اليمن: مراجعة شاملة للاتفاقيات مع المنظمات بعد ضبط جواسيس بعباءة العمل “الإنساني”
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
علي ظافر
تتجه وزارة الخارجية في صنعاء لإجراء مراجعة شاملة في علاقتها مع منظمات وبرامج الأمم المتحدة العاملة في اليمن، بعد تورط بعضها وبعض الموظفين لديها في أعمال تجسسية خطيرة لخدمة أجهزة استخبارات معادية للبلد.
ضمن هذا السياق أعلنت وزارة الخارجية منتصف الشهر الجاري عزمها على “إعادة النظر في الاتفاقيات الأساسية الموقعة مع المنظمات العاملة في اليمن وتعديلها” للإسهام في تثبيت أمن اليمن واستقراره وسيادته في خطوة تعكس تصاعد القلق من تسييس العمل الإنساني في منظمات أممية وتحويله إلى غطاء لأعمال استخبارية تهدد الأمن القومي لليمن لمصلحة أجهزة استخبارات إقليمية ودولية معادية.
فضيحة أممية
في خلفية الموقف، فإن خطوة وزارة الخارجية تأتي بعد أن كشف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي مطلع الشهر الجاري عن ” الحصول على معلومات قاطعة عن الدور التجسسي العدواني الإجرامي للخلايا التي جرى اعتقالها من المنتسبين للمنظمات الإنسانية” مؤكداً امتلاك “دلائل” تثبت تورط “خلية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، وعلى رأسها مسؤول الأمن والسلامة لفرع البرنامج في اليمن” ودور تلك الخلية الحساس في جريمة الاستهداف الإسرائيلي لاجتماع حكومة التغيير والبناء من خلال رصد الاجتماع وإبلاغ العدو ومواكبة الجريمة، ملمحاً إلى أن الأجهزة الأمنية ضبطت تلك الخلية وبحوزتها “أجهزة ووسائل رصد واستهداف وأجهزة تقنية لاختراق الاتصالات الوطنية وإمكانات تجسسية تستخدمها أجهزة الاستخبارات العالمية”، موجهاً أصابع الاتهام إلى الأميركي والإسرائيلي اللذين “وجدا في المنظمات الإنسانية غطاءً مهماً يحمي تلك الخلايا من الاعتقال، ويسهل تحركاتها” لممارسة المهام والدور الاستخباري المنوط بها ومن بينها “محاولة إثارة الفتن والفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي”.
هذه الحقائق والمعطيات الأولية مثلت رداً قوياً على الحملات الدعائية الأميركية والأممية التي لا تنفك تذرف دموع التماسيح أمام هذه الفضيحة المدوية، ضمن محاولات لم تتوقف إلى اليوم بهدف تشويه صورة صنعاء وتوجيه اللوم لأجهزتها، وتبرئة خلية التجسس بتصوير أنهم “عاملون في المجال الإنساني”، وقد تكون هذه التوضيحات التي جاءت مباشرة من السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، لإفهام “وسطاء إقليميين” حاولت الولايات المتحدة والأمم المتحدة الدفع بهم للتوسط والدخول على خط القضية من دون علمهم بخلفياتها.
اعتكاف وزارة الخارجية في تقييم الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة مع المنظمات الدولية، وإعادة النظر فيها، يعكس الاستجابة الوطنية السريعة للتعامل مع المستجدات والمهددات أمنياً وسياسياً لضمان تعزيز الإشراف الوطني على الأنشطة الإنسانية، والحرص على عدم تكرار جريمة بحجم استهداف حكومة مدنية في قلب العاصمة صنعاء.
صوابية الإجراء من منظور قانوني
ومن زاوية القانون الدولي يؤكد خبراء مختصون صوابية الخطوات التي اتخذتها صنعاء أو تعتزم الإقدام عليها، لأن انخراط منتسبين للأمم المتحدة ومنظماتها وبرامجها بشكل مؤكد ومثبت في أعمال تجسسية ضد الدولة اليمنية، يعد انتهاكاً واضحاً للركائز الأساسية للعمل الإنساني المتمثلة بالحياد والاستقلال والإنسانية.
