المسافة المتحركة بين مسقط وأنقرة
تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT
حمود بن علي الطوقي
زيارة فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سلطنة عمان، بدعوة كريمة من جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم –حفظه الله–، تمثل فصلًا جديدًا في تاريخ العلاقات العمانية–التركية، وهي أول زيارة رسمية للرئيس أردوغان بصفته رئيسًا للدولة، إلى السلطنة، وقد جاءت بعد الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة السلطان إلى جمهورية تركيا في نوفمبر من العام الماضي، والتي فتحت آفاقًا واسعة أمام التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
هذه الزيارة ليست حدثًا بروتوكوليًا فحسب، بل هي إشراقة تؤكد عمق الصداقة بين بلدين يجمعهما التاريخ والاعتدال والحكمة والرؤية المشتركة نحو المستقبل. فقد شهدت الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي شملت مجالات الطاقة والصناعة والسياحة والاستثمار والتعليم والثقافة، مما يعكس رغبة صادقة في الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
وبينما أتابع تفاصيل الزيارة وما حملته من روح التقارب، عادت بي الذاكرة إلى مقالي الذي كتبته عام 2021 بعنوان «المسافة المتحركة بين أرطغرل وأردوغان»، حين تناولتُ فيه المسلسل التركي الشهير "قيامة أرطغرل" بوصفه أكثر من عمل درامي، بل بوصفه مشروعًا ثقافيًا أعاد صياغة الوعي الجمعي للأمة الإسلامية من زاوية التاريخ والهوية.
قلت في ذلك المقال إن بين أرطغرل وأردوغان “مسافة متحركة”، يجمعهما الإيمان بالعدالة والسعي لبناء الدولة القوية، وإن اختلفت الأزمنة والأدوات.
واليوم أجد أن تلك المسافة لم تعد متحركة فحسب، بل اقتربت أكثر من أي وقت مضى، حين تحوّلت رؤية القيادة التركية من إعادة بناء الداخل إلى مدّ الجسور مع الخارج، وخاصة مع العالم العربي والخليجي، وفي مقدمتهم سلطنة عمان.
أردوغان الذي جعل من تركيا قوةً اقتصادية ضمن مجموعة العشرين، أعاد تعريف بلاده كجسرٍ بين الشرق والغرب، بينما تسير عمان بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق على نهج متزن يوازن بين الأصالة والتجديد، ويؤمن بأن التعاون هو الطريق الأقصر نحو التنمية المستدامة.
من هنا، تتقاطع المسارات وتتكامل الطموحات، فكلتا الدولتين تؤمنان بالحوار، وتضعان الإنسان محورًا للتنمية.
لقد تابعتُ تجربة تركيا منذ التسعينيات من القرن الماضي، حين كانت تبحث عن نهضتها، ورأيت التحول الكبير الذي قادته حكومة حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002. نهضةٌ شاملة جعلت من تركيا اليوم قوة سياحية واقتصادية، تحتضن عشرات الملايين من الزوار، وتُصدر التكنولوجيا وتنافس في الأسواق العالمية. هذه التجربة التنموية المُلهمة يمكن أن تكون مصدرًا ثريًا للتكامل مع السلطنة في قطاعات الصناعة، والمناطق الاقتصادية، والموانئ، والسياحة، والتعليم، والثقافة.
إن نظرة سلطنة عُمان إلى تركيا تتجاوز الاقتصاد إلى رؤيةٍ أوسع؛ رؤيةٍ تُدرك أن التعاون الثقافي والتعليمي هو الاستثمار الأعمق أثرًا في الأجيال القادمة. فتركيا بتاريخها وحضارتها تشبه عمان في توازنها بين الحداثة والتراث، وكلا البلدين يعي أن الأصالة ليست حجرًا على الماضي، بل جسرًا يُعبر منه إلى المستقبل.
في زيارته إلى السلطنة ، بدا الرئيس أردوغان وكأنه يعود إلى بيتٍ يعرفه منذ زمن، إلى أرضٍ تشاركه القيم والمبادئ قبل أن تشاركه الاتفاقيات. وفي المقابل، استقبلته عُمان بروحها المعهودة كرمٌ في الضيافة، وصدقٌ في النية، ورغبةٌ في بناء علاقةٍ تتجاوز الرسمي إلى الإنساني.
اليوم، ونحن نشهد هذا التقارب بين مسقط وأنقرة، نجزم أن العلاقات العمانية–التركية تنمو اليوم على أسسٍ راسخة من الاحترام والتفاهم، وهي مرشحة لأن تكون نموذجًا للعلاقات المتوازنة على مستوى دول المنطقة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تفاصيل إعفاء العُمانيين من التأشيرة التركية المسبقة والبيان المشترك مع ختام زيارة أردوغان لسلطنة عُمان
مسقط - العُمانية
أكد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم - حفظهُ اللهُ ورعاهُ- وفخامة الرئيس رجب طيّب أردوغان رئيس جمهورية تركيا على أهمية إنشاء المجلس التنسيقي العُماني التركي ليكون إطارًا مؤسسيًّا يهدف إلى متابعة تنفيذ مذكرات التفاهم والاتفاقيات الموقّعة وتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
ونصّ البيان المشترك بمناسبة زيارة "دولةٍ" لفخامة الرئيس رجب طيّب أردوغان رئيس جمهورية تركيا لسلطنة عُمان على الآتي:
"في إطار العلاقات التاريخية المتينة والروابط الأخوية بين سلطنة عُمان وجمهورية تركيا، قام فخامة الرئيس رجب طيّب أردوغان بزيارة "دولةٍ" إلى سلطنة عُمان تلبيةً لدعوة كريمة من حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم – حفظه الله ورعاه - يومي 22 و23 أكتوبر 2025م.
عقد الجانبان خلال الزيارة جلسة مباحثات رسمية تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع مجالات التعاون بما يخدم المصالح المشتركة، مؤكّديْن التزامهما بتطوير الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين.
تمّ خلال الزيارة التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم شملت مجالات: الإعلام والاتصالات، والاستثمار، والغذاء، وتقنية المعلومات، والمنافسة ومنع الاحتكار، والصناعة، والعلوم والابتكار، والتعاون العسكري والصناعات الدفاعية، والتعدين، بالإضافة إلى اتفاقية تخصيص أرضٍ لإنشاء مؤسسة تعليمية.
أكّد الجانبان حرصهما على تعزيز التعاون التجاري والاستثماري والصناعي، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل دور اللجان المشتركة لزيادة التبادل التجاري، والإعلان عن إنشاء المجلس التنسيقي العُماني التركي ليكون إطارًا مؤسسيًّا يهدف إلى متابعة تنفيذ مذكرات التفاهم والاتفاقيات الموقعة وتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات. كما جدّد الطرفان دعمهما لمسار مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ورحّبت سلطنة عُمان بقرار جمهورية تركيا إعفاء المواطنين العُمانيين من التأشيرة المسبقة، وأعلنت عن إعفاء المواطنين الأتراك من حملة الجوازات العادية من التأشيرة المسبقة للدخول إلى سلطنة عُمان، تعزيزًا للعلاقات الثنائية وتيسيرًا لحركة الأفراد.
وأشاد الجانبان بالتعاون القائم في مجالات الثقافة والتراث والتعليم العالي، وأكّدا أهمية تطوير التبادل الثقافي والفني والأكاديمي بين البلدين.
وتبادل الجانبان وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وأكّدا التزامهما بدعم الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار وحلّ النزاعات بالطرق السلمية وفق مبادئ القانون الدولي.
ورحّب الجانبان بوقف إطلاق النار في غزة، وأكّدا على ضرورة تنفيذه بشكل كامل، وشدّدا على أنّ النتائج الإيجابية التي أفرزتها مفاوضات وقف إطلاق النار ينبغي أن تُسهم في تحقيق حلّ الدولتين.
وأعرب الجانبان عن تقديرهما للجهود الحثيثة التي بذلتها كل من جمهورية مصر العربية ودولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية تركيا في مجال الوساطة، من أجل وضع حدّ للكارثة الإنسانية في غزّة وتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق سلام عادل ودائم.
وأشاد فخامة الرئيس رجب طيّب أردوغان بدور سلطنة عُمان في دعم الحوار والسلام الإقليمي، فيما ثمّن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم جهود جمهورية تركيا في دعم القضايا العربية والإسلامية.
وفي ختام الزيارة، عبّر فخامة الرئيس رجب طيّب أردوغان عن تقديره لكرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، موجّهًا دعوة لجلالة السُّلطان المعظّم لزيارة جمهورية تركيا، وقد لقيت الدعوة ترحيبًا كريمًا من جلالته /حفظه الله ورعاه".