نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مقالا لمحمد المصري، الأستاذ المشارك في الإعلام والدراسات الثقافية في معهد الدوحة للدراسات العليا، حول العدوان الإسرائيلي على قطر.

وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
لو كان هناك أي دولة يُفترض أن تشعر بالأمان من هجوم إسرائيلي، يجب أن تكون قطر. هي دولة صغيرة لا تشكل تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل.

وهي حليفة للولايات المتحدة وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.

وفي أيار/ مايو الماضي، تعهّدت قطر باستثمار مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأمريكي.
رسّخت قطر أيضًا سمعتها كوسيط للسلام، إذ لعبت دورًا في التوسط في عدد من النزاعات. وفي الشهر الماضي، زار مدير جهاز الموساد الإسرائيلي الدوحة بدعوة من الحكومة القطرية، وذلك في إطار مفاوضات مستمرة لوقف إطلاق النار في غزة.

لكن هذا التوصيف قد يكون سطحيا إلى حد كبير. الواقع هو أن قطر لم يكن ينبغي لها أن تشعر بالأمان، ولا يجدر أن تشعر به أي دولة أخرى في المنطقة.

لا تخضع إسرائيل للقواعد التي تحكم العلاقات بين الدول، فهي تتجاهل القانون الدولي وتدّعي حقّا إلهيًا للتوسع، وترى في كل من يعترض طريقها عقبة يجب إزالتها.

العدوانية الإسرائيلية
إسرائيل ليست مجرد دولة مارقة تتجاهل سيادة القانون، بل هي دولة ترفض علنًا جميع الأعراف والمواثيق، ويُروّج قادتها منذ زمن طويل لرؤية “إسرائيل الكبرى” التي تمتد من نهر الفرات في العراق إلى نهر النيل في مصر.

هذه ليست مؤامرة خفية، ولا يتطلب فهمها شهادات أكاديمية متخصصة في دراسات الشرق الأوسط. يكفي متابعة السياسة الإسرائيلية بشكل عابر لتدرك هذا الأمر. في أغسطس/ آب، جدّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التزامه بهذا المشروع عبر التلفزيون الإسرائيلي.

على مدى عقود، قامت إسرائيل باحتلال عدة أراضٍ عربية بشكل غير قانوني، وانتهجت سياسة إقصائية ضد الشعب الفلسطيني. ولم تكن هناك دولة شملتها قرارات الأمم المتحدة أكثر من إسرائيل.

على مدى العامين الماضيين، دمّرت إسرائيل قطاع غزة. قُتل أكثر من 64,000 فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال. وسُجّل مقتل عدد غير مسبوق من الصحفيين والعاملين في مجال الإغاثة، وكانت الأرقام قياسية على مستوى العالم. بدأت بعض منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية مؤخرًا بالاعتراف بما هو واضح: أن ما تقوم به إسرائيل في غزة يُشكّل إبادة جماعية.

في غزة، استخدمت إسرائيل ما يُعرف بـ”عقيدة الضاحية“، التي تقوم على إنزال أقصى العقوبات بالمدنيين والمناطق المدنية. فهي لا تسعى لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين، بل تتعمد استهدافهم.

وفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية، نفذت قوات الاحتلال عملياتها وفق قاعدة النسبة 100:1، مانحة نفسها الحق بقتل أكثر من مئة مدني لاستهداف قائد واحد في صفوف العدو. ويُعرف أحد البرامج باسم “أين أبي؟“، وهو لا يوجّه الضربات إلى المقاتلين في ساحات القتال، بل إلى منازلهم في ساعات متأخرة من الليل، ما يؤدي إلى قتلهم مع عائلاتهم أثناء النوم.

يتكرر النمط ذاته في الضفة الغربية. منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، صادرت إسرائيل أراضٍ ونفّذت عمليات قتل على نطاق غير مسبوق. قُتل أكثر من ألف فلسطيني، وهُدمت أكثر من 1,100 منشأة خلال هذا العام وحده. تمضي إسرائيل نحو ضم الضفة رسميا بدعم كامل من إدارة ترامب.

توسيع نطاق الحرب
خارج فلسطين، وسّعت إسرائيل عملياتها لتشمل لبنان وسوريا واليمن وإيران. في لبنان، فجّرت أجهزة النداء المحمولة في أحياء مكتظة بالسكان أثناء خروج الطلاب من المدارس. وقد وصف المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ليون بانيتا، هذا الهجوم الذي صُمم لإيقاع أكبر قدر من الضرر بين المدنيين، بأنه “إرهاب“.

والآن في قطر، تجاوزت إسرائيل خطا أحمر جديدًا. أسفر الهجوم على الدوحة عن مقتل أفراد من عائلات مسؤولين في حركة حماس وضابط قطري، بينما أكدت الحركة نجاة قادتها الكبار من عملية الاغتيال.
قد نددت قطر بالهجوم ووصفته بأنه “اعتداء إجرامي جبان”، معتبرةً إياه انتهاكًا صارخًا لسيادتها، فيما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والبابا ليو من تصعيد خطير.

هناك دروس عديدة يمكن استخلاصها من الهجوم الذي وقع يوم الثلاثاء على قطر. أولها أن السلبية العربية لا تجدي نفعًا في مواجهة دولة خارجة عن السيطرة مثل إسرائيل.

ما ينبغي أن يكون واضحًا هو أن الضربة الإسرائيلية على الدوحة كانت نتيجة عامين من الضعف العربي والإسلامي أمام العدوان الإسرائيلي المتهور وغير المسبوق.

لم تفعل هذه الحكومات شيئًا يُذكر ردًا على جرائم إسرائيل في غزة والضفة الغربية وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط. على مدى عقود، أدركت إسرائيل أنها تستطيع أن تفعل ما تشاء، في الوقت الذي تريد، وبالطريقة التي تراها مناسبة، دون أن تسمع أدنى اعتراض من القادة العرب.

في الواقع، تواصل بعض الدول العربية الأكثر نفوذًا تعميق علاقاتها التجارية مع إسرائيل. قبل ثلاثة أسابيع فقط، وقّعت مصر – أكبر دولة عربية وصاحبة أقوى جيش في المنطقة – اتفاقًا ضخمًا لتوريد الغاز من إسرائيل، يقضي بدفع 35 مليار دولار خلال السنوات الـ15 المقبلة.

ويثير الهجوم أيضًا تساؤلات حول علاقة قطر بالولايات المتحدة. فما جدوى وجود قاعدة قيادة مركزية ضخمة إذا كانت عاجزة عن منع دولة حليفة للولايات المتحدة من شنّ ضربة على الدولة التي تستضيف القاعدة؟

وتبرز تساؤلات أخرى بشأن الولايات المتحدة نفسها. بحسب بعض التقارير، فإن إدارة ترامب “باركت” الهجوم. والسؤال المطروح الآن: إلى أي مدى ينبغي على الدول العربية أن تبدأ فعليًا في النظر إلى خيارات غير واشنطن، ربما روسيا أو الصين أو جهات أخرى.

من المؤكد أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة، سواء بصيغتها الديمقراطية أو الجمهورية. قدّمت إدارة بايدن دعمًا دبلوماسيًا وعسكريًا كاملًا لإسرائيل على مدى 15 شهرًا من الإبادة الجماعية في غزة، دون أن تضغط عليها لإنهاء الحرب. أما فريق ترامب، فإنه يضم صهاينة أكثر التزامًا بمشروع “إسرائيل الكبرى” من كثير من الإسرائيليين أنفسهم.

لحظة حاسمة
تواجه المنطقة العربية اليوم أسئلة صعبة. هل سيكون هناك رد جماعي من الدول التي بدأت تدرك أنها تقع مباشرة في مسار مشروع “إسرائيل الكبرى”؟ وهل يمكن أن تفكر الدول العربية في قطع علاقاتها مع إسرائيل واستخدام نفوذها لدى واشنطن للضغط من أجل تغيير هذا المسار؟

هل يمكن أن تُشكّل الدول العربية تحالفًا قادرًا على تحدي إسرائيل عسكريًا؟ أم أنها ستواصل الرد بنفس السلبية التي طالما ميّزت مقارباتها في التعامل مع إسرائيل؟

قد ترحب بعض الدول  بالضربة، علنًا أو سرًا، متخيّلةً أنها تمنحها قدرًا من الأمان. قد تعتقد الإمارات، التي كثيرًا ما توصف بأنها “ضاحية إسرائيلية“، أنها في مأمن، وهو وهم بالغ الخطورة.

يُظهر هجوم الثلاثاء أن التحالفات السابقة والدبلوماسية والحماية الأمريكية، كلها ليست قادرة على أن تحمي دولة عربية من العنف الإسرائيلي. وإذا لم يكن هناك موقف ضد إسرائيل، فعلى عواصم المنطقة أن تدرك أنها هدف محتمل.

في الوقت الراهن، الأسئلة المطروحة أكثر من الإجابات، لكن الحقيقة الواضحة هي: إسرائيل لن تتوقف حتى يكون هناك من يجبرها على ذلك.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الدوحة قطر قطر الدوحة الهجوم الاسرائيلي صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول العربیة على مدى أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

بعد عامين على طوفان الأقصى…غزة التي غيرت العالم

لم يدر في خلد المتابعين أن ما يشاهدوه من اقتحام عناصر كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمقاومة في قطاع غزة صبيحة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 سيفتح صفحة جديدة ليس في فلسطين ولا المنطقة العربية بل يمتد ليشمل العالم.

وكما قال الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس الشهيد يحيى السنوار فإن الحركة ستضع العالم في مواجهة إسرائيل للحصول على حقوقنا.

فلأول مرة منذ احتلال فلسطين في العام 1948، اتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، وبات سياسيوها وجنودها مطاردين بسبب ذلك، ليس فقط من قبل الفلسطينيين ومنظمات حقوقية، بل من شخصيات رسمية وهيئات دولية، هذا التغير ضرب السردية الإسرائيلية في الصميم، إذ لم يعد ممكنا تبرير الدمار تحت شعار "الدفاع المشروع عن النفس".

غزة والقضة الفلسطينية

قبل السابع من أكتوبر كانت القضية الفلسطينية قد بدأت بالتواري وانطفاء وهجها خاصة مع استباحة موجة التطبيع في المنطقة العربية وكثرت الحديث عن المنافع الاقتصادية التي ستشهدها المنطقة بعد السلام مع إسرائيل وليس أدل على ذلك من حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلب بتهمة ارتكاب جرائم حرب للمحكمة الجنائية الدولية،  أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل شهر من طوفان الأقصى وما قاله عن أن ليس من حق الفلسطينيين وضع فيتو على أي سلام يقام مع الدول العربية وعرض خريطة، وهو المفتون في استعراض الخرائط، لما سيبدو عليه شكل المنطقة والتعاون الاقتصادي والممرات الاقتصادية التي بشر بها مستمعيه.

وهو ما عبر عنه الكاتب اليساري الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة هآرتس "أصبحت غزة هيروشيما، لكن روحها لا تزال حية، كانت القضية الفلسطينية قد اختفت تمامًا من الأجندة الدولية …لأصبح الفلسطينيون هم الهنود الحمر في هذه المنطقة، ثم جاءت الحرب ووضعتهم على رأس الأجندة العالمية، العالم يحبهم ويشعر بالأسف لأجلهم".

إعلان

وجاءت موجة الاعترافات بالجدولة الفلسطينية لتظهر أثر الطوفان في وضع القضية الفلسطينية على قمة اعمال العالم ففي مايو/أيار 2024 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 143 صوتا قرارا يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وأوصى مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب.

كما أعلنت النرويج وأيرلندا وإسبانيا اعترافها بالدولة الفلسطينية، وتبعتها سلوفينيا في الشهر التالي، فارتفع عدد الدول المعترفة بها إلى 148 من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة.

وفي الشهر الماضي أعلنت بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، ليصل عدد الدولة التي اعترفت بالدولة الفلسطينية إلى 159 دولة وفقا لوزارة الخارجية الفلسطينية.

البدائية التي هزمت التكنولوجيا

"الهزيمة التي مُنيت بها إسرائيل في 7 أكتوبر هي الأشدّ قسوة وإيلاما وإهانة في تاريخها، حتى في أسوأ كوابيسنا لم نتخيل أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث لنا"، هكذا عبر الكاتب الصحفي بن كسبيت بما حدث لإسرائيل قبل عامين في معاريف.

لم يأت اعتراف بس كاسبيت الذي يشاركه فيه العديد من الإسرائيليين من فراغ فطوفان الأقصى كشف الإخفاقات، والتصوّرات الوهمية، والغطرسة التي قادت إلى كارثة 7 أكتوبر، وفقا لرئيس الأركان السابق أفيف كوخافي.

وبحسب كوخافي ان "الهدوء النسبي في الجنوب" كان خادعا، فـحماس لم تتوقف، بل بنت قوتها، وتحصّنت، وأصبحت تهديدًا لم يتخيله أحد.

ويصف ما جرى في ذلك اليوم العميد (احتياط) شموئيل زخاي، القائد السابق لفرقة غزة، بقوله "العدوّ الأكبر للتكنولوجيا هو البدائية، قنبلة يدوية أو طائرة مسيّرة من علي إكسبريس دمّرت منظومة كلها"، مشيفا "التقنيات الفاخرة انهارت أمام وسائل بسيطة ورخيصة".

لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد بدء جيش الاحتلال عدوانه على القطاع معتقدا أن القضاء على قوى المقاومة لن تستغرق وقتا طويلا لتفاجئ ومع داعميه العلني ووفي الخفاء أنه وبعد عامين من القتال لا زالت المقاومة صامدة وتقف على قدميها وتكبد الاحتلال مزيدا من الخسائر في الأرواح والعتاد.

جيش الاحتلال صرح من خيال

استمرار الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل أدت إلى سقوط أسطورة الجيش كقوة قادرة على اجتراح المعجزات، وبات يعاني من نقص المقاتلين والمعدات. وبالمثل تهاونت مزاعم "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم".

ووفقا لأحدث إحصاءات جيش الاحتلال فقد قتل 1152 ضابطا وجنديا منذ 7 أكتوبر 2023 أكثر من 40% منهم تحت 21 عاما. ومنذ شهرين فقط، اعترف قسم إعادة التأهيل لدى وزارة جيش الاحتلال بمعالجة "نحو 80 ألف جنديا من الجيش، منهم 26 ألفا يعانون اضطرابات نفسية".

فيما يرفض ما بين 30% و40% من جنود الاحتياط عن الخدمة لأسباب بينها الإرهاق من طول الحرب، حسب إعلام إسرائيلي.

أدى نقص عدد جنود الاحتلال إلى دفع الجيش إلى اللجوء لتجنيد النساء واليهود من خارج البلاد لسد هذا النقص.

ووفقا لموقع "والا" فقد عمد الجيش إلى تجنيد 5000 امرأة لمهام قتالية خلال العام الماضي، والسعي لتجنيد أشخاص من يهود الخارج بمعدل 700 شخص سنويا.  حيث أظهرت التقديرات جيش الاحتلال وجود "نقص خطير" في القوات يتجاوز 12 ألف جندي.

إعلان

كما بات يشكو من نقص يقدر بـ300 ضابط في مناصب قادة فصائل القوات البرية، كما يواجه جيش الاحتلال صعوبة بإقناع جنوده ممن وصفتهم بذوي الكفاءة بالالتحاق بدورة الضباط.

كما خلقت الحرب أزمة ثقة "خطرة" بين المستوى السياسي والعسكري ولا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة كما يرى مسؤول شعبة الدراسات العملياتية في جيش الاحتلال غاي خازوت.

توترات مجتمعية وتدهور اقتصادي

ولا يعتقد أن هوة الخلاف بين الجانبين ستتقلص مع انتهاء الحرب، ومحاولة جيش الاحتلال ترميم قدراته، إذ يعتقد العديد من المراقبين أن هذا الخلافات ستتفاقم وتزيد حدتها في قادم الأيام.

شكل ملف تجنيد اليهود المتدين (الحريديم) أزمة على المستويات العسكرية والسياسية والمجتمعية، وهو ما ينذر ببواد خلافات ستظهر بعد توقف العدوان خاصة على المستوى الاجتماعي.

فمع استمرار الحرب على غزة، تحوَّلت إسرائيل إلى مسرح لفوضى سياسية وأمنية غير مسبوقة، ويرى خبير الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد في حديث للجزيرة، أن نتنياهو سعى للسيطرة على الجيش عبر تعيين مقربين من التيار القومي والديني وإقصاء آخرين، ضمن خطة لتغيير هوية المؤسسة العسكرية بما يوافق أجندة اليمين.

وأشار أبو عواد إلى أن نحو 40% من ضباط الجيش ينتمون للتيار الديني القومي، رغم أن نسبتهم في المجتمع الإسرائيلي لا تتجاوز 12%، لكن القيادة العليا ما زالت تميل إلى التيار الصهيوني الليبرالي التقليدي.

ووصل الانقسام الاجتماعي إلى مستويات دفعت الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتزوغ للتحذير من مخاطر الحرب الأهلية.

لم يكن الاقتصاد ببعيد عند ارتدادات طوفان الأقصى إذ زاد الإنفاق العسكري الإسرائيلي 65% في عام 2024 إلى 46.5 مليار دولار، بفعل الحرب على غزة وتداعياتها، لتكون هذه الكلفة الحربية هي الأكبر في تاريخ إسرائيل.

الأمر الذي أدى لوقوع الاقتصاد الإسرائيلي تحت ضغوط كبرى أدت لخفض الانفاق على العديد من المجالات التي كانت تغيري بالهجرة والإقامة في إسرائيل حيث دولة الرفاه التي تعتني بمواطنيها.

ووفقا للتقارير الاقتصادية يعتقد أن يتجاوز الدين العام لإسرائيل 70% من الناتج الإجمالي لعام 2025، كما توقع أن يصل عجز الموازنة الحكومية إلى نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا طوال ما تبقى من هذا العقد.

التردي الاقتصادي تبعه خروج رؤوس الأموال من إسرائيل إذ أشارت معطيات نقلها الإعلام الإسرائيلي إلى أن ما لا يقل عن 1700 مليونير غادروا إسرائيل العام الماضي.

ونقلت ذلك صحيفة يديعوت أحرونوت عن شركة هينلي آند بارتنرز الرائدة عالميا في مجال الهجرة، بالتعاون مع شركة استخبارات البيانات العالمية نيو وورلد ويلث؛ أنه عام 2024، كان هناك 22 ألفا و600 مليونيرا يعيشون في تل أبيب وهرتسليا مقارنة بـ24 ألفا و300 في 2023.

ولفتت الشركة إلى أن هذا يعني أن ما لا يقل عن 1700 مليونير غادروا إسرائيل خلال العام الماضي.

من سيدني إلى لندن

لقد طردتهم لأنهم قتلة أطفال. جيش الجريمة الإسرائيلي ليس جيش الدفاع إنما جيش الجريمة".. هذه الكلمات لخصت صاحبة صالون للحلاقة في العاصمة الأسترالية سيدني سبب طردها لزبون تبين لها أنه إسرائيلي.

موقف تلك السيدة لم يكن منفردا في البلد القارة حيث استمرت المظاهرات تخرج أسبوعيا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 منددة بالعدوان على غزة وصمت العالم إزاء العدوان.

وفي أغسطس/ آب الماضي شهدت سيدني أكبر مظاهرة دعما لغزة حيث شارك بها نحو 90 ألف شخص وعبرت أشهر جسور العاصمة حيث تسببت بغصب إسرائيلي عارم.

في اليابان كوريا الجنوبية وتايلند والهند وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا والفليبين وماليزيا شهدت العديد من مدن تلك الدول مظاهرات منددة بالاحتلال وداعمة لغزة، وتعرض فيها دبلوماسيون وسياح إسرائيليون من الطرد من مطاعم وتجمعات بسبب دعمهم للإبادة وخدمتهم في جيش الاحتلال.

إعلان

لئن كانت اصداء الطوفان وما أحدثه من تغير قد تردد في شوارع آسيا وحرك شعوبا لم تكن على تماس مباشر مع القضية الفلسطينية، فإن صدى الطوفان كان أوقع وأكبر وأقسى في شوارع المدن الأوروبية، حيث بات شعاري "فلسطين حرة من البحر إلى النهر" و"الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي" مصاحبا لكافة المظاهرات التي تخرج دعما لغزة.

