الأمهات.. الجندي المجهول في التعليم
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
فايزة بنت سويلم الكلبانية
faizaalkalbani1@gmail.com
“أمي، عندي واجب عربي وعلوم ورياضيات اليوم!”
“أمي، لازم أصور فيديو وأنا أقرأ القصيدة قبل الساعة سبع!”
“أمي، المعلمة كتبت في الجروب لازم ندخل المنصة ونحل الاختبار الآن!”
هكذا تبدأ مساءات الكثير من البيوت، صراخ خفيف يتسلل بين أكوام الدفاتر، وأجهزة تفتح وتغلق، وأم تحاول جاهدة أن توازن بين إعداد العشاء، ومتابعة المنصات، وحل الواجبات، وتهدئة طفل يبكي لأنه تعب من كثرة المهام.
لقد تحوّلت الأمهات في السنوات الأخيرة إلى معلمات رديفات، يتحملن عبء المتابعة اليومية لتعليم أبنائهن، في ظل تزايد الواجبات المدرسية وكثرة الطلبات من المعلمات، والاعتماد الكبير على المنصات الرقمية والاتصال المستمر عبر التطبيقات. هذا الضغط لا يرهق الأمهات فقط، بل يمتد إلى الأطفال أنفسهم الذين يعيشون حالة من الإنهاك الدراسي، ما بين الواجبات المتلاحقة، والتعليمات المستمرة، وقلة الوقت المخصص للعب والراحة. فالطفل يحتاج إلى مساحة للتنفّس، للعب والترفيه، حتى يستعيد نشاطه النفسي والعقلي، لأن التعلم الحقيقي لا يزدهر تحت وطأة الإجهاد والملل.
تتفاقم الأزمة أكثر حين تكون الأسرة تضم أكثر من طفل، فلكل واحد منهم واجبات مختلفة، ومنصة مختلفة، ومواعيد تسليم متباينة. ومع قلة الأجهزة أو ضعف الاتصال بالإنترنت، تجد الأم نفسها أمام معادلة مستحيلة: كيف تتابع الجميع في الوقت نفسه؟ البعض يضطر لتناوب الأبناء على استخدام جهاز واحد، فيما تضيع ساعات طويلة بين تسجيل الدخول، وتحميل الملفات، ومراجعة الدروس.
ولا تكمن المشكلة فقط في كثرة الواجبات؛ بل في الاعتماد شبه الكامل على الأمهات لتنفيذ المهام، وكأنهن جزء من الطاقم التعليمي؛ فمجموعات “الواتساب” التي أنشئت لتسهيل التواصل، تحولت إلى ساحة ضغط يومي؛ حيث تتدفق عشرات الرسائل في اليوم الواحد تتضمن تعليمات وتصحيحات وملاحظات، مما يزيد الإرهاق الذهني للأمهات ويخلق شعورًا مستمرًا بالتقصير.
ومع أن التعليم الرقمي يمثل نقلة نحو المستقبل، إلّا أنه كشف فجوة واضحة في الجاهزية التقنية والوعي باستخدام المنصات. فالكثير من الأمهات لا يمتلكن المهارات التقنية الكافية أو الوقت الكافي لتعلّمها، مما يجعل التجربة مرهقة ومعقدة. وهنا تبرز الحاجة إلى برامج توعوية وتدريبية موجهة للأمهات تساعدهن على التعامل مع التعليم الإلكتروني بكفاءة وطمأنينة.
إن الأزمة الحالية تتطلب حلولًا عملية، تبدأ من إعادة النظر في آليات التواصل بين المدرسة والأسرة، وتخفيف حجم الواجبات اليومية لتصبح وسيلة لترسيخ المفهوم لا لاستهلاك الوقت والطاقة. كما يجب أن تتبنى المدارس أساليب أكثر مرونة وعدالة في استخدام المنصات الرقمية، مع مراعاة تفاوت قدرات الأسر المادية والتقنية.
الأم ليست معلمة بديلة؛ بل شريكة في التربية والرعاية. ودور الأسرة يجب أن يبقى مُكمّلًا لا بديلاً عن المدرسة. أما الطفل، فهو ليس آلة لإنجاز المهام، بل عقل صغير يحتاج إلى وقت للعب والراحة والإبداع. إن إنصاف الأمهات وتخفيف العبء عن كاهلهن هو الخطوة الأولى نحو تعليم أكثر إنسانية وتوازنًا، يعيد للتعلّم معناه الحقيقي، وللأسرة استقرارها وسكينتها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
باسم يوسف: "السوشيال ميديا سلبتنا خصوصيتنا.. وبقينا سجناء المنصات"
تحدث باسم يوسف، خلال الحلقة الرابعة والأخيرة من لقائه في برنامج «كلمة أخيرة» مع الإعلامي أحمد سالم على قناة ON، عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك الإنسان ومفهوم الحرية، مشيرًا إلى أن المستخدمين أصبحوا يعيشون داخل "سجن رقمي" دون أن يشعروا بذلك.
وقال: «السوشيال ميديا ليها مميزات عظيمة، بس بندفع تمنها من حريتنا.. إحنا بقينا سجناء الديجيتال».
ودعا يوسف المشاهدين إلى التفكير في كيفية تغير علاقتهم بالسوشيال ميديا خلال السنوات الأخيرة، قائلاً: «كام مرة اتحظرت أو قل الريتش بتاعك عشان كتبت أو شيريت حاجة؟».