هدنة غزة.. نتنياهو يراوغ بأجندة مقترحات متحركة
تاريخ النشر: 26th, August 2025 GMT
بينما أعلنت الأمم المتحدة رسميًا حالة «المجاعة» في قطاع غزة باعتبارها جريمة حرب تستوجب المساءلة الدولية، يواصل رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو الدفع بجيشه نحو اجتياح شامل للقطاع المنهك، مستندًا إلى غطاء أمريكي غير محدود ومتحديًا القانون الدولي.
يتزامن هذا مع تصاعد الجدل الدولي حول مسئولية إسرائيل عن سياسة التجويع الممنهج، واستقالة وزير خارجية هولندا احتجاجًا على عجز بلاده عن فرض عقوبات على تل أبيب، وفي الوقت الذي قبلت فيه المقاومة الفلسطينية بمقترح هدنة رعته القاهرة وقطر وواشنطن، عاد نتنياهو لطرح شروط جديدة تكشف رغبته في إطالة أمد الحرب.
ومع اتساع دائرة الدمار وتزايد أعداد الضحايا، يظهر أن أهداف الحرب لم تتحقق عسكريًا، بينما تتجه إسرائيل إلى ارتكاب مزيد من الانتهاكات في غزة والضفة على السواء، في مشهد تتقاطع فيه الجرائم الميدانية مع المناورات السياسية والدعاية الدعائية.
وأكد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنّ المجاعة المعلنة في غزة هي نتيجة مباشرة للإجراءات التي تفرضها إسرائيل على سكان القطاع، مشيرًا في بيان أممي مشترك صادر عن «الفاو» و«الأونروا» و«منظمة الصحة العالمية» إلى أنّ الإعلان جاء بعد استيفاء سلسلة من المعايير والإجراءات الدولية الصارمة، أما الأمين العام أنطونيو جوتيريش فشدد على أنّ مجاعة غزة «من صنع الإنسان» وتستوجب محاكمة مرتكبيها كجريمة حرب.
وعلى الصعيد الفلسطيني، رأت حركة حماس أنّ هذا الإعلان يفضح جرائم الاحتلال غير الإنسانية ضد الشعب في غزة، مطالبةً بتحرك دولي عاجل لوقف سياسة التجويع وفتح المعابر لإدخال المساعدات، وفي تطور لافت، قدّم وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب استقالته، احتجاجًا على ما اعتبره تقاعس حكومته عن اتخاذ خطوات جادّة لفرض عقوبات على إسرائيل بسبب تجويع الفلسطينيين، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا جراء سياسة التجويع الممنهج.
وبعد أن وافقت حركة حماس على الهدنة التي اقترحتها مصر الأسبوع الماضي، والتي تنص على وقف إطلاق النار لمدة ستين يومًا يتخللها الإفراج عن عشرة محتجزين (يمثلون نحو نصف الأحياء ونصف عدد الجثامين لدى المقاومة)، مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وإدخال المساعدات الإنسانية خلال فترة التهدئة، عاد بنيامين نتنياهو يوم الجمعة ليطالب بجولة مفاوضات جديدة.
وقد اشترط نتنياهو هذه المرة الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين، أحياءً وجثثًا، إلى جانب نزع سلاح حماس ووقف الحرب وفق الشروط التي تحددها إسرائيل وتضمن تحقيق أهدافها المعلنة من العدوان، وأعلن نتنياهو أنه توجه إلى قيادة فرقة غزة للمصادقة على الخطط العسكرية التي عرضها وزير الدفاع والجيش الإسرائيلي، والرامية إلى احتلال المدينة وتحقيق ما وصفه بـ«النصر على حماس».
في المقابل، تجنّب التعليق على المقترح الذي طرحه الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة) والذي وافقت عليه حماس، وهو ذاته المقترح الذي سبق أن قُدم لإسرائيل وأبدت موافقتها عليه قبل عرضه على الحركة، ويبدو أن نتنياهو ماضٍ في الإصرار على ارتكاب المزيد من جرائم الحرب، مستفيدًا من الدعم غير المسبوق الذي توفره له الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، ومن غياب أي خشية حقيقية من عقوبات دولية.
من جانبه، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس حركة حماس قائلاً إنه إذا لم تستجب لشروط تل أبيب فستحوِّل إسرائيل غزة إلى «بيت حانون ورفح أخرى»، في إشارة إلى حجم الدمار الذي لحق بهاتين المدينتين. في المقابل، حذّر رئيس هيئة عمليات جيش الاحتلال السابق من أنّ اجتياح غزة بالكامل سيكون بمثابة سقوط في مستنقع جديد، يجرّ خسائر فادحة في صفوف الجنود الإسرائيليين.
وتأتي هذه التهديدات في وقت يعاني فيه الجيش الإسرائيلي من إنهاك شديد وتراجع في الروح المعنوية، نتيجة عجزه عن تحقيق الأهداف التي أعلن عنها منذ بدء اجتياحه لقطاع غزة قبل أكثر من اثنين وعشرين شهرًا. وفي موازاة ذلك، وسّع جيش الاحتلال من عملياته في الضفة الغربية عبر هدم أحياء وقرى كاملة لتقطيع أوصالها، تمهيدًا لإحلال نحو مليون مستوطن فيها، في خطوة تكشف عن جريمة إضافية يقودها المتطرفون في حكومة نتنياهو، الذي لا يقل تطرفًا عنهم.
اقرأ أيضاًالخارجية الفلسطينية: المجاعة في غزة ليست طبيعية بل هي نتاج سياسة إسرائيلية متعمدة
«هيئة دعم حقوق الفلسطينيين»: إعلان المجاعة في غزة تأخر كثيرًا.. وما يحدث جريمة إبادة جماعية
الأمم المتحدة: المجاعة في غزة فشل للإنسانية نفسها
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: منظمة الصحة العالمية تل أبيب الفاو الأونروا بنيامين نتنياهو المجاعة في غزة رئيس حكومة إسرائيل رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو إعلان المجاعة في غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
رسالة غير مسبوقة من نتنياهو إلى إسرائيل
لم تتحدث إسرائيل عن "الحرب" في غزة منذ أسابيع عديدة. فهناك وقف لإطلاق النار قائم، أليس كذلك؟
حقيقة أن أكثر من 350 فلسطينيا، بينهم أكثر من 130 طفلا، قد قتلوا خلال ما يسمى "وقف إطلاق النار" ليست ذات أهمية، تماما كما أن حقيقة أن إسرائيل هي التي قتلتهم لا تعني شيئا. الفلسطينيون يموتون لأن هذا ما وُجد الفلسطينيون ليفعلوه. لا يوجد ما يستحق النقاش.
لكن طلب العفو الذي قدمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مسألة مختلفة تماما. فهو كل ما يبدو أن الناس في إسرائيل يتحدثون عنه، على كل جانب من جوانب الانقسام السياسي.
أولئك الذين يستشيطون غضبا من نتنياهو يشيرون إلى أن ما قدمه ليس حتى "طلب عفو". فالرئيس الإسرائيلي- حاليا إسحاق هرتسوغ، وهو رئيس سابق للمعارضة ضد نتنياهو- لديه السلطة القانونية للعفو عن "الجناة". لكن الجناة هم أشخاص أدينوا في المحكمة بخرق القانون. أما نتنياهو فما يزال يحاكَم.
لم يمنَح في تاريخ إسرائيل سوى عفو واحد قبل الإدانة (بل قبل المحاكمة فعليا). وقد منح لعناصر من جهاز الشاباك الذين اقتحموا في عام 1984 حافلة اختطفها فلسطينيون، وقاموا بضرب اثنين من المختطِفين حتى الموت.
التحقيق الداخلي فيما عرف لاحقا بقضية "الباص 300″ كان تحقيقا ملفقا رتبته قيادة الشاباك. وبعد عامين، جرى التوصل إلى صفقة غير مسبوقة، لم تقتصر على العفو عن عناصر الشاباك المتهمين، لكن غير المدانين بعمليات قتل خارج القانون، بل سمحت أيضا لقادة الشاباك الذين تلاعبوا بالتحقيق في الحادثة بالاستقالة دون توجيه أي لائحة اتهام ضدهم. وقد استشهد حينها بـ"ظروف أمنية خاصة". ما يفعله نتنياهو اليوم هو أنه يطلب، في الأساس، تطبيق تلك الظروف نفسها.
