كانت الولايات المتحدة تعتمد على عددٍ من أعمدة القوة وهي احتكار التكنولوجيا المتقدمة، واحتكار صناعة السلاح والسيّطرة العسكرية، واحتكار النظام المالي، واحتكار المخترعات والبحوث العلمية، واطمأنت إلى أن هذه الاحتكارات سوف تجعلها أكبر قوةٍ في العالم، تُفرض سطوتها وقُدرتها على نهب شعوب العالم دون أي مقاومة، ليس نهبًا للثروات الطبيعية فقط، بل قوة العمل أيضًا، من خلال التحكم عن بُعد أولًا بأدوات اقتصادية ومالية، تتُيح لها بيع منتَّجاتها بأضعاف قيمة إنتاجها، بينما تشتري منَّتجات الدول الأخرى بأقل من قيمتها، بما يُحقق لها فوائض كبيرة ومستَّمرة، وإذا أفلتت دولة من هذه المنظومة أو تمرّدت عليها، فإنها تُعاقبها بأدوات اقتصادية ومالية أولًا، سواء بإخراجها من منظومة التبادل التجاري، أو فرض أنواع من الحصار الاقتصادي، لتنهار عُملتها وإنتاجها، لأنه لا توجد دولة بمفردها قادرة على تحقيق استقلال اقتصادي كامل، يتُيح لها الاستّغناء عن التبادل التجاري مع باقي دول العالم، وإذا تمكنت دولة أو عددٍ من الدول من مواصلة التمرد فهناك عقوبات أخرى، وربما تدّخل عسكري، أو إثارة اضطرابات داخلية، بأدوات استخبارية.
لكن كيف تفقد أمريكا هذه القُدرات واحدة تلو الأخرى؟ كان تراجع الصناعات الأمريكية هو البداية لهذا الانهيار المتسَّلسل في القوة الأمريكية، وكان الإنتاج الصناعي الأمريكي يقترب من نصف إنتاج العالم كله في نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن إنتاج باقي دول العالم سواء التي كانت مشَّاركة في الحرب أو المتَّحررة من الاستعمار بدأت تستّحوذ على نسبٍ متزايدة من الإنتاج الصناعي والزراعي، ولأن الأيدي العاملة كانت رخيصة في دول الأطراف، فقد توجهت إليها استثمارات صناعية متزايدة، لاستغلال العمالة الرخيصة، تلك العمالة اكتسبّت مهارات، ومع اهتمام دول مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا وغيرها بالتعليم، بدأت تنهض صناعاتها الوطنية، لتُصبّح آسيا مصّنع العالم، وكانت الرأسماليات الاحتكارية في الدول الرأسمالية المركزية تتّبنى فكرة “دعهم يعملون بدأبٍ ومشّقة، ونحن نأخذ منتَّجاتهم بسعرٍ بخّس” إننا نستعبدهم بطرقٍ سلمية، ونستغل التطور غير المتكافئ بين بلداننا وبلدانهم في القدرات التقنية والاقتصادية والعسكرية في تكريّس التبادل غير المتكافئ في قيمة ما ننَّتجه مقابل قيمة ما ينتَّجوه، ونُحافظ على الهوة الكبيرة بيننا وبينهم، بل نوسّعها، لكن الأمور لم تستمر على هذه التصورات، وانتقلت الصناعات في دول الجنوب المهمش من التقليد إلى التطور والتجديد، لكن ذلك لم يُزعج الدول الرأسمالية الكبيرة، طالما أن الفوائض المالية لتلك الدول تعود إلى المراكز الرأسمالية، سواء بشراء أذون خزانة، أو إيداعات في بنوكها، ومن هنا اعتمدت المراكز الرأسمالية على القطاع المالي الذي تحُكم السيّطرة عليه، ليتضخم رأس المال المالي وقطاع الخدمات في الولايات المتحدة، ليُصبّح القطاع الرئيسي بدلًا من قطاع الإنتاج الصناعي والزراعي، وتحول مواطنوها إلى أكبر مستَّهلكين، يتقاضون رواتب كبيرة جدًا، ولا يُحقّقون إنتاجًا حقيقيًا، لتتحول الولايات المتحدة من أكبر دائن في العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى أكبر مدّين في العالم، ومن أكبر منتَّج صناعي إلى أكبر مستورد ومستَّهلك، ومن دولة تُحقق أعلى فائض في الميزان التجاري إلى أكبر عجز تجاري، ومع ذلك اعتقدت أنها تسيَّطر على العالم بأدواتها الكثيرة المتبقية، وأن بلدان العالم تتسابق على التصدّير لها مقابل أوراق العُملة الأمريكية التي تحتكر طباعتها، وتُفرضها كعُملة تبادل عالمية، بل استخدمت كونها أكبر مستورد ومستَّهلك كأداة عقابية قوية، وتوقف الاستيراد من دولة، فتنخفض مواردها من الدولار، وتُعاني من أزمة اقتصادية.
