منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917، والقوى الدولية والغربية تقف في صف رعاية وحماية كيان عنصري ديني يَزعم قيامه بمهمة مقدسة على أرض فلسطين، ومنذ ذلك التاريخ لم يقم العرب بالدور الكافي والمناسب لِلَجْم هذا المشروع، بدءا من مراحل التبشير به، مرورا بعمليات تنفيذه الاستيطانية، ثم إعلان قيام الكيان الصهيوني، وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم، وانتهاء بعدوان غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الذي بلغ الخزي العربي فيه مرحلة التواطؤ والتعاون مع الاحتلال.
منذ مؤتمر بازل الصهيوني، ويَشحن الصهاينة مشاعر اليهود في العالم، رغم أن قادة الاحتلال وقادة عصاباته لم يكن معظمهم من المتدينين، لكنهم أشعلوا نيران الحرب الدينية في فلسطين، ليكون التوجيه الديني وقودا لذهاب اليهود إلى الأرض المسروقة، ولا تزال تلك الدعايات يقدمها نتنياهو وقادة الاحتلال، بل ومسؤولون أمريكيون يتحدثون عن حقوق دينية في الأراضي الفلسطينية!
عقب طوفان الأقصى تداعت الأنظمة الغربية والنظام الأمريكي إلى المستعمَرة الأخيرة في العالم لهم، وأعلنت تضامنها ودعمها المالي والسياسي والعسكري والاستخباري، وأتاحت لحكام المستعمَرة أن يُقَتِّلوا دون حدود أو رقابة أو قيود، ودمَّرت كل شيء في قطاع غزة تقريبا، مع هجمات لا تتوقف في الجنوب اللبناني واليمن، وذلك بسبب أمر واحد فقط؛ أن بعض من يرتدون "الشباشب" داسوا بها على وجه الأسلحة الأقوى في العالم، والاستخبارات التي لا تنام عن هذا المكان الصغير.
لا يزال هذا الدعم مستمرا إلى اليوم، وبوجه مكشوف، فقال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن إسرائيل تقوم "بالعمل القذر.. من أجلنا جميعا"، أما ترامب الذي يضغط لأجل القتلى الصهاينة ليل نهار، متذرعا باعتبار دولته ضامنة، فلا يرمش له جفن لعدم امتثال الكيان لبنود الاتفاق، فلم يسلّم العدو جميع الأسرى الفلسطينيين، ولا يزال يقتل الفلسطينيين في غزة، ولم يُدخل من أصل 600 شاحنة يوميّا، إلا نحو 89 شاحنة فقط، وفق البيان رقم 1010 للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، الذي جاء فيه: "نؤكد أن إجمالي ما دخل إلى قطاع غزة منذ بدء سريان قرار وقف إطلاق النار بلغ 986 شاحنة مساعدات إنسانية فقط من أصل 6,600 شاحنة يفترض دخولها حتى مساء الاثنين 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وفقا لما تم الاتفاق عليه في نصوص القرار".
رغم هذه الخروقات الفاضحة، فإن الفلسطينيين لا يزالون مستمرين في تسليم جثامين الأسرى، بضغوط غير عادية تُمارَس بحقهم، وهي ضغوط عربية أكثر من كونها أمريكية، وقد أكدها ترامب بقوله:
- حلفاء في المنطقة أبلغوني أنهم سيرحبون بدخول غزة بقوة عسكرية ضخمة وتأديب حماس إذا انتهكت اتفاقها معنا.
- أبلغت الحلفاء وإسرائيل أن الوقت لم يَحِنْ بعد للتدخل عسكريا ضد حماس.
وبالطبع لم يَحِنْ الوقت بعد، لأن هناك جثامين لا تزال محتجزة لدى المقاومة، لكن المهم في كلامه، حديثه عن الدول العربية التي تدعو لتأديب حماس، والمؤشرات كلها تتحدث عن الإمارات تحديدا التي رفضت المشاركة في مؤتمر شرم الشيخ، وليس بعيدا أن تكون هذه دعوة دول أخرى، لكن تظل الإمارات رأس الحربة.
إذا أردنا صوغ تقييم مجمل لما حدث منذ طوفان الأقصى، فإننا سنكون أمام مجموعة من النقاط، وربما بالترتيب التالي:
- إذلال للعدو الصهيوني بأبسط الإمكانيات والقدرات.
- جرأة غير مسبوقة في مواجهة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، عبر ساحات اليمن ولبنان وإيران.
- رد فعل شديد العنف من الاحتلال، شمل تدميرا غير مسبوق تجاوز عدة تفجيرات نووية.
- إذلال للفلسطينيين خلال اعتقالهم واستجوابهم بغرض كسر إرادتهم بعد الجرأة غير المسبوقة، والكفاءة في يوم العملية والاحتفاء بها شعبيّا، بغرض تركيعهم، ومنعهم من التفكير في تكرار العملية.
- دموية غير مسبوقة، شملت قتل الأطفال عن عمد، مثل الشهيدة هند رجب، ودَهْس المعتقلين بالدبابات، وقتل المعتقلين تحت التعذيب أو إعدامهم بدم بارد، وقتل الشهود في القضايا الدولية ضد الصهاينة، كما جاء في برنامج ما خفي أعظم.
- تهديدات متكررة للفلسطينيين بالقتل وفتح أبواب الجحيم، كأنها لم تُفتَح بالفعل منذ يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023!
- التأكيد دوما على حق الصهاينة في القتال والرد، وإلزام الفلسطينيين بالخضوع أمام آلة القتل دون رد!
- السماح بالدعوات الصهيونية الرسمية والشعبية لإبادة الفلسطينيين والسيطرة على كامل الأرض التاريخية لفلسطين، ومجرد الحديث عن حقوق الفلسطينيين يعدُّ فعلا مجرَّما بزعم المعاداة السامية!
- خطاب "رسمي" متصاعد يقول بوضوح إن معاداة الصهيونية تعد معاداة للسامية!
- عودة القضية الفلسطينية إلى قلب الاهتمام الدولي، وإعادة إحياء حل الدولتين.
- عزلة صهيونية "شعبية" غير مسبوقة، وهجوم دولي رسمي غير معهود، حتى وإن كان دون فعل، لكنه تغيُّر في واقع ثابت منذ ثمانية عقود على الأقل.
- كشْف الانبطاح العربي أمام العدو الصهيوني، بعدم أخذ أي إجراء عقابي ضد الكيان الصهيوني.
- جهل عالمي "رسمي" بحقيقة الصراع، ولعلَّ كلام كونداليزا رايس مؤخرا عن وجوب تغيير المناهج الفلسطينية أحد أبرز تجلياته، وكأن الصراع لا يرتبط بالقتل والاعتقال واغتصاب الأرض والإذلال اليومي!
إن مُحَصِّلة الأوضاع الدولية والعربية تقول إن للاحتلال من يدافع عنه، بينما القضية الفلسطينية لا مُدافع عنها سوى مقاوميها الذين أعجزوا الدنيا، وليس العدو الصهيوني فقط. المقاومة رغم فائض القوة وميزانه لصالح العدو، لا تزال هي الفاعل، وإن العدو لم يكن يمكنه خوض هذه المعركة لولا الدعم الأمريكي والأوروبي ماديّا وعسكريّا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه فلسطين الاحتلال المقاومة احتلال فلسطين مقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الفرح: طاعة الكيان الصهيوني انحراف عن قيم الإيمان والهوية الإسلامية
يمانيون |
أعرب عضو المكتب السياسي لأنصار الله، محمد الفرح، عن استغرابه الشديد من مواقف بعض الأصوات العربية واليمنية التي تدافع عن الكيان الصهيوني وتبرر جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، معتبرًا ذلك انحرافًا خطيرًا عن القيم الدينية والوطنية، وخروجًا عن مقتضيات الإيمان الذي يدعو إليه الإسلام.
وفي تدوينة له على منصة “إكس”، قال الفرح: “لم أكن أتصوّر يوماً أن أرى يمنيًا من بلد الإيمان والحكمة يدافع عن الصهاينة ويمجّدهم ويؤيّد ممارساتهم الإجرامية، ويعادي الفلسطينيين”. وأكد أن هذا الموقف يتنافى مع تاريخ اليمن المشرف في نصرة قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وأشار الفرح إلى ضرورة استحضار قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ» [آل عمران: 100]، مبينًا أن الآية الكريمة تحذر المسلمين من الانخداع باتباع أهل الباطل وطاعتهم في ما يخالف دين الله.
وأضاف الفرح أن العديد من الأنظمة العربية وبعض الفئات في اليمن والعالم الإسلامي قد انخرطت في المشروع الصهيوني الذي يتصادم مع الإسلام، ويقود إلى الارتداد عن مبادئ الإيمان، حتى وإن احتفظ أصحاب هذه الأنظمة بمسمياتهم الدينية والوطنية.
وأكد أن طاعة الكيان الصهيوني وحلفائه تعتبر مدخلًا للانسلاخ من الإيمان والانتماء الحقيقي للأمة الإسلامية. ودعا الشعوب العربية والإسلامية إلى الثبات على نهج المقاومة، ورفض التطبيع، والتصدي للمشروع الصهيوني الأمريكي الذي يهدف إلى تدمير هوية الأمة واستقرارها.