الجزيرة:
2025-11-22@11:54:31 GMT

تمثال الأسد المجنح في البندقية.. صُنع في الصين؟

تاريخ النشر: 4th, September 2025 GMT

تمثال الأسد المجنح في البندقية.. صُنع في الصين؟

شامخا على قمة عمود من الجرانيت، يطل تمثال أسد القديس ماركوس المجنح على بحيرة البندقية، حارسا برونزيا لأسرار المدينة العائمة ورمزا لقوتها البحرية والتجارية التي امتدت عبر العصور.

يستقطب هذا المعلم الأيقوني ملايين الزوار سنويا، الذين يتأملون في تفاصيله المهيبة دون أن يدركوا أن أصله يكتنفه لغز عميق. لكن دراسة حديثة نشرتها مجلة "أنتيكويتي" العريقة، أعدها فريق من الباحثين الإيطاليين، قدمت فرضية ثورية قد تعيد كتابة تاريخ هذا الرمز الإيطالي الأبرز: هل يمكن أن يكون أسد البندقية في حقيقته أثرا صينيا سافر عبر طريق الحرير؟

لغز محفور في البرونز

لطالما حير أصل التمثال المؤرخين وخبراء الفن، فأسلوبه الفني لا يتوافق مع التقاليد المحلية التي كانت سائدة في فترة ظهوره.

والأوضح من ذلك، أن التمثال كانت له حياة سابقة قبل أن يستقر في ساحة القديس ماركوس؛ فقد كشفت الترميمات عن تعديلات جوهرية أجريت عليه، إذ كانت أجنحته الأولى مختلفة، وأذناه أقصر، بل كان يحمل قرنين على رأسه أزيلا لاحقا.

يقول ماسيمو فيدال من جامعة بادوفا، وهو أحد المشاركين في إعداد الدراسة: "لا نعرف متى وصل إلى البندقية، أو أين أعيد تشكيله، أو من صنعه، أو متى نصب على العمود حيث لا يزال مرئيا حتى اليوم". الغموض يمتد إلى السجلات التاريخية، فلم يذكر التمثال إلا في وثيقة واحدة مؤرخة في 14 مايو/أيار 1293، تشير إلى أنه كان قد تضرر ويحتاج إلى إصلاح، أما عمود الغرانيت الذي يقف عليه، فيقال إنه وصل إلى البندقية قبيل عام 1261.

تطرح هذه التحليلات الجديدة تساؤلا أعمق حول هوية الأسد المجنح، فما اعتاد البندقيون على رؤيته رمزا لحماية قديسهم وقوتهم السياسية، ربما كان في أصله تميمة حراسة صينية، أعيد تفسيرها وتوطينها لتصبح رمزا عابرا للثقافات.

ساحة بلازا سان ماركو في مدينة البندقية ووسطها تمثال الأسد المجنح القديم المصنوع من البرونز (شترستوك) بصمة جيوكيميائية من نهر اليانغتسي

لكشف هذا اللغز، لجأ العلماء إلى تقنية متطورة: تحليل نظائر الرصاص في سبيكة البرونز. تستخدم هذه النظائر في علم الآثار كـ"بصمة جيوكيميائية" أو متتبعات تسمح بربط المعادن برواسب خامها الأصلية، مهما كانت المسافة بعيدة. كانت الفرضيات السابقة تتأرجح بين أن يكون التمثال من صنع مسبك محلي في القرن الـ12، أو أن أصوله تعود إلى الأناضول أو شمال سوريا خلال العصر الهلنستي.

إعلان

لكن النتيجة التي كشفها التحليل كانت مفاجئة وصادمة: لقد تبين أن خام النحاس المستخدم في صناعة التمثال استخرج من منطقة تقع على طول نهر اليانغتسي السفلي في الصين. هذه الحقيقة العلمية نقلت أصل التمثال آلاف الكيلومترات شرقا، وفتحت الباب أمام فرضية لم تكن تخطر على بال أحد.

من حارس قبر صيني إلى رمز بندقي

بحسب معدي الدراسة، قد يكون التمثال في الواقع إعادة تجميع لمخلوق أسطوري صيني يعرف بـ "زنموشو" (zhenmushou) ، أي "حارس القبر"، يعود تاريخه إلى عهد سلالة تانغ (618-907 م). وتشرح الدراسة أن هذه المخلوقات تتميز بـ"خطم أسد" و"عرف ملتهب" و"قرون وأجنحة منتصبة متصلة بالكتفين"، و"آذان مدببة مرتفعة".

رغم أن معظم تماثيل "زنموشو" المحفوظة حتى اليوم مصنوعة من مواد أخرى، فإنها تتشابه بشكل مذهل في أسلوبها مع أسد البندقية، لا سيما في تفاصيل مثل الخطم المنتفخ، والوضع الجانبي للأذنين، والتجعد البارز في الجبهة.

ما نراه في الأسد اليوم هو على الأرجح نتاج عملية "ترجمة فنية" دقيقة، بدأت بتفكيك تمثال الحراسة الصيني، ثم إعادة تركيبه في البندقية بأجنحة جديدة، ومن دون قرون، وبأذنين أقصر، ليتحول من تميمة حراسة صينية إلى رمز للقديس ماركوس يتوافق مع الأيقونة المحلية.

تمثال ماركو بولو في ميدان كوبلاي في منغوليا الداخلية الصين (شترستوك)رحلة الأسد في أمتعة عائلة بولو

لكن كيف وصل هذا المخلوق الأسطوري الصيني إلى قلب البندقية؟ تطرح الدراسة فرضية "جريئة" ومقنعة: ربما وصل في أمتعة نيكولو ومافيو بولو، والد وعم الرحالة الشهير ماركو بولو.

قرابة عام 1265، كان هذان التاجران المغامران يترددان على بلاط الإمبراطور المغولي قوبلاي خان في عاصمته خانباليك (بكين حاليا). من المحتمل أنهما عثرا هناك على منحوتة مفككة من عصر تانغ، وخطرت ببالهما فكرة إرسالها إلى البندقية لتحويلها إلى رمز يليق بجمهوريتهم الصاعدة.

وبهذا، لا يعود الأخوان بولو مجرد تاجرين عابرين، بل وسيطين فاعلين وحاملين للحضارة المادية، لعبا دورا محوريا في نقل قطعة فنية فريدة من أقصى الشرق إلى قلب أوروبا.

ويسلط هذا الاكتشاف الجديد الضوء على مكانة البندقية في العصور الوسطى كمركز عالمي لتلاقي الحضارات. فقد كانت المدينة متصلة بـ"طريق الحرير البحري"، وأساطير رحالتها مثل ماركو بولو تنير كيف أن كنوز الشرق -من الحرير إلى التحف البرونزية- لم تظل بعيدة عن أوروبا، مقدما نموذجا فريدا لكيفية سفر الرموز وتحولها عبر التاريخ.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

بين الأمل والخداع.. كيف يتلاعب المحتالون بمشاعر ذوي المفقودين في سوريا؟

دوما، ريف دمشق – جلست تضرب كفا بكف حسرة على ما أنفقت من أموال طائلة ذهبت أدراج الرياح في سبيل معرفة أخبار عن فلذة كبدها، الذي اختفت آثاره في عام 2012 بعد اعتقاله من نقطة تفتيش في ريف دمشق.

لكنها اكتشفت أخيرا أن ما تعلقت به كان مجرد سراب، وأنها وقعت ضحية عصابات احتيال تقدر منظمات حقوقية أنها سطت على نحو مليار دولار أميركي من أموال ذوي المفقودين والمختطفين قسرا بسوريا، في عمليات خداع مستمرة حتى بعد سقوط النظام، كما يقول حقوقيون.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2منظمة حقوقية تكشف معاناة الأطفال بسوريا وتدعو لإطار قانوني يحميهمlist 2 of 2هكذا يعاقب الاحتلال بلدة بيت أُمّر شمالي الخليلend of list

لا تريد سلمى العقبة -اسم وهمي- الكشف عن هويتها، وترفض إبداء الأسباب، وتقول إنها تحتسب تلك الأموال -7 ملايين ليرة سورية- عند الله، وتكل إليه مصير ابنها المفقود.

قصة من قصص أخرى كثيرة تحدثت عن أن نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد ضالع أيضا في تلك العمليات، وأنه كان يدعم مؤسساته الأمنية من جيوب ذوي المعتقلين.

فهذه لمياء العبد الله كادت تسقط في الفخ لولا أنها كانت أكثر حذرا، فقد "طلعت صاحية" كما تقول، بعد أن اكتشفت تلعثما في كلام المحتال الذي تظاهر بأنه ضابط، حين دققت معه في صفات ابنها المفقود، فما كان منه إلا أن "هرب".

وكان اللقاء مع سلمى ولمياء على هامش اجتماع دعت له الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا حذرت فيه من الخضوع لعمليات الاحتيال تلك، أو مشاركة أي بيانات شخصية أو معلومات مع أي جهة خارج إطار الهيئة الوطنية للمفقودين.

لمياء العبد الله لا تزال بانتظار معرفة مصير ابنها المفقود بعد اعتقاله في سجون الأسد (الجزيرة)تحذيرات من آثار خطيرة

ويؤكد الرئيس المؤسس المشارك لـ"رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" رياض أولار، استمرار الظاهرة حتى اليوم، ويحذر من "آثارها الكارثية الخطيرة على السلم الاجتماعي" في سوريا.

ويقول في حديث لمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان بشبكة الجزيرة، إن تلك العصابات التي "تتلاعب بمشاعر الأهالي" تنقل أحيانا لأهالي المفقودين أنباء كاذبة بمعرفة مصير أبنائهم، وأنهم إما نقلوا قُبيل أو إبان سقوط النظام إلى الساحل السوري أو إلى العراق أو إيران أو إلى مناطق سيطرة حزب الله في لبنان، وهو ما يؤدي إلى تعلق ذوي المفقود بأمل زائف ويحدو بهم إلى الدفع في غير طائل.

إعلان

وبشأن مخاطرها على تماسك الأسر، يقول أولار إن الأمهات غالبا ما يكافحن للدفع في مقابل معارضة باقي الأسرة أو أحد أفرادها، وقد يرفض الدفع والخضوع للابتزاز أحد القادرين من العائلة -كشقيق المفقود مثلا- فيتهم من الباقين بالبخل وهو ما يؤدي لسريان الشحناء والبغضاء داخل الأسر، وفق تعبيره.

وعلى هامش اللقاء الذي أقامته "الهيئة الوطنية للمفقودين" مع الأهالي في دوما بريف دمشق، أكد أحد المنظمين استمرار ظاهرة الابتزاز تلك.

وقال، متجنبا ذكر اسمه وصفته لكونه غير مخول له بالحديث لوسائل الإعلام، "الدولة السورية تتعامل مع ذلك بكل حزم، وهذه الأمور تأخذ مجراها القانوني وشرحنا لأهالي المفقودين أهمية الحذر من هذه المنصات والجهات التي تتداول بعض هذه الأخبار".

أولار حذر من الآثار الكارثية الخطيرة لعمليات الاحتيال على أهالي المفقودين (الجزيرة)خسارة ملايين الدولارات

وخلال سنوات حكم النظام الساقط، كان الأمر منصبا على قدرة المبتز على إخلاء سبيل المعتقل، أو نقله إلى سجن مدني، أو تأمين زيارة له في مكان احتجازه، أو إعادة محاكمته، وقد يتم ترتيب مكالمة وهمية معه بخطوط اتصال رديئة تمنعهم من تبين الحقيقة فيكتشفون لاحقا، بعد أن دفعوا كل ما بحوزتهم، أن العملية كانت مجرد خداع.

واستخدم نظام الأسد المعتقلين والمخفيين قسرا "وسيلة لجني ومراكمة الثروات وزيادة نفوذ الأجهزة الأمنية وقادتها والنافذين في حكومته وبعض القضاة والمحامين"، حسب رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا.

وتقدر الرابطة حجم الأموال التي جنتها شبكات الاحتيال تلك، ومن ضمنها رجال أمن وضباط في الجيش وبعض القضاة والمحامين، بأكثر من 900 مليون دولار أميركي خسرتها العائلات منذ العام 2011 وحتى نهاية العام 2020.

وفي أغسطس/آب الماضي، أعلن رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا أن عدد الأشخاص الذين فقدوا خلال عقود من حكم عائلة الأسد وخلال سنوات الثورة السورية قد يتجاوز 300 ألف شخص.

مقالات مشابهة

  • تمثال جديد للأميرة ديانا في متحف الشمع بباريس يحيي ذكراها
  • بين الأمل والخداع.. كيف يتلاعب المحتالون بمشاعر ذوي المفقودين في سوريا؟
  • برج الأسد حظك اليوم السبت 22 نوفمبر 2025..ابتسم واغمره حبًا
  • أجهزة الأمن بمنفذ الوديعة تفشل عملية تهريب للمخدرات كانت في طريقها للسعودية
  • علامة فارقة.. اكتشاف 225 تمثالًا من الأوشابتي بمنطقة صان الحجر الأثرية
  • الكشف عن 225 تمثالًا من الأوشابتي الخاصة بالملك شوشنق الثالث بمنطقة صان الحجر الأثرية
  • برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025
  • ماذا يعني تصنيف ولاية تكساس الإخوان كمنظمة إرهابية؟.. ماركو مسعد يجيب
  • ألمانيا تحاكم 5 متهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا
  • برج الأسد .. حظك اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025: جهز لمفاجأة صغيرة