لجريدة عمان:
2025-10-22@10:31:34 GMT

المخلفات شريان الاستدامة والاقتصاد الدائري

تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT

المخلفات شريان الاستدامة والاقتصاد الدائري

د. معمر التوبي -

قبل عدة سنوات خضتُ تجربة تدريس مقرري «الهندسة البيئية» و«الطاقة المتجددة» لفصلين كاملين، ورغم أنني غير متخصص في هذه العلوم بقدر ما أرى نفسي متخصصا في الهندسة الميكانيكية المتقدمة التي ترتبط بأنظمة التحكّم الآلي والحاسوبي والذكاء الاصطناعي، ولكنني لم أخيّب حدسي في قدرتي على التفاعل الإيجابي مع هذه المقررات العلمية الجديدة نسبيا في حقلي الأكاديمي؛ فوجدت نفسي مستمتعًا بكل ما يخص البيئة الذي شمِل مكامن الطاقة المتجددة وطرق استغلالها والبيئة وما تخفيه من طاقة وتحديات، ولعلّ هذا ما ولّد في داخلي الشغفَ المتواصل أن أعمل مؤخرا على بحث يتعلق باكتشاف عيوب «توربين الرياح» «Wind Turbine» -أحد أهم مصادر الطاقة البديلة والمتجددة- عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

يتعلق حديثُ مقالنا عن المخلفات التي يمكن تحويلها إلى طاقة نظيفة؛ فتهدف في صميمها إلى بلوغ مرحلة الاستدامة الذي يمكن أن يرتبط بمفهوم الاقتصاد الدائري، ولم أكن بعيدا عن لب هذا الموضوع عبر افتتاحية المقال بذكر تجربتي مع مقررات هندسة البيئة والطاقة المتجددة؛ إذ لا تنفصل البيئية بما تحويه من أشياء مثل المخلفات «النفايات» وفرص تحولها إلى طاقات ومنتجات متجددة؛ فما زلنا نبحث عن حلول تتيح لنا فهمنا للبيئة واكتشاف طرق التفاعل معها والاستفادة من موادها، وأحد هذه المواد «المخلفات» التي يمكن أن ننظر إليها بصورة إيجابية.

قبل أن نتناول الشق العلمي في موضوعنا فيما يخص المخلفات وآلية تحويلها إلى طاقة صديقة للبيئة؛ سنحتاج أن نعرج بشكل موجز في تأويل مفهوم «الاقتصاد الدائري» ومغزى «الاستدامة» في هذا النوع من الاقتصادات؛ إذ ثمّة اختلاف بين «الاقتصاد الخطي» و»الاقتصاد الدائري؛ فيُقصد بالاقتصاد الخطي الاقتصاد التقليدي الذي يبدأ بالاستخراج والإنتاج وينتهي بالنفايات غير المفيدة التي تضر البيئة وتنتج انبعاثات ضارة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، ومثال ذلك كل ما يمكن أن يخطر في بالنا من منتجات نستهلكها بشكل يومي لا نجد لها نفعا بعد الانتهاء منها إلا بالتخلص منها، وفي حين نجد أن الاقتصاد الدائري يعتمد مبدأ الاستدامة؛ فيواصل المنتج رحلته الإنتاجية دون توقف عبر حلقة مغلقة تعيد إنتاج المنتج في دورته الاقتصادية -عبر إعادة التدوير-؛ فإما أن يتحول إلى منتج جديد أو طاقة مفيدة؛ فيساهم في تقليل الانبعاثات الضارة الصديقة للبيئة. في مقالنا الحالي، سنركّز على هذا النوع من الاقتصادات، ولكن في حيّز علمي نتناول فيه تحقيق الاستدامة عن طريق تحويل المخلفات بأنواعها الكثيرة إلى منتجات وطاقة مفيدة. سيصبّ تركيزنا على تطبيقات عملية تخص هذا القطاع شهدتها بنفسي في بعض المختبرات وما تعكسه تجارب أحد الزملاء المختصين الذي عمل في هذا الحقل العلمي، وكذلك سنعرج إلى توسيع رقعة النقاش لنرى بعضا من الدراسات المرتبطة بقطاع معالجة المخلفات وأهدافها البيئية والاقتصادية المستدامة في سلطنة عُمان؛ فيهمنا أن ندرك أن سلطنة عُمان وفقَ رؤيتها الوطنية «رؤية عُمان ٢٠٤٠» تعتمد التوجّه إلى الاقتصاد الدائري وتفعيل قيمة المخلفات الزراعية والصناعية وتقليل الطمر والردم.

كما أوجزنا في تفسير ما يُقصد بالاقتصاد الدائري، فكذلك لا أظن أنه من المستحب أن ننطلق في رحلة حديثنا عن المخلفات وسبل تدويرها وتحويلها إلى طاقة ومنتجات نافعة قبل أن نعرّف القارئ -بشكل مختصر- على المخلفات التي يمكن أن نطلق عليها أيضا بالنفايات، ورغم ما تحويه مصطلحات مثل «المخلفات» أو «النفايات» من اشمئزاز وانعكاس سلبي كونها موادَ ومخرجات غير نافعة في صورتها الظاهرية؛ فنحتاج إلى التخلص منها وتقليلها عبر وسائل عدة منها الحرق والردم، وفي حين أن هذه الوسائل المتبعة في التخلص من النفايات ضارة بالبيئة وذات تكلفة مالية على المدى البعيد لما تُحدثه من أضرار للإنسان والبيئة بعموم عناصرها الحيّة والجامدة؛ فإن التوجهات الحديثة أعادت فهم العلاقة مع ما نطلق عليه «مخلفات ونفايات» لتضعها في عداد المواد المفيدة وفقَ

مقتضيات الاستدامة وبروتوكولات الاقتصاد الدائري. تتعدد النفايات ويمكن أن نذكر بعضا منها مثل: النفايات البلدية الصلبة -سواء المنزلية أو التجارية-، النفايات الصناعية -البتروكيميائية والأغذية-، النفايات الطبية والدوائية، النفايات ذات التصنيف الخطير -المذيبات، الأحماض، زيوت ملوثة، وبطاريات-، الزراعية -مخلفات النخيل وبقية الأشجار-، مخلفات البناء والشوارع، ومخلفات المرادم نفسها ذات الأثر السلبي على البيئة.

ننطلق في محور موضوعنا الرئيس عبر استعراضٍ واقعي وعملي لعدد من مشروعات معالجة النفايات التي عمل عليها زميلي الدكتور شبيب الراشدي؛ فكانت مشروعاته تصب في صالح تحقيق الاستدامة الاقتصادية عن طريق معالجة النفايات وإعادة تدويرها. نأتي إلى عرض عدد من النفايات وما يرتبط بها من مشكلات وحلول كما تعامل معها الراشدي؛ فكانت البداية مع مخلفات النخيل وطموح تحويلها إلى فحم حيوي «Biochar»، فأظهرت المشاهدات المختبرية أن مع تسخين المخلفات النباتية -تحديدا مخلفات النخيل- وتعريضها لدرجة حرارة منخفضة -تقدّر ب٢٥٠ درجة سيليزية- يكون الكربون عرضة للتحلل والميثان عرضة للتحفيز -يعد مفيدا لتقنية الهضم اللاهوائي «Anaerobic Digestion»-، ومع درجات حرارة عالية تصل إلى ٧٥٠ درجة يمكن أن يتحول إلى فحم يخزن الكربون ويقلل انبعاثات الغازات الدفيئة؛ فيساهم في تحسين مردود الطاقة الحيوية وتوفير محسّنات للتربة؛ فخلصت الدراسة إلى أن آلاف الأطنان من مخلفات النخيل في عُمان يمكن استغلالها لإنتاج «البيوجاز» عبر تقنية «الهضم اللاهوائي»، وفي هذا الشأن، صمم الفريقُ البحثي هاضما بسعة 7.2 متر مكعب لإجراء التجارب، وأثبتت النتائج إمكانية إنتاج الغاز الحيوي واستخلاص السليلوز من هذه المخلفات. كذلك أمكن للفريق البحثي أن يستخرج من مخلفات النخيل طلاءات حاجزية مضادة للتآكل لألمنيوم الفويل؛ لتكون بدائل محلية صديقة للبيئة؛ فتقلل الاعتماد على الكيماويات المستوردة الضارة، وأُنتِجَ فحمٌ زراعي منخفض الملوثات عن طريق إعادة تدوير مخلفات النخيل بالإضافة إلى النفايات البلاستيكية. في سبيل الوصول إلى الهيدروجين الأخضر، أمكن للراشدي وفريقه البحثي إنتاج الهيدروجين الأخضر من بقايا الطعام -التي تحولت إلى نفايات غير صالحة للاستهلاك والأكل- بواسطة التخمير المظلم باستعمال جسيمات Fe₃O₄ النانوية وبكتيريا مختزلة للحديد؛ فساهم في تسريع التحلل ومضاعفة إنتاج الهيدروجين ليتحول إلى وقود نظيف قليل التكلفة.كذلك النفايات الطبية المُعالجة، نجد لها دورا باعتبارها من النفايات التي يمكن تحويلها إلى وقود بديل في مصانع الأسمنت؛ فيغطي ما يقدّر ب 12.75% من احتياجات الطاقة لتلك المصانع وفق ما أشارت إليه دراسة لباحث عُماني وفريقه « Al-Wahaibi, M., & Baird, J., 2024» بعنوان «Potential of solid recovered fuel production from autoclave treated healthcare waste in Sultanate of Oman» « إمكانيات إنتاج الوقود الصلب المستعاد من النفايات الطبية المعالَجة بالأوتوكلاف في سلطنة عُمان « نُشِرت في «Journal of the Air & Waste Management Association». في دراسة أجريت في سلطنة عُمان -عبر باحثين معظمهم من جامعة السلطان قابوس- « Jellali, S., Charabi, Y., Usman, M., Al-Badi, A., & Jeguirim, M., 2021»- بعنوان « Investigations on Biogas Recovery from Anaerobic Digestion of Raw Sludge and Its Mixture with Agri-Food Wastes: Application to the Largest Industrial Estate in Oman» «دراسات عن استرداد الغاز الحيوي من الهضم اللاهوائي للحمأة الخام ومزجها مع المخلفات الزراعية-الغذائية: تطبيق على أكبر مدينة صناعية في سلطنة عُمان» ونشرت في «Sustainability» استعملت تقنية الهضم اللاهوائي على الحمأة الناتجة من محطات معالجة مياه الصرف الصناعي مع إضافة مخلفات زراعية وغذائية، وأظهرت النتائج أن إضافة المخلفات الزراعية زادت من إنتاج الكهرباء إلى 82.2 جيجاواط ساعة في غضون 20 عامًا، وقللت انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 70,602 طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وكذلك بيّنت الدراسة جدوى اقتصادية قوية مع فترة استرداد لا تتجاوز 7 سنوات، وأكدت هذه الدراسة فعالية هذا الاستغلال للمخلفات في تحقيق الاقتصاد الدائري الذي يعتمد مبدأ الاستدامة.

رغم ما نلحظه من تقدّم علمي وكفاح بحثي وتطبيقي في قطاع معالجة النفايات وإعادة إنتاجها إلى طاقة نظيفة؛ فإن التحديات ملحوظة أيضا استنادا إلى ما قرره بحث لزميلي -السابق- في الحقل الأكاديمي الدكتور «أوكيدو» وفريقه « Okedu, K., Barghash, H., & Nadabi, H., 2022» بعنوان «Sustainable Waste Management Strategies for Effective Energy Utilization in Oman: A Review.» «إستراتيجيات إدارة النفايات المستدامة من أجل الاستعمال الفعّال للطاقة في سلطنة عُمان: مراجعة» المنشور في « Frontiers in Bioengineering and Biotechnology»؛ فخلصوا إلى ضرورة البحث عن استثمارات كبيرة، وإحداث تطوير أكبر في البنية التحتية، ورفع الوعي المجتمعي فيما يخص فرز النفايات ودعم الابتكار التقني. بجانب ما يمكن للأبحاث والدراسات أن تعكسه من حلول وتحديات؛ فإننا كذلك نعوّل على ثقافة المجتمع في التعامل مع النفايات والمخلفات بكل أنواعها؛ حيث لا يمكن أن يقتصر الدور في معالجة هذه النفايات على الباحثين والمؤسسات المختصة، وإنما يمتد الدور ليشملنا جميعا عبر ممارسات بيئية سليمة وبسيطة لا تتطلب جهدا ولا تكلفة مالية، ويتأتى ذلك أولا عبر تثقيف أنفسنا بسبل التعامل مع النفايات اليومية على الأقل في داخل منزلنا؛ فمثلا من السهل أن نستغل بقايا الطعام وخصوصا الخضار والفواكه الفاسدة وقشورها لتكون سمادا عضويا لأشجار حديقة منزلنا عبر عدة طرق منها وأبسطها دفنها تحت الأشجار لما تحويه من عناصر عضوية مفيدة للتربة والأشجار، أو تحويلها إلى سماد عضوي مباشر عن طريق تخزين نفايات الطعام المذكورة آنفا في وعاء تخزين يخلط فيه -بوجود نفايات الطعام- كمية من التربة وأوراق الأشجار والمحافظة رطبا عليه لعدة أشهر؛ فيتحول بعدها إلى سماد عضوي مفيد للأشجار. كذلك الحال مع الأوراق الخفيفة والثقيلة -الكرتون- بالتبرع بها أو نقلها بمقابل مالي إلى شركات ومصانع متخصصة في إعادة تدوير هذه الأوراق، وهذا حال المخلفات الزجاجية والبلاستيكية؛ فنساهم في حفظ البيئة واستدامتها كما نساهم أيضا في التحوّل إلى الاقتصاد الدائري.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاقتصاد الدائری مخلفات النخیل تحویلها إلى من النفایات التی یمکن إلى طاقة یمکن أن عن طریق

إقرأ أيضاً:

إصابة لصين في حادث على الطريق الدائري بالقليوبية

أُصيب شابان في حادث تصادم عقب تنفيذ سلسلة من وقائع السرقة باستخدام دراجة نارية بالطريق الدائري التابع لمدينة قليوب بمحافظة القليوبية، حيث اختتما مغامرتهما الإجرامية بنهاية مؤلمة على الأسفلت، وجرى إخطار اللواء أشرف جاب الله، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن.

تلقى اللواء محمد السيد، مدير إدارة البحث الجنائي بالقليوبية، إخطارًا من اللواء وائل متولي، رئيس مباحث المديرية، يفيد بورود بلاغ من المقدم حسام الحسيني، رئيس مباحث مركز شرطة قليوب، بإصابة شابين في حادث تصادم على الطريق الدائري، وجرى نقلهما إلى مستشفى قليوب العام لتلقي الإسعافات اللإزمة.

 

على الفور، انتقل ضباط مباحث القسم لموقع الحادث، وبالفحص تبيّن أن الشابين مقيمان بمدينة القناطر الخيرية، وكانا يستقلان دراجة نارية ويقومان بسرقة المواطنين أثناء سيرهم على الطريق الدائري، إلا أنه أثناء محاولتهما الهرب بعد تنفيذ إحدى وقائع السرقة، اختلت عجلة القيادة في أيديهما، مما أدى إلى اصطدامهما بسيارة وسقوطهما أرضًا مصابين بإصابات بالغة.


وحرر المحضر اللإزم بالواقعة، وتولت النيابة العامة التحقيق، والتى أمرت بحبس المتهمين 4 أيام علي ذمة التحقيق.

مقالات مشابهة

  • وزير الأشغال يتفقد المرحلة الثالثة من طريق إربد الدائري
  • منال عوض تطلق الحوار التفاعلي الرابع حول الأعلاف الحيوانية غير التقليدية واستغلال المخلفات الزراعية
  • الأمم المتحدة: إدارة النفايات في غزة تحدٍ أساسي لإعادة الإعمار
  • «مجلس الإمارات للاقتصاد الدائري» يبحث إطلاق فرص اقتصادية مبتكرة بقطاع الغذاء بالدولة
  • “أونروا”: التعليم في غزة شريان حياة للأطفال وأولوية لا تحتمل التأجيل
  • عجمان.. مبادرات رائدة لحماية البيئة والموارد الطبيعية
  • إصابة لصين في حادث على الطريق الدائري بالقليوبية
  • القائم بأعمال وزير الاقتصاد يطلع على امتحانات الحصول على إجازة محاسب قانوني
  • الدقهلية: رفع 1000 طن مخلفات بلدية ونواتج تطهير بميت غمر