دعوة لإصلاح الأمم المتحدة في عامها الثمانين
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
ترجمة ـ بدر بن خميس الظّفري
بينما تحتفل منظمة الأمم المتحدة هذا العام بالذكرى الثمانين لتأسيسها، تتجدّد الدعوة إلى الفخر بما أنجزت، وإلى التأمل العميق فيما ينبغي إصلاحه فيها. فقد وُلدت هذه المنظمة من رحم الحروب، لتصبح أعظم تجربة إنسانية في الأمن الجماعي. ويمثل دورها في ترسيخ نظام عالمي مستقر بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال تشجيع الحوار والحفاظ على السلام، إرثًا يحقّ للبشرية أن تعتز به.
قال الأديب الفرنسي فيكتور هوغو: حتى أحلك الليالي ستنتهي، وسيشرق الصباح.
وهكذا، من بين أنقاض الحرب العالمية الثانية، وُلدت المنظمة الدولية التي أصبحت المحرك الأساسي للسلام. ففي قاعة مسرح هيربست بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، وقّع ممثلو 50 دولة ميثاق الأمم المتحدة في 26 يونيو 1945، ودخل حيّز التنفيذ في 24 أكتوبر من العام نفسه، بهدف تجنّب ويلات الحروب. وقد أرادت الدول المنتصرة في الحرب إنشاء نظام للتعاون الدولي يضمن السلم والأمن الجماعيين. ومن أجل ذلك، أُسندت مسؤوليات محورية في مجلس الأمن إلى 5 دول هي: الصين وفرنسا وروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقًا) والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، لتفادي فشلٍ مماثل لعصبة الأمم السابقة.
يرتكز ميثاق الأمم المتحدة على مبدأ أساسي ينصّ على أن يمتنع جميع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن التهديد بالقوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي. كما يهدف إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون تمييز على أساس العِرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.
وخلال الثمانين عامًا الماضية، لا شك أن العالم تنفّس الصعداء ونعم بالاستقرار نسبيا بفضل وجود الأمم المتحدة. فقد منعت المنظمة، من خلال الدبلوماسية والوساطة وقوات حفظ السلام، العديد من الأزمات الإقليمية من التحول إلى حروبٍ عالمية.
كما أسهمت بعثاتها الميدانية في تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في دولٍ مزّقتها النزاعات. وكانت وكالاتها الإنسانية، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وبرنامج الأغذية العالمي، شريان حياةٍ للملايين من المحتاجين. وما يزال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمثابة البوصلة الأخلاقية، في حين توفّر أهداف التنمية المستدامة إطارًا مشتركًا تتعاون من خلاله الدول من أجل مستقبل أفضل.
لكن موقع المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، الذي اختير عام 1945 اعترافًا بمكانة الولايات المتحدة آنذاك، أصبح اليوم مصدرًا للجدل والتوتر؛ فاستغلال الدولة المضيفة لهذا الوضع، عبر فرض قيودٍ على التأشيرات أو ممارسة ضغوطٍ سياسية، يقوّض مبدأ العالمية الذي تقوم عليه المنظمة. وقد بدا ذلك واضحًا خلال الإدارة الأمريكية الحالية التي تتبنى موقفًا متشككًا تجاه التعددية، ما يعكس فجوة مقلقة بين الدولة المضيفة والروح الأصلية التي أُنشئت الأمم المتحدة لتجسيدها.
لهذا، لم يَعُد كافيًا إجراء إصلاحاتٍ سطحية أو جزئية. فالعالم بحاجة إلى دعم النظام الدولي القائم على الأمم المتحدة، مع الدفع نحو إصلاحٍ جريءٍ وشامل؛ فالهياكل التي صُممت للقرن العشرين لم تعد قادرة على استيعاب طموحات القرن الحادي والعشرين. علينا أن ندرك إلحاح هذه الحاجة للتغيير، وأن نتحلّى بالشجاعة للمبادرة.
ينبغي للأمم المتحدة أن تُظهر التزامًا أقوى بـتعدديةٍ أكثر شمولًا وعدالة، تمنح دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية إحساسًا أكبر بالملكية والمسؤولية في النظام الدولي. فهذه الشمولية ليست خيارًا، بل ضرورة لمستقبل المنظمة وقيمة إنسانية ينبغي التمسك بها.
ومن خلال هذا الانفتاح، يمكن للأمم المتحدة أن تستعيد شرعيتها الأخلاقية وقدرتها على مواجهة تحديات العصر. إن أطراف العالم التي كانت على الهامش عام 1945، يجب أن تصبح في قلب النظام العالمي عام 2025، إذا أرادت المنظمة أن تبقى ذات صلةٍ وتأثير.
بعد 8 عقود، تقف الأمم المتحدة عند مفترق طرقٍ حاسم.
إن إنجازاتها الماضية تستحق الاحترام، لكنها لا يجب أن تتحول إلى عائقٍ أمام التطوير المطلوب. وللحفاظ على روح سان فرانسيسكو ـ روح السلام والعدالة والعمل الجماعي ـ لا بدّ للعالم من التحلّي بالشجاعة لقبول التغيير الجذري. ومن خلال تمثيلٍ أوسع، وشمولٍ أعمق، ونهضةٍ رمزية جديدة، يمكن للأمم المتحدة أن تستعيد رسالتها الجوهرية وتؤدي دورها الحيوي في القرن الحادي والعشرين.
ماركوس دي فريتاس أستاذ زائر في جامعة الشؤون الخارجية بالصين، وزميل أول في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد.
عن صحيفة تشاينا دايلي (الصين اليوم)
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأمم المتحدة للأمم المتحدة من خلال
إقرأ أيضاً:
“قادربوه” يشارك في مراسم توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية في فيتنام
الوطن | متابعات
شاركت ليبيا، ممثلة في رئيس هيئة الرقابة الإدارية “عبد الله قادربوه” والوفد المرافق له، في مراسم توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية التي استضافتها العاصمة الفيتنامية هانوي خلال يومي 25 و26 أكتوبر 2025.
وشهد مراسم التوقيع رئيس جمهورية فيتنام الاشتراكية “لوونج كونج”، والأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، والمديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الدكتورة “غادة والي”، إلى جانب رؤساء الهيئات ووفود الدول المشاركة في المؤتمر.
وشارك خبراء من هيئة الرقابة الإدارية الليبية ضمن لجنة الخبراء الحكومية الدولية المعنية بوضع الاتفاقية موضع التنفيذ، والتي تُعد أول إطار قانوني دولي شامل لمواجهة التهديدات الإلكترونية والجريمة العابرة للحدود في الفضاء الرقمي.
وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الاتفاقية في 24 ديسمبر 2024 بموجب القرار رقم 79/243، ووقّعت على الاتفاقية أكثر من 60 دولة بهدف تعزيز الجهود الدولية لمنع ومكافحة الجريمة السيبرانية بفعالية أكبر، خصوصًا في مجالات تبادل الأدلة الإلكترونية، وتطوير التعاون الدولي، وتيسير المساعدة التقنية وبناء القدرات، لاسيما لصالح الدول النامية.
الوسومالأمم المتّحدة عبدالله قادربوه فيتنام ليبيا مكافحة الجريمة السيبرانية