى جانب حماية القطاع المصرفي من تداعيات تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية دولية، من خلال ضبط حركة الأموال ومنع أي اختراقات قد تعرّض الاقتصاد الوطني للمخاطر.

وفي إطار مهامها، ستقوم اللجنة برفع تقارير دورية كل شهرين إلى رئيس الوزراء، تتضمن مستوى تنفيذ المهام والتحديات والمقترحات التطويرية، فيما تم إلزام كافة الجهات الحكومية والمؤسسات المالية وشركات الصرافة بتقديم البيانات والتقارير المطلوبة لتسهيل عمل اللجنة وضمان كفاءتها.


ويُعوّل على اللجنة تقديم مقترحات للسياسات التجارية والنقدية الداعمة للاستقرار، ودعم الإنتاج المحلي كبديل لبعض الواردات، بما يعزز الأمن الغذائي والدوائي ويقلل من فاتورة الاستيراد، كما ستُشكّل وحدة فنية متخصصة لدعم أعمال اللجنة، بقرار لاحق يصدر عن رئيس الوزراء.


القرار الذي دخل حيّز التنفيذ منذ لحظة صدوره، قوبل بترحيب من قبل القطاع الخاص، الذي اعتبره خطوة نوعية تعزز الشفافية وتمنح المستوردين آلية واضحة وعادلة للحصول على التمويل اللازم عبر القنوات الرسمية، بعيدًا عن الفوضى التي كانت تحكم سوق الواردات سابقًا.

مويرى مراقبون أن تشكيل هذه اللجنة يشكّل نقلة نوعية في مسار الإصلاح الاقتصادي، ويؤكد جدية الحكومة في استعادة أدواتها السيادية في إدارة النقد والتجارة، وهو ما يتطلب تضافر الجهود بين مؤسسات الدولة والقطاع المصرفي والتجاري والمجتمع المدني لضمان نجاح التجربة واستمراريتها.

ويُتوقع أن تُسهم هذه الخطوة في ترسيخ الانضباط المالي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وخلق بيئة أكثر شفافية وثقة للاستثمار، بما ينعكس بشكل مباشر على تحسين معيشة المواطنين، وخفض أسعار السلع الأساسية، وتخفيف الأعباء الاقتصادية في المدى القريب والمتوسط.

مقالات مشابهة

  • نفوذ صيني داخل الجامعات البريطانية.. ترهيب وابتزاز وقيود على حرية البحث
  • البرلمان العربي وبرلمان أمريكا اللاتينية يطالبان بتحرك دولي لوقف جرائم غزة
  • الإبادة الجماعية في غزة.. وأوهام السلام عند العرب
  • تفاصيل مقتل الطالب السعودي في بريطانيا والشرطة تلاحق مشتبهًا ثالثًا.. فيديو
  • تفاصيل مقتل طالب سعودي يدعى محمد يوسف القاسم في بريطانيا
  • صدامات جديدة خلال احتجاجات مناهضة للهجرة في بريطانيا
  • صدامات خلال احتجاجات بشأن الهجرة في بريطانيا
  • قرار حكومي جديد لتنظيم الواردات وتمويلها.. خطوة لتعزيز استقرار الصرف وتوحيد الرقابة (تقرير)
  • تقرير يكشف حالة تذمر أوساط الجيش البريطاني إزاء ما يجري في غزة