يُلقي اكتشاف أثري في شمال إيطاليا ضوءًا جديدًا على حياة البشر الأوائل الذين جابوا أوروبا قبل مئات الآلاف من السنين. 

وعُثر أثناء أعمال البناء في منطقة كاسال لومبروزو قرب روما على أنياب وعظام فيل عملاق تعود إلى نحو 400 ألف عام، ليبدأ بعدها مشروع بحثي قاده علماء آثار إيطاليون كشف تفاصيل مدهشة عن العلاقة بين هذا الحيوان المنقرض وأسلاف الإنسان الأوائل.

فيل يحتضر وبشر يترقبون

تُعيد الحفريات رسم مشهدٍ من الماضي البعيد. في أحد أيام الربيع، بعد شتاء طويل، سقط فيل مسن على ضفة جدول صغير في شمال إيطاليا ومات ميتة طبيعية. 

وبعد وقت قصير، وصلت مجموعة من البشر الرحّل، الذين لم يعرفوا الزراعة أو النار بعد، ليغتنموا فرصة الوليمة النادرة التي قدمتها لهم الطبيعة.

الإنسان القديم في مواجهة الطبيعة

تُظهر التحليلات أن هؤلاء البشر لم يكونوا صيادين بارعين، بل زبّالين يعتمدون على الجيف، يستخدمون أدوات بدائية من الصوان والعظام. ورغم أن عظام الفيل لا تحمل علامات واضحة للتقطيع، إلا أن آثار الضرب بالمطارق الحجرية تشير إلى محاولات لاستخراج النخاع الدهني أو استخدام العظام لصنع أدوات. ويؤكد الباحثون أن هذا السلوك نادر في تلك الحقبة، إذ يُعد تصنيع الأدوات من العظام خطوة متقدمة في تطور الذكاء البشري.

بيئة غنية وتنوع مذهل

خلال تلك الفترة الدافئة من العصر الجليدي، كانت إيطاليا موطنًا لمجموعة متنوعة من الحيوانات، من الأسود والضباع إلى أفراس النهر ووحيد القرن. أما الفيلة مستقيمة الأنياب، فكانت أكبر بكثير من الفيلة الإفريقية المعاصرة، وتلعب دورًا بيئيًا رئيسيًا في تشكيل المناظر الطبيعية وفتح المراعي أمام أنواع أخرى. وتشير الأدلة إلى أن الفيل الذي عُثر عليه كان في أواخر الأربعينيات من عمره، أي في نهاية دورة حياته الطبيعية.

تكنولوجيا حجرية بسيطة وعبقرية تكيفية

واجه البشر في كاسال لومبروزو تحديًا كبيرًا، إذ كانت حصى الصوان صغيرة جدًا وغير مناسبة لصنع الأدوات الكبيرة، لكنهم تغلبوا على ذلك باستخدام ما يُعرف بـ"التقنية ثنائية القطب"، حيث توضع الحجارة على سندان وتُطرق بحجر آخر لتشكيل شظايا حادة. كما استخدموا عظام الفيل نفسها كبديل للحجر عند الحاجة. ويُظهر هذا التكيف مرونة فكرية وسلوكًا عمليًا مدهشًا في زمن لم تُعرف فيه بعد مهارات إشعال النار أو استخدام المقابض الخشبية.

درس من الماضي البعيد

تكشف دراسة الموقع أن هؤلاء البشر الأوائل لم يكونوا مجرد كائنات بدائية، بل مجتمعات قادرة على التفاعل مع بيئتها بذكاء وبراعة. لقد تركوا وراءهم آثارًا تروي قصة البقاء في وجه الطبيعة، وتجعل من موقع كاسال لومبروزو شاهدًا فريدًا على بداية مسيرة الإنسان نحو الحضارة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: البشر وحيد القرن الإنسان القديم الحفريات مشروع بحثي

إقرأ أيضاً:

هيكلُ الصمود… كيف حوّلتْ غزّةُ اليأسَ إلى إعجازٍ؟!

عدنان عبدالله الجنيد.

في زمنٍ تتهاوى فيه الجيوشُ أمامَ صفعاتِ الحصار، وتنحني إراداتُ الدولِ على طاولاتِ المساومات، تتقدّمُ غزّة من تحتِ الرمادِ كأنها معجزةُ العصر، شمسٌ لا تُغلب، ونبضٌ لا يخفت.
فكيف استطاعَ هيكلُ الصمود أن يُذهلَ العقول، ويُربكَ مراكزَ القرار، ويُعيدَ تعريفَ المقاومة في زمنِ القوةِ العمياءِ؟
بينَ المطرقةِ والسِّندان… أينَ يكمنُ سرُّ البقاء؟
أليستِ الحساباتُ الماديةُ تقولُ إنَّ الحصارَ يقتل، والقصفَ يُفني، والعزلةَ تُحطّم؟
فكيف إذن ظلّتْغزّة تنبضُ بالحياة، تُدارُ بعقلٍ منضبط، وتنهضُ من تحتِ النارِ بإتقانٍ إداريٍّ يربكُ العدوَّ قبلَ الصديق؟
إنه الهيكلُ التنظيميّ الفريد الذي نجح في الجمع بين روحِ الجهاد وإتقانِ الإدارة؛ حيثُ تتحركُ الفرقُ الميدانيةُ بدقّةِ الساعاتِ السويسرية، وتُدارُ خطوطُ الأنفاق كأنها شرايينُ جسدٍ واحدٍ نابضٍ بالحياة.
منظومةُ الإيمانِ والإدارة:
ليستِ المقاومةُ في غزّة مجرّدَ بندقيةٍ تُطلق، بل منظومةُ وعيٍ وتنظيمٍ تُفكّر وتُخطّط وتُنتج.
فهنالكَوحداتٌ متخصّصةٌ تتولّى تسليمَ الأسرى في إطارٍ إنسانيٍّ منضبط، وفرقٌ ميدانيةٌ تُحافظُ على الأمنِ الداخليِّ والأسواقِ وسطَ ألسنةِ اللهب، وطاقمٌ إداريٌّ يُنسّقُ حركةَ الإمداداتِ عبر الأنفاقِ كأنَّهُ يُديرُ دولةً تحتَ الأرض!
أمّا الإعلامُ المقاومُ، فقد صارَ جيشًا من الوعي، يوازنُ بينَ حقِّ الجمهورِ في المعرفةِ ومتطلّباتِ الأمنِ الميدانيّ. كلُّ صورةٍ تُبثّ بميزانٍ، وكلُّ كلمةٍ تُقالُ بوعيٍ. يصنعونَ الرأي العامَّ بذكاء، فيوجهونَ ضرباتِ الوعي قبلَ ضرباتِ الصواريخ.
وهكذا،تُخاضُ الحربُ بالسلاحِ والإعلامِ والفكرِ في آنٍ واحد.
من تحتِ الأرض… تُصاغُ معادلاتُ السماء:
في باطنِ الترابِ الذي أرادوهُ مقبرةً، صنعت غزّة عاصمةً من العزم، ومدّتْ خطوطَ الأملِ في أنفاقٍ تشبهُ شرايينَ الأمّة.
هناك،حيثُ يتوقفُ المنطقُ المادي، يبدأُ منطقُ الإرادةِ والابتكار.
لقد حوّلوا الحصارَإلى مدرسةٍ في التنظيم، والضغطَ إلى طاقةٍ إنتاجية، واليأسَ إلى وقودٍ للنهضة.
فهل رأى العالمُ يومًا جيشًا من الظروف يصنعُ المستحيل؟
وهل أدركَالاستكبارُ أنَّ هذا الشعبَ المحاصرَ لم يَعُد يُدارُ بالقوة، بل يُلهمُ بها العالم؟
المفاوضُ المقاوم… وكرامةُ السياسة:
في ميدانِ السياسة، تُثبتُ غزّة أنَّ المفاوضاتِ ليست انحناءً، بل امتدادٌ للمعركةِ بوسائلَ أخرى.
إنها تفاوضُمن موقعِ الندّ للندّ، تُديرُ ملفَّ الأسرى بعينِ المقاتل لا بلسانِ الدبلوماسي، فتُرغمُ العدوَّ على الاعترافِ بأنَّ الإرادةَ لا تُقصف، وتُجبره على الجلوسِ إلى طاولةٍ هو يعلمُ أنها منحوتةٌ من خشبِ المقاومة.
رسالةٌ إلى العالمِ الماديّ: من أينَ تأتونَ بهذا الثبات؟
كيف يمكنُ لإنسانٍ أن يُنظّمَ السوقَ بينما الصواريخُ تُغنّي فوقَ رأسه؟
كيفَ يمكنُ لطفلٍ أن يبتسمَ والعالمُ كلّه يتداعى حوله؟
أليستِ الحياةُ تحتَ القصفِ أعظمَ معجزةٍ إنسانية؟
لقد سقطتْ مقاييسُ “القوّة” الغربية، وتهاوتْ فلسفةُ “الردع” الأمريكية أمامَ طفلٍ فلسطينيٍّ يحملُ في يدهِ اليُمنى قلمًا يصنعُ مستقبلًا، وفي يدهِ اليُسرى حجرًا يدافعُ عن حقه في أن يكون!
للتاريخِ كلمةٌ أخيرة…
ما يجري في غزّة ليس حربًا فحسب، بل ثورةٌ في المفاهيم، ودروسٌ في القيادةِ والإدارةِ والإيمانِ تحتَ النار.
لقد أثبتوا أنَّالتنظيمَ إذا اقترنَ بالمبدأ، والإيمانَ إذا تماهى مع الوعي، صَنَعَا إعجازًا يتجاوزُ حدودَ الممكن.
إنها تجربةٌ تستحقُّ أن تُدرَّس في جامعاتِ الحربِ والإدارةِ والإنسانية.
فحينَتُدارُ دولةٌ تحتَ الحصار، وتُربَكُ منظوماتُ الاستخباراتِ العالمية، ويتحوّلُ الألمُ إلى طاقةٍ للخلقِ والبناء، فذاك هو الإعجازُ الفلسطينيّ بعينه.
تحيةُ إجلالٍ لأمةٍ لا تنكسر:
تحيةٌ لغزّةَ التي حوّلتْ حجارةَ الحصارِ إلى سلمٍ للمعجزات، وعلّمتِ العالمَ أنَّ المستحيلَ مجرّدُ وهمٍ في قاموسِ الإرادة، وأنَّ من يؤمنُ بعدالةِ قضيّته لا يُهزم، ومن يختارُ طريقَ العزّة لا يضلّ مهما اشتدَّ الظلام.
“لا يضرُّهم من خذلهم، ولا من خالفهم… لأنهم اختاروا طريقَ الله، ومضَوا فيه بثباتٍ لا يُهزم.”

مقالات مشابهة

  • عصابة منظمة| عالم آثار يكشف لـ صدى البلد كواليس سرقة اللوفر: استغلت أعمال بناء محيطة.. واستخدمت أدوات دقيقة
  • لماذا نراهن على الثقافة؟
  • كابجيميني تستحوذ على WNS لتأسيس عملاق العمليات الذكية بالذكاء الاصطناعي
  • أطالب بإعدام القاتل.. والد طفل الإسماعيلية يكشف أسرار اللحظات الأخيرة قبل المأساة
  • علماء يقتربون من كشف أسرار الحاسة السادسة لدى الإنسان
  • هيكلُ الصمود… كيف حوّلتْ غزّةُ اليأسَ إلى إعجازٍ؟!
  • دينا أبو الخير: حفظ الآيات العشر الأوائل من سورة الكهف تعصم الإنسان من الدجال وفتنته
  • تأثيرات كورونا.. ملايين البشر فقدوا حاسة الشم بعد 2020
  • فضائح واتهامات صادمة.. كيفين فيديرلين يكشف أسرارًا مظلمة عن حياة بريتني سبيرز