واستناداً إلى قواعد القانون الدولي العام في تعليق أو تعديل الاتفاقيات، فإن لصنعاء كل الحق – وفق خبراء القانون – في تعليق أو تعديل الاتفاقيات مع المنظمات التي يثبت تورطها في أعمال تمس الأمن القومي، عملاً بمبدأ السيادة الوطنية وحق الدولة في حماية مصالحها العليا.
وتؤكد مصادر رسمية معنية أن توجهها لإعادة النظر في الاتفاقيات مع المنظمات يهدف إلى الحؤول دون تكرار التجاوزات واستغلال العمل الإنساني كغطاء للأعمال الاستخبارية، وأنها لا تستهدف التضييق على العمل الإنساني رغم أنه يُستغل في معظم المراحل لأغراض سياسية. وبالتالي فإن توجه الخارجية اليمنية يعكس الحرص على تحقيق التوازن بين السيادة الوطنية والاحتياجات الإنسانية، بحيث تلتزم المنظمات بالقوانين الوطنية وتعمل بشفافية تحت إشراف السلطات اليمنية المختصة، وهذا يتوقف على مدى التزام المنظمات بالقواعد القانونية وشفافية التعاون مع الجهات الرسمية، بعيداً عن أي أجندة خفية أو ارتباطات سياسية أو استخبارية.
الأمم المتحدة والفاعلون الدوليون: المأمول والمتوقع
ولردم الهوة الحاصلة لدى الشعب من أزمة الثقة بالمنظمات وعملها “الإنساني”، فإنه يتحتم على الأمم المتحدة الإقدام على خطوات حازمة تجاه من يتورط من موظفيها في أعمال تجسسية، تنتهك الميثاقية وتشوه سمعة الجمعية العمومية للأمم المتحدة وبشكل يصون للدولة المضيفة حقها في الأمن والسيادة، ويحفظ للمبادئ الإنسانية قدسيتها واستقلالها، وهذا هو المأمول لكنه مستبعد والأقرب للتوقع أن تواصل الأمم المتحدة وأميركا حملات الشيطنة لصنعاء، وقد تقدم على قطع تدفق المساعدات الإنسانية أكثر مما هو قائم اليوم، مع العلم أن المساعدات الإنسانية تخضع للتسييس الخارجي، وفق ما أثبتته التجربة خلال الفترة الماضية، وفي أقل الأحوال، قد يعمد الفاعلون الدوليون إلى عرقلة تدفق المساعدات والإبطاء بها، وتقطيرها كما هو حاصل تماماً في غزة؛ بهدف الضغط على صنعاء.
وفي الختام، من المفيد التأكيد بأن خطوة الخارجية اليمنية لإعادة النظر في اتفاقيات المنظمات الدولية لا تمثل مواجهة مع العمل الإنساني كما يصور البعض، بل محاولة لإعادة تعريفه ضمن إطار يحفظ السيادة اليمنية ويصون أمن البلاد ويمنع استغلال الأنشطة الإنسانية استخبارياً أو سياسياً.
وما لم تبادر المنظمات الدولية إلى سد الاختراقات وتصحيح الاختلالات ومراجعة سلوكها الميداني وتأكيد التزامها بالحياد الكامل، فإن العلاقة بينها وبين صنعاء مرشحة للتأزم بشكل غير مسبوق، وقد يكون لذلك أثر بالغ في فضح دور المنظمات على مستوى المنطقة بأسرها في حال أصرت على الخطأ وسرد المغالطات، وتوفير الغطاء للأعمال الاستخبارية القذرة.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: وزارة الخارجیة العمل الإنسانی الأمم المتحدة مع المنظمات النظر فی فی أعمال
إقرأ أيضاً:
من العمل الإنساني إلى الصراع السياسي.. الأمم المتحدة يغيّرون قواعد اللعبة مع الحوثي
أعلنت الأمم المتحدة، أنها بصدد إعادة تقييم أسلوب عملها في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، بعد سلسلة من الانتهاكات التي طالت مقراتها وموظفيها خلال السنوات الأخيرة، والتي جعلت من الصعب تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين في اليمن.
