نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتب والصحفي جون كامبفنر، تناول فيه التحولات التي طرأت على علاقة أوروبا بالولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيرا إلى أن استقلالية القارة العجوز باتت موضع شك، خصوصا بعد المظاهر العلنية لتودد قادة أوروبيين إلى واشنطن.

وقال الكاتب إن المشهد الذي جمع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ورئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته بالرئيس ترامب في الصيف الماضي، والذي أظهره وهو يعبّر عن تقدير مبالغ فيه له، شكّل رمزا لما وصفه بـ"تخلي أوروبا عن دورها"، موضحا أن العام الأول من الولاية الثانية لترامب شهد مواقف عدة مشابهة، خاصة مع تصاعد مخاوف الأوروبيين من انسحاب واشنطن من تحالف شكّل أساس الأمن الغربي على مدى نحو ثمانية عقود.



وأضاف كامبفنر أن هذا هو السبب الذي دفع "روته" إلى ما فعله، ودفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وضع يده على ركبة ترامب في مشهد وُصف بالمبالغ فيه، وكذلك ما فعلته العائلة المالكة البريطانية خلال زيارة ترامب الرسمية الثانية إلى المملكة المتحدة.

وتساءل الكاتب عما إذا كانت هذه التصرفات مجرد بروتوكول سياسي أم أنها تعكس واقعا أعمق يتمثل في "تراجع أوروبا الحقيقي"، مستشهدا بأحداث الشرق الأوسط الأخيرة كمؤشر على ذلك.

وأوضح أن ترامب، خلال جولة نصره في شرم الشيخ بعد ساعات من إطلاق حماس سراح 20 أسيرا إسرائيليا ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، وجّه انتقادات حادة لعدد من القادة الأوروبيين، وأحرج رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر برفض دعوته للصعود إلى المنصة، كما وصف رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بأنها "جميلة"، وسخر من ماكرون ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، فيما تجاهل تماما المستشار الألماني فريدريش ميرز.

وبيّن الكاتب أن تصريحات ترامب العاطفية القصيرة في تلك الجولة أكدت أنه يحصل على ما يريد، مضيفا أن حصوله على جائزة نوبل للسلام، إن حدث، سيشكّل ذروة الإعجاب الذي يسعى إليه، إلى جانب الصفقات التجارية المحتملة.

وأشار كامبفنر إلى أن القادة الأوروبيين، مثل ستارمر وماكرون وميرز، يحاولون التعامل مع ترامب برباطة جأش، مدركين أنهم لن يحظوا بامتيازات خاصة من واشنطن أكثر مما تحظى به دول مثل السعودية وقطر وتركيا.

ولفت إلى أن إشادة ترامب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال قمة السلام في غزة، كانت لافتة، إذ قال له إن "الولايات المتحدة كانت معه طوال الطريق" في ما سماه "قمع الاضطرابات"، مشيرا إلى أن ترامب يبحث عن قادة يشبهونه في التفكير، سواء في السياسة أو الاقتصاد.

وأضاف الكاتب أنه شعر بالصدمة بعد استماعه إلى مقابلة بودكاست مع ماتياس دوبفنر، رئيس مجلس إدارة شركة "أكسل سبرينغر"، الذي يرى أن أوروبا تفقد أهميتها بسبب نهجها البيروقراطي المفرط، وتفضيلها التنظيم على الابتكار، وتخلفها في مجالات التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، إلى جانب انغماسها في "حروب ثقافية" ضد حرية التعبير.

وأوضح كامبفنر أنه، رغم رفضه لبعض آراء دوبفنر، يتفق جزئيا مع فكرة أن هذه البيروقراطية ساهمت في تراجع أوروبا، مشيرا إلى أن إدارة ترامب منحت قدرا كبيرا من اللامبالاة للمؤسسات متعددة الأطراف، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، مفضلة التعامل مباشرة مع الدول بصفاتها الفردية.