هذا الوضع المقلوب في الاقتصاد العالمي استمر لعقود، لكنه غير قابل للاستمرار، فالديون الأمريكية تتراكم وتتجاوز كل الحدود المقبولة، ولا يوجد أي احتمال في قدرتها على سداد الديون، بل لا يمكن أن تتوقف عن المزيد من الإستدّانة، والمدهش أن أمريكا استغلت ضخ باقي الدول لفوائضها في أذون الخزانة والبنوك الأمريكية لتضغط بها على الدول الدائنة، تصَّادر أو تجمَّد أموال الدول، منها إيران وفنزويلا وحتى روسيا، بل راهنت على أن الدول الدائنة ستخشى على مدخراتها في أذون الخزانة والبنوك والأسهم في الشركات الأمريكية، ولن يكون في مصلحتها أن تُلحق الضرر بالاقتصاد الأمريكي، وإلا ضاعت عليها أموالها، وهنا بدأت الدول الدائنة والموردة لسلعها إلى السوق الأمريكية تنتّبه إلى الخطر، وبدأت في خطوات لتجنب العقوبات الأمريكية، وكانت أسهل الطرق إقامة منظومة تبادل تجاري بدائية بنظام “المقايضة” سلعة مقابل سلعة، ثم التبادل بالعُملات المحلية مقومة مرجعيًا بالدولار أو الذهب، ثم أخذت تتخلى تدريجيًا عن الدولار في احتياطيات بنوكها المركزية، ثم بدأت في تشغيل منظومات مدفوعات بديلة لمنظومة (سويفت) التي تتحكم فيها أمريكا، ولا تمَّر التجارة العالمية من خلالها إلا بالدولار، هنا انزعجت الولايات المتحدة وباقي المراكز الأوروبية، وبدأت سلسلة من الحروب لحصار الدول القادرة على التمرد، لمجرد أنها قادرة على كسر احتكار أمريكا لأدوات القوة، وفي مقدمتها الصين وروسيا، فخاضت حروب أفغانستان والعراق وأخيرًا أوكرانيا وإيران، لكنها أخذت تخسّرها تباعًا، وارتفعت خسائرها، لتشَّن على الصين حربًا تكنولوجية بمنعها من الوصول إلى الشرائح الإلكترونية، ومنع شركة (هواوي) من المنافسة، لتخسّر أيضًا السبّاق، وتتمكن الصين من إنتاج شرائح إلكترونية، وتنَّتج تقنياتها الخاصة، بل تنتج (40%) من الاختراعات الجديدة، وتُصبّح الأكثر تطورًا في البحوث العلمية، وترد أمريكا باستعراضات عسكرية، وتلويح بالقوة، وتُنشّيء تحالفات لحصار وهزيمة الصين، لكن الصين تمكنّت مع دول ساعية للاستقلال مثل روسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا من تعزيز تحالف (بريكس)، ثم تتحول إلى الإنتاج العسكري بكل سرعة، لتُصبّح القوة البحرية الأولى، ثم أول دولة تنَّتج طائرات الجيل السادس، لتكسر التفوق الجوي الأمريكي، ثم الدفاع الجوي والطائرات المُسيّرة والصواريخ الفرط صوتية وحروب الفضاء، عندئذ تكشّف ضعف الاقتصاد الأمريكي، وظهرت عليه الأمراض، التي يستحيل علاجها إلا بأن تقبل أمريكا أن تتحول إلى دولة عادية، وتتخلى عن إنفاقها العسكري، وتُخفض رواتب عمالها، وتفرض نظام تقشف صارم يُخفض استهلاكها، أي أن تعيش على إنتاج شعبها، وهو ما لا يمكن أن تقبل به أمريكا بأحزابها ونخبُتها الحالية، والتي عليها إما أن تخوض حربًا طاحنة لن تفوز فيها، بل يمكن أن تدَّمر الجميع، أو تقبل بالدواء المر.
* كاتب مصري
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الولایات المتحدة إلى أکبر إنتاج ا
إقرأ أيضاً:
فورين بوليسي: العالم بعد السابع من أكتوبر
لتقييم التأثيرات الجيوسياسية لعامين من الحرب وجرائم الحرب، نشرت مجلة فورين بوليسي مقالا لخصت فيه ما ورد في حوار بين رئيس تحرير المجلة رافي أغروال وبين الأستاذ في جامعة هارفارد والمؤلف المشارك لكتاب "اللوبي الإسرائيلي" ستيفن والت.
يقول أغروال في مقدمته لهذا الحوار إن آثار ما حدث ويحدث في غزة امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك القطاع الصغير. فقد هاجمت إسرائيل، بالتعاون المباشر مع واشنطن، إيران، كما شنت غارات جوية في لبنان وسوريا واليمن، وحتى قطر، مما دفع العديد من الخبراء إلى التساؤل عما إذا كانت قواعد القانون لا تزال سارية المفعول، وفوق كل هذا، هناك استقطاب عالمي عميق حول هذه القضية، فالمجتمعات والدول غدت منقسمة بشدة بسببها، وفقا للكاتب.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوبوان: كيف أفلتت أحداث 7 أكتوبر من رقابة الاستخبارات الإسرائيلية؟list 2 of 2صحيفة إسرائيلية: وثيقة مسرّبة تكشف خطة توني بلير لإدارة قطاع غزةend of listويضيف أغروال أنه أراد التراجع خطوة إلى الوراء لتقييم ما تغير في العالم منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيرا إلى أنه اختار للحديث عن هذه المسألة والت الذي يكتب كذلك عمودا في فورين بوليسي.
ويمكن تلخيص ما جاء في هذا الحوار المنشور بالصوت والصورة على موقع المجلة في ما يلي:
أولا، نظرة عامة على الصراع وأثره المباشربخصوص هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتداعياته المباشرة، يشير أغروال إلى أنه أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، وأسفرت السنتان التاليتان من الصراع عن مقتل أكثر من 65 ألف فلسطيني في غزة.
ويبرز الكاتب هنا أن لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة وصفت ما قامت به إسرائيل في غزة بأنه إبادة جماعية، وهو تقييم تتفق معها فيه منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من منازل غزة قد تضررت أو دمرت، وقد أعلن خبراء الأمن الغذائي التابعون للأمم المتحدة عن تفشي المجاعة في مدينة غزة.
كما امتد الصراع إلى ما هو أبعد من غزة، إذ هاجمت إسرائيل دولا عدة في المنطقة، مما دفع الخبراء إلى التشكيك في امتثالها لتطبيق القانون الدولي وتسبب ذلك في استقطاب عالمي عميق، وفقا للكاتب.
ثانيا، تغيرات وتحولات جيوسياسية
أعرب والت، المؤلف المشارك لكتاب "اللوبي الإسرائيلي"، عن دهشته من "النطاق الواسع للأحداث" والطبيعة البعيدة المدى للصراع. وقارن الوضع الحالي بمقال لمستشار الأمن القومي الأميركي السابق جيك سوليفان في مجلة فورين أفيرز، المنشور قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بقليل، والذي ذكر فيه أن الشرق الأوسط "أهدأ مما كان عليه لعقود".
