من عظمة الفراعنة إلى ذكاء المستقبل.. المتحف المصري الكبير يعكس عبقرية مصر الحديثة
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
على مر العصور، كانت مصر تعرف العالم بنفسها عبر رموزها الخالدة: الأهرامات، المعابد، الملوك، واللغة المنقوشة على جدران الزمن. واليوم، وعلى مرمى حجر من أهرامات الجيزة يقف المتحف المصري الكبير ليجمع بين رمزية الماضي وذكاء المستقبل، بين رمسيس الثاني الذي حكم نصف العالم القديم، والذكاء الاصطناعي الذي يعيد تعريف العالم الحديث.
المتحف المصري الكبير ليس مجرد صرح أثري ضخم، بل هو رسالة مصر الحديثة إلى العالم مفادها أن الحضارة لا تتوقف عند حدود التاريخ، بل تمتد لتتفاعل مع التكنولوجيا والعلم، وتعيد تقديم ذاتها بلغة يفهمها الجيل الرقمي الجديد.
وفي قلب الردهة الكبرى للمتحف، يقف تمثال رمسيس الثاني شامخا، كما لو أنه يراقب بعينيه عصرا جديدا يولد أمامه. كان الملك العظيم يلقب بـ"الفرعون القوي" واليوم يواصل صنع المعجزات، إذ أصبح وجها لنهضة ثقافية وتقنية معاصرة..
قصة نقل التمثال من ميدان رمسيس إلى المتحف كانت حدثا عالميا، ليس فقط لضخامته، بل لما حملته من رمزية عميقة: انتقال الحضارة المصرية من الفضاء المفتوح إلى صرح حديث يجمع بين العلم والفن والتكنولوجيا.
لكن ما يدهش الزائر أكثر من ضخامة التمثال، هو كيفية عرض التاريخ من حوله؛ فالمتحف لا يكتفي بوضع القطع الأثرية في قاعات، بل يوظف تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي ليمنحك تجربة حسية كاملة؛ ترى وتسمع وتشعر وكأنك عشت في عصور الفراعنة.
وفي المتحف المصري الكبير، لا يقف الذكاء الاصطناعي على الهامش، بل أصبح أداة سردية جديدة للتاريخ. فبدلا من اللوحات الجامدة، يتفاعل الزائر مع شاشات ذكية تجيب عن الأسئلة وتروي القصص بلغات متعددة، وتحلل الملامح والنقوش لتعيد بناء المشاهد القديمة في لحظات.
ويستطيع الزائر أن يقف أمام تمثال لحتشبسوت، ليسألها عبر شاشة تفاعلية "كيف حكمتِ مصر كرجل؟"، فيجيبه صوت أنثوي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، مستندًا إلى نصوص تاريخية ونقوش أصلية، في تجسيد لكيفية استخدام التكنولوجيا في خدمة الذاكرة، حيث يصبح التاريخ حيا ومتنفسا، لا مجرد ماضي صامت.
كما يستخدم المتحف خوارزميات متقدمة لتحليل آلاف الصور ثلاثية الأبعاد، ما يساعد الباحثين على ترميم الآثار رقميا قبل التعامل مع الأصل المادي، لتقليل مخاطر التلف، أي أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد وسيلة عرض، بل بات شريكا فعليا في صون التراث.
ومنذ لحظة دخول الزائر إلى المتحف، يرافقه الذكاء الاصطناعي في كل خطوة: من حجز التذاكر إلكترونيا بتقنية التعرف على الوجه، إلى نظام توجيه ذكي يقترح له مسارا شخصيا وفق اهتماماته، فإذا كان يهتم بالطب في مصر القديمة سيقوده التطبيق إلى قاعة المومياوات الطبية، وإذا كان يفضل الفن والنقوش سيأخذه إلى قاعات الرسوم الجدارية المبهرة.
وفي نهاية الجولة، يمكن للزائر إنشاء بطاقة رقمية تذكارية بصورته إلى جوار أحد الملوك أو داخل قاعة العجائب، ليخرج لا بذكرى فقط، بل بتجربة تفاعلية محفورة في ذاكرته.
بهذا المزج الفريد بين الحضارة الفرعونية والذكاء الاصطناعي، تقول مصر للعالم إنها لا تكتفي بأن تكون مهد الحضارة، بل أيضا مختبر المستقبل الثقافي، فالمتحف المصري الكبير ليس مجرد مزار سياحي، بل مركز أبحاث وتطوير متكامل، يجمع العلماء والمهندسين وخبراء التراث في مشروع واحد هدفه جعل الماضي بوابة إلى المستقبل.
في هذا المكان، لا يتقابل القديم والجديد في صراع، بل في حوار حضاري راق، فالمتحف المصري الكبير يعيد تعريف علاقة الإنسان بالماضي، ويجعل من التكنولوجيا وسيلة للتقريب لا للتجريد، كما يعكس صورة مصر الحديثة كدولة تجمع بين الأصالة والتجديد، وبين جلال الحضارة القديمة ونبض المستقبل الرقمي، ليصبح المتحف دليلا على ميلاد مصر الجديدة.. مصر التي تعرف كيف تحاور ماضيها بعقل المستقبل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأهرامات المعابد الذكاء الاصطناعي المتحف المصری الکبیر الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
غرفة شركات السياحة عن افتتاح المتحف المصري الكبير: مصر أم الحضارات
قال مجدي صادق، عضو غرفة شركات السياحة، إن المتحف المصري الكبير يُعد أحد أبرز المشاريع الثقافية في تاريخ مصر الحديث، موضحًا أنه كان من المقرر افتتاحه عام 2012، إلا أن الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد بعد ثورتي يناير ويونيو تسببت في تأجيل هذا الافتتاح.
وأضاف صادق، خلال لقاء في برنامج "كل الأبعاد"، المذاع على قناة "إكسترا نيوز"، وتقدمه الإعلامية هدير أبو زيد، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أولى اهتمامًا بالغًا بالثقافة وبالمتاحف المصرية، مشيرًا إلى أن الدولة نجحت في إبراز عظمة الحضارة المصرية من خلال عدد من الفعاليات العالمية، أبرزها موكب المومياوات الملكية الذي نقل الملوك من متحف التحرير إلى متحف الحضارة، واحتفالية طريق الكباش بين معبدي الأقصر والكرنك، وهي أحداث ما زالت راسخة في أذهان العالم.
وأكد أن المصريين يشعرون بالفخر مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير، لأنه يمثل رمزًا لتاريخ أجدادهم الذين أسسوا أولى الحضارات الإنسانية، قائلاً إن "مصر هي أم الدنيا لأنها أم الحضارات".
وأوضح أن الفرق بين الحضارة والتاريخ يكمن في أن الحضارة هي التحضر وصناعة الأدوات التي تساعد الإنسان في حياته اليومية، مشيرًا إلى أن القطع المعروضة في المتحف — مثل الفأس اليدوية التي تعود إلى نحو 700 ألف عام — تؤكد أن المصري القديم كان أول من أسس حضارة على وجه الأرض.
وختم صادق حديثه بالإشارة إلى أن التاريخ الفعلي بدأ مع الملك العقرب نحو عام 4000 قبل الميلاد، ثم توحدت مصر العليا والسفلى عام 3200 قبل الميلاد، لتبدأ بذلك أقدم حضارة مدونة في التاريخ الإنساني