عندما يجتاح الإنسان شعور بالخوف، ويستقر في داخله ووجدانه، لا يستطيع التخلص منه بسهولة، لأنه سيكون إحساسًا بالهوان والضعف، يشلّ حركته وتفكيره، ويسلبه النفس مذاق الراحة والطمأنينة.
ذلك الخوف ليس شعورًا عابرًا، إذ يعد أقدم رفيق عرفه الإنسان، منذ أن يُبصر النور، ليكون مرآة تعكس عمق الإدراك الإنساني.. حتى وإن بدا قَيْدًا، فهو في جوهره دافع للبقاء، ودعوة للتأمل، أو تمهيد ضروري للشجاعة.
ونحن صغار، كنَّا نخاف من «سردية الحواديت»، التي تلجأ إليها الأم أحيانًا، لإسكات أبنائها، أو إخافتهم عندما يرتكبون خطأً ما.. وتَمُرُّ السنوات، ليتبدل مفهوم الشعور بالخوف، حين يصل الإنسان إلى مرحلة سِنِّية معينة، من الطفولة إلى المراهقة، فالشباب، ثم الكهولة.
مراحل عدة، تتبدل فيها مشاعر الخوف، وفقًا لكل مرحلة، وإن بنسب متفاوتة، لنجد كثيرين يخافون بلا سبب، أو لأمور واهية، وآخرين يخافون إلى حد الرعب، ما يفقد حياة الإنسان مذاقها وحرمانها من أي متعة، لتجلب له الحزن والشفقة.
ولأن الخوف قد يجلب للإنسان الإحساس بالهوان والضعف والمذلة والشقاء، فيجعله حائرًا عاجزًا منطويًا على نفسه، فلا يكتفي الشخص الخائف بمراقبة ذاته المنهارة، وإنما قد يحسد الآخرين على الطمأنينة التي يشعرون بها!
لذلك قد يلجأ الإنسان إلى الخوف، مُرغَمًا أو مُختارًا، لكنه غالبًا يكون زاهدًا مكتفيًا بالابتعاد عن تناول «حبوب الشجاعة»، على قاعدة «كفى الله المؤمنين شر القتال»، فيتجنب الإقدام والمواجهة و«الصِّدام»، وفقًا لمقولة «الباب إللي يجيلك منه الريح»!
نتصور أن الخوف من الناس ربما يكون الأقسى والأصعب، خصوصًا إذا تملَّك الإنسان الجُبن واعتاد التنازل عن حقوقه والتفريط فيها، بحيث لا يستطيع أن يُدافع عن نفسه، أو مواجهة الآخرين بأخطائهم وظلمهم!
للأسف، ما إن يُفضِّل الإنسان «الخوف»، حتى يعتاد عليه، وصولًا إلى مرحلة الرعب، لينقلب الحال إلى مرض مزمن، لا تُفلح معه المسكنات أو العقاقير الطبية، لأن الموضوع يحتاج فقط إلى «الشجاعة» في مقابل تجاهل الخوف بكل أشكاله.
إن تزايد «المحظورات» في حياتنا، يجعلنا نتلمس فقط قائمة الأشياء المسموح بها، حتى أصبحنا نعيش في مكان مغلق النوافذ، من دون أي «تهوية».. نرتاب في كل شيء، ونعيش في مناخ «الثنائية أو الازدواجية»، حيث فن إتقان حِرفة استبدال الوجوه والأقنعة!
في مثل تلك الأجواء المشحونة بالخوف والقلق، يغيب المنطق، ولن يستطيع أحد العيش في «وهم» الطمأنينة والراحة النفسية، بعد أن يتم تغليب مبدأ السلامة واللامبالاة وإيثار الصمت والخنوع، وبالتالي يصبح «النفاق» طبعًا متأصلًا وقيمة سامية!!
أخيرًا.. الخوف لا يُكسر بالصمت أو بالانتظار، كما لا يُهزم بالهروب منه، بل بمواجهته بكل وضوح ومكاشفة وثبات وعدم استسلام، حتى لا يكون شعار المرحلة «الخوف علينا حق»!
فصل الخطاب:
يقول الفيلسوف البريطاني «برتراند راسل»: «الخوف هو المصدر الأساسي للخرافات، وأحد المصادر الرئيسية للقسوة، أما قهر الخوف فهو بداية الحكمة».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود زاهر إزدواجية المعايير كسر حاجز الصمت
إقرأ أيضاً:
فضل بر الأم وكيف يكون البر في الإسلام؟
إنّ المسلم البارّ بوالدته ينال في حياته فضائل وخصالٍ عظيمةٍ، يُذكر منها ما يأتي: البركة والسعة في الرزق، وطول العمر بإذن الله.
ستر العيوب ومغفرة الذنوب ببرّ الوالدة. أفضل القربات، وأفضل الصلة صلته بوالدته. برّ الوالدة طريقٌ موصلٌ لدخول الجنة.
نيل عظيم الأجور ببرّ الوالدة، فقد فضّله وقدّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- على الجهاد عندما استأذنه رجلٌ ليخرج معه مُجاهداً. بر الوالدة سببٌ لتفريج الكروب، كما حصل مع الرجال الذي أغلقت عليهم صخرة باب كهف، ثمّ فرّج الله عنهم بإحسان واحدٍ منهم لوالدته.
بر الوالدة سببٌ لإجابة الدعاء كما ذكر النبي -عليه السلام- الرجلٍ اليمني أويسٌ القرنيّ الذي كان مُجاب الدعوة لبره بوالدته. كيفية برّ الأم يستطيع المسلم أن يبرّ والدته بكثيرٍ من الأفعال يُقدّمها بين يديها، فيما يأتي ذكرٌ لبعض أشكال بر الوالدة: التذلّل لها بالقول والفعل. الدعاء لها، والتصدق عنها. مُناداتها بلفظ الأمّ وعدم مناداتها باسمها، فذلك أقرب إلى البرّ. البشاشة في وجهها. دوام خدمتها، والانتباه إلى حاجاتها حتّى قبل أن تطلبها.