آخر تحديث: 27 أكتوبر 2025 - 9:44 ص  بقلم: سمير عادل عيّنت إدارة ترامب مبعوثًا أمريكيًا إلى العراق، على غرار المبعوثين الآخرين ستيف ويتكوف المكلّف بملف وقف الحرب في غزة وأوكرانيا، وتوم براك المكلّف بتعويم نظام أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقًا) وتأهيله في سوريا والمنطقة والعالم، ومورغان أورتاغوس المكلّفة بنزع سلاح حزب الله في لبنان وإعادة لبنان إلى محيطها بعيدًا عن النفوذ الإيراني.

ويُعدّ هذا التعيين، ولأول مرة في تاريخ الإدارات الأمريكية، خطوة غير مسبوقة من حيث عدد المبعوثين إلى الشرق الأوسط، ما يعكس وجود ملفات شائكة تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى إعادة دورها الإقليمي، وتعزيز نفوذها، وإعادة تموضعها في المنطقة. إن إدارة ترامب تحاول اليوم ترميم مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي استراتيجية دشّنت ملامحها بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وتحوّلت إلى استراتيجية أمريكية جديدة بعد السابع من أكتوبر 2023، يوم أطلقت حركة حماس عمليتها العسكرية ضد إسرائيل في غلاف غزة. وقد أطلق عليها الكاتب توماس فريدمان الديمقراطي في مقاله المعنون “عقيدة بايدن” المنشور في بداية شهر شباط/فبراير عام 2024 في صحيفة نيويورك تايمز، وهي الاستراتيجية التي تحاول إدارة ترامب اليوم بلورتها مجددًا، بالرغم من أن ترامب ينسب الفضل لنفسه في وضعها، عبر وضع عنوان جيد لها “السلام عبر القوة” لقد أدّى التراجع الذي فُرض على النفوذ الإيراني في المنطقة بعد الهزيمة العسكرية لحزب الله، وتوقيع حركة حماس على شروط وقف إطلاق النار — الذي يمثل فعليًا إعلان هزيمتها السياسية والعسكرية بعد عامين من المماطلة على حساب دماء سكان غزة ومستقبلهم — إضافةً إلى سقوط نظام الأسد، وتداعيات الحرب الإسرائيلية–الإيرانية (بغض النظر عن المنتصر فيها)، إلى خلق بيئة إقليمية مهيّأة لإعادة تموضع النفوذ الأمريكي في المنطقة. لقد جاء ذلك بعد أن كانت الولايات المتحدة في الولاية الثانية لإدارة أوباما تخطّط لما سُمّي حينها بالانسحاب من الشرق الأوسط والتركيز على منطقة المحيط الهادئ لاحتواء خطر تمدّد الصين. إيران اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التفاوض وتقديم تنازلات كبيرة بعد أن تمّ تقزيم أجنحتها وتطويق نفوذها، أو المغامرة بمواجهة جديدة قد تؤدي هذه المرة إلى إسقاط النظام السياسي برمّته.المنطقة ما زالت حبلى بالمفاجآت غير السارة، بالرغم من المعزوفات السمفونية التي تعزف عليها إدارة ترامب بأن عصر السلام بات يحلّ على المنطقة عبر القوة الأمريكية، ومع ذلك، فإن عامل الفوضى الأمني والسياسي ما زال قائمًا ومؤثرًا، وتبقى إسرائيل أحد محركاته الرئيسية، إذ تواجه اليوم أقطابًا إقليميين جدُدًا في مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي بشّر به نتنياهو وفتح الطريق أمام بزوغ فجره، حيث لم تعد إسرائيل اللاعب الأقوى، بل أضعف أحد القطبين الرئيسيين إلى جانب إيران. إن وجود أربعة مبعوثين للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط — ومن بينهم تعيين سافيا مبعوثة إلى العراق الذي تزامن مع وقف الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة وفرض ما سُمّي بـ “خطة ترامب” على كلٍّ من إسرائيل وحماس — يشير إلى أن الوقت قد حان لانتزاع العراق من قبضة إيران. وتعدّ هذه فرصة مناسبة تسعى واشنطن من خلالها إلى دفع النفوذ الإيراني في المنطقة خطوة أخرى إلى الوراء. الحق يُقال إن الجناح الموالي لإيران في العراق نجا بأعجوبة من تداعيات الحرب بين محور حلفاء إيران — الذي كان يُعرف بمحور “المقاومة والممانعة” واختفى لاحقًا من الخطاب السياسي بعد الانكسار الكبير — وبين محور الولايات المتحدة وإسرائيل.ومع ذلك، فإن تصفية الحسابات مع هذا الجناح لم تأتِ بعد، ويأتي تعيين المبعوث الأمريكي للعراق في هذا السياق تحديدًا. غير أن مدى نجاح واشنطن في هذا المسعى سيبقى مرهونًا بتوازن القوى والمعادلات السياسية الجديدة التي بدأت تتشكل في المنطقة. من الوهم الاعتقاد أن إيران فقدت نفوذها في العراق كليًا، إلا أنه من المؤكد أنها لم تعد اللاعب الرئيسي الوحيد في المشهد السياسي العراقي. فالتهديد بسلاح الفوضى عبر ميليشياتها الولائية، والعبث بالأمن، وخلق الغوغاء السياسية، ما زال سلاحًا لا يُستهان به بيدها. وإلى جانب ذلك، هناك تركيا ولاعبون إقليميون آخرون، فضلًا عن النفوذ الأمريكي في العراق، سواء كان سياسيًا أو عسكريًا. ومع ذلك، فإن مرحلة التراجع السياسي لهذه القوى قد بدأت، وإن لم تكن نهايتها بعد. السيناريو القادم قد يشبه الوضع في لبنان، بالرغم من وجود مبعوثين أمريكيين للبنان — الأول توم براك، والثانية مساعدته مورغان أورتاغوس — وإن كان أقل قتامة، حيث قد تُفتعل حالة من الفوضى الأمنية والسياسية لتُستخدم ورقة ضغط في المفاوضات بين طهران وواشنطن. إن تعيين المبعوث الأمريكي الجديد إلى العراق يأتي في إطار مسعى حثيث لتطويق الجناح السياسي الموالي لإيران، فكلّما تمّ خنق هذه الأطراف المحلية، يشتدّ الخناق على النظام السياسي في إيران. وأخيرًا، من الخطأ الاعتقاد بأن الفوز بالانتخابات القادمة من قبل الجناح الموالي لأمريكا في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر يعني تلقائيًا القدرة على تشكيل الحكومة، بالرغم من وجود مبعوث أمريكي جديد الذي لم ولن يملك عصا سحرية، إذ أثبتت التجربة العراقية عكس ذلك.فقد أظهرت قرارات المحكمة الاتحادية العليا — التي هي جزء من الطبقة السياسية الحاكمة وتتناغم مع التوازنات الإقليمية والدولية — منذ إقصاء التيار الصدري عبر بدعة “الثلث المعطّل” بالرغم من حصوله على أغلبية برلمانية، وقبلها إبعاد قائمة إياد علاوي عام 2010 وتنصيب نوري المالكي بتحالف برلماني التفافي على الدستور — أن النظام السياسي في العراق خاضع لإرادة الميليشيات والأحزاب الإسلامية الشيعية المتجمعة في الإطار التنسيقي، والتي تمتلك إيران نفوذًا مباشرًا عليها. وتعتبر الانتخابات البرلمانية المرتقبة هي الآلية الأساسية لتحويل البوصلة رسميًا نحو الولايات المتحدة. وأكثر ما يرعب الجناح الموالي لإيران اليوم هو انحسار هيمنته السياسية بعد هزيمة حلفائه وداعميه في المحاور الإقليمية السابقة. أما التهليل والترويج لتعيين المبعوث الجديد، فليس سوى محاولة لتقديم العزاء لنفسها من قبل بعض الأطراف التي كانت تتوهم أن إدارة ترامب وإسرائيل ستعملان على إسقاط النظام السياسي في العراق وتنصيبها بدلًا منه. إن تعيين مارك سافيا مبعوثًا أمريكيًا إلى العراق ليس له أي علاقة بأصوله العراقية كما تروّج بعض وسائل الإعلام المحسوبة على المعسكر المناهض للمحور الإيراني، ولا يعني أن سماء العراق ستمطر المنَّ والسلوى كما تحاول بعض الأطراف المحسوبة على “المعارضة” الترويج لذلك — وهي أطراف تتنافس فيما بينها لتكون جسرًا لتمرير المشاريع الأمريكية في العراق، وتسعى إلى تحويل بوصلة العملية السياسية من طهران نحو واشنطن. وبعبارة أخرى، فإن تعيين مبعوث خاص للعراق لا علاقة له، على سبيل المثال وليس الحصر، بـ إلغاء المدونة الطائفية للأحوال الشخصية التي تُهين قيمة المرأة والرجل معًا، ولا بـ تشريع قانون المساواة، ولا بـ إلغاء قانون العطلات الدينية الرسمية الذي يُكرّس هوية طائفية للدولة في العراق، ولا بـ سنّ قانون للحريات النقابية يضمن حق التنظيم والتظاهر والإضراب، ولا بـ تشريع قانون يحقق الحياة الكريمة للعمال عبر التمتع بثروات البلاد، ولا حتى بـ سنّ قانون يكفل حرية التعبير أو قانون للضمان الاجتماعي يُؤمّن نحو 12 مليون شاب عاطل عن العمل.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: الولایات المتحدة النظام السیاسی الشرق الأوسط إدارة ترامب فی المنطقة إلى العراق بالرغم من فی العراق مبعوث ا ولا بـ

إقرأ أيضاً:

نائب أمريكي:حان الوقت لتحرير العراق من إيران

آخر تحديث: 10 دجنبر 2025 - 9:33 صبغداد/ شبكة أخبار العراق- قال النائب الجمهوري جو  ويلسون في منشور مطول على منصة “إكس”، “أُقدّر قيادة الرئيس ترمب ومبعوثه الخاص إلى العراق، مارك سافايا، الذي أعلن عن رغبته في إعادة بناء العراق، وأوضح للعراق أن استمرار دعم الميليشيات المدعومة من إيران لن يُقبل”، مردفا بالقول “لقد حان الوقت لتحرير العراق من إيران”، على حد تعبيره.وقرر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي تعيين مارك سافايا مبعوثاً خاصاً إلى العراق، وهو ثالث مبعوث أميركي إلى العراق، منذ بول بريمر، 2003، وبعد بريت ماكغورك، في مرحلة الحرب ضد داعش عام 2014.وسافايا، وهو رجل أعمال أميركي من أصول عراقية (كلدانية/آشورية) ينحدر من ولاية ميشيغان، برز خلال السنوات الأخيرة بدعمه حملة ترمب الانتخابية وتحركاته في أوساط الجاليات الشرق أوسطية في الولايات المتحدة. ولم يشغل مناصب دبلوماسية سابقة، ما جعل تعيينه مفاجئاً في الأوساط السياسية، لكنه حظي بتأكيد من ترمب بأنه “يمتلك فهماً عميقاً للعراق واتصالات مؤثرة في المنطقة”. وأضاف ويلسون في منشوره أن “أمام العراق فرصة للازدهار إذا غيّر سلوكه”، مشيرا إلى أن الكونغرس مستعد لدعم الرئيس ترمب بأحكام جديدة في قانون تفويض الدفاع الوطني، تشترط على العراق – ولأول مرة على الإطلاق – تقديم المساعدة لقوات الأمن العراقية باتخاذ خطوات حقيقية لوقف دعم الميليشيات المدعومة من إيران”.كما قال ويلسون إنه “لا يزال قانون تفويض الدفاع الوطني يتضمن أحكامًا كنتُ أرعاها لسنوات، تحظر توجيه أموال دافعي الضرائب الأميركيين إلى فيلق (بدر) وأي ميليشيات مدعومة من إيران”. واعتبر النائب الأميركي أن “العراق، يقع تحت السيطرة الإيرانية الكاملة، التي تُدير جيشه وقواته الأمنية التي تضم عددًا من المنظمات الإرهابية المُصنّفة مثل: كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب الإمام علي، وقضائه من خلال قضاة فاسدين مثل فائق زيدان، الذي يحكم دائمًا مع إيران، وشرطته التي تُسيطر عليها بالكامل منظمة (بدر)، ونظامه السياسي (الذي يهيمن عليه إطار التنسيق وميليشيات أخرى مدعومة من إيران)” على حد وصفه. ولفت الى أنه “مع هذه الحقائق، يتضح أنه لا يهم من يفوز في الانتخابات أو يُشكّل حكومة، فالبلاد بأكملها مُخترقة بعمق من قِبل إيران، على الرغم من أن غالبية العراقيين من جميع الطوائف يريدون دولةً حرةً ومستقلةً خاليةً من النفوذ الإيراني الخبيث”. وشدد ويلسون على أن “الكونغرس لن يستمر في إصدار شيكاتٍ على بياض إلى الأبد، و على العراق أن يغتنم الفرصة بقيادة الرئيس ترمب والمبعوث الخاص سافايا، وأن يُغيّر سلوكه قبل فوات الأوان”. ونوه النائب الأميركي في منشوره الى أنه “حان الوقت لوقف تمويل الجهات الإيرانية (مثل قوات الحشد الشعبي وغيرها من الميليشيات المدعومة من إيران، بما في ذلك المصنفة إرهابية) من خلال الميزانية الاتحادية العراقية والبنك المركزي أو عبر وزارة النفط”.“كما يتعين وقف جميع عمليات غسل الأموال والتحويلات المالية إلى إيران وعملائها. ويجب إجراء تدقيق دولي لجميع مبيعات النفط ومنتجات الوقود محليًا ودوليًا، وتدقيق جميع المؤسسات المرتبطة بالنفط، بما في ذلك وزارة النقل ووزارة النفط ووزارة الصناعة والمؤسسات التابعة لها. يجب اتخاذ إجراءات حقيقية لنزع سلاح جميع الميليشيات العميلة لإيران بشكل دائم”، وفقا لويلسون. ومضى النائب الأميركي بالقول إنه “ينبغي للحكومة العراقية والقضاء والجيش والشرطة اتخاذ قرارات سيادية نيابة عن شعبها بدلًا من الانصياع لإملاءات إيران وميليشياتها العميلة وسارقيها”.ونبّه على أنه “ينبغي للعراق مواصلة احترام أمن حكومة إقليم كوردستان، والتوقف عن السماح أو تشجيع الجهات المدعومة من إيران على مهاجمة حكومة الإقليم”.ويتعرض اقليم كوردستان إلى هجمات مستمرة سواء بالصواريخ أم بالطائرات المفخخة الانتحارية تستهدف بنيته التحتية الاقتصادية، وأخرها القصف الذي طال حقل غاز “كورمور” في نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وهو الهجوم الـ11 الذي يستهدف هذا الحقل. ويمد الحقل محطات الطاقة الكهربائية في اقليم كوردستان بالغاز اضافة الى بعض المحافظات الاتحادية القريبة من الإقليم. واختتم ويلسون منشوره قائلا، إن “الرئيس ترامب يسعى إلى بناء مستقبل يسوده السلام والازدهار، قائم على التجارة لا الصراع، لشعوب الشرق الأوسط، ويمكن للعراق أن يكون مثالاً ساطعاً على ذلك، بفضل علاقاته الاقتصادية والدبلوماسية القوية مع الولايات المتحدة والخليج وسوريا وتركيا ودول أخرى”، مشددا على أنه “لا يمكن أن يتحقق هذا إذا استمر العراق في تأدية دور دمية في يد إيران”.

مقالات مشابهة

  • العراق يدعو لاستئناف الجهود الدبلوماسية بين إيران والمجتمع الدولي
  • بري: تصريحات المبعوث الأمريكي عن ضم سوريا إلى لبنان غلطة كبيرة غير مقبولة
  • بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. موعد اجتماع البنك المركزي القادم
  • الكونغرس:تجميد 50%من المساعدات الأمريكية للعراق إلا بعد حل الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي
  • كأس العرب.. الأردن تتأهب لكسر التفوق التاريخي للعراق
  • القضاء الأعلى يوبخ مسؤولًا بعد كتاب عن إسقاط النظام السياسي في العراق
  • المبعوث الأمريكي: تركيا قادرة على المساعدة في غزة ومسار تطبيع مع إسرائيل ممكن
  • هيغسيث يتباهى بصورة له خلال الغزو الأمريكي للعراق
  • إعلام عبري: المبعوث الأمريكي يزور إسرائيل الأسبوع المقبل
  • نائب أمريكي:حان الوقت لتحرير العراق من إيران