ومع ذلك، فهو لا يطلب مجرد عفو. إنه يطلب من الرئيس (الذي يشغل منصبا بروتوكوليا إلى حد كبير) إيقاف المحاكمة بدعوى "الوحدة الوطنية" و"التطورات المذهلة" المتوقعة (وفق رؤية نتنياهو) في الشرق الأوسط. وبالنسبة لمؤيديه المخلصين، ما كان ينبغي للمحاكمة أن تبدأ أصلا. لقد دافعوا عن منحه حصانة من الملاحقة القضائية وعن إعلان بطلان المحاكمة؛ بسبب "ضعف" لوائح الاتهام الموجهة إليه.
إعلانالآن، في خضم حرب لا تنتهي (بإشعال وإدارة من نتنياهو)، يزعم مؤيدوه أن وجوده ضروري بدوام كامل على رأس القيادة. وهم يصفون محاكمته بأنها انتقام شخصي من الجهاز القضائي الإسرائيلي، ونتيجة لـ"الإصلاح القانوني والقضائي الحاسم" الذي بدأ نتنياهو بتنفيذه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بوقت طويل.
هؤلاء المؤيدون، سواء في البرلمان أو الإعلام، يعتبرون الضجة المثارة ردا على طلب نتنياهو تجسيدا كاملا لكراهية "الدولة العميقة" الإسرائيلية لنتنياهو ولإسرائيل عموما. وقد جاءت ردودهم على طلب نتنياهو بحماسة تراوحت بين:
موقف وزيرة حماية البيئة، عيديت سيلمان، التي حذرت من أنه إذا لم يوقف هرتسوغ المحاكمة، فسيضطر دونالد ترامب للتدخل "ضد المؤسسة القضائية الإسرائيلية"، وموقف محامي نتنياهو الشخصي، عميت حداد، الذي أصر على أن المحاكمة يجب أن تتوقف كي يتمكن نتنياهو من "مواصلة مهمة شفاء الأمة" وقيادة إسرائيل عبر أزمتها الحالية.
بين المعسكرين، يقف "التوفيقيون" الأبديون، أولئك الذين يقولون في كل منعطف إن الحقيقة لا يمكن إيجادها إلا في المنتصف. هؤلاء، المعروفون في إسرائيل باسم التيار الوسطي سيئ السمعة، يدعون إلى صفقة ادعاء أو أي تسوية كبرى أخرى. معظمهم يريد صفقة سياسية تقضي بخروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل تجنبه الإدانة.
آخرون لا يهتمون كثيرا بطبيعة الحل بقدر ما يهتمون بإطار السردية العامة، فيدعون إلى مقاربة "معتدلة" تمتنع عن اتهام نتنياهو بالفساد، وتركز بدلا من ذلك على مسؤوليته عن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لا سيما السلوك المختل للجيش الإسرائيلي والسلطات الحكومية الأخرى.
في كل الأحوال، السردية المطلوبة هي سردية الوحدة، والوحدة لا تتحقق -في نظرهم- إلا إذا وافق "الجانبان" على أن ينتهيا بأقل من 100% مما أراداه في البداية.
القاسم المشترك بين هذه المقاربات التي تبدو متناقضة هو أنها جميعا مركزة بالكامل على نتنياهو. خذ الوسطية الإسرائيلية مثالا: فقد أصدر نتنياهو رسالة غير مسبوقة، تدعو عمليا إلى تعليق الأعراف المؤسسية والقانون لصالحه. وكانت المبررات في أحسن الأحوال غامضة.
قد يفترض المرء أن دعاة "الاعتدال" سيقابلون طلب نتنياهو بالرفض القاطع. ومع ذلك، ما إن نشر نتنياهو الرسالة، حتى سارع هؤلاء الوسطيون إلى قبولها بوصفها شرعية، وبدؤوا بمحاولة تحديد صيغتهم التوفيقية بالاستناد إليها.
الأمر نفسه ينطبق على الليبراليين. فقد ألقى الأميركيان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر خطابين في أكبر مظاهرة نظمت قبل بدء سريان وقف إطلاق النار، أمام حشد من مئة ألف شخص. كان هؤلاء المحتجون يرون أنفسهم خصوما شرسين لنتنياهو، وقد اختزلوا خلافهم معه في قضية واحدة: فشله (وانعدام رغبته) في إعادة الرهائن. وعندما ذكر كوشنر اسم نتنياهو، أطلق الحشد صيحات استهجان.
ولثلاثة أيام كاملة، وهي مدة أطول بكثير من قدرة الإسرائيليين التقليدية على متابعة حدث مثل إعدام موثق لفلسطينيين، انشغل الإعلام الإسرائيلي بالكامل بسؤال واحد: هل كان إطلاق صيحات الاستهجان مناسبا؟ أم كان غير لائق لأنه رئيس الوزراء؟ هل أثبتت الصيحات أن الاحتجاجات ضده تقوم فقط على كراهية شخصه (وكراهية مؤيديه بالتبعية)؟ هل نتنياهو هو تجسيد الشر الذي ينبغي استقباله بالاستهجان مهما كان البروتوكول؟
إعلانخلال تلك الأيام، كان الفلسطينيون يقتلون بالعشرات ثم بالمئات. وكانت البنية التحتية الإسرائيلية تتداعى، وكذلك الاقتصاد الإسرائيلي. ومع ذلك، كان كل ما أراده الليبراليون الإسرائيليون مناقشته هو نتنياهو، ورد الفعل على نتنياهو، وكيفية التموضع بالنسبة إلى نتنياهو.
بالنسبة لمؤيدي نتنياهو، لا أحد سواه. فهو "رجلهم"، الذي يمثلهم في مواجهة النخب التي تعتقد أن البلاد ملك لها بحكم المكانة. هو وحده، بجرأته ودهائه، من نقل المعركة إلى أعداء إسرائيل وأخضعهم. وهو من كسر النموذج الذي وضع إسرائيل تحت رحمة العالم. إسرائيل اليوم تفعل ما تشاء، وتلك الرغبات -كما يرون- لا يحق لأحد تحديدها سوى إسرائيل نفسها.
إنه شخص فريد، ولا ينبغي لأي قاعدة أو قانون أن ينطبق عليه؛ لأنه يحمل مهمة تاريخية وينقذ الشعب اليهودي. وحتى لو لم يفعل كل ذلك، يقول مؤيدوه العلنيون (مرددين في الواقع ما يفكر به مؤيدوه السريون)، فلماذا ينبغي التصويت لأي شخص آخر؟
لكن في الجوهر، لا يختلف هؤلاء عنه كثيرا. فلم يطرح أي زعيم "معارضة" يهودي رؤية تختلف عن تلك التي حققها نتنياهو بالفعل. فجميعهم يؤيدون حق إسرائيل في تدمير حماس، وفي مهاجمة أي "عدو" آخر متى شاءت إسرائيل. وجميعهم يستبعدون النواب الفلسطينيين في الكنيست من اجتماعات التنسيق، ويتحدثون عن "حكومة صهيونية" ستحل محل نتنياهو.
قد يلومون نتنياهو على تراجع مكانة إسرائيل الدولية، لكنْ لا أحد منهم يعترف بمسؤولية إسرائيل عن تدمير غزة، ناهيك عن الإبادة الجماعية.
أما "زعيما المعارضة" اللذان شغلا منصب رئيس الوزراء، فقد توليا المنصب مجتمعين لما لا يتجاوز 18 شهرا. في حين شغل نتنياهو المنصب لما يقرب من عقدين كاملين. صحيح أنه قد يكون وَقِحا بعض الشيء أو مختلا قليلا، لكنه ما زال -في نظر مؤيديه- الأدرى بإدارة الأمور من أي وريث محتمل يقدم نفسه على الساحة.
الخلاصة بسيطة: نتنياهو ليس فقط أكثر الساسة فاعلية في إسرائيل، بل هو السياسي الوحيد فيها. وإذا دُعي إلى انتخابات خلال الأشهر المقبلة ولم يكن قد أدين بعد، فيمكن توقع أن يخرج زعيما لأكبر حزب، وأن يعود رئيسا للوزراء. في الأصل، كانت عبارة "لا مثلَه" تقال عن الله. أما لدى الإسرائيليين، بكل أطيافهم السياسية، فلا أحد لديهم سوى نتنياهو.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline