غزة - خـاص صفا

في ركن غرفة من أركان بقايا منزل بسيط تفوح منه رائحة الذكريات، تجلس أم شادي على كرسيها تنظر بشرود إلى ذلك الفراغ الذي لازم روحها، فباتت تعد أنفاسها بثقلٍ وكأنها تتنفس من خرم إبرة، تحتضن صورة شهيدها إلى صدرها تهمس بدعاء الرضى والرحمة بينما الدموع تسابق الكلمات التي لم تقال.

لم يكن فقد الزميل الصحفي أنس الشريف، مجرد غياب جسد بالنسبة لوالدته، بل كان غياب روح.

. فلم يعد للبيت صوته ولا للنهار معناه، فباتت الألوان باهتة، وذبلت العيون حتى كانت دمعتها لألئ من نار تتهاوى على وجه الخالة أم شادي.

"في الليلة التي استشهد فيها أنس كنت حاسة في ثقل على صدري وكأن صخرة حطت رحالها على قلبي، كنت كتير خايفة على أنس وقلبي قابضني وبدعي ربنا يجعل الأمور خير ويبعد عن أولادي كل شر وخاصة أنس"، تقول الخالة أم شادي الشريف.

وتضيف في حديثها لوكالة "صفا": "لم يكن هناك أحد مثل أنس، كان الابن البار المطيع الذي يخاف على إخوانه وأخواته، دائما ما كان يطلب مني الاهتمام بصحتي قائلاً: فش شي أهم من صحتك يما كل شي بمر وبنتهي المهم انت يما".

وتتابع: "صحيح أن أنس كان أصغر إخوانه إلا أنه كان يهتم بأمور الجميع، يحمل هم الكبير والصغير، يخشى عليهم الجوع والقصف، وكأنه في مدينة السلام والحرب تحيط بإخوانه".

لم يكن غياب أنس سوى أيام فقط، إلا أن هذه الأيام أضحت في عين والدته سنوات من الفقد، "غياب أنس كتير كسر قلبي نار فراقه بتكوي روحي، ما كنت متوقعة إني أزف مدللي شهيد في وقت مبكر من عمره قبل أن يرى أبناءه يكبرون أمامه".

وتشير الخالة أم شادي إلى أن شام كانت الأقرب لوالدها، دائما ما كان يحادثها أن تصبح مثله، يحلم بأن يراها تكبر أمام عينيه، أما صلاح فقد ظل ممسكا الهاتف ينادي على والده ويحتضن صوره وقد فهم بأنه لن يحتضنه مرة أخرى.

في لحظة خاطفة لم تكن العائلة تتوقع حدوثها، تهادت عدسة الكاميرا على التراب، ودوى صوت الصمت، ليسلم الزميل الشهيد أنس روحه شهيدا ويده ما تزال ممتدة للحقيقة التي طالما صدح عاليا بها، في مشهد يختصر حكاية وطن يكتب بالدم عنوان الشرف، لروحٍ عاشت أيامها في النار بين الركام والدمار.

مضى أنس خلال أشهر الحرب بين الخطر وكأن بينه وبين الرصاص عهد أن لا يخترقه حتى يُتم الصورة، ويُبلغ رسالة غزة على أكمل وجه، حتى جاء اليوم الذي التفتت نحوه الرصاصة فأهدته الشهادة لتسكت عدسته إلى الأبد، ليكتب بحروف الدم أن كاميرته أقوى من صمت عالم سمع صوت أنس وفضل القعود على أن ينصر رسالته ويرفع الظلم عن غزته وأهلها.

وعن لحظة الاستشهاد، تروي الخالة أم شادي: "رن هاتف زوجة ابني أحمد وقد كان شقيقها على الجانب الآخر، يخبرها باستهداف الخيمة التي يتواجد بها أنس، فلم تنطق بحرف إلا أنني سارعت بالنداء عليها قائلة أنس استشهد.. استشهد أنس".

لم يدم ثبات الخالة أم شادي طويلا، فأخذت دموعها تحكي حرقةً أكلت قلبها ولم تفارقه منذ تلك اللحظة، "عندما تأكدوا من استشهاد أنس وأخبروني رددت سريعا الله يرضى عليك يما، ربنا يصبرني على فراقك، ويعيني على بعدك".

وتردف: "أنس فاز بالشهادة وكل من حرض عليه خسر وخسر بشكل كبير، هم لم يغتالوا أنس بل اغتالوا الحقيقة والصوت الذي رفض عروض الخروج من غزة وتركها إلا إلى الجنة، فكان له ما أراد".

وتقول أم شادي: "أنا مع أنس دفنت قلبي وروحي، لكن رح أربي أولاده نفس ما ربيته وأولاد أخوه الشهيد شادي، رح أعلم شام وصلاح أن غزة لا تباع ولا تشترى بمال الدنيا، وأن أنس ما بفرط بترابها وظل صامد فيها حتى استشهاده".

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: أنس الشريف شهداء الصحافة غزة

إقرأ أيضاً:

صحف عالمية: الحقيقة أول ضحايا الحرب والعالم مصدوم من صور غزة

تناولت صحف ومواقع عالمية أبرز تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة، وخاصة اغتيال الصحفيين وسياسة التجويع المستمرة في القطاع، والمظاهرات العالمية المناوئة للحرب وما يصاحبها من عمليات قمع من طرف بعض الحكومات الغربية.

وجاء في افتتاحية صحيفة الإندبندنت البريطانية أن "إسرائيل تقتل الصحفيين لخنق حرية التعبير، والحقيقة، كما يُقال، هي أول ضحايا الحرب".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هآرتس: كل أكاذيب نتنياهو بشأن خطة غزةlist 2 of 2إعلام إسرائيلي: آلاف الجنود يعانون نفسيا ومساعدة أطفال غزة هدية مادونا لابنهاend of list

ومنعت إسرائيل بشكل غير مسبوق الصحفيين الدوليين -تضيف الافتتاحية- من تغطية الصراع في قطاع غزة، و"النتيجة هي أن إسرائيل تُتهم بارتكاب جرائم حرب من طرف المحكمة الجنائية الدولية"، وأصبح مصطلح "إبادة جماعية" يُستخدم بشكل متزايد ضدها، في ما يتعلق بحرمان سكان غزة من الغذاء والدواء، تقول الافتتاحية.

وقالت مديرة الأبحاث في منتدى السياسات الإسرائيلي، شيرا إيفرون في مقال لها بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن صور أطفال غزة وهم يتضورون جوعا حازت اهتمام العالم، لكنّ الرواية مختلفة داخل إسرائيل إذ يجري التركيز على قضايا أخرى.

وأضافت أن "إسرائيل مطالبة بتغيير نهجها لأنها المسؤولة عن إحداث هذه الأزمة، واستمرار تجاهلها المتعمد سيؤدي إلى تفاقم الضررِ في غزة وتطرف الفلسطينيين لأجيال قادمة، وزيادة عزلة إسرائيل إقليميا ودوليا".

تكميم الأفواه

ومن جهة أخرى، رأى وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن في مقال بصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أن قرار فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول "صائب أخلاقيا ويعكس إجماعا عالميا"، زاعما أن الاعتراف غير المشروط بفلسطين لن يُسفر عن دولة فلسطينية أو يُنهي المعاناة في غزة.

ويشترط بلينكن أن "يقترن الاعتراف بدولة فلسطينية بضمانات أمنية لإسرائيل".

وندد الكاتب آندي بيكيت، في مقال له بصحيفة الغارديان البريطانية بتعامل الحكومة البريطانية القاسي مع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وقال إن قمع الحركات الاحتجاجية والاعتقالات الجماعية في لندن تُظهر توجها خطِرا نحو تكميم الأفواه.

إعلان

وأشار الكاتب إلى أن "هناك ازدواجية في التعامل حيث تُقمع الاحتجاجات السلمية في الغرب، ويغض الطرف عن المجازر الوحشية في غزة، ما يُظهر انحيازا سياسيا وأخلاقيا فاضحا".

مقالات مشابهة

  • كارثة الذباب والمياه الملوثة تهدد صحة أسيوط .. الفساد يخفي الحقيقة
  • تورط وفاء عامر في وفاة سليمان عيد .. نجله يكشف الحقيقة
  • أنس الشريف ضد نيويورك تايمز.. القاتل فقط هو من يملك الحقيقة
  • إسرائيل والحرب على الحقيقة.. إبادة ممنهجة للصحفيين في غزة
  • إندبندنت: لماذا تخاف إسرائيل من الحقيقة وتقتل الصحفيين عيون العالم في غزة
  • صحفيو جنوب أفريقيا يرفعون صوتهم من أجل غزة وينعون شهداء الحقيقة
  • لن يطمسوا صوت الحقيقة
  • صحف عالمية: الحقيقة أول ضحايا الحرب والعالم مصدوم من صور غزة
  • شقيق أنس الشريف: كان صوت المظلومين وعدسة الحقيقة (شاهد)