إعلانوأضاف أن ذلك ربما كان صحيحا يوم نشره، لكنه لم يكن يدري ما كان يجري في الخفاء، ولا أحد يجادل في أن الشرق الأوسط اليوم أكثر هدوءا مما كان عليه آنذاك، وفقا لوالت.
ولفت إلى أن تحولات شهدتها القوى الإقليمية، إذ ضعفت حماس وحزب الله بشكل كبير، كما سقط نظام الأسد في سوريا، وكانت الحرب عاملا مسهما في ذلك، فضلا عن تقلص البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير.
وفي خضم حديثه عن هذه التغيرات، أبرز والت أن النفوذ الأميركي تضاءل وتراجعت معه قدرة الولايات المتحدة على إدارة الأحداث الإقليمية، مما دفع حلفاء سابقين إلى فقدان ثقتهم بالدعم الأميركي والبدء في البحث عن ترتيبات بديلة.
ثالثا، القانون الدولي والأمم المتحدة
قبل عامين، كانت معظم الدول تقول إن لإسرائيل الحق الكامل في الدفاع عن نفسها، أما اليوم فتقول معظم هذه الدول إن إسرائيل تجاوزت الحدود، ليس فقط في غزة، بل أيضا في هجماتها عبر الحدود خاصة على قطر، وفقا لأغروال الذي سأل والت عن رأيه عندما تستقر الأمور بشأن هذا الصراع، عن تأثيره الأطول أمدا على القانون الدولي والإفلات من العقاب.
اتفق كل من أغروال ووالت على أن القانون الدولي كان قد "تعرض لضربات موجعة" في السابق، مستشهدين بالحرب في أوكرانيا و"الحرب العالمية على الإرهاب" التي تشنها الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يُشير والت إلى أن الكثير يعتمد الآن على محاسبة مرتكبي "الأعمال الشنيعة" من الجانبين الإسرائيلي وحماس.
وأوضح أن محاكمة المسؤولين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية سيعزز الشعور السائد بأنه لا ينبغي القبول ببعض الأفعال أو التسامح معها، وكذلك إذا تم ذلك بالنسبة للمسؤولين من حماس عن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول إن كان لا يزال منهم أحياء على أن يكون ذلك الحساب من قبل المجتمع الدولي.
وأوضح والت أن غياب المساءلة سيعزز فكرة أن "النظام القائم على القواعد لا معنى له"، مما قد يؤدي إلى "عالم لا يخضع لقانون".
ولفت في هذا الصدد إلى تسارع فقدان الأمم المتحدة مصداقيتها لأنها اتخذت مواقف متعارضة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ويشير الكاتب إلى تهديد الولايات المتحدة بمعاقبة مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية كدليل على أن أقوى دولة في العالم تُقوّض بنشاط البيئة المعيارية، مما يفتح الباب أمام دول مثل الصين وروسيا للقول إن النظام المدعوم من أميركا أخرق.
رابعا، تفسير الصراع: النظرية والسياسة والاستقطاب
بخصوص نظرية العلاقات الدولية، يُشير والت إلى أن كلا من النظريتين اللتين تُركزان على دور الأفراد (مستشهدين بالرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب) والواقعية السياسية تُسهمان في تفسير الوضع.
فالواقعية تشير إلى أن الدول ستخالف القواعد عندما تشعر بانعدام الأمن الشديد أو عندما ترى فرصا مغرية، كما تفسر كيف أن موقع القوة المناسب للولايات المتحدة يسمح لها باتباع سياسات "مفرطة في الذاتية" و"سياسات داخلية" قد تكون ضارة على المدى البعيد.
وعن توجس الدول العربية في ظل الوضع الحالي، يرى والت أن القلق إزاء أحداث غزة والخوف من تحول إسرائيل إلى قوة إقليمية مهيمنة دفع المملكة العربية السعودية مثلا إلى إبرام اتفاقية دفاع مع باكستان، كما دفع العديد من الدول إلى تعزيز علاقاتها مع الصين، وجعل السعودية تختار حالة انفراج في علاقتها مع إيران.
وعالميا، أبرز والت الاستقطاب الذي اتخذ جملة أبعاد، فهناك انقسام بين الجنوب العالمي والغرب، وانقسامات داخل الدول (على سبيل المثال: في إيطاليا حيث توجد خلافات بين الحكومة والنقابات العمالية، وفي الولايات المتحدة).
إعلانوفي هذا الإطار، أبرز أغروال طرح المفكر الهندي بانكاج ميشرا في كتابه "العالم بعد غزة" أن الانقسام العالمي يتداخل مع انقسام ما بعد الاستعمار، حيث يتعارض الجنوب العالمي غير الأبيض مع الأغلبية البيضاء في الغرب، ويتفق والت مع هذه الرواية المناهضة للاستعمار والتي تتجلى عالميا وحتى داخل الدول الغربية نفسها.
خامسا، تحولات في السياسة الأميركية والأوروبية
تحدث والت عن تحول جذري في الرأي العام الأميركي، مستشهدا باستطلاع رأي جديد أجرته صحيفة نيويورك تايمز وجامعة سيينا أظهر تحولا جذريا في الدعم الأميركي، حيث انحاز المزيد من الناخبين إلى الفلسطينيين على حساب الإسرائيليين لأول مرة منذ عام 1998، الاستطلاع كشف أن 40% من الناخبين يقولون الآن إن إسرائيل تقتل المدنيين عمدا.
ويشير والت إلى أن هذا التحول أعمق بين الديمقراطيين، ولكنه واضح أيضا في الحزب الجمهوري، على سبيل المثال مع تاكر كارلسون، موضحا أن هذا التوجه إن لم يُغيّر السياسة بعد فهو يُشكّل مصدر قلق بالغ للإسرائيليين الذين يعتمدون بشكل كبير على الدعم الأميركي.
وبخصوص اللوبي الإسرائيلي، جادل كتاب والت وجون ميرشايمر الصادر عام ٢٠٠٧ في أمرين كشفت حرب غزة أنهما صحيحان: أولا أن اللوبي الإسرائيلي قوي جدا وهو السبب الأهم وراء الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل، وثانيهما أن الولايات المتحدة والمنطقة ستكونان في وضع أفضل لو اتخذتا موقفا أكثر توازنا في هذا الصراع الذي ينبع من وجود 7.5 ملايين فلسطيني يريدون دولة وأغلبية 7.5 ملايين يهودي إسرائيلي يُعارضونها.
أما رد الفعل الأوروبي على ما يحدث في غزة، من احتجاجات واسعة، وتحركات من دول مثل فرنسا وبريطانيا للاعتراف بدولة فلسطينية، فاعتبره والت ردا مفهوما على القسوة المستمرة في القطاع الفلسطيني.
ويقترح والت أن تكون الخطوة التالية هي استخدام الدول الأوروبية لأدوات أخرى، مثل تقييد التجارة أو استبعاد إسرائيل من الفعاليات الرياضية مثل كأس العالم، والثقافية مثل مسابقة الأغنية الأوروبية.
وقال والت إن مثل هذا الضغط يذكر بما مورس على جنوب أفريقيا إبان نظام الفصل العنصري، لكن والت يختم بقوله إن السؤال يبقى: هل سيدفع هذا الضغط إسرائيل إلى تكييف سياستها أم سيشجعها على أن تصبح إسبرطة فائقة الاكتفاء الذاتي التي تحدث عنها نتنياهو؟
لكن هذا السيناريو سيشجع أيضا المزيد من الإسرائيليين التقدميين على مغادرة البلاد، كما حدث في جنوب أفريقيا. ونتيجة لذلك، سيصبح السكان الذين سيبقون في إسرائيل أكثر ميلا إلى اليمين والتطرف، وغير مستعدين للتنازل، وستكون إسرائيل أقل ازدهارا وفاعلية عسكرية واهتماما بالتطبيع، على حد تعبير والت.