أبوظبي – الوطن:

نظم مركز تريندز للبحوث والاستشارات، عبر مكتبه الافتراضي في ألمانيا، ندوة «دور الذكاء الاصطناعي في الأمن.. الموازنة بين حدود التكنولوجيا والمسؤولية البشرية»، وذلك على هامش مشاركته في النسخة الـ77 من معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2025، وبمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجالات الأمن والدفاع والاستخبارات ومكافحة الإرهاب.

وأكد المشاركون في الندوة، التي أدارها هزاع سيف الحمادي، الباحث في «تريندز»، أن العالم يواجه تحدياً مزدوجاً بفعل تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي واندماجها في البنى التحتية الأمنية والأنظمة الرقابية ومكافحة الإرهاب وتحليل المعلومات الاستخباراتية والدفاع العسكري، وذلك يزيد من مخاطر تأثير الذكاء الاصطناعي على المشهد الأمني العالمي.

الذكاء الاصطناعي العكسي

واستهل الندوة الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، قائلاً إن مجال الأمن الوطني والدولي يشهد تحولاً سريعاً بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث يُستخدم في مكافحة الإرهاب وتأمين الأمن السيبراني والمراقبة والتنبؤ بالجريمة، وضبط الحدود وتطوير الاستراتيجيات العسكرية، كما تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي زيادة الكفاءة والكشف المبكر عن التهديدات.

وذكر أنه مع الانتشار المتسارع لأنظمة الذكاء الاصطناعي برزت العديد من المخاطر، منها «الذكاء الاصطناعي العكسي»، حيث يمكن استغلال الأنظمة الذكية نفسها أو التلاعب بها لخداعها، مما قد يؤثر سلباً على أنظمة الطوارئ والأمن، ويعرض حياة البشر والمجتمعات للخطر، كما يمكن استخدام التكنولوجيا كسلاح غير مرئي يهدد الشفافية والعدالة في إدارة الطوارئ.

مخاطر التحيز والانتهاك

وأشار العلي إلى الذكاء الاصطناعي، رغم قوة وفاعلية أدواته، فإنه يطرح مخاطر، مثل التحيّز الخوارزمي، وسوء الاستخدام في المراقبة، والتعدي على الخصوصية، والاعتماد المفرط على الأنظمة الآلية، ومن دون إشراف مناسب، قد يؤدي توظيفه إلى تصنيفات خاطئة، وانتهاكات للقانون الدولي.

وأضاف أن دور الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون مساعداً في اتخاذ القرارات الأمنية الحساسة، وليس بديلاً عن التقدير البشري، ولا يمكن لأي دولة مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي بمفردها، فهناك حاجة ملحّة للتعاون الدولي، وتطوير السياسات، ووضع معايير أخلاقية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الأمن.

مكافحة الإرهاب

بدوره، أكد يان سان بيير، الرئيس التنفيذي لشركة موسيكون، ومستشار مكافحة الإرهاب – برلين، أن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصراً محورياً في مكافحة الإرهاب وفي تطوير أساليبه، فبينما يمنح قدرات تحليلية واستخباراتية متقدمة، يحمل أيضاً مخاطر إساءة الاستخدام، فطبيعته المزدوجة تجعله أداة يمكنها تعزيز الأمن أو تمكين المجرمين، مما يستدعي إشرافاً بشرياً مسؤولاً ومتواصلاً.

وأوضح أن التنظيمات المتطرفة تستغل الذكاء الاصطناعي في ثلاثة مجالات رئيسية «الدعاية والتجنيد، الهجمات السيبرانية، والتخطيط لهجمات ميدانية»، هذا الاستخدام يمنحها قدرة على الانتشار السريع والتأثير في الرأي العام، وتنفيذ عمليات رقمية وواقعية معقدة تفوق قدرات المراقبة التقليدية.

وبين بيير أن أدوات الذكاء الاصطناعي تساعد الإرهابيين على تنفيذ هجمات رقمية مثل برامج الفدية، والتصيد الإلكتروني، وهجمات حجب الخدمة، كما تُستخدم في تحليل البنى التحتية وجمع بيانات لتخطيط هجمات ميدانية، مضيفاً أنه في المقابل توظف الجهات الأمنية الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات المفتوحة ومكافحة التضليل، كما يسهم في تحليل البيانات وتعقب الأنشطة المالية، ورصد المحتوى المتطرف.

وأضاف أنه رغم تطور الذكاء الاصطناعي، لا يمكنه استبدال الفهم البشري للسياقات الأمنية، لأن الاعتماد المفرط عليه قد يوسع الفجوة بين الإرهابيين والأجهزة الأمنية، وتبقى الحاجة ضرورية لوضع أطر أخلاقية وقانونية وضمان الشفافية والمساءلة، لأن القرار النهائي يجب أن يظل بيد الإنسان.

 

تعزيز الدفاع السيبراني

من جانبه، قال مصطفى العمار، عضو الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني، إن الذكاء الاصطناعي أداة مساندة للأمن والقضاء، تسهم في تسريع الإجراءات وتحليل البيانات بدقة وكفاءة، لكنه في الوقت ذاته يحمل مخاطر حقيقية، أبرزها التزييف العميق والتضليل الإعلامي، اللذان قد يستخدمان لزعزعة الاستقرار والتأثير في الرأي العام، فالتكنولوجيا يمكن أن تكون وسيلة للحماية أو أداة للتدمير تبعاً لمن يستخدمها.

وشدد على ضرورة بناء أنظمة أمنية رقمية حديثة تتيح تبادلاً سريعاً وآمناً للمعلومات بين الجهات الأمنية على المستويين الوطني والأوروبي، مع تعزيز الدفاع السيبراني بأنظمة ذكية قادرة على التنبؤ بالتهديدات، محذراً من أن حماية البيانات لا يجب أن تتحول إلى حماية للمجرمين.

ودعا العمار إلى تحقيق التوازن بين الخصوصية ومتطلبات الأمن، ضمن منظومة شفافة وخاضعة للمساءلة، إلى جانب توحيد المعايير الأوروبية في الدفاع السيبراني، وتطوير وكالة «يوروبول» لتصبح جهازاً أوروبياً متكاملاً يستخدم الذكاء الاصطناعي في مواجهة التهديدات.

القرار النهائي للإنسان

أما الدكتور جاسم محمد، مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات «ECCI»، فيرى أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة محورية في العمل الاستخباري، حيث يُستخدم لتحليل كميات ضخمة من البيانات واكتشاف التهديدات بسرعة، لكن يجب أن يبقى القرار النهائي بيد الإنسان، فالذكاء الاصطناعي لا يفهم السياق الأخلاقي أو المعنوي، مما يجعل الاعتماد الكلي عليه خطراً جسيماً.

وبين أنه من أبرز مخاطر الذكاء الاصطناعي، التحيز الناتج عن البيانات غير المتوازنة، والثقة المفرطة بنتائج الأنظمة الآلية، إضافة إلى إمكانية إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل والتزييف العميق، كما تثير استخداماته تساؤلات قانونية وأخلاقية تتطلب رقابة صارمة.

وذكر أن العامل البشري يظل الأساس، ويجب أن يكون الإنسان في الحلقة، يراجع ويصادق على القرارات، مع توفير التدريب المستمر في التحليل والأخلاقيات والتفكير النقدي والشفافية والمساءلة، موصياً بوضع حدود واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وإنشاء هيئات رقابية، وتنظيم الوصول للتقنيات الحساسة، إضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لتطوير أُطر قانونية تحمي القيم الديمقراطية.


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يكتشف السرطان في عينات دم خلال دقائق

عندما ينتشر السرطان، يمكن أن تنفصل كميات ضئيلة من الخلايا عن الأورام وتنتشر في مجرى الدم. وتُعدّ الخزعة السائلة وسيلةً للكشف عن وجود هذا المرض من خلال رصد هذه الخلايا السرطانية العائمة في عينات الدم. رغم ذلك، يتطلب الأمر متخصصين مدربين لتفحص ومراجعة صور آلاف الخلايا، من بين ملايين الخلايا المحتملة، على شريحة على مدار ساعات طويلة.
أما الآن، فقد طوّر باحثون في جامعة جنوب كاليفورنيا، خوارزمية ذكاء اصطناعي جديدة لأتمتة اكتشاف بعض الخلايا السرطانية من بين ملايين خلايا الدم الطبيعية.
في غضون 10 دقائق تقريبًا، تستطيع الخوارزمية تحديد "الإبر في كومة القش"، للكشف عن السرطان بشكل أسرع، وتحديد ما إذا كان السرطان قد عاد، وربما تحديد العلاجات المناسبة.
نشر شرح للخوارزمية الجديدة، المسماة RED (كشف الأحداث النادرة)، في ورقة بحثية ضمن مجلة npj Precision Oncology، بقلم خافيير مورغويتيو-إيساندي، الحاصل على درجة الدكتوراه في قسم هندسة الفضاء والميكانيكا بجامعة جنوب كاليفورنيا (متخصصًا في التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي).
يوضح أسعد أوبراي، أستاذ هندسة الفضاء والميكانيكا "لا تحتاج الآلات إلى معالجة المعلومات بنفس الطريقة التي يُعالجها بها البشر".
تعمل RED بشكل مختلف عن الأدوات الحسابية الحالية لخزعات السوائل التي تتطلب مشاركة بشرية. في الواقع، بدلاً من البحث عن سمات محددة ومعروفة لخلية سرطانية وتجميع ملايين الخلايا في مجموعات أصغر، لا يحتاج RED حتى إلى معرفة شكل "الإبرة" التي يبحث عنها.
ووفقًا لأوبيراي، المؤلف المشارك في البحث، يستخدم RED الذكاء الاصطناعي لتحديد الأنماط غير العادية وتصنيف كل شيء حسب ندرته، حيث تظهر النتائج الأكثر غرابة في المقدمة.
تُشير الخوارزمية إلى أن "أحد هذه الأشياء ليس كغيره". أو كما يقول بيتر كون، أستاذ العلوم البيولوجية، يمكن للخوارزمية فحص ملايين الخلايا و"فصل القيم الشاذة عن القيم غير الشاذة".
اقرأ أيضا... الذكاء الاصطناعي يحدد العوامل الجينية المسببة للسرطان
يستند هذا العمل إلى أعمال سابقة لأوبيراي وكون تتعلق بسرطان الثدي.
يُعدّ الأمر شخصيًا بالنسبة لكون، الذي عمل في هذا الموضوع لأكثر من عقد من الزمان. شُخِّصت والدته بسرطان الثدي، وقد جمع كون، بصفته مديرًا لمعهد العلوم المتقاربة للسرطان في مركز ميكلسون بجامعة جنوب كاليفورنيا، مجموعة كبيرة من البيانات المُعلّق عليها بشريًا والمتعلقة بسرطان الثدي. سمح هذا لفريق البحث المشترك باختبار الخوارزمية بطريقتين: أولاً، من خلال النظر في نتائج فحوصات دم مرضى معروفين مصابين بسرطان الثدي المتقدم، ثم في اختبار آخر، إضافة خلايا سرطانية إلى عينات دم سليمة لمعرفة ما إذا كان بإمكان RED اكتشافها.
الخوارزمية:
عثرت على 99% من خلايا السرطان الظهارية المضافة
عثرت على 97% من خلايا البطانة الغشائية المضافة
كما قللت كمية البيانات المطلوب مراجعتها بمقدار 1000 مرة.
يقول أوبيري إنه بالإضافة إلى إزالة التحيز البشري "أصبحنا قادرين على إيجاد إشارات أكثر من النهج القديم. لقد تمكنا من إيجاد ضعف عدد الخلايا المهمة مقارنةً بالنهج القديم".
ويضيف "تُرسخ هذه الورقة البحثية هذه التقنية كوسيلة لعزل الخلايا "المثيرة للاهتمام" المرتبطة بالسرطان حاسوبيًا".
يُحقق هذا النهج الجديد بالفعل فوائد كبيرة، ويُطبق لفهم نتائج أنواع السرطان مثل سرطان الثدي وسرطان البنكرياس والورم النقوي المتعدد.
يشرح كون تأثير هذا العمل قائلاً: "[هذه] طريقة جديدة كلياً، وغير بديهية من نواحٍ عديدة، لتحليل كومة القش التي تُطلق موجةً كاملةً من التطورات الجديدة القائمة على الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق".
ويأمل أن تُسهم هذه الدراسة والأبحاث المستقبلية في ثلاثة جوانب أساسية من رحلة المريض، من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
هل أُعاني من السرطان؟
هل اختفى السرطان أم عاد؟
ما هو أفضل علاجٍ لاحقٍ للسرطان؟
يقول كون "نريد دعم كلٍّ من هذه الجوانب من رحلة المريض ببياناتٍ من الدم"، مضيفا "هذا أحد الأمثلة الرائعة على تغيير الذكاء الاصطناعي الحديث لطريقة إجرائنا لأبحاث الرعاية الصحية. خطوتنا التالية هي مواصلة الدفع بعجلة الذكاء الاصطناعي نحو إحداث تغييرٍ جذريٍّ في قدرتنا على اكتشاف السرطان في دم المرضى مبكراً".
ووفقاً لأوبيراي، يُعدّ هذا أيضاً مثالاً رائعاً على البحث المتقارب، حيث اجتمع باحثون ذوو خبرة في مجالاتٍ مختلفة من العلوم والهندسة لإيجاد حلٍّ فعالٍ لمشكلةٍ صعبة.
مصطفى أوفى (أبوظبي)

أخبار ذات صلة عبدالله بن بيّه يدعو إلى إطار أخلاقي عالمي للذكاء الاصطناعي حمدان بن محمد يعتمد حزمة من المبادرات والمشاريع النوعية بهدف تسريع وتيرة التحول الرقمي في دبي

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يكتشف السرطان في عينات دم خلال دقائق
  • مدير إدارة الصمود والمخاطر بالأمن السيبراني : المناورة السيبرانية منصة حيوية لتعزيز الجاهزية الوطنية والعربية في مواجهة الهجمات العابرة للحدود
  • مستشار ترامب لأفريقيا يبحث الأمن والازدهار مع قادة بالقارة
  • ندوة لـ «تريندز» تناقش «دور الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الرقابية»
  • جامعة القاهرة تناقش حماية الفضاء الرقمي في ظل الذكاء الاصطناعي
  • جامعة القاهرة تبحث التآزر بين الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني لحماية الفضاء الرقمي
  • المرأة في عصر الذكاء الاصطناعي
  • لفرض السيطرة الأمنية.. الداخلية تنفذ أكثر من 60 ألف حكم قضائي متنوع
  • داخلية غزة تشيد بالإجماع العشائري والفصائلي الداعم للإجراءات الأمنية