مراسل صحيفة معاريف الإسرائيلية آفي أشكنازي يصف ما هو واقع "نجحت الحركة (حماس) إلى حد كبير في عدة خطوات اتخذتها. على سبيل المثال، لا يوجد اليوم شارع في أوروبا لا يُرفرف فيه علم فلسطين على واجهة متجر أو يظهر شعار "الحرية لفلسطين"، في كل ساحة في إيطاليا، إسبانيا، إنجلترا، ألمانيا، واليونان، شوهدت مظاهرات لمؤيدي الحركة. هنا، قدّمت الحركة درسًا حقيقيًا للدبلوماسية الإسرائيلية الغائبة".

وقد وثق المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام (إيبال) أكثر من 45 ألف مظاهرة وفعالية في نحو 800 مدينة في 25 دولة أوروبية، وذلك خلال عامين من الإبادة الجماعية التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقال رئيس المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام رائد صلاحات في حديث للجزيرة نت، أن الجمهور الأوروبي يمثل النسبة الأكبر من المشاركين في هذه الفعاليات، ثم الجاليات العربية والإسلامية. وحسب صلاحات فإن ذلك كان له عظيم الأثر في التأثير على السياسيين الأوروبيين لاتخاذ القرارات التي تُوّجت أخيرا باعتراف عدد من الحكومات الأوروبية بالدولة الفلسطينية.

وتعد مظاهرة هولندا التي جرب في الخامس من الشهر الجاري، وشارك فيها ربع مليون شخص، الأكثر أثرا في إدراك التغيير الواقع في أوروبا، فقد اعتبر الباحث في لمجموعة الأزمات الدولية معين رباني الذي ولد وعاش في هولندا أنها كانت بلا شك أكثر دولة أوروبية مؤيدة لإسرائيل. مؤيدة لإسرائيل لدرجة أن الفلسطينيين الزائرين سيقولون إن التفاهم مع الإسرائيليين أسهل من الهولنديين بشأن الشرق الأوسط.

مشيرا إلى أن إسرائيل خسرت الشعب الهولندي خسارة لا رجعة فيها، وستجد الحكومات الهولندية المستقبلية صعوبةً متزايدة في التمسك بموقفها نيابةً عن نظام الفصل العنصري الإبادي، "فنحن نعيش في عالمٍ مختلف، وسيصبح عالمًا أفضل".

لم يكتف الحراك الأوروبي بالمظاهرات والإضرابات، بل تطور لشمل البحر إذ انطلقت عدة رحلات بحرية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ العام 2018 وكان آخرها أسطول الصمود.

في يوليو/تموز 2025، تشكل الأسطول من 4 كيانات رئيسية هي الحركة العالمية نحو غزة وتحالف أسطول الحرية وأسطول الصمود المغاربي ومبادرة "صمود نوسانتارا" الشرق آسيوية، بهدف كسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني المفروض على قطاع غزة.

ورغم تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من نجاحهم في أيقاف الأسطول في المياه الدولية إلا أنه زاد من حدة الغضب الشعبي تجاه إسرائيل وسياساتها، خاصة بعد ما تحدث الناشطون المشاركون في الأسطول عن الطريقة التي تعامل معهم الاحتلال فيها وما مارسه ضدهم من أساليب قمعية.

ما وقع في شوارع أوروبا انعكس على أنديتها الرياضة والفعاليات الرياضة، فلم يغب جمهور تلك الأندية عن التنديد بالإبادة والعدوان، كما دعت فرقهم هذا التوجه الأمر الذي دفع للمطالبة من منع إسرائيل من المشاركة في بطولات كرة القدم الأوروبية والدولية.

وليس أدل على أثر ما هو جاري في أوروبا ما نقلته صحيفة معارف عن نتنياهو ووصفت تصريحه بالتصعيد إذ اعتبر أن "أوروبا أصبحت غير ذات صلة واستسلمت للإرهاب الفلسطيني".

فيما أظهر استطلاع جرى في 24 دولة في مارس /آذار الماضي، أن 20 دولة منها عبّر نصف السكان أو أكثر عن موقف سلبي من إسرائيل، وفي دول مثل أستراليا، اليابان، السويد، تركيا، وإندونيسيا، وصلت النسبة إلى 75% أو أكثر، حتى في بريطانيا ارتفعت نسبة غير المؤيدين من 44% عام 2013 إلى 61% عام 2025.

أميركا أفول السردية

على الضفة الأخرى من المحيط، كان تأثير الطوفان أكبر وأعمق فما أن تفاعل طلبة الجامعات مع الحدث وبدأت مطاردة الساحرات لهم في أروقة الجامعات وفي الكونغرس، كان الشارع الأميركي قد خرج في عدة ولايات بمظاهرات حاشدة مطالبة بوقف الإبادة ومطالبة بوقف تسليح الجيش الإسرائيلي والمشاركة في الإبادة.

ولم يكد ساسة واشنطن يفرغوا من طلبة الجامعات وموافقهم الداعم لحرية الشعب الفلسطيني ومنددة بما يجرى في غزة، حتى استفاقوا على سردية مضادة للسردية الإسرائيلية وكان ميدانها هذه المرة تطبيق تيك توك لتبدأ مطاردة أخرى لقمع تلك الرواية والسيطرة عليها فكان أن اشترى لاري إليسون ثاني أثري رجل في العالم التطبيق في الولايات المتحدة للتحكم فيما يبث هناك ووقف التدهور بصورة إسرائيل.

إعلان

الانفتاح على سردية مغايرة للرواية الإسرائيلية في الولايات المتحدة، ظهر في استطلاعات الرأي وكان أحدثها استطلاع صحيفة واشنطن بوست الشهر الجاري حيث أظهر أن العديد من اليهود الأميركيين يظهرون استياء شديدا من سلوك إسرائيل في الحرب على قطاع غزة، مع تزايد أعداد من يعتقدون أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بشكل مفرط.

فقد اعتبر 61% منهم أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب، بينما يرى حوالي 4 من كل 10 منهم أنها مذنبة بارتكاب إبادة جماعية.

ووفقا لاستطلاع لمركز بيو جرى في مارس/ أذار الماضي، ظهر أن 53% من الأميركيين يحملون مواقف سلبية تجاه إسرائيل، وصلت النسبة إلى نحو 60%، مع بروز قطيعة متزايدة بين الاحتلال والجيل الشاب الأميركي.

ما جرى في أميركا لم يقف عن حدود المظاهرات واحتجاجات الطلبة، فقد بات العديد من الأميركيين مقتنعين أن اللوبي الإسرائيلي يتحكم في سياسية بلادهم وسياسييهم، وبات هذا الموضوع مادة رئيسة للحديث والنقاش سواء كنت من مؤيدي الحزب الديمقراطي أو الجمهوري.

كما تحدث العديد من السياسيين المستقلين والمحللين عن جدوى عدم إسرائيل وما الفائدة التي تجنيها الولايات المتحدة من إسرائيل، الأمر الذي دفع نتنياهو للخروج في عدة منصات حوارية للحديث عن أهيمه إسرائيل للولايات المتحدة، فقد قال ، في حديث مع بن شابيرو أحد أبرز داعمي الرواية الإسرائيلية في أميركا، "نحن نتشارك مع أمريكا في امتلاك أكثر الأسلحة الهجومية تقدمًا على وجه الأرض، أسلحة لا تملكها أي من القوى العظمى، طُوّرت في إسرائيل، وتُشارك مع أميركا".

ولم تكن هوليود بمنأى عن ذلك وهي التي لطالما نظهر إليها أنها أحد وسائل النفوذ الإسرائيلي وأنها معروفة تاريخيا بأنها مؤيدة لإسرائيل، تعهد أكثر من 1300 سينمائي، من بينهم بعض نجوم هوليود البارزين، بعدم العمل مع المؤسسات السينمائية الإسرائيلية المتواطئة في الانتهاكات ضد الفلسطينيين، في الوقت الذي تكثف فيه إسرائيل حربها على غزة.

وهو الأمر الذي بات يقلق ساسة إسرائيل من تعميق خسارتهم لواشنطن خاصة مع أجيال لم تعد ترى أن إسرائيل حليف لهم.

لذا فقد حرص نتانياهو في زيارته الشهر الماضي للولايات المتحدة بالاجتماع مع مؤثرين لتسويق الرسالة الإسرائيلية، حيث دعاهم لاستخدام منصتي "تيك توك" و"إكس" لتعزيز دعم إسرائيل وتحسين صورتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وركز نتنياهو على أهمية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لكونها "أدوات المعركة" في دعم موقف إسرائيل لتنتصر في حربها على غزة، وقال إن منصة مثل "تيك توك هي رقم واحد" في حسم موقفه العالمي، وأشار إلى التعاون مع إيلون ماسك مالك منصة "إكس" ووصفه بالصديق لا العدو.

قد تسريت الأنباء عن أن إسرائيل تدفع لكل مؤثر يدافع عن إسرائيل وينشر روايتها 7 آلاف دولار للمنشور، وهو ما بات مثار سخرية من قبل الأميركيين.

كما دفعت إسرائيل 4.1 مليون دولار لشركة "شو فيث باي ووركس" لاستهداف المسيحيين بدعاية "مؤيدة لإسرائيل ومعادية للفلسطينيين" بشكل صريح، وذلك من خلال دعم الكنائس والقساوسة، وفقا لملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب التي استعرضتها وكالة الأنباء اليهودية.

صراع السردية انتقل إلى داخل (ماغا) التيار المؤيد والداعم للرئيس دونالد ترامب ، له فوقفا لصحيفة وول ستريت جورنال فقد صعدت لورا لومر خلافاتها داخل التيار المؤيد لترامب الأمر الذي بات مثيرا للقلق في البيت الأبيض.

فقد هاجمت لومر، الصحفية المثيرة للجدل والمقربة من ترامب، بشكل علني شخصيات بارزة في حركة ماغا، منهم المذيع والمعلق السياسي البارز تاكر كارلسون، ووصفته بـ"تاكر قطَرلسون" واتهمته بالتواطؤ مع جماعة الإخوان المسلمين. وذلك بعد انتقاده للسياسة الإسرائيلية وطريقة تعامل نتنياهو مع المسؤولين الأميركيين.

ويتهم البعض لومر بتلقيها أموالا من إسرائيل وهي المعروف عنها دعمها الشديد لإسرائيل، وتتهم بأنها تتعاون مع محلل استخبارات إسرائيلي-أميركي، يعقوب أبيلباوم، في استهداف مسؤولين تعتبرهم "متعاطفين مع المسلمين".

وقد تصاعدت الخلافات داخل ماغا، خاصة بعد أن طرح بعض حلفاء ترامب نظريات مؤامرة ضد إسرائيل، عقب اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك.

ويمكن تلخيص المشهد الجاري في العالم الآن بما قاله الصحفي الإسرائيلي بن درور يميني من أن غزة انتصرت على الساحة العالمية عبر الجامعات ووسائل الإعلام ومنصات التواصل والنقابات، وتمكنت حركة حماس من إسرائيل نحو الانهيار الاقتصادي والدبلوماسي.

وخلص يميني إلى أن المهمة المقبلة الأصعب هي إعادة بناء المكانة الدبلوماسية لإسرائيل، وهي مهمة طويلة الأمد.

هكذا كشف طوفان الأقصى وجه إسرائيل من دولة تسعى للاندماج في المنطقة العربية وتسوق رسالتها بأنها محبة للسلام والتعاون إلى دولة منبوذة ويطارد سياسيوها وجنودها في ارجاء العالم بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.

ولن تقف ارتدادات طوفان الأقصى عند توقف العدوان على القطاع، بل ستستمر في التأثير وبقوة على إسرائيل ومستقبلها.

مقالات مشابهة

  • أكثر مأساوية وخطورة.. الفاتيكان: الجيش الإسرائيلي يستهدف مدنيين عزل في غزة
  • بعد عامين على طوفان الأقصى…غزة التي غيرت العالم
  • روسيا تدعو 22 دولة وأمين عام الجامعة العربية لحضور قمة موسكو
  • أكثر من 21 مليار دولار تدفقت من واشنطن لتسليح إسرائيل منذ اندلاع حرب غزة
  • المعونة الوطنية: وقف المعونة عن الأسر التي تمتلك أكثر من عقار
  • بدون تأشيرة.. قائمة الدول التي يمكنك دخولها بجواز السفر المصري فقط
  • تحويل إسرائيل إلى إسبرطة: قلق دولة إبادة منبوذة
  • أمين مجمع الملك سلمان للغة العربية: أعمال المجمع امتدت إلى أكثر من 60 دولة
  • غريتا ثونبرغ.. السويدية التي تثير هستيريا إسرائيل
  • ناشطو أسطول الصمود يروون تفاصيل الهجوم والاحتجاز الإسرائيلي