فقدان المستلزمات المدرسية.. ظاهرة تربوية تؤرق أولياء الأمور
تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT
أصبح فقدان المستلزمات المدرسية مشهدًا مألوفًا في الحياة اليومية للطلبة، حيث تتكرر حالات نسيان الأقلام والدفاتر أو إهمالها عمدًا، لا سيما في الصفوف الدراسية الأولى (الحلقة الأولى)، مما يشكل عبئًا متزايدًا على أولياء الأمور الذين يضطرون لتعويض ما يُفقد من أدوات دراسية بشكل مستمر.
وللوقوف على أسباب هذه الظاهرة والحلول الممكنة، استطلعت "عُمان" آراء عددٍ من المختصين والتربويين وأولياء أمور الطلبة، الذين أجمعوا على أهمية تعزيز وعي الأبناء وتنمية شعورهم بالمسؤولية تجاه ممتلكاتهم المدرسية.
وترى مياء بنت ناصر الحارثية، أخصائية اجتماعية، أن المحافظة على المستلزمات المدرسية تمثل جانبًا أساسيًا في تكوين شخصية الطالب، إذ لا تقتصر أهميتها على كونها أدوات للدراسة فحسب، بل تُعد وسيلة لتنمية روح المسؤولية والانضباط وتنظيم الوقت، إضافة إلى دورها في ترشيد الإنفاق والحفاظ على البيئة، وتشير إلى أن الاهتمام بالمستلزمات الدراسية يسهم في تعزيز دافعية الطالب نحو التحصيل والنجاح الأكاديمي.
وأكدت الحارثية على أن المدرسة تلعب دورًا محوريًا في ترسيخ قيم المحافظة على المستلزمات المدرسية، من خلال تنظيم حصص توجيهية وإذاعية صباحية تُسلّط الضوء على أهمية العناية بالأدوات الدراسية، إلى جانب إقامة معارض توعوية وعرض ملصقات تعليمية ومقاطع مرئية قصيرة داخل الفصول والممرات المدرسية، بحيث تخلق بيئة تعليمية محفّزة على الانضباط والمسؤولية.
وأشارت إلى أن تقديم نماذج سلوكية إيجابية، سواء من خلال التزام الطلبة أنفسهم أو ملاحظتهم لسلوكيات الكبار في الحفاظ على الأدوات والمرافق، يسهم بشكل فعّال في تعزيز وعي الطلبة وغرس روح المسؤولية لديهم، كما أن دمج هذه القيم ضمن الأنشطة اليومية للمدرسة، مثل مسابقات ترتيب الحقيبة أو العناية بالدفاتر، يضفي بعدًا عمليًا ويحوّل التوعية إلى سلوك ملموس.
وأضافت الحارثية أن استدامة هذه الثقافة التربوية تتطلب تضافر الجهود بين المدرسة والأسرة والمجتمع، بما يعزز الشعور بالانتماء للأدوات المدرسية ويعطي الطالب فرصة لتطوير مهارات التنظيم الذاتي والانضباط الشخصي بشكل مستمر، وهو ما ينعكس إيجابًا على تحصيله الدراسي وسلوكياته اليومية.
واقترحت الحارثية تنظيم مسابقات مدرسية لأجمل حقيبة مرتبة أو دفتر منسق، وإطلاق حملات توعوية تحت شعار "مدرستنا نظيفة وأدواتنا محفوظة" بمشاركة جميع الفصول، مع تكريم الطلبة المجيدين في العناية بمستلزماتهم، مشددة على ضرورة إشراك أولياء الأمور في هذه المبادرة.
وأضافت أن على الأسر اتباع استراتيجيات تربوية عملية لتشجيع الأبناء على المحافظة على أدواتهم، مثل تخصيص وقت يومي لترتيب الحقيبة بإشراف الوالدين في المراحل الأولى، وتقديم عبارات تشجيع أو مكافآت بسيطة عند الالتزام، فضلًا عن إشراك الأبناء في عملية شراء المستلزمات ليشعروا بالانتماء والمسؤولية تجاهها.
مؤكدة أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب تعاونًا تربويًا متكاملًا بين المدرسة والأسرة، يقوم على التوجيه الإيجابي لا العقاب، حتى يكتسب الطالب سلوكًا مستدامًا في المحافظة على ممتلكاته الشخصية وممتلكات مدرسته.
ومن جانب أولياء الأمور، عبّر علي البوسعيدي عن قلقه من صعوبة محافظة طلبة الحلقة الأولى على مستلزماتهم الدراسية، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الأطفال ينسون أدواتهم داخل الصفوف أو أثناء التنقل بين الحصص. وقال: "ليس كل الأطفال قادرين على الحفاظ على أدواتهم، وكثيرًا ما نرى أبناءنا ينسون بعض المستلزمات في قاعة الصف".
وأضاف البوسعيدي أن هناك ظواهر أخرى مقلقة مثل حالات فقدان أو سرقة بعض الأدوات خلال فترة الفسحة، موضحًا أن الأسباب قد تختلف، لكن النتيجة واحدة وهي إرباك الطالب وفقدانه لأدوات ضرورية لعملية التعلم، وأكد على أهمية دور المعلمات في توجيه الطلبة وتنبيههم باستمرار، مشددًا على أن التعاون بين الأسرة والمدرسة يمثل العنصر الأهم في ترسيخ هذه الثقافة السلوكية.
أما أم محمد، وهي أم لخمسة أطفال، فتقول: إن الأطفال غالبًا ما يكونون شاردي الذهن وغير مبالين بأغراضهم المدرسية، ولا يدركون فقدانها إلا عند عودتهم إلى المنزل. وأوضحت أن ازدحام الصفوف الدراسية بأكثر من 30 طالبًا يجعل من مهمة الحفاظ على الأدوات تحديًا يوميًا لكل من الطالب والمعلم.
واقترحت أم محمد مجموعة من الحلول العملية للتعامل مع مشكلة فقدان المستلزمات، أبرزها وضع ملصقات تعريفية على الأدوات المدرسية لتسهيل التعرف عليها بسرعة وتشجيع الأبناء على التأكد من امتلاكها قبل مغادرة الصف في نهاية اليوم الدراسي. وأكدت على أن هذه الخطوة لا تعزز فقط القدرة على تتبع الأدوات، بل تعمل على غرس شعور المسؤولية لدى الأطفال تجاه ممتلكاتهم الشخصية.
وشددت أم محمد على أهمية تحفيز الأبناء على تحمل المسؤولية بشكل يومي، معتبرة أن هذا التحفيز لا يقتصر على الحفاظ على المستلزمات المدرسية فحسب، بل يسهم في تعزيز روح الاستقلالية والانضباط الذاتي لديهم، ويكسبهم مهارات تنظيمية مهمة يمكن أن تفيدهم على المدى الطويل. كما لفتت إلى أن دمج هذه الممارسات ضمن روتين يومي للأسرة، مثل مراجعة الحقيبة قبل الانطلاق إلى المدرسة، يساهم في ترسيخ عادة الاهتمام بالممتلكات منذ الصغر ويقلل من الاعتماد على التدخل الخارجي المستمر.
وأشارت إلى أن إشراك الأطفال في اختيار وشراء مستلزماتهم بأنفسهم يمكن أن يزيد من شعورهم بالانتماء لأدواتهم ويجعلهم أكثر حرصًا على المحافظة عليها، مضيفة أن هذه الطريقة تعزز لديهم الوعي المالي والمسؤولية الشخصية في آن واحد.
بينما تروي سعاد الكلبانية تجربتها اليومية مع ابنها في المراحل الابتدائية واصفةً إياها بأنها مشهد متكرر كل صباح. حيث تقول: «ألتقط مقلمة ابني وأسأله: ماذا فقدت منها اليوم؟ لأكتشف أن أكثر من نصف محتوياتها مفقودة». وتضيف بأسى: «يكاد هذا السيناريو يصبح عادة يومية، فنضطر إلى شراء مستلزمات جديدة بشكل مستمر، إما بسبب نسيانها في المدرسة أو أخذها من قبل زملائه عن غير قصد».
وترى الكلبانية أن فقدان المستلزمات أصبح جزءًا من السلوك اليومي للطلبة في المراحل الأولى رغم حرص الأسرة على التنبيه الدائم، وتقترح حلًا عمليًا يتمثل في تخصيص ركن للمفقودات في المدارس، بحيث تُجمع فيه الأدوات التي يُعثر عليها، مع تسجيلها ووضعها في مكان بارز يسهل على الطلبة استرجاع ممتلكاتهم المفقودة.
أما ريا الحضرمية، وهي أم لثلاثة أطفال، فتعرض تجربتها مع فقدان المقتنيات المدرسية قائلة: «أبنائي أيضًا يفقدون أغراضهم بشكل متكرر، أحيانًا تضيع، وأحيانًا تُؤخذ منهم بقصد أو دون قصد، ما يجعلنا نشتري مستلزمات جديدة أسبوعيًا، وهو عبء مالي مرهق على الأسرة».
وتؤكد الحضرمية أن الظاهرة أصبحت مؤرقة للأسر وتتطلب حلولًا واقعية ومستدامة، مشيرة إلى أن قلة وعي الطلبة بأهمية ممتلكاتهم الشخصية هي أحد الأسباب الرئيسة. وتضيف: «ينبغي للمدارس تنظيم حلقات توعوية للطلبة حول كيفية الحفاظ على أدواتهم الدراسية، بالتوازي مع دور الأسرة في المتابعة اليومية وتذكير الأبناء بترتيب حقائبهم قبل الذهاب إلى المدرسة».
ويُضيف سالم المعمري، ولي أمر أحد الطلبة، معبّرًا عن وجهة نظره بأن فقدان المستلزمات المدرسية يُعدّ "مشكلة أزلية" تواجه الطلبة منذ عقود، وتحتاج إلى معالجة تربوية جادة. ويقول: "هذه القضية تتكرر كل عام، ولا يمكن تجاهل آثارها؛ إذ إنها ترهق الأسر ماديًا وتؤثر نفسيًا في الأبناء".
ويؤكد المعمري على أهمية تعزيز الوعي الذاتي لدى الطلبة من خلال تدريبهم على التنظيم والانتباه لمقتنياتهم، مضيفًا: "يجب أن يتعلم الطالب التخطيط المسبق والتحضير اليومي لحقيبته المدرسية، ويمكن للذين يعانون من النسيان استخدام دفتر ملاحظات لتدوين احتياجاتهم اليومية والرجوع إليه باستمرار لتجنب الفقدان المتكرر".
كما يرى المعمري أن المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة في ترسيخ ثقافة النظام والانضباط والمسؤولية لدى الأطفال، لتصبح المحافظة على الأدوات والمستلزمات جزءًا من سلوكهم اليومي والثقافة المدرسية العامة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المستلزمات المدرسیة أولیاء الأمور المحافظة على على الأدوات الحفاظ على على أهمیة فی ترسیخ إلى أن
إقرأ أيضاً: