المشروع القرآني… الصوت الوحيد في وجه الصهيونية العالمية
تاريخ النشر: 16th, October 2025 GMT
ليس في اليمن، ولا على امتداد الساحة الإقليمية، مشروع متكامل يواجه المخطط الصهيوني ويقاومه بوعي وعمق، سوى المشروع القرآني الذي أطلقه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي قبل أكثر من عقدين من الزمن. هذا المشروع الذي واجه منذ انطلاقته موجاتٍ متلاحقة من التآمر والإقصاء، لكنه ظل ثابتًا راسخًا في مواقفه، متمسكًا بخطه القرآني المقاوم رغم حجم الحرب الفكرية والسياسية والإعلامية التي استهدفته.
في المقابل، ظلت الأحزاب والمكونات السياسية الأخرى – بما فيها الدينية – تنظر إلى الصراع من زاوية ضيقة محصورة في التنافس على السلطة والمناصب، متناسيةً القضايا الكبرى التي تمس الأمة الإسلامية جمعاء. هذا الانكفاء المحلي يعكس في جوهره انفصالاً عميقًا عن روح الإسلام الذي يمثل مشروعًا حضاريًا متكاملًا يعالج جذور الخلافات الداخلية والخارجية في آنٍ واحد.
وقبل بروز المشروع القرآني، كانت الأمة تفتقر إلى توجهٍ يعادل المشروع الصهيوني في قوته الفكرية والسياسية، ويكبح تمدده داخل الجغرافيا الإسلامية، بل ويمتلك رؤيةً لتحرير الأرض من هيمنة اليهود واسترداد العزة للأمة. وكان من المفترض أن تحتفي القوى السياسية في اليمن بظهور مشروع جهادي مقاوم يعيد إحياء الوعي الإسلامي، إلا أن العجيب أنها اتخذت موقفًا عدائيًا منه منذ اللحظة الأولى، لتعلن بذلك اصطفافها – بوعي أو بغير وعي – في صف التحالف الغربي المعادي للإسلام والمسلمين.
أما الأحزاب الدينية، فقد كانت المفاجأة أن تقع أولاً في فخ العداء لهذا المشروع. حزب الإصلاح، على سبيل المثال، لم يتردد في التخلي عن شعاراته الدينية المعلنة مقابل أن يرفض الاعتراف بصوابية المشروع القرآني ومنهجه الإلهي الداعي لتحرير الأمة من أعدائها الذين حذر الله منهم في كتابه الكريم.
وفي الجهة الأخرى، تقف الأحزاب اليسارية كالمؤتمر والاشتراكي والناصري وغيرها، وهي بطبيعتها لا تؤمن بالتوجهات الدينية أصلاً، إذ ما تزال أسيرة للفكر الماركسي الذي ينكر الغيب ويختزل الوجود في المادة وحدها. لذلك، لم يكن غريبًا أن تتوجس من أي مشروع ديني، وترى فيه خطرًا على منظومتها الفكرية، بل تعتبر الدين مجرد أداة لتضليل الشعوب لا أكثر.
ومع مرور الزمن، اتضح أن المشهد السياسي اليمني برمته – دينيًا كان أم علمانيًا – واقع تحت تأثير السفارة الأمريكية، التي تمثل بدورها أداة تنفيذية لتوجيهات اللوبي الصهيوني. وقد عملت تلك القوى على حرف مسار الصراع نحو الداخل اليمني، متخليةً عن القضايا القومية الكبرى وفي مقدمتها فلسطين، بل وسعت إلى تحويل العداء نحو إيران فقط لأنها ما زالت متمسكة بموقفها الداعم للمقاومة.
تلاقت مصالح الأحزاب اليمنية، على اختلاف مشاربها، عند نقطة واحدة: معاداة المشروع القرآني. ورغم التناقضات الفكرية والسياسية بينها، فقد جمعتها إرادة السيد الأمريكي الساعية إلى وأد أي حركة إسلامية تتبنى تحرير فلسطين كهدف مركزي. لكن مشيئة الله كانت الغالبة، فاستمر المشروع القرآني، وفرض نفسه واقعًا لا يمكن تجاوزه، رغم كثافة المؤامرات وضراوة الأعداء، ليكون شاهدًا على وعد الله بنصرة الحق على الباطل.
واليوم، تتجلى آيات الله واضحة في الواقع اليمني، بعد أن تمكنت ثورة 21 سبتمبر من كسر هيمنة الطغيان، وإزهاق الباطل، وفضح كل من تزيّن بالشعارات الزائفة. فلم يعد أمام تلك الأحزاب سوى الانكشاف الكامل؛ إذ التحقت صراحة بالمشروع الصهيوني العالمي، معلنة عداءها العلني لقضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين، ومتخلية عن كل ما كانت تتغنى به من شعارات دينية أو قومية.
ولذلك، ليس مستغربًا أن نرى هذه القوى اليوم تصطف إلى جانب “إسرائيل”، وتعمل على التشكيك في كل إنجاز يحققه الشعب اليمني في مواجهة العدو الصهيوني. فدورها بات يقتصر على خوض حرب إعلامية يائسة، ومحاولة كسر إرادة اليمنيين وثنيهم عن مناصرة إخوانهم في فلسطين، رغم وضوح الحق وسطوع المظلومية. وهكذا يثبت الواقع يوماً بعد آخر صوابية المشروع القرآني، وصدق رؤيته في مواجهة الاستكبار العالمي قولًا وعملاً، بما يشهد به البحر الأحمر وباب المندب، وبما تؤكده المواقف الميدانية والسياسية التي غيّرت موازين القوى في المنطقة بأسرها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
قمة شرم الشيخ… من تجاهل المأساة إلى تبييض الجريمة
منذ الأمس وأنا أتذكّر مشهد قمة شرم الشيخ، ولم أستطع فهم واستيعاب ما جرى فيها؛ وربما الحاضرون لا يعلمون سبب مجيئهم، كانت غريبة إلى حدٍّ يصعب تفسيره.
بدت وكأنها مشهد مقتطع من فيلم الزعيم لعادل إمام، حيث تتداخل المجاملات الزائفة مع المواقف الهزلية في إطارٍ يُفترض أنه جاد ورسمي.
الأغرب هو وقوف ترامب بمفرده بينما يتوالى القادة للسلام عليه واحدًا تلو الآخر، مع أنه ضيف مثل سائر الحضور.
في المقابل، بدا المضيف الرسمي في حالة من التواضع المفرط حد الارتباك، تاركاً الحضور الأمريكي ليطغى على المشهد.
ظهر المجرم ترامب يوزّع الابتسامات والمديح على الحاضرين، ويتلوا أسماءهم من ورقة، ويسخر من بعض الزعماء بأسلوب يجمع بين المزاح والتعالي.
أسلوب ترامب الاستعراضي والشخصي كسر القواعد المتعارف عليها، مما أربك الحضور وفرض إسهابه وثرثرته على الحدث.
أما مديحه المتكرر لعائلته ووزرائه في كلماته فيعكس طبيعته التي تميل إلى الاستعراض الذاتي، وكأنه يعيش في حملة انتخابية دائمة حتى وهو في مؤتمرات القمم.
لكن ما هو أخطر من المظهر البروتوكولي هو ما غاب عن القمة من مضمون مهم للغاية.
فقد غاب الحديث الجاد عن إعمار غزة وضرورة التعجيل به، باستثناء كلمات مقتضبة من الرئيس المصري. كما غاب النقاش حول المأساة الإنسانية الكبرى التي عاشها أبناء غزة، وهي مأساة لن تزول آثارها في عشرات السنين.
لم يُطرح أيضًا ملف الأسرى الفلسطينيين المتبقين في سجون العدو، والذين كانوا أحد أبرز أسباب انفجار السابع من أكتوبر، ولم يُناقش موقعهم في أي تسوية قادمة رغم أهميته المحورية.
والأسوأ من ذلك هو عودة الحديث عن اتفاقيات أبراهام، وتنميق تجربة التطبيع والتسويق لها، وكأن ما جرى في غزة لم يكن جريمة إبادة جماعية لم تجف دماء شهدائها ولم ينتشلوهم من تحت الأنقاض.
فإعادة تفعيل تلك الاتفاقيات بعد كل ما حدث لا تعني سوى طمس جرائم العدو الإسرائيلي وشرعنتها، وتبييض الجريمة، وتجميل الفعل الوحشي، وتحويل صفحة الدم إلى وثيقة «سلام»، يكافأ فيها المجرم بدل أن يحاسب.
بهذا الشكل، خرجت القمة – في نظر كثيرين- عن طابعها الرسمي، لتبدو أقرب إلى استعراض سياسي منها إلى لقاء دولي جاد.
غير أن ما وراء هذا المشهد أعمق من مجرد خلل في البروتوكول؛ إنه اختلال ميزان العلاقات الدولية في المنطقة، حيث باتت دول منطقتنا تتعامل مع أمريكا من موقع التبعية لا الندية.
أما الحضور العربي في مثل هذه المحافل فقد تحوّل إلى دور رمزي لا فاعل، بينما تُدار خيوط اللعبة من إسرائيل، في تداخل بين النفوذ السياسي والاستعراض الإعلامي.
وفي النهاية، لم يكن مشهد شرم الشيخ مجرد لقطة عابرة، بل صورة مكثفة لواقع السياسة في عالمٍ يميل فيه الضوء نحو الأقوى لا نحو الأجدر، ويُكرَّم فيه المعتدي بينما يُترك الضحية وحيدًا في العراء.