وبيّن الكاتب أن أوروبا تُركت لتتنافس داخليا على المهام في خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط المكونة من 20 نقطة، إذ يدّعي البريطانيون امتلاكهم خبرة في بناء السلام من تجربتهم مع أيرلندا الشمالية، بينما يسعى الفرنسيون والألمان إلى قيادة جهود إعادة إعمار غزة.

وأشار إلى أن الملف الأوكراني كان الساحة التي ظن الأوروبيون أنهم يمتلكون فيها أكبر تأثير، بعد تعهدهم برفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما اعتبره ترامب مكسبا، قبل أن يخيب أمله من عدم تجاوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع مساعيه خلال قمة ألاسكا.




وأضاف أن ترامب بدا وكأنه بدأ يتفهم موقف الأوروبيين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لكنه سرعان ما هاجم الأخير في مؤتمر بالبيت الأبيض، متبنيا مواقف قريبة من الكرملين، وأعلن عن قمة أمريكية روسية في المجر، الدولة الأوروبية الوحيدة التي تبدي انحيازا واضحا لموسكو، في مؤشر إلى أن نهجه لا يزال متذبذبا.

وأوضح الكاتب أن بعض التصريحات الغريبة التي صدرت عن ترامب، مثل رغبته في السيطرة على غرينلاند وكندا وقناة بنما، تم تأجيلها مؤقتا، مشيرا إلى أن الرد على مواقفه يجب أن يكون "بحزم وأدب".

وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يُعد من القلائل الذين تحدوا ترامب علنا برفضه زيادة الإنفاق الدفاعي، واعتماده سياسة أكثر انفتاحا تجاه الهجرة، بينما رفض رئيس الوزراء الكندي مارك كارني فكرة أن تصبح بلاده الولاية الأمريكية الحادية والخمسين، ما عرضه لانتقادات ورسوم جمركية إضافية.

وأوضح أن فرنسا والمملكة المتحدة، رغم غضب إسرائيل من قرارهما الاعتراف بدولة فلسطين، لم تواجه رد فعل حادا من ترامب، في إشارة إلى أن الصبر والتوازن قد يكونان السبيل للتعامل معه، قائلا: "اختر معاركك، وتجنب الإهانات الصارخة، وحافظ على رباطة جأشك، واستعد للمدى الطويل".

وأضاف أن الموقف الأوروبي التقليدي كان يقوم على الاعتقاد بأن ترامب سيفقد اهتمامه بإعادة تشكيل العالم وفق رؤيته، لكن هذا الرأي تغيّر، إذ يبدو أنه تمكن من ترسيخ نهجه السياسي وشعاره "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"، بفضل رموزه البارزين مثل نائبه جيه دي فانس.

واختتم كامبفنر مقاله بالتأكيد على أن الحقبة التي كان فيها الرئيس الأمريكي الجديد يتوجه أولا إلى لندن أو باريس أو برلين لطمأنة الحلفاء على حسن النية قد انتهت إلى غير رجعة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية أوروبا ترامب السعودية المصري مصر امريكا السعودية أوروبا ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس الوزراء مشیرا إلى أن الکاتب أن أن ترامب

إقرأ أيضاً:

ترامب: حلفاؤنا بالشرق الأوسط يريدون دخول غزة بقوة عسكرية لتأديب حماس

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن "حلفاءنا العظماء في منطقة الشرق الأوسط وما حوله سيرحبون بفرصة دخول غزة وتأديب حماس إذا استمرت في التصرف بشكل سيء".

وأضاف ترامب "أبلغني العديد من حلفائنا العظماء الآن في الشرق الأوسط، والمناطق المحيطة به، صراحةً وبقوة، وبحماس كبير، أنهم سيرحبون بفرصة، بناءً على طلبي، لدخول غزة بقوة (عسكرية) كبيرة و"تأديب حماس" إذا استمرت حماس في التصرف بشكل سيء، في انتهاك اتفاقهم معنا". 

وتابع، أنه أبلغ هذه الدول التي لم يحددها بأنه الوقت لم يحن بعد لذلك.

وأردف الرئيس الأمريكي، "لم نشهد مثل هذا الحب والروح بالشرق الأوسط منذ ألف عام! إنه لأمر رائع أن نراه!"، مبينا أنه "لا يزال هناك أمل في أن تفعل حماس الصواب. وإن لم تفعل، فستكون نهاية حماس سريعة ووحشية! أود أن أشكر جميع الدول التي اتصلت للمساعدة".



وبات حديث ترامب عن حركة حماس شبه يومي حيث هدّد الاثنين بـ"القضاء" على الحركة إذا لم تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال، متوعدا بأنه قد يأمر بشن هجوم جديد في المنطقة.

وقال ترامب، "إذا اضطررنا لذلك، فسيتم القضاء عليهم، وهم يعلمون ذلك"، محذرا من أنه إذا استمر العنف في غزة، "فسنتدخل ونعالج الوضع، وسيحدث ذلك بسرعة كبيرة وبعنف شديد" وفق مزاعمه.

وأضاف ترامب أن القوات الأمريكية لن تشارك في أي قتال متجدد، مؤكدًا أن قوات أخرى موجودة ومستعدة لتنفيذ الأوامر إذا قرر أن حماس انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار.

وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض: "اتصلت بي دولٌ عندما شاهدت بعض أعمال القتل مع حماس، وقالت إنها ترغب في التدخل ومعالجة الوضع بأنفسها".

وأضاف: "سنمنح الوضع فرصةً صغيرة، ونأمل أن يكون هناك انخفاضٌ في العنف".

والأحد قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد، إنه لا يوجد "جدول زمني قطعي" لنزع سلاح حركة حماس. متحدثا في الوقت نفسه عن مستقبل غزة وخطط الإعمار فيها.

وأضاف أن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يعتمد على تطور الأوضاع ميدانيا وسياسيا خلال المرحلة المقبلة.

كما أوضح ترامب، في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، أن التوصل إلى الاتفاق لم يكن ممكنا "إلا بعد إقصاء إيران من هذا المسار والقضاء على قدراتها النووية"، لافتا إلى أن إدارته تتابع التطورات في قطاع غزة عن كثب.

وتابع، "ليس هناك جدول زمني، وليس هناك مسار صارم، لكننا سنرى كيف ستسير الأمور"، مشيرا إلى أن على حماس "القيام بما يقع على عاتقها خلال هذه المرحلة".

وردا على سؤال عن خططه لتطوير غزة قال ترامب، "لقد أحببتها كمكان يمكن أن نطلق عليه مكان الحرية. سنعمل على أن يحصل جميع الأشخاص الذين يعيشون هناك على منازل لائقة في مختلف أنحاء المنطقة. فمصر لديها الكثير من الأراضي، والأردن لديها الكثير من الأراضي".

مقالات مشابهة

  • إدارة ترامب تضغط على الأرجنتين للحد من نفوذ الصين
  • ترامب: حلفاؤنا بالشرق الأوسط يريدون دخول غزة بقوة عسكرية لتأديب حماس
  • سياسي: استقرار أوروبا يبدأ من الجنوب.. ومصر في الصدارة
  • صادرات الساعات السويسرية تتراجع بنسبة 56% في السوق الأمريكية بفعل رسوم ترامب
  • ترامب يُهدد حماس بتصريحٍ ناري: ستكون نهايتهم سريعة وعنيفة
  • الأغذية العالمي: المساعدات التي تصل إلى شمال غزة ليست كافية
  • خريطة توضّح مدى صواريخ توماهوك الأمريكية في حال استخدامها من قبل أوكرانيا
  • بضغط من ترامب .. اعادة فتح معابر غزة وادخال المساعدات ووقف القتال
  • السنغال تتراجع عن مواجهة مصر وديًا.. وحسام حسن يرفض اللعب أمام كاب فيردي ويفضل أوزبكستان وإيران