وقالت الأمم المتحدة في بيانٍ رسمي، إن الميليشيا الحوثية اختطفت اثنين من موظفيها في اليمن يوم الخميس الماضي، ليرتفع بذلك عدد موظفي المنظمة المحتجزين لدى الحوثيين منذ عام 2021 إلى 55 شخصًا.
وأوضح فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في إفادةٍ صحفية، أن حوادث الاعتقال والاحتجاز التعسفي لموظفي المنظمة الأممية "تضاعفت بشكل مقلق"، مؤكداً أن هذه الممارسات تعرقل بشدة قدرة الأمم المتحدة ووكالاتها على الوصول الإنساني إلى ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
وأشار المسؤول الأممي إلى أن الحوثيين اتخذوا، منذ عام 2021، سلسلة من الإجراءات العدائية ضد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في اليمن، شملت اقتحام واحتلال عدد من المقرات التابعة لها، والاستيلاء على أصولها وممتلكاتها، إضافة إلى حملات اختطاف ممنهجة استهدفت موظفين محليين ودوليين.
وتأتي هذه التطورات في وقتٍ تشهد فيه مناطق سيطرة الحوثيين تدهورًا متزايدًا في البيئة الإنسانية، حيث تتعرض وكالات الإغاثة الدولية لضغوطٍ متصاعدة، تشمل فرض قيودٍ على تحركاتها، ومراقبة أنشطتها، وتقييد منح تصاريح السفر والتنفيذ الميداني للمشاريع الإنسانية.
وأكدت مصادر دبلوماسية في صنعاء أن الميليشيا تستخدم ملف المنظمات الدولية كورقة ضغط سياسية لابتزاز المجتمع الدولي، في محاولة لانتزاع اعترافٍ سياسي غير مباشر بسلطتها، عبر فرض شروطها على آلية العمل الإنساني، والتحكم في مسار المساعدات.
وفي خطوةٍ وُصفت بأنها محاولة لتصعيد الجهود الدبلوماسية، أعلنت الأمم المتحدة تعيين الدبلوماسي الفلسطيني معين شريم، النائب السابق للمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، لقيادة وتعزيز الجهود الرامية إلى تأمين إطلاق سراح الموظفين المختطفين ومنع أي اعتقالات مستقبلية.
ويرى مراقبون أن تكليف شريم بهذه المهمة يعكس جدية الأمم المتحدة في معالجة الأزمة المتفاقمة مع الحوثيين، خاصة في ظل الانتقادات الدولية التي تواجهها المنظمة بشأن "تساهلها" مع الميليشيا واستمرارها بالعمل في بيئةٍ توصف بأنها "الأسوأ عالميًا من حيث الأمان الإنساني".
وحذّرت منظمات إنسانية من أن استمرار تصاعد الانتهاكات الحوثية قد يدفع الأمم المتحدة إلى تقليص عملياتها في مناطق سيطرة الميليشيا، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات الأممية في الغذاء والدواء والمأوى.
ويرى محللون أن موقف الأمم المتحدة الحالي يعكس تحولًا في نهج المنظمة، من سياسة "الانخراط الصامت" مع الحوثيين إلى نهجٍ أكثر حزمًا، بعد أن بلغت الانتهاكات مستويات غير مسبوقة تمس كرامة وحرية العاملين في المجال الإنساني.
وتصاعدت المخاوف من أن تكون استراتيجية الحوثيين في احتجاز موظفي الأمم المتحدة جزءًا من سياسةٍ أوسع تهدف إلى فرض السيطرة الكاملة على العمل الإنساني في اليمن، وتحويله إلى أداة نفوذ سياسي ومالي. وفي المقابل، تواجه الأمم المتحدة اختبارًا صعبًا بين التمسك بوجودها الميداني لمواصلة تقديم المساعدات، وبين الحفاظ على أمن موظفيها واستقلالية عملها